الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / على حساسيتها: ليست مجرد أعراض بل “عِرضُ” أمةٍ بطولها وعرضها

على حساسيتها: ليست مجرد أعراض بل “عِرضُ” أمةٍ بطولها وعرضها

على حساسيتها: ليست مجرد أعراض بل “عِرضُ” أمةٍ بطولها وعرضها

وطن لِ 14 آذار X 24

3 تشرين ثاني 2010

عادل سمارة

لم نكن لنتوقع كل ذلك الغضب من السيد المتماسك حسن نصر الله إثر اعتداء المحققين الغربيين (فرنسيين واستراليين) على حرمة عيادة نسائية في الضاحية الجنوبية. خُيِّل لنا أن المسألة كانت الحدث الأول من نوعه، وعليه ربما كان بالوسع طويه مع توجيه نقد أو لوم.

لكن المقابلة التي أجرتها فضائية المنار مع السيد علي عمار من كتلة الوفاء للمقاومة يوم الأحد 31 أكتوبر كشفت أموراً تؤكد أن مكتب المحققين الدوليين ليس سوى قاعدة تجسس بمساحة لبنان بأكمله، نعم أبعد من وكر “شملان الرهيب” بكثير، وأكدت أن من هم أمامنا ليسوا محققين دوليين بل مركز تجسس معولم؟ وأن المطلوب ليس كشف مقتل الحريري بل قتل لبنان، وغير لبنان، بل الوطن العربي بأجمعه.

وكشفت أن أعداداً لا تحصى من اللبنانيين قد أُستدعوا للتحقيق وهم من فئات وتخصصات وطبقات وطوائف متعددة. واتضح أن السلطة التي مُنحت لهؤلاء المحققين لم تكن لتُمنح للدولة اللبنانية نفسها.

فحينما تصل استدعاءات المحققين إلى بائع الخضار الذي تشتري منه أسر المقاومين حاجاتهم أو سائقي سيارات الحصى والرمل اللذين يشترون منهم. إنا لنعجب، ما هي القوة التي توفرت لهؤلاء المحققين حتى يطلبوا هؤلاء الناس وكيف يمتثل هؤلاء الناس لهذه الاستدعاءات؟ ألا يعني أن هؤلاء كانوا فوق الدولة اللبنانية؟ ألا يؤكد هذا أن فريق 14 آذار هو “وحده” الذي يحكم لبنان، وأن مزاعم تخطيط حزب الله للوصول إلى السلطة ليست سوى تغطية على جرائم وخيانات 14 آذار؟ يبدو أن هناك تبليغاً لكل مواطن لبناني بأن يمتثل لهؤلاء المحققين/المخبرين كما أكد السيد حسن نصر الله. ألا يستدعي هذا الإذلال للشعب اللبناني أن نستذكر: “وا معتصماه، وا ذلاَّه لتغلب- ليعرب”. ألم نسمع مقولة إفريقيا منذ عقود: “إنقلع يا ذا العيون الزرق”.

يوضح هذا أن لدى المحققين خريطة بتفاصيل حياة الناس، خريطة قُدِّمت لهم ولم يتكلفوا حتى عناء رسمها وإنتاجها[1]. وهذا يضعنا أمام احتمالين:

* إما أن كافة المجتمع اللبناني ظنيناً بقتل الحريري

* أو أن الغرض هو إجراء مسح شامل للبلد خدمة لأهداف أميركية صهيونية كي تجعل من لبنان المحتل قاعدة لانطلاق “شرعي” ضد الأمة العربية بدءا باستباحة دم المقاومة في لبنان.

ولو كان للمرء أن يُفاضل بين الاحتمالين، فالثاني راجح لا محالة. وليس السبب في كون اللبنانيين الشرفاء براء من القتل، وليس لأن الرجل كان بكل هذه العظمة بحيث ينشغل العالم بمصرعه، وليس لأنه الضحية الوحيدة في التاريخ، وليس حتى لأنه مقاول/مضارب معولم كذلك، بل لأن مصرع رجل مهما علا شأنه لا يمكن أن يقود إلى اتهام مجتمع واختراق حرماته السياسية والمدنية والنسوية والأخلاقية هكذا كما حصل.

لماذا عيادة نسائية؟

لا يخلو اقتحام عيادة نسائية من هدف البحث عن معلومات عن المقاومة رجالا ونساءً. ولكن ربما ليس هذا هو المكان المتوفر على معلومات كهذه. إنما ينطوي هذا الغزو على خلفيات متعددة منها: هوس الغربي لما وراء الحجاب، وهدف الأبيض لخرق حرمة الشرق، ورغبة الصهيوني في استفزاز محافظة المسلم على عرضه، وإيذاء السيدات اللواتي يفهمن ما معنى العفاف.

ألم يقل نزار قباني في جميلة بوحيرد:

إمرأة من قسنطينة

لم تعرف شفتاها الزينة

لم تعرف كنساء فرنسا[2]

بيت اللذة في بيجال

على وقاحة العرق الراسمالي الأبيض ونصف الأبيض، لم يكن لعملاء الغرب والصهيونية أن يدخلوا لبنان ويتبنوا الحريري لو لم يركع أمام سادتهم فريق 14 آذار. وهم إذ يفعلوا ما يفعلون، لأنهم جُلبوا بهدف الاستباحة وهذا دورهم وهي مهمتهم.

ولكن، يبدو أن الأخطر من هذا كله كامن في نقطتين اساسيتين:

أولاهما: الوصول إلى نقطة لم تتنبه لها المقاومة بمعنى أن على المقاومة أن تعلم بأن العدو يستهدف حتى أضرحة الشهداء.

وثانيتهما: من يدري إن كان المحققين البيض أو نصف البيض أو حمر الرقاب أو حتى الحنطيين ليسوا من تل أبيب؟ ألم يكونوا في العراق لسنوات يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل، بل يزرعون ذلك الدمار؟. بهذا أو ذاك كل شيء يصل تل أبيب.

ولكن، لماذا التركيز هكذا على لبنان؟ واضح أن الهدف هو استئصال المقاومة. فمجرد وجود، فما بالك، انتصار المقاومة في لبنان أصابهم بالذهول. لا شك أنهم رأوا دم مصالحهم يسيل على أسنَّة الرماح! ألا يستدعي هذا جنونهم!

كان لبنان وأرادوا له أن يظل مثابة “إسرائيل الثانية” أي قاعدة التجسس على الوطن العربي بعمومه، ومن ناحية اقتصادية مثابة اقتصاد كازينو وخدمات أخرى. وهذا ما أقنع المركز الرأسمالي الأبيض بعدم السماح بقيام دولة مارونية (للعملاء من الموارنة) شبيهة بالكيان، لأن لا حاجة لإسرائيل “لنصف أو لقشرة طائفة” بجانب إسرائيل، بل الحاجة لإسرائيل بإهاب عربي مكتمل الطوائف، وهذا ما يتضح من الدور السعودي في لبنان لصالح المشروع الراسمالي الغربي وعبر 14 آذار. إذن المطلوب غطاء عربي للبنان المتصهين إلى جانب الكيان كقاعدة عسكرية ولاحقا تكنولوجية للمنطقة باسرها.

14 آذارX 24!

نعم، هناك 14 آذار في كل قطرية عربية، وربما أكثر بعد البدء بتطبيق الطبعة الجديدة ل “فرق-تسد”، طبعة تفكيك/تذرير كل قطرية عربية من داخلها. كانت سوريا الطبيعية هي الأولى التي جرت تجزئتها من الداخل إلى أربعة أجزاء، وكان الهدف أكثر. وربما لهذا السبب كانت طليعة الحراك القومي العربي في سوريا.

وبمعزل عن القدرة على إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد أو إعاقته، فليس لنا الحق بالشعور بالاطمئنان. فالمشروع يتقدم بوضوح، بغض النظر عن قدرة المقاومة والممانعة وحتى الإعاقة الشعبية السلبية على عرقلته هنا أو هناك مما يضطره للتركيز هنا والتخفيف هناك. بل هو يفتح معارك وجبهات متعددة في آن ويستخدم وكلائه في كل مكان إلى درجة النيابة عنه.

لقد غدت الدولة القطرية اليوم غير ما كانت بدايتها إبان سايكس-بيكو. آنذاك خُلقت من روث المرحلة، أما اليوم، فلها جيشها ومخابراتها ونظامها واقتصادها ورايتها ونشيدها وتبعيتها وقمعيتها…الخ، لذا، بوسعها النيابة عن المركز في أمور كثيرة أهمها تفكيك نفسها وغيرها! أليس هذا عجيباً، نفسها! نعم نفسها؟ وإلا ما معنى إصرار 14 آذار على تخريب لبنان وتفكيكه!

هذا المشروع قادر على التحرك الواضح في لبنان، كما أنه يتحرك في معظم القطريات العربية أل 24 بنفس الوضوح وبشكل سري في بلدان الممانعة. هناك 24 طبعة من 14 آذار في الوطن العربي وهي تفرخ من جديد.

في اليمن

ليس مقصدنا مسحاً لما يُدار من عدوان مفتوح ضد الوطن العربي بأسره، من العراق إلى السودان إلى الصومال إلى مصر إلى المغرب…الخ. ويكفي بعض الإشارات إلى اليمن.

توضح تجربة اليمن محدودية النظام التابع. فلكي تتم تصفية بقايا التجربة السوفييتية كان لا بد من تحريك اليمن الشمالي لاقتلاع نظام اليمن الجنوبي تحت شعار الوحدة. ومن الذي يمكنه رفض الوحدة؟ وكان لا بد من دور للسعودية يبدو كأنه داعم لليمن الجنوبي آنذاك؟ فأية قدرة على المناورة.

لكن تحالف رعاة الغنم مع رعاة البقر لا يمكن أن يصب في وحدة داخلية لأي قطر عربي، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح ببقاء اليمن متحدا حتى تحت قبضة نظام علي عبد الله صالح الذي خلق مبررات الانفصال سواء في الشمال نفسه أو في الجنوب. فأنظمة التبعية والوكالة لا تستطيع خلق عوامل الوحدة والمواطنة، لأنها أنظمة تدرك أنها عابرة. أما المركز الإمبريالي فما يهمه هو التفكيك حتى من تحت إبط أدواته، وها هو قد بدأ[3].

وفي اليمن، لا يبقى الأمر يمنياً بل ليس هدفه هكذا، فلا بد من توظيف الجزيرة كلها في خدمة مشروعين معاً:

المشروع الأول: المشروع الاستراتيجي وهو تفكيك كل قطر إلى أقطار. ويكفي هنا أن ندرك أن اليمن هو الدولة العربية الوحيدة في الجزيرة التي يمكن (من ناحية سكانية) تسميتها عربية. ولذا، فاستقرارها يمكن أن يلعب دورا في تعريب بقية الجزيرة. وتعريب الجزيرة يعني تعريب النفط، لذا لم تُقبل في مجلس التعاون الخليجي، كما لم يُقبل العراق وهو نفطي!. فهل يمكن للمركز الراسمالي أن يغض الطرف عن بقاء اليمن موحداً حتى تحت نير التبعية؟

ومن يتأكد أن هذا الظام مؤبداً؟ فلماذا لا يبادر المركز بتفكيكه باكراً ما أمكن؟

فاليمن القريب من منابع النفط يجب أن يدمر، هذا ما جرى عام 1963 حيث جرى تجنيد السعودية للإطاحة بالجمهورية الجديدة، وهو الأمر الذي استنزف مصر الناصرية التي كان لا بد من تدميرها طالما اقتربت قواتها، بدخولها اليمن، من منابع النفط ولذا كان عدوان 1967.

وللتغطية على تجنيد الخليج بل الجزيرة كلها لتوسيع الحرب في اليمن، ولتلعب هذه الأنظمة دورأ كما يريده الغرب وخاصة الولايات المتحدة، كان لا بد من اللجوء لإرهاب أوباما على طريق إرهاب بوش.

ليس هذا مقام مناقشة دقة أو هشاشة قصة الطرود الأخيرة. تكفي الإشارة إلى نقطتين:

الأولى: أن سلطة المطارات اليمنية قد أعلنت منذ اليوم الأول أن اية طائرة في الاتجاه الذي جرى الحديث عنه لم تُقلع من اليمن. ونعتقد أن عدد الطائرات في اليمن ربما بعدد اصابح اليد الواحدة، فلا مجال للتوهان! لكن الرئيس اليمني حين أُمر، نهض وأرغى وأزبد ضد “الإرهابيين” وأكد ما زعمه الأميركيون والغرب عامة.

والثانية: كيف بقدرة قادر سوف يُرسل رجل يمني طردا على طائرة مخصصاً لكي يُحمل من مطار شيكاغو ليتم زرعه في كنيس يهودي في مدية شيكاغو التي عرضها عرض السماوات والأرض! وهل مشكلة ذلك اليمني هي مع كنيس! أم أن شروط اللعبة أن تكون صهيونية/اميركية؟

والمشروع الثاني: وهو الآني والعاجل، فلا بد من إغراق المنطقة في حرب ضروس يكون وقودها ما ترسب في جيوب حكام النفط من سيولة مالية ليشتروا بها اسلحة لمقاتلة “الإرهاب”. ما تعوزه الولايات المتحدة اليوم هو سيولة مالية لا حدود لها لإطفاء عجزها ورشوة مواطنيها. والمال هناك في الخليج والجزيرة.

قد يقول قائل، لكن السعودية ليست بحاجة لإثارة “نخوتها” فقد تعاقدت على صفقة ب 60 مليار دولار. لا بأس، لكن هذه بالتقسيط وليست كل شيء. فطالما هناك أموالا، وهناك حاجة لها فلا بد من اختراع قنوات لذلك. وفي أعقاب السعودية تطوعت كيانات النفط في سن سيوفها وخناجرها ضد “الإرهاب”، من قطر إلى الكويت…الخ. كما كان لا بد من زج دُبي في الأمر عقاباً للعقيد خلفان الذي كشف شبكة الموساد التي اغتالت الشهيد المبحوح.

وباختصار، يتم الآن فتح بالوعة حرب جديدة في الجزيرة العربية، وقودها م العرب، وعوائدها على خزانة “بن برنانكي”.

أما ولكل زلزال هزاته الارتدادية، فلا بد أن يُطال جزء من هذا “النعيم” العرب في الولايات المتحدة، ولا سيما ذوي الأصول اليمنية الذين تتركز كثافتهم في ديترويت. وصل أسلاف هؤلاء إلى هناك منذ أكثر من قرن، كانوا ضروريين حينما كانت مصانع السيارات هناك على شواطىء البحيرات. أما وقد أصبحت المنطقة خراباً فلماذا لا يُعاقب هؤلاء اليمنيين،ولماذا لا تُسحب من كثير منهم جنسية العملة الخضراء! هل سيحتج الرئيس اليمني؟

لا هو ولا سعد الحريري.

وبعد كل هذا؟ وما هو أخطر وأفدح يبقى السؤال المكرر مُشهراً كالسيف: لماذا تندسُّ في الوطن العربي طبعات عديدة من 14 آذار، في السياسة والاقتصاد والنسوية والثقافة والأكاديميا؟ والسؤال ليس موجهاً إلى هؤلاء بما هم متورطين في المشروع الغربي الراسمالي الأبيض بكل أنظمته البيضاء لوناًً والصهيوني بالطبع. بل السؤال هو إلى الناس : لِمَ لا تخرجوا على هؤلاء!

[1] لكي يتم تنفيذ اتفاق اوسلو كان يجب أن يُجرى مسحاً شاملا للضفة الغربية وقطاع غزة،، بتمويل وإشراف مؤسسة “فافو” النرويجية، وهو مسح ظاهره فيه الإحصاء وباطنه فيه توفير معلومات للحاسوب الصهيوني ليتابع منها كل تفصيلة في حياة فلسطينيي الضفة والقطاع، وهي القاعدة التي بُني عليها اتفاق اوسلو المشؤوم.

[2] بالطبع لا نوافق نزار عن نساء فرنسا.

[3] ما أشبه اليوم بالبارحة والمكان بالمكان. عام 1975 جندت أميركا نظام سوهارتو في إندونيسيا لاحتلال جزر تيمور لأنها تحررت على يد جبهة ماركسية فقتل ثلث سكانها. وقبل بضع سنوات، وحين اقتلع اليسار من جذوره، زودت أميركا واستراليا عملائها في تيمور وطردوا الإندونيسيين.

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *