الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / الثورة ستحمي نفسها

الثورة ستحمي نفسها

الثورة ستحمي نفسها

أحمد حسين

استطاعت ثقافة المؤامرة على ليبيا، كما يظهر من السياق، أن تنتصر على ثقافة الوعي العربي لدى كثير ممن يهمهم أمر الثورة والتحرر والحراك الشعبي. لم يستطيعوا استشفاف احتمالات الفعل المرتد لدى أمريكا والغرب والصهيونية على ثورتي تونس ومصر، فانساقوا غوغائيا مع إعلام المؤامرة، يرددون في كتاباتهم وتصريحاتهم ما يسمعونه، أو يرونه على الشاشات. لم يحاولوا أن يحذروا الجماهير من آفات التضليل، والإعلام المدبر، ورسم المشاهد الكاذبة، التي تعتبر ألف باء الإعلام الملحق بالثورة المضادة. بل إنهم بدل أن يؤدوا دور الثقافة الملتزمة، ويقدموا تفكيكات افتراضية لاحتمالات الخطر المنطقية للجماهير، ساعدوا بدون وعي، من خلال تغليب الشعار على توقعات الوعي فيما يقدمونه، على تهيئة جو من الإثارة المرتجلة، يمهد الطريق أمام التضليل وإعلام الشائعة والصورة المثيرة، وهو ما يصبو إليه الإعلام المعادي للثورة. ليست هذه هي مهمة المثقف الملتزم، فالثورة الشعبية نتاج لوعيها العفوي، تعرف مطلبيتها الثورية المباشرة، وتنتج شعاراتها وحركتها الميدانية بموضوعية، لا يستطيعها أي مثقف يتناول المشهد بالزيارات العابرة، أو يرقبه عن بعد نسبي. مهمة المثقف هي الخوف على الثورة من أعدائها، ومحاولة الوعي القلق تحسس احتمالات الخطر ليحذر منها الثورة، وليرتقي بوعيها إلى حالة استشراف عامة للظروف الموضوعية التي تحيط بها. يعرف ممن يحذر وكيف ولماذا؟ فالإنغماس في الثورة الفعلية لا يسمح بزمن للترقب وتفكيك الساحة. وكان المفروض أن جدل الحاجة سينعكس على ساحة الثقافة الملتزمة، على شكل ثورة مثقفين موازية تنظم نفسها كآلية تضع نفسها تحت تصرف الثورة، في مجالات التوعية والتصدي الإعلامي وأدبيات التعبئة. آلية كهذه في ظروف النهضة الثورية للشعوب العربية، يجب أن تضم كبار المختصين الملتزمين في جميع الشؤون ليقدموا تقارير التوعية المعرفية والثقافية إلى الإنسان العربي الذي يمر بظروف مصيرية تحتاج إلى سلاح الوعي المواجه الذي يكمل جدل الثورة المعاصر. موقع للإنترنت برقابة ثورية معرفية وإعلامية مباشرة، كان سيحيد كثيرا من اخطار الوعي المعادي، ويبلور وعيا قوميا وتحرريا لا بد منه للمستقبل، على أساس جدل الثقافة الشعبية الثورية مع الثقافة المتخصصة. سيشكل هذا إجماعا ثقافيا متطورا يضمن تطور الثورة والحداثة معا. إن أمن الثقافة القومية والإجتماعية التحرري هو مطلب الساعة، مؤسسة الوعي التي تدعو إليها الضرورة. ومن المؤسف ألا يحدث هذا، وأن يظل وعي الساحة وعيا مفخخا بإعلام وفكر فضائية، هي بامتياز، مؤسسة الشرق الأوسط الجديد، للإعتدال والتطبيع والدس وتدييث الوعي والتخريب الميداني وحماية البترول من أصحابه الحقيقيين، لصالح أصحابها. وهي الأن رأس الحربة الإعلامي والإستعلامي للثورة المضادة.

هل كان من الصعب على الوعي الملتزم، لولا غثاثة المرجعيات، أن يخمن أن ما يحدث في ليبيا ربما يكون احتواء ” لشر” لا بد منه في تقديرات الثورة المضادة المؤللة بعبقريات استراتيجية عالمية على مستوى الشر المعاصر، لقرب ليبيا من الثورة المصرية؟ وأن استراتيجيي أمريكا ربما يقررون ضرب عصفورين بحجر واحد في ليبيا، فيستبقون فيها قيام ثورة شعبية بثورة إخوانية من ناحية، ثم ينشؤون فيها مركزا مضادا للثورة على خاصرة الثورة الشعبية في مصر؟

أليس هذا احتمالا واردا بدرجة عالية، ولكنه غير مؤكد. ولكن الإستراتيجيات الدفاعية تتعامل مع الإحتمالات كوقائع، وتعد لها الخطط العينية لمواجهتها أو استباقها. والتبرئة الثقافية المسبقة لقناة الجزيرة، من جانب بعض مثقفي الإلتزام الإعتباري السطحيين، هي التي كانت وراء هذا القصور أو التجاهل. ولكن أين مثقفو الإلتزام الحقيقي، بل أين مثقفو القمة الملتزمة، ليوقفوا رعاع الثقافة والإلتزام عن حدود وعيهم الفخري، ويطرحوا خطر احتمال أن تكون ثورة ليبيا مصيدة استراتيجية لأمريكا للإيقاع بثورتي مصر وتونس؟ ما الضرر الذي كان سيلحق بالشعب التونسي لو تم تحذيره من مثل هذا الإحتمال، كي لا يسلم أمره إلى إلى الإخوان المسلمين والمرتزقة وأمريكا، ويتقدم الثورة بشبابه، لا بشباب أمريكا الملتحين. يتقدمها بوعيه هو فيسير الثورة لصالحه، أو يستأنف على مؤامرة التديين ويفشلها لصالح ثورته هو بوعيها الشعبي التحرري؟ كل الدلائل والوقائع الميدانية، ومنها أن الذين تستجلبهم الجزيرة إلى مخدعها الإعلامي هم من أصحاب اللحى، أو من ذوي الخطاب الديني؟ ولا أتحدث هنا عن الحشاشين المستأجرين الذين تسميهم قناة الجزيرة ناشطين سياسيين. فهؤلاء لا تظهر صورهم على الشاشة، وإنما أعني المدنيين والعسكريين والحقوقيين الملتحين، أو حليقي اللحية والشارب العابرين للقارات من سماسرة أمريكا المرفهين الذين يشبهون بغال الخليفة.

ماذا يعني استحضار روح المتصوف السنوسي، رحمه الله، إلى قناة الجزيرة؟ كان رحمه الله يحب النساء التركيات سياسيا أكثر من ليبيا. وفيما عدا ذلك فهو صدفة سنوسية محضة لا علاقة لها بالسياسة بعشر معشار علاقته بالدين. وما معنى الإعلان المسبق عن إمارة إسلامية في ليبيا على شاشة الجزيرة، سوى استكمال سيناريو ” الثورة ” وتهيئة الأذهان لما سيأتي؟

ما معنى ظهور بان كيمون وأوباما وساركوزي وميريكل في الإعلام بتواتر يؤلف سياقا واحدا، ليعلنوا أن مجلس الأمن، ومجلس الأمن القومي لأمريكا سينعقدان، لبحث الخطوات التي يجب اتخاذها لحماية الشعب الليبي؟ معناه كما تقول التجربة العراقية تصفية الثورة في مصر كما صفي الإرهاب البعثي في العراق. وسوف تكون إمارة السنة في ليبيا منطلقا لتحرير مصر… ربما من طغيان الجيش بعد ترتيب سيناريو مناسب للتدخل، مع قيادة الجيش المصري نفسه.

فإذا حدث هذا، فهل هناك آلية قومية لحشد الشباب العربي على طول الساحة وعرضها لحماية الثورة المصرية؟ هل سيكون في كل دولة عربية تنظيم قومي يطحن مصالح أمريكا والغرب طحنا ويمتد إلى ليبيا ومصر؟ يا للأسف! ليس هناك آلية كهذه. ولكن من يريد ذلك من مثقفي جامعة الجزيرة، أو نخب القمة الذهبية؟ سيولد هذا التنظيم في الشارع العربي بدون الحاجة لأولئك السادة، كما ولدت ثورة تونس وثورة مصر. إن اليأس المتحقق طيلة عقود من النخب خلق جيلا من الشباب كلهم نخبة. وسوف نرى وترى أمريكا. لقد قدم العراق أكثر من مليون شهيد، وقدمت الجزائر وحدها مليون شهيد، ومن أجل ثورة المستقبل العربي، سيقدم شباب الأمة معجزة النصر على أمريكا وعجولها بأي ثمن. إن الثورة قائمة في السواعد والنفوس والعقول بحكم الضرورة الإنسانية. ولوجستيتها متوفرة في وطن أكبر من أمريكا وشعب أكبر من الشعب الأمريكي. أما الآلية التنظيمية، فهي الروح الشبابية التي تلد التنظيمات الميدانية بالإشارة.

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *