الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / سوريا… الإجرام من طرف واحد.. وغير متكافئ

سوريا… الإجرام من طرف واحد.. وغير متكافئ

سوريا… الإجرام من طرف واحد.. وغير متكافئ

معن حمية *

أية دولة تحترم ذاتها وسيادتها وتدرك مهامها ومسؤولياتها، هي التي تقرر ما يجب فعله من أجل حماية مصالح شعبها، والدولة السورية تدرك جيداً بأن مصلحة السوريين جميعاً، تكمن في الحفاظ على استقرار بلدهم، كي يبقى بلداً آمناً، تتوافر فيه كل عناصر النهوض نحو مستقبل واعد، وكما هو معروف، فإن الأمن والاستقرار عاملان أساسيان من عوامل تطور المجتمعات وتقدمها..
على هذه القاعدة، ومن ضمن توجهها الإصلاحي، إندفعت القيادة السورية سريعاً، فأقرت رزمة اصلاحات، وهي رزمة كبيرة تخطت بأهميتها، العناوين الصغيرة التي رفعها بعض المتظاهرين. لكن سرعان ما تبين أن المسألة ليست مسألة مطالب ولا إصلاحات، بل مؤامرة تستهدف استقرار سوريا وأمن السوريين..
لذا، فإن الدولة المسؤولة عن أمنها واستقرارها ومؤتمنة على مصالح شعبها، عليها أن تقرر وأن تحسم، وفي هذا السياق اتخذ القرار الطبيعي بالحسم وهو قرار سيادي بامتياز لا يحق لأي دولة أخرى أو كيان المس به..
لذا، فإن من يدقق جيداً في صيغة البيانات التي صدرت عن بعض الدول والهيئات والمؤسسات حول الوضع في سوريا، لا يجد فيها إضافة واحدة على صيغة «البيان الأول».. الذي رسمت فيه الولايات المتحدة الأميركية الخطوط العريضة بعبارات «ضبط النفس»، «عدم الإفراط في استخدام القوة»، «القوة غير المتكافئة»، «الإسراع في تحقيق الإصلاحات»، «حقوق الإنسان» وطبعاً مع لازمة «الحرية والديمقراطية»، هذه اللازمة التي باتت اللحن الجديد الذي يعزف في حفلات جنون الفوضى التي تعصف بالدول والشعوب..
لم يعد خافياً، أن صيغة البيان الأميركي الأول حيال أي أمر أو قضية، يجب أن تكون هي النموذج الذي يجب أن يعتمد، وليس مطلوباً من الدول والمؤسسات والهيئات الأخرى التي تدور في فلك أميركا سياسياً أو «روحياً» سوى تعبئة الفراغات المتروكة، كتدوين اسم الدولة أو إسم الهيئة أو اسم المسؤول!!.. وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام كبيرة حول التزام هذه الدول والهيئات والمؤسسات التي تقول انها حريصة على حقوق الانسان، بالمبادىء الانسانية والقيمية لحقوق الإنسان، وبمبادىء الحرية ومفاهيم الديمقراطية.
على النسق الأميركي، سارعت مجموعة من الدول الغربية ومؤسسات وهيئات حقوق الانسان، إلى مطالبة السلطات السورية بعدم «الإستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين»، لكن هذه الدول، ومعها المؤسسات والهيئات المذكورة التي تبالغ بما تقول، لم تشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى واقعة الإستخدام المفرط للاجرام ضد عناصر القوى الأمنية والعسكرية وضد مواطنين عزل.
لم تقم هذه الدول والمؤسسات ـ التي تمارس الإستخدام المفرط لعبارات حقوق الانسان ـ بأي جهد لتلمس حقيقة المشهد السوري، فهي آثرت أن ترى المشهد بعيون أميركية.. وهنا وقعت في محظور أفعالها، لتظهر أمام الرأي العام العالمي، بأنها دول ومؤسسات، ليست مؤهلة للدفاع عن الانسان وحقوقه، ولا عن القيم الإنسانية التي تكافح الشر والقائمين به..
كان يمكن لهذه الدول والمؤسسات، أن تحقق رصيداً من الصدقية، لو انها وقفت على حقائق الأمور، وقالت كلمة حق واحدة حيال ما يجري في سوريا من إجرام حاقد يستهدف أمن السوريين جميعاً ويستهدف بالقتل العناصر المولجة بحفظ هذا الأمن!.
هل يعقل أن دولاً كبيرة كفرنسا وبريطانيا وايطاليا، يفترض أنها عالمة بصغائر الأمور وكبائرها، لا تنتبه إلى حقائق الواقع التي تؤكد الإستخدام المفرط للإجرام من قبل مجموعات إرهابية تروّع السوريين مدنيين وعسكريين.
وهل يعقل أن دولاً كبيرة، تتباهى بإعلامها العصري، لا تنتبه إلى أن هذا «الإعلام العصري» الذي تمتلكه أو تدعمه يمارس أبشع أنواع التحريض والحض على الفتن؟ لا بل بات عدواً للقيم الإنسانية ويحرض الشعوب كي تعود إلى العصور الوسطى وقانون شريعة الغاب..
لماذا لم تقع أعين الدول العصرية على مشاهد الإجرام في سوريا؟ وكيف تم قتل عشرات العناصر من الجيش والشرطة وقوى الأمن،.؟ وكيف تم التمثيل ببعض جثث هؤلاء الشهداء بطريقة وحشية يندى لها جبين الانسانية..؟
ألم تقع أعين الدول العصرية على فرق القناصة التي اعتلت أسطح البنايات وأطلقت الرصاص الحي على الناس يمنة ويسرة..؟
ألم تقع أعين الدول الانسانية على مشاهد الإعتداءات بالرصاص الحي على سيارات الإسعاف والمسعفين وعلى آليات الدفاع المدني وعناصره..؟
ألم تقع الأعين على الإعتداءات المتنقلة، على ممتلكات الناس الخاصة، وعلى الممتلكات العامة، وكيف تم إحراق عشرات الباصات المخصصة للمواطنين..؟ أفليس الإعتداء على مؤسسات الدولة التي هي مؤسسات الشعب جريمة كبرى..؟
ألم تلاحظ الدول العصرية، أن كل ما يصدر عنها من مواقف، ليس له أي صدى، وهو كناية عن كلام أجوف لا معنى له، سوى أنه تكرار ببغائي للموقف الأميركي.
لكن خلف الموقف الأميركي تختبىء المؤامرة بكل تفاصيلها، فالباحث والكاتب الروسي المعروف نيكولاي ستاريكوف يؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية هي مرسلة فرق القناصة إلى الدول التي تشهد احتجاجات. ويقول: «القناصة هؤلاء قتلوا 38 متظاهراً في اليمن ويمارسون اليوم المهمة نفسها في سورية. ويوجد بين القتلى جنود وضباط»، ويشير الكاتب إلى أن شاشات «الجزيرة» و»بي بي سي» تنقل صوراً مغايرة. وإذ يؤكد ستاريكوف أن القناصة وصلوا الى سوريا فهو ينصح السلطات السورية بالحذر من السطوح ومراقبتها وان لا تتساهل مع المخربين.
هذا الكلام الروسي، يجب أن يفتح الأعين جيداً لرؤية مشهد ما يحصل في سوريا بوضوح، ومن عدة زوايا. ولعل الزاوية اللبنانية تعتبر أساسية، حيث يمكن وضع زيارة مساعد وزيرِ الحرب الأميركي لشؤونِ العمليات الخاصة مايكل فايكرز إلى بيروت أواخر شهر تموز 2010، في خانة التخطيط لما يحدث في سوريا. وتقول تقارير أن هذا الشخص هو من وضع ونفذ «أكبر عملية سرية بتاريخ الـ سي آي إيه» وهي استخدام المقاتلين في أفغانسان لدحر القوات السوفياتية!!!!!! وما تبع هذه الزيارة من زيارة سرية أخرى قام بها قائد القوات الأميركية الخاصة منذ شهرين إلى لبنان ولم تعرف طبيعة اللقاءات التي عقدها ولا هوية الأشخاص الذين التقاهم.
من هذا المنطلق، فإن الكلام عن تورط لبناني في أحداث سوريا، مرتبط بهذا السياق الأميركي المندفع باتجاه تهريب السلاح واستخدام المقاتلين على الطريقة ذاتها التي استخدمها فايكرز في افغانستان وهذا السياق يحتمل تورط لبنانيين كثر..
وما يصح قوله في الزاوية اللبنانية، يصح أيضاً على دول أخرى، حيث أن هناك معطيات قوية لدى أجهزة الأمن السورية تؤكد ضلوع اجهزة استخبارية عربية ودولية تتشارك في تخطيط وتنفيذ المؤامرة التي تستهدف سوريا. وهنا تجدر الإشارة إلى ما أشيع عن لقاء اسطنبول الشهير، وعن دور غرفة العمليات الاعلامية في الأردن، وعن الدور الذي تمارسه فضائيات عربية معروفة، التي حولت مقارها في عاصمتين عربيتين إلى غرف عمليات مختصة بالتحريض على سوريا وبث المعلومات الكاذبة والملفقة واستثارة الشارع السوري بشعارات فتنوية.
من يدقق جيداً ويتابع تفاصيل ما يحصل في سوريا، يكتشف، أن السلطات السورية المعنية بحفظ الأمن غضت الطرف في البداية عن التحركات، على خلفية أنها تحركات اصلاحية، وتولت السلطة السياسية التعامل مع هذه التحركات بالتسريع من الخطوات الاصلاحية، فألغت قانون الطوارىء ومحاكم أمن الدولة ووضعت قانوناً ينظم حق التظاهر ومنحت الجنسية لآلاف الأكراد وغير ذلك من الخطوات..
بهذه الخطوات الاصلاحية السريعة وغير المتسرعة، أسقطت القيادة السورية كل الذرائع التي قد تدفع البعض إلى الشغب تحت يافطات التظاهر والاحتجاج والمطالبة بالاصلاح. وهذا ما شكل صفعة قوية للقوى التي تعمل على زرع الفوضى في سوريا، فلم يعد أمام هذه القوى إلا أن تغامر وتدفع الأمور باتجاه التخريب والفوضى والاجرام، علها تحقق مبتغاها بالعنف والاجرام، لكنها وقعت في شر أفعالها.. حيث أن المخربين والمجرمين باتوا محاصرين في عدة مناطق، ولن يمضي وقت طويل قبل أن يتم الإطباق على هؤلاء المجرمين من قبل القوى العسكرية والأمنية ويبدأ كشف المستور.
في الخلاصة، الأمور بدأت تتكشف، ولم يعد هناك إمكانية للوقوف عند آراء ومواقف الدول والمؤسسات «الإنسانية»، لأن كل هؤلاء ينظرون بالعين الأميركية، والعين الأميركية عمياء وقاتلة وهدامة..
إن حقيقة ما يحدث في سوريا.. هو أن هناك إجراماً غير متكافىء، لأنه يمارس من طرف واحد…. المجرمون يقتلون عناصر الجيش وعناصر الشرطة وعناصر الأمن والمواطنين العزل، ويمثلون بجثث بعضهم، فهل من إنسانية تنتصر لدماء هؤلاء؟
نعم، في سوريا إجرام غير متكافئ. لأن المجرمين وحدهم يمارسونه..

* مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=30829

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *