تساؤلات فقط

سايكس بيكو وفق المخطط الأمريكي للشرق الأوسط AFJ

تساؤلات فقط

بقلم حنظلة

هل ظروف السيناريو الأمريكي المرتبك، هي التي اضطرت أردوغان، أن يخرج من ثياب التنكر السياسي ويؤدي دوره الحقيقي علنا، أم أن تصريحاته الأخيرة، جاءت في توقيتها المقرر سلفا؟ عندما أدلى بتصريحاته، كان في حالة شهامة وغضب سياسي استثنائية، وهو يحرض على سوريا ونظامها، ويتكلم خارج حيثيته المفترضة كرئيس دولة، كمجرد ناشط سياسي.

منذ لعبة سفينة الحرية التي قلبتها إسرائيل على رأسه ورأس أوباما، بل وقبلها أيضا، حذرت من هذا الرجل “الراسبوتيني” الذي يريد أن يخدم الأوبامية بأي ثمن. وها هو يقف أخيرا مفتتحا سيناريو الزحف على سوريا. واعتقادي هو ان الرجل ضالع منذ سنين في العمل مع أوباما وإدارته، كممثل للإسلامويين في المنطقة العربية، على صياغة المشهد الحالي الذي يدور في تلك المنطقة. ولعله عراب التعاقد الذي تم بين الإسلامويين وأمريكا. ولعله أيضا، مع الطنطاوي في مصر، وعمرو موسى في الجامعة العربية، وآل جبر في مجلس التعاون الخليجي، يشكلون معا النخبة السياسية الموظفة ميدانيا في توفير الدعم الإقليمي السياسي للخطة الأمريكية. وسواء كان الدور الأردوغاني الجديد، كما تمثل في تصريحاته الأخيرة التأنيبية للنظام السوري، يهدف إلى الضغط على سوريا، لتكف عن ملاحقة فصائل البنايوني المسلحة، أو كانت تمهيدا لتدخل حلف الأطلسي على الغرار الليبي، فإن النتيجة واحدة من حيث أن استدارته الغاضبة، كانت جزءا من دوره في الجريمة الحاصلة ضد مستقبل الشعوب العربية، الغارقة في البلبلة. أو ربما دليلا على أن أردوغان فشل في فكفكة العلاقة السورية مع إيران. ولكن الأهم هو دلالتها، على أن أمريكا وحلفائها الإسلامويين من أمثال أردوغان، لا يفكرون في السياسة أبدا، إلا بمدى ما تقربهم من الحسم الإنقلابي والتدميري العسكري، الذي يشكل جوهر أهداف الجريمة الرامية إلى تشويه الوجود العربي.

لو ذهب الأسد أو القذافي أو رئيس أي بلد عربي، مدرج على قائمة التدمير الغربي الصهيوني الفوري، إلى أمريكا رافعا يديه مستسلما، فسوف تعيده أمريكا إلى بلاده حتى لا يختل السناريو العسكري للخطة، وينجو البلد من التدمير. فأمريكا والصهيونية لا تتعاملان عربيا مع أحد أو شيء، سوى النص الإستراتيجي لتدمير الوجود العربي. سوريا نصيا، يجب أن تدمر حتى لو قام النظام بدعوة الجيش الأمريكي لدخول سوريا سلميا. ليبيا دمرت بذات السيناريو الذي يزحف الآن على سوريا واليمن. ومصر وتونس والسودان ودول المغرب ستدمر جميعها، ويخاط من جلودها أعلام جديدة ترفع على دول المعابر المباشرة لأفريقيا السوداء.

أمريكا تعبير عن القوة غير المسبوقة في التاريخ. وهي تتصرف على هذا الأساس، وتحول تفوقها إلى جشع اقتصادي وسيادي غير مسبوق أيضا. تقف مع الصهيونية في موازاة كل الآخرين بوصفهم، مع مشروعها الإمبراطوري الشامل الذي تسميه العولمة، أو ضده. ولا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق بدون الإستيلاء على التاريخ بكامله وعلى جثث شعوب الأرض، وحركاتها التلقائية للتحرر والتنمية الإنسانية. والشعب العربي هو الجثة الأولى التي ستقدم على قربان العولمة الأمريكية. كلام كبير يشبه العرافة. أليس كذلك؟ ولكن ماذا مع الوقائع التي تجري تحت سمعنا وبصرنا؟ ألا تكفي سلسلة التجارب التي مر ويمر بها العالم والعرب بشكل خاص، لتؤكد أن أمريكا دولة لا تتعامل مع السياسة إطلاقا، لأنها تعتبرها مضيعة للوقت، وأنها لا تعبأ بها حينما يكون استعمال العسكر هو الوسيلة الأسرع لتحقيق الهدف؟ ولعل هذا يفسر كون المداخلات الأمريكية العسكرية، هي مظهر لوحدة عضوية واحدة، لا يمكن التمييز فيها بين الإستراتيجية والتكتيك. فهي كلها مداخلات للهدف الإستراتيجي الشامل، بكل حضوره العملي، تحمل طابع المذبحة والأرض المحروقة والحل النهائي. هل صحيح أن هذا حدث في العراق، ويحدث في افغانستان وليبيا بمقاييس من العنف الدموي الإستعراضي غير المبرر ميدانيا؟ ألا يثير استعمال أمريكا لحقوق الإنسان التي لا تؤمن بها، ولا ترفع قدمها عن عنقها، كآليات ميدانية لترسيم المذابح، الإعتقاد بأنها تفعل ذلك لتدمير هذه القيم في أسواق التداول البشري إلى الأبد؟ إن كل من يقتل في آسيا أو أفريقيا او في أي مكان في العالم، سواء بالغزو المباشر أو الحروب الأهلية المصدرة إلى دول الضعف والتخلف، أو الحروب البينية المشتراة بالأسلحة القديمة وببعض الدولارات المستردة لاحقا، أو الأوبئة الكامنة في شجيرات ما قبل التاريخ في أفريقيا، أو في أجساد الممرضات البلغاريات… كل من يقتل وهم بالملايين سنويا، يتحول موتهم إلى ناجم استراتيجي يتثمل في نقل حصصهم من الإستهلاك العالمي، رأسا من مائدة الرب إلى مائدة المواطن الأمريكي. فلماذا لا توظف أمريكا دم الآخرين إذن في موازنتها العامة ودخلها القومي على شكل انعكاس تلقائي للجدوى، ما دام ذلك ممكنا عمليا؟ إن الوحدة البنيوية بين الأستراتيجية والتكتيك في العسكرانية الأمريكية هي وحدة موضوعية غير جدلية، لا زمن سياسي أو تطوري لها. فالوقت من ذهب في حالة المشروع الأمريكي، والسياسة ليست للقوة.

باختصار أمريكا ليست دولة عادية، وترفض أن تكون مجرد كذلك. لذلك لكي نستطيع أن نفهم أمريكا ينبغي أن نتنازل عن كثير من التحفظ، وعن كل طوباويتنا، لأننا أمام دولة غير عادية، لا تؤمن بالسياسة وقيم التحفظ. إنها تفرض على العالم الإلتزام بقيمه الطوباوية القديمة بالقوة، وتملي عليه ظاهرة الدوله السياسية إملاء، دون أن تقيد نفسها بالسياسة، لتستغل الفرق لصالحها، على مسرح الحركة والإختلاف السيادي عن غيرها من دول العالم الإخرى. فهي تملك السياسة وتوظفها ولكنها لا تتعامل بها مع الآخر، لأنها آخر الإنسانية.

ليكن الكلام أعلاه رأيا خاصا لا يعبر عن الحقيقة أو حتى بعضها. ولنعتبر أمريكا دولة عادية كغيرها من الدول. فلماذا نحن ” أصدقاءها العرب ” أكثر شعوب الأرض تضررا من سياستها، وعسكرها، وجشعها الإمبريالي؟ وهل علينا أن نفعل شيئا إزاء هذا؟ لماذا لا تخصص أمريكا من جهدها وطاقتها على الشر، للشعوب الأخرى بعض ما تخصصه للعرب؟ وإذا كان هذا صحيحا بالوقائع، فهل هناك سوى إجابة موضوعية واحدة، هي أن مصالح أمريكا تتناقض مع مصالح الشعوب العربية على طول الخط. وأن أمريكا لا تكتفي بالمحافظة على مصالحها لدينا، وإنما تريدنا شعوبا وأوطانا وثروات ملكية خاصة لها بوضع اليد؟ أليس هذا هو أقرب الإجابات إلى الموضوعية والفكر المتزن؟ ولكن هذه الإجابة ليست كافية لتفسير الجنوح الأمريكي في معاملتنا، لدرجة أنها ضحت افتراضيا بمصالحها أكثر من مرة، لتنفيذ مخططات تنكيلية بنا. ولماذا هذا العنف غير المنطقي والمفرط، الذي استعملته مثلا في العراق وكأنها كانت تنفذ عملية انتقامية؟ وإذا لم يكن هناك من يحترم مشاهداته وعقله المدرك ويستطيع إنكار ذلك، فلماذا يجب علينا أن نسأل لماذا تفعل أمريكا بنا ذلك ما دامت تفعله؟ السبب في رأيي أن أمريكا بمدى ما هي دولة غير عادية، فإن العرب أيضا هم شعب غير عادي. إنهم شعب محظوظ، لديه من أبواب التجاهل والهروب المفتوحة على مصراعيها، ما يجعله شعبا مختلفا. لقد أثبت قدرة أسطورية على الصمود في ساحات الذبح المادي والمعنوي، جعلت من ذبحه أمرا عاديا في التناول الدولي. ولقد ملت أمريكا كما يبدو من دمنا، فعقدت مع الإسلامويين صفقة للذبح بالوكالة، لتبدو المذبحة والدمار المرافق نوعا من التدمير الذاتي، مقابل تطبيق نمط الحكم الديني الديموقراطي، على الغرار الأردوغاني الليبرالي، المنفتح على العولمة الإقتصادية، والتبعية للسوق العالمية.

لذلك هل يتصور أحد أن وقف الإجتياح الإسلاموي للمستقبل الإفتراضي للإنسان العربي ممكن، بغير قوة النقيض الإجتماعي المتمثل في وعي التحرر؟ لا يمكن لأحد غير ليبرالي عربي مثقف، أن يجادل في طبيعة الإسلامويين الظلامية والرجعية والإستبدادية، وفي أن التحالف مع أمريكا هو جريمة العصر الكبرى، الموجهة ضد الإنسانية برمتها.

إذا كان وعي الشعوب العربية إسلامويا ليبراليا بالأغلبية، فلماذا تقوم الأنظمة القومية بخوض معركة خاسرة ضد شعوبها، وتعطي الفرصة للمذبحة والتدمير الأطلسي مجانا؟ إن تلك الأنظمة تعرف حقيقة الوعي السائد لشعوبها ويمكنها أن تتخذ قرار المواجهة أو التنحي على أساس ذلك. وإذا كان الواقع مخالفا لذلك، وهناك رصيد مواز أو متفوق للوعي القومي التحرري، فلماذا تهدر هذا الرصيد بشكل غير عملي، بانسجامها الميداني المغفل مع السيناريو الإخواني الأمريكي؟

لماذا تناور الأنظمة العربية المستهدفة حاليا إذن، وتبدو إعلاميا في حالة دفاع النفس، أمام مؤسسات دولية هي مجرد آليات أمريكية. ماذا سيفيدها ذلك أمام النص المكتوب للقدر الأمريكي الصهيوني الذي يشبه الكتاب المقدس؟ هل يؤثر ذلك بشيء سوى أنه يبقي الأمور في قبضة التوقيت الأمريكي؟ إذا كان الإستسلام السلمي مرفوضا لدى أمريكا، فبماذا ستفيد المناورة؟ هل هناك داخل الصراع الدائر مواقف يمكن المراهنة على تغييرها؟ بماذا تختلف كتائب الإسلامويين عن الجيش الأمريكي؟ هل هم ثوار جهاديون مثلا؟ إن العملاء، على مختلف أصنافهم أكثر امتثالا من القوات النظامية لمشغليهم، لأنهم يعرفون مصيرهم إذا تخلت عنهم الجهة المشغلة.

ولكن هل هناك سيناريو مضاد لخطة يمكن استعمالها تحرريا. نعم ! الحرب الأهلية كمقدمة للحرب الشعبية. يجب إخراج الإسلامويين والليبراليين من أوكارهم للتعامل معهم ميدانيا. بدون عملية فرز كهذه لا يمكن كسب المعركة. وهي عملية لا يمكن التوصل إليها عن طريق النظام وقواته الأمنية. الذي يستطيع ذلك هو الشرائح الشعبية من وطنيين وقوميين ويساريين وشيوعيين وجهاديين وعامة مسيسة. سيفقد العملاء بذلك قدرتهم على الحركة وقدرتهم على الإختباء معا. وعلى النظام بكل مكوناته أن ينزل إلى الشارع مع الشعب كجزء منه وليس كحاكم له. هذا خيار قد يبدو بعيدا، ولكن درس العراق يلح عليه كخيار وحيد. إن افتضاح لعبة الإسلامويين وتحالفهم مع الشيطان، ربما تكون أنضجت مواقف شعبية متعاظمة ضدهم يمكن المراهنة عليها. هذه المواقف، بحاجة إلى ميلاد قيادة شعبية قومية تحررية على مستوى الساحة بتعدداتها الإجتماعية التقدمية، تتصدى لغزوة العملاء، وتستعد لمواجهة الشياطين. لماذا لا ينزل الرئيس الأسد والنخبة البعثية الحاكمة إلى الشارع ويشاركوا في قيادة شعبهم في معركة التحرر القومي؟ وفي الطريق إلى ذلك لماذا لا تصعد الأنظمة العربية المستهدفة فوريا، لهجتها القومية في التعامل مع أمريكا، وتصريحات أدواتها المحلية والدولية، وتطرح نوعا من الرد الثوري التحرري التعبوي حصرا، على تمردات العملاء، الذين سبقوا الأنظمة القومية إلى الشباب العربي بالفيس بوك المغوغل لوجستيا، والمكون في معظمه، من طواقم مختلطة شبيهة بطواقم الملاهي الليلة. كيف يمكن استرداد الوعي الشبابي من تحكم بعض عاهرات ودياييث التداول الجنسى على الهواء مباشرة، أو على صفحات المواقع المسحورة؟ لماذا لا يهددون أمريكا في خليجها ومصالحها بالثورة الشعبية علنا، كرسالة تعبوية تستقطب وعي الشباب العربي حول حقيقة المرحلة، بدل تركهم فرائس لبوارج وزوارق الغرام الأمريكي المعسكرة، ومولدات الشبق على الفيس بوك؟ لماذا لا يتم تذكير الشعب يوميا على شاشات التلفزيون الحكومية، بما فعله الإسلامويون وأمريكا وبلاك ووتر في العراق؟ لماذا يترك الحبل عل الغارب لجواميس الليبرالية المفلسة من أمثال ابراهام غليون، وطوبيا تيزيني، والمندوب العربي الإسرائيلي عزمي بشارة، يلوثون أسماع المواطنين العرب، بعروضهم الفكرية المتعرية على شاشات الرذيلة. ألا يوجد من يرد عليهم بما يستحقون؟ ولماذا يسارع المسؤولون والإعلاميون السوريون،إلى شاشات المساجلة على قناة الجزيرة، المسؤولة بالمساهمة الجنائية المباشرة، عن الدماء العربية التي سالت وتسيل الآن؟ لست مخولا بالإعتراض. أعرف ! ولكني أتعجب فقط من الحكمة في ذلك. يقال أن الجزيرة قد أرسلت بعضا من مذيعيها ومذيعاتها إلى دورات استكمال إعلامية،تحت ستار الإستقالة المشفوعة بالتراجع، تمهيدا لتغطية المرحلة القادمة من الغزو الأمريكي لسوريا. والإنصات إلى قناة الجزيرة، مفيد لرصد التوجهات الميدانية لها، ولكن كيف يفيد التمصدق السياسي والسلوكي للنظام أمام إعلاميي تلك القناة المعادية للشعوب العربية، وقضاياها في التحرر من أمريكا؟

وسواء كانت تصريحات أرردوغان نوعا من الضغط على سوريا، أو تمهيدا لسيناريو غزوها جوا لدعم مرتزقة البنايوني، فهل هناك سيناريو سوري ليبي يمني مشترك للتصدي حتى الحسم، لهم أو عليهم؟

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *