الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / تفوق عقيدة بيت العنكبوت

تفوق عقيدة بيت العنكبوت

“الميركافاه” تطير في السماء

تفوّق عقيدة بيت العنكبوت

كانت الدراسة الأولى التي صدرت عن حرب تموز، واستندت كلياً إلى معطيات الجيش الصهيوني، هي دراسة أنطوني كوردسمان «نتائج تمهيدية لحرب إسرائيل ــ حزب الله» في 17 آب 2006 عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، وكانت أكثر الدراسات التي لاقت صدى في واشنطن لدى المهتمين. الدراسة، رغم كل قصورها وإنحيازها الفاضح، تستنتج في نقاش مفصل لأهداف الحرب الخمسة، كما أجملها مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع لكوردسمان بعيداً عن الأضواء، بأن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق (أنطوني كوردسمان. نتائج تمهيدية، ص: 3-9). لكن، بعدها بشهرين نشرت «آسيا تايمز» سلسلة من ثلاث حلقات (12-14 تشرين الأول 2006) بعنوان «كيف هزم حزب الله إسرائيل»، لاقت صدى كبيراً أيضاً. وفي الحلقة الأولى من هذه الدراسة، وبعد التعليق على تردّد كوردسمان في إعلان هزيمة إسرائيل ونقده، يحسم معدو الدراسة آلاستير كروك (محلل عمل مستشاراً للمثل الأعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي خافيير سولانا) ومارك بيري (مستشار سياسي في واشنطن ومؤلف كتب عدة حول تاريخ الولايات المتحدة) ليس فقط أن «حزب الله سجّل نصراً كاملاً وقاطعاً في حربه مع إسرائيل» (الجزء الأول، “الانتصار في الحرب الاستخبارية”[x] بل يؤكدان أنّ انتصار حزب الله كان، أيضاً، «هزيمة سياسية كارثية لأميركا التي ساندت إسرائيل في الحرب وضربة لمكانتها في المنطقة» (الجزء الثاني: الانتصار في الحرب البرية). لكن، ماذا عن الصهاينة انفسهم؟

في 30 آذار 2007 نشرت «يديعوت أحرونوت» تقريراً إخبارياً بعنوان “قيادة الأجهزة الأمنية تبلغ أولمرت أن الحرب كانت كارثة”[xi] تتحدث فيه عن لقاء سري عقده أولمرت مع رئيس الموساد «مئير داغان» والشاباك «يوفال ديسكين» بعد الحرب مباشرة. قادة الأجهزة الأمنية، كما نقل التقرير عن كتاب لـِ عوفر شيلح ويوئاف ليمور صدر بالعبرية بعنوان «أسرى في لبنان»، تحدثوا عن «كارثة وطنية» وعن «مشكلة إستراتيجية كبيرة تواجه إسرائيل»، مطالبين بلجنة تحقيق وملمّحين إلى ضرورة استقالة رئيس الأركان دان حالوتس.

أما حالوتس، الذي كان مسكوناً بهاجس إثبات أن «إسرائيل» ليست «أوهن من بيت العنكبوت»، فلقد كسرته تماماً لحظة إسقاط طائرة الهليوكوبتر «سي أتش 53» ومقتل كل طاقمها، فصرخ بغضب في غرفة العمليات حين علم بذلك أنه «هزم شخصياً ومهنياً». ما رواه عوزي محنايمي عن قول حالوتس هذا، في كتاب يمكن ترجمة عنوانه «تحقير قوات النخبة يحطم معنويات الجيش الإسرائيلي»، وأعاد سرده م. ماثيو في «أخذنا على حين غرة» (ص: 56) وغيرهم، يجب تصديقه. فحالوتس، هذا، كانت هزيمته قاسية جداً لأنه عرف فعلاً ماذا حصل هناك في الميدان، والأهم فهم معناه جيداً. فلقد قال في 2001 حين كان قائد سلاح الطيران إنّ «الإنتصار مسألة وعي»، وهو بالتأكيد يتفق أيضاً مع ما قاله كوردسمان أنّ «الردع مسألة تصور، لا واقع» (ص: 6). ولهذا فحين يعلم أن جنوده لم يجدوا ما يستطيعون فعله في وادي الحجير سوى «الصلاة لربهم»، أو أن يتخيل ما دار في خلدهم وهم يشاهدون أكثر دبابات العالم تطوراً وتصفيحاً وأكثرها وزناً تطير في الهواء، أو أن يعلم ردة فعل مستوطني الكيان حين سمعوا بسحق لواء النخبة غولاني في بنت جبيل في 26 تموز، ثم يشاهد أداء تلفزيون المنار أثناء الحرب يعيد تشكيل الوعي الإسرائيلي، فلا بد أنه عرف فعلاً أن العرب لم يقاتلوا جيشه جدياً من قبل. وربما فهم فعلاً هذه المرة أن «أوهن من بيت العنكبوت» التي قادته، لسوء حظه، مرة أخرى إلى بنت جبيل كانت أكثر من شعار تعبوي وأكثر من حرب نفسية. كانت ثورة شاملة في الوعي، وكانت عقيدة قتالية فذة مكنت حزب الله من خوض الحرب كلها بكتيبة واحدة فقط، وبأقل من ثلاثة آلاف مقاتل «دون أن يشعر قادته طول فترة الحرب بأي حاجة إلى إسنادها أو لاستدعاء الاحتياط كما فعلت إسرائيل» (كيف هزم حزب الله إسرائيل).

ربما آن الأوان، إذن، أن يعترف العرب أن أبلغ وأعظم ما قيل بلغة الضاد لم يكن شعر الأولين والآخرين ولا نثرهم. إنه سطر واحد من كلمة سيد المقاومة المنتصر على أعتى قوة في المنطقة وأحدث النظريات العسكرية في مدينة عربية صغيرة اسمها بنت جبيل في 26 أيار 2000: «إن إسرائيل هذه، التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت». من كان عربياً حقاً، فليعلمها لأبنائه ويغرسها في وعيهم. في ذلك الخطاب العبقري، أيضاً، يقول السيد: «يا شعبنا في فلسطين، مصيرك بيدك… الخيار عندكم والنموذج ماثل أمام أعينكم». فهل من مجيب.

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *