الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / لقد حدث كل ما قلناه عن سوريا..فماذا بعد؟

لقد حدث كل ما قلناه عن سوريا..فماذا بعد؟

ادريس هاني

كثيرون يزعجهم في بلادنا إصراري على بعض المواقف والتحليلات السياسية..بل كثيرون اعتبروا الاحتجاج ضد العدوان هو عدوان..لا أحب أن أعود لأقرأ ذلك الهراء الذي كتب منذ سبع سنوات عبثا لثنيي عن هذا الموقف..كتابات سيصنفها التاريخ يوما ضمن الحرب القذرة على رأي..بعضهم تساءل ماذا حينما تسقط سوريا؟ أجبت: حينئذ لكم أن ترقصوا رقصة المطر لكن دعني الآن أعبر عن الوقائع وأحلل المعطيات وأقوم بواجبي في قول الحقيقة..ستذكرني يوما حين ترى بعينيك خروج

سوريا منتصرة من هذا العدوان..بعضهم مارس أشكالا من الترهيب: وزير الخارجية يقول كيت وفلان الفلاني يقول عكس ذلك..آخرون قرؤوا المشهد بناء على اصطفاف بينما كان رأيي مبنيا على تحليل حرّ ومعطيات مختلفة وغاية حرّة لأنّ أجود الاصطفاف يومها أن تكون إلى جانب البقرة الحلوب وليس مع محور مقاوم..والأمر سيان خارج البلد حيث أذكر أحد مستشاري الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قام يزبد ويرغي قائلا: منذ عرفتك قبل سنوات وأنت تحمل نفس الرؤية والموقف..أجبته بكل بساطة: وهل تغيرتم أنتم؟ ولماذا أتغير، هل يا ترى ما أقوله حكاية أطرش في الزفّة أم هو مبني على رؤية وتحليل وحدس؟
والحقيقة هي أنّهم يطلبون تغييرا في الموقف الذي بات قادة معسكرهم يؤكدون على صحّته ويكسرون الإجماع المغشوش بأيديهم..كيف أتخلّى عن رؤيتي وموقفي وأنا أتفرّج اليوم على سيناريوهات تعزز ما استشرفناه من تفاصيل هذه الحرب؟..إنّ متعة مخالفة الإجماع بخصوص سوريا كانت بالنسبة لي ممتعة جدّا، لأسباب كثيرة منها أنّني لا زلت أتأمّل مفهوم الإجماع في دائرته الفقهية، وأراه ليس مقدّما حتى في مجال التشريع لأنه مسبوق بمصادر أخرى. فقبل الإجماع هناك الكتاب والسنة..وكتاب سوريا الذي قرأناه مخالف لإجماع أصدقاء سوريا المغالطين، وأمّا سنة التاريخ فهي تؤكد على أنّ سوريا حين تكون منيعة يصعب اختراقها..هذا الإجماع كان أعجوبة خلال العدوان على سوريا..فحين تحضر الحقيقة من الكتاب والسنة لا تصل النوبة إلى الاجماع فتأمّل..
حاولنا منذ البداية تشخيص أسباب وموضوع الحرب الدائرة في المنطقة على أسس جيوسترتيجية لا زلنا نؤكّد عليها حتى ما خلا مقال من مقالاتنا من ذكر هذا المفهوم الذي كررناه لأسباب بيداغوجية، كانت تلك الكتابات في صحافة بلدنا وأكثر منها في الخارج تنوي تدريب المتلقّي وزخّه بمناعة مفهومية حيال ما كان يصبّ عليه صبّا من أنواع التجهيل والتبسيط والمغالطة..ونتذكّر كيف كانت أكثر المقالات التي تكتب في صحافتنا حبيسة ذلك التكرار التبسيطي الذي يحرف الأسباب والموضوعات الحقيقية لهذه الحرب..وفي هذا الإطار لا أخفي أنّ معظم ما كنت أكتبه كان مرفوضا في صحافتنا المستقلة أو تلك الناطقة باسم الأحزاب..ومن بين عشرة مواضيع قد أستطيع التعبير عن موقف من خلال لقاء صحفي يتيم هنا وهناك..فصحافتنا هي الأخرى ساهمت في تكريس رؤية للحرب ما زالت تختزل الأزمة في خطاب يجعل الحرب كما لو أنها عمل خيري من داخل الدوائر الإمبريالية التي تحولت إلى صديق لإنقاذ الشعوب ودمقرطة المجتمعات، وكما لو أنها عملية استنقاذ للإنسان والمدنيين وللأديان والمذاهب..لقد اختزلوها في حرب دينية أو طائفية، ولعب الإعلام بشبكاته المختلفة التي يهيمن عليها المال الخليجي دورا كبيرا في استحمار المتلقّي وتسطيح وعيه بالسياسة والاستراتيجيا..ومرت سنوات قليلة وحاول البعض أن يدخل على المدارك الاستراتيجية ليقدم تحاليل لا تختلف عن الأخرى إلاّ في درجة كي الوعي ومرتبة الاستحمار التي بلغة ذروتها فيما أسميه: الاستحمار الاستراتيجي الذي دخل مرحلة من التدليس تقوم على استعمال المفاهيم الكبرى للترويج للمشروع الرجعي في المنطقة.
اليوم يبدو أنّ من كان يعتبر رؤيتنا للحرب مجرد رؤية اصطفافية مع أنّنا كنّا نلتهم من الميدان ومن المفاهيم ما لسنا في حاجة إلى تمثّله كما يتمثلون اللغط الإعلامي عن سابق إصرار، أجل، فما كان يعتبر أمرا غير مستساغ ها هو اليوم يتأكد بصورة أوضح من الشمس في رائعة النّهار..
اليوم لا حظنا أنّ هناك اعترافين جديرين بالتأمل، من لدن أميرين كانا طرفا في الحرب على سوريا: الأول من الدوحة للأمير حمد بن جاسم في التلفزيون الرسمي والثاني للأمير سلمان في الواشنطن بوست فضلا عن اعترافات هنا وهناك..
لقد جاء اعتراف حمد بن جاسم ليؤكّد على أنّ الحرب على سوريا كانت مؤامرة وأنّ الصراع كان على الكعكة التي اختلفوا حولها لتنجو الطريدة..وأوضح عملية شراء الذمم ولعبة تشكيل معارضة لقيطة والأغلفة المالية التي كانت تدفع للمنشقين والميزانية التي صرفت في هذه الحرب..أما تصريح ولي العهد سلمان في لقاء مع الواشنطن بوسط فقد اعتبر دعم المملكة ونشرها للوهابية هو نتيجة طلب من الحلفاء لمواجهة الاتحاد السوفياتي.
الحرب كمؤامرة وتوظيف الفكر الوهابي المتطرف في الحرب الأخيرة التي أعادت سيناريو الحرب الباردة في الاتحاد السوفياتي يضاف إليه ما تمّ كشفه في لقاء زعيم المقاومة اللبنانية من أنّ اتصالات سرية كانت تجري بين الرياض ودمشق بموجبه تتعهد الأولى برفع اليد عن دعم الحركات المسلحة – يعني الوهابية – مقابل التخلي عن التحالف مع إيران ودعم المقاومة..ربما هنا سنفهم لماذا كان من الطبيعي والوفاء أن تساهم المقاومة اللبنانية في هذه الحرب، لأنها تعتبر سوريا حصنا وظهرا للمقاومة، ولا زال بشار الأسد يصرّ عليه سواء مع كولن باول عشية احتلال العراق أو خلال الزيارات الابتزازية التي عرفتها دمشق خلال ما سمي بالربيع العربي أو خلال الاتصالات السرية التي قامت بها بعض الأطراف لثني دمشق عن انتمائها للمحور الموجع للمشروع الأمريكي والصهيوني والرجعي: محور المقاومة..
اليوم لم يعد الأمر مجرد وجهة نظر بل حقيقة نطق بها قادة المعسكر المعادي لسوريا..انتهت حكاية استعمال الشعارات المغالطة لكسب حرب قذرة..وقد جاءت هذه الاعترافات ليس من باب التسلية بل من باب الاعتراف تحت ضغط ما آلت إليه سياسات القوم..ففي الدوحة جرى الاعتراف بعد انقلاب على الحكومة من جهة وبعد اندلاع النزاع بين الدوحة وزملائها في البيت الخليجي وتغير الاصطفاف وفرض الحصار عليها من داخل محورها التقليدي من جهة أخرى..أما الاعتراف الثاني فهو ناتج عن ضغط مزدوج: الابتزاز الأمريكي والهزيمة في كسب الحروب المعلنة..
ولقد قلنا منذ بداية الحرب أنّ ارتداداتها ستكون وخيمة، وأنّ أوّل نتائجها العكسية سترتد على المنطقة بل أكثر من ذلك قلنا بكل وضوح أن انتصار سوريا سيؤدي إلى سقوط الحكومة في الدوحة وفي أنقرة وبحدوث اهتزاز في المنطقة..وهذا ما حصل بالذات وأن أدنى قراءة في الأرشيف الموثق تؤكّد أن ما ذكرناه حدث بصورة دراماتيكية..صمود سوريا أدّى إلى تغيير السلطة في الدوحة وأطاح بأوردوغان في عملية انقلابية لا زالت مفاعيلها مستمرة ومصير تكرارها مجهول، وسقوط مرسي واهتزاز الرياض في انقلاب مشهود، ومحاكمة ساركوزي، وتطورات لم تكن في الحسبان..كيف يا ترى وجب تغيير الموقف بعد أن تبيّن أنه كان موقفا صحيحا..ما أراه اليوم هو أمر كان متوقعا عندي، واليوم أنظر إليه كوقائع فيلم قرأته في مرحلة السيناريو قبل إخراجه وتشخيصه..نحتاج إلى قليل من الاعتراف لكي نفهم..
ادريس هاني:

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *