ألف ياء – جريدة العرب منبر إعلامي تقدمي يلتزم بقضايا الطبقات الشعبية فلسطينياً وعربياً وأممياً ولترسيخ مبادىء الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلم العالمي
مقالات مشابهة
يؤخذ على القادة أينما وجدوا إقصاءهم لأهل الثقافة والعلوم و استبدالهم بأناس نادرا ما يكونون على درجة علمية جامعية ولا داع للأمثلة كي لا يغضب أحد فقد سبق أن أوضحنا في مقال سابق عن طريقة صنع القرار السياسي في التجمعات السياسية كافة ما معناه أننا متفقون على تفرد القائد الزعيم الأمين بقراره ولو احتاج او وثق بمقربين، فما الذي يجعل من النخبة غير مرغوب فيها في لبنان؟
عادة ما يقع النخبويون ضحايا لمعلوماتهم ولأفكارهم وعادة ما يصبحون أسرى لما إعتادوا تكراره من أفكار وحكايا ونظريات وعقائد على مرّ الزمن ممّا يجعلهم ومن حيث لا يدرون ضحايا برمجة فكرية لأدمغتهم فالذاكرة التي تسجل الذكريات من افكار و أحداث ومشاعر وحتى روائح عطر ولمسات اولى للأحبة القدامى ليست مطاطية وليّنة لكلّ الأعمار بل هي وبعد سنّ الأربعين تعشق إجترار نفسها لذلك تحنّ القلوب للحب الاوّل وتتحمس المشاعر لأصدقاء الطفولة في المدرسة والشارع والجامعة وترتاح الأنفس لأشخاص يفكرون حاليا كما فكروا هم دائما كما تصبح الاستنتاجات والتحاليل والأحكام اسهل عند نقاش مع أشخاص يفكرون حاليا كما طمحوا هم دوما ان يكون سيل التفكير.
من هنا تصبح النخبة ومن حيث لا تدري تكرّر نفسها وتسعى جاهدة في أي نقاش إن تثبت وجهة نظرها وغالبا ما يرددون عبارة
“ألم أقل لك ذلك، تذكر”،” هل رأيت، هل اقتنعت الآن ، آنذاك لم توافقني”
ما يعني ان الدماغ وإن سكت لفترة من الزمن فإن سكوته ليس بقناعة بل بهدنة تنتظر العودة لإثبات وجهة النظر وهذا طبيعي جدا لأن الدماغ لا يستطيع أن يتفهم أفكاراً جديدة من خارج البرمجة الفكرية التي عمل عليها الدماغ.
في هذا السياق تتعمق لدى هؤلاء ومع التقدم في العمر وخاصة بعد سنّ التقاعد قساوة البرمجة الفكرية لذلك تسمعهم يعيدون تلاوة الحكايا مرارا وكأنها تروى للمرة الاولى ما يجعل من هؤلاء وتدريجيا شبه منفصمون عن جديد حركة الواقع و رافضين لكل ما هو طارىء وجديد ومستجد ومتخوفين من الإضافات وما هو ملحق وحذرين من التجارب المتوقعة ومن هنا تصبح الاغاني الجديدة لهم ساقطة والفن مبتذل وطارىء والاعتقادات و وجهات النظر الحديثة فصلاً تآمريا إذ أن برمجتهم الفكرية تحتم عليهم دائما مقارنة الامور بالماضي الذي برمج دماغهم عليه.
القائد السياسي يدرك بحنكته وفراسته واحتياله ان هؤلاء و ان اجتمعوا من حوله فلن يتفقوا ابدا بل سيتناطحون بالنظريات المتعددة فاستاذ التاريخ لن يحلل الاحداث الا كردات فعل لحركة احداث التاريخ واستاذ علم النفس سيعيد الامور للأنا الفردية ولانا الجماعة وفي أسوأ الحالات للجنس! و عالم الاجتماع سيحدث عن الصراعات والحاجات والامكانيات الانسانية للفرد والقبيلة والجماعة وأغلب النخبة ستحدث بالمثل العليا تماما كما جاءت في الكتب وهكذا مما يجعل القائد السياسي والمبرمج هو أيضا على التجارة والمكر وحركة السلطة والاحداث واستغلال تعب وارواح الآخرين والتورط بالصراعات وبالعلاقات بمفاتيح الشوارع ومفاتيح السفارات لا تنفع معه أحاديث النظريات من أجل المُثل العليا بل يهمه حركة الواقع والسبيل الى السيطرة عليه بكل الطرق وأغلب القادة يعملون على الفعل و ردات الفعل ونادرا ما يعملون على الاستراتيجيا بإستثناء العقائديين ومنهم المتدينون.
النخبة المثقفة والمتعلمة تبحث دائما عن من يسمعها كلمة “أحسنت” او “برافو” لتستفيض بمعلوماتها والتي هي بالتأكيد مهمة و رائعة ولكن أزمتها تترتب عن فقدانها للإنتاجية والأسوأ ان كانت تفتقد المال أيضا.
النخبة المثقفة والمتعلمة في لبنان تعيش أزمتها لأنها تأتي من مدارس مختلفة وتعيش مرارة العيش عندما يجدون ان من يتبؤون المناصب في بلادهم بأغلبيتهم تجارا وسماسرة وامراء حواجز ودم والذين تخلوا عن المناقبية والأخلاق والعلوم بينما هم اي النخب الذين واظبوا على الدعوة للمثل العليا همشهم القادة و ربما عاقبوهم أيضاً، تماما كالتلميذ المشاغب و الغير مجتهد والذي يتوجه لدراسة العلوم السياسية او الحقوق او العلوم الاجتماعية وما شاببها لان لا امتحان دخول لهذه الكليات ولا صعوبة في النجاح فينخرط في صفوف الاحزاب ويقضي وقته بالكافتيريا ليصبح شبيحاً و دونجوانا لزمانه ليصل الى السلطة ليحكم وليتسلبط على زميله السابق التلميذ المجتهد الهادىء والذي تقدم الى كليات بإمتحانات دخول صعبة و واظب على الدراسة باجتهاد ليؤمن نجاحه بذكاءه فلم يضع وقته مع التنظيمات والشبيحة فاضطر بآخر المطاف ان يقف على ابواب الزعران سابقا ليتفرغ في جامعة او ليجد وظيفة وليصبح chien loupعند القائد ليعيش بأمان اللهم باستثناء الشرفاء وهم كثر.
لا يغضبن أحد من كلامنا فأمّ اسكندر المقدوني رفعت يديها الى الآلهة عند انجابها الاسكندر وقالت:
اللهم اجعله من اصحاب الحظوظ ليخدمه أصحاب العقول ولا تجعله من أصحاب العقول ليخدم أصحاب الحظوظ ما معناه ان النخبة كان نصيبها دوما العزلة والتقاتل فيما بينها.
مع التحيات والابتسامات.
د.احمد عياش
