الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / الرّمق الأخير للإعلام الموجه ضد سوريا

الرّمق الأخير للإعلام الموجه ضد سوريا

ادريس هاني

يخوض حلف الممانعة معركة الصمود والمقاومة، وهو يكافح على أرضية آخر ما تبقّى من فرص تاريخية لاستئناف نهضة أمّة على قاعدة استقلال قرارها السياسي..إنّ المعركة ضدّ الهيمنة والتبعية ليست معركة سهلة..والحمقى وحدهم من يعتقد أنّ مقاومة المشروع الإمبريالي هي معراكة يوم وليلية..ولكل محور رؤيته وأهدافه وقيمه..تخوض الإمبريالية حربا لا أخلاقية ضدّ محور الممانعة..وهي تدرك تماما أنّ الممانعة لا تترك مجتمعها المدني لاختراق الإمبريالية التي تحول المجتمع عادة ضدّ بعضه البعض وضدّ كيانه تحت ذريعة الديمقراطية..كيف تقوم ديمقراطية في ظلّ الحصار؟ وهل تدركون العقل الجمعي لمجتمع مفكك وهشّ وقابل للتحكم؟ وهل بإمكان دولة مستقلة في قرارها تخوض معركة الكرامة والتحرر تستطيع أن تؤمن التعليم المجاني والتغطية الصحية لمجتمعها في سياق معركة ضد الإمبريالية تؤمن بأنّ التبعية والمساعدات هي البديل الوحيد والممكن عن الاستقلال والاكتفاء الذّاتي؟

أتابع إعلام الرجعية العربية وتعبيرات الجيوش الاحتياطية للنذالة الاعلامية فأكتشف أنّ الإعلام بات وسيلة للمغالطة لا للإخبار..وبأنّ سياسة استحمار الوعي لم تعد لها حدود البتّة..هناك تكرار بما يكفي لمحق أي جاذبية نحو القيم بعد أن ساهم الإعلام الرجعي في قتلها في ضمير بينما هو مشغول عن مقتل الطفولة في اليمن تراح يوجّه دموع الجمهور ناحية أطفال سوريا في مسرحيات الخوذ البيض..بلغ الإعلام الرجعي حدّ توجيه المشاعر وتقطير الدموع حسب الهندسة الجديدة لزراعة المغالطة..وكم من مرّة قلنا لهذا الجيش الاحتياطي الذي أدمن تزييف الخبر حول سوريا بصورة هستيرية بأنّكم قد تستغبون جمهورا سيكتشف يوما هذا الخداع لكن هل يا ترى ستقنعوننا بهذا الهراء البليد؟ لكن في الواقع كنّا نرى أمامنا فقط الوقاحة والإصرار على تبليغ برنامج الحرب على سوريا بالكيفية البغلية التي علمتموها..وكل شيء يمرّ وفق مشاعر مصطنعة..ظهرت الحقيقة، وهرولت الحمر المستوحشة للاختباء في أوكارها لعلّ الزمن يمحوا ذاكرة تفاهتها، بينما لا زالت أنامل الزمّار تتحرّك وهو في حالة احتضار..تابعنا في المقابل السياسة الإخبارية للإعلام السوري على الأقل على مستوى الخبر، كانت التغطية ميدانية ومباشرة وبعيدا عن فبركة الصورة..لم تكذب سوريا على مواطنيها كما فعل خصوم سوريا من قمة رأس الإمبريالية إلى أخمص قدميها: أي الرجعية والإئتلافات..يصعب في سياق هيمنة الإعلام الماكر أن تنقل الصورة لهذه الشريحة الواسعة من ضحايا الخداع..لكن اليقين كان حليفنا ونحن ندرك أن لكل لعبة تاريخ، وتاريخ لعبة الحرب على سوريا قد اقتربت وانشقّ ضلعها..الخوف اليوم على مصير القيم التي تهالكت وفقدت جاذبيتها خلال هذه الحرب..سيفيق الشعب العربي على صدمة الخداع وسيفقد الثقة في قدرة الإنسان على إدراك الحقيقة..سنكون أمام جمهور ستهيمن عليه اللاّأدرية ردحا من الزمن..لقد تناولت خلال سنوات وجبات فاسدة من الإعلام المضلّل وانتهكت كرامته وهو يخضع لأقصى الاستحمار..

في الحرب على سوريا فقط أصبح هناك تطبيع كامل مع التطرف، حيث منحت له فرصة التعبير عن نفسه لكن في اتجاه الحرب على سوريا..فقط خلال هذه السنين هيمن الإخوان وسائر التشكيلات المتطرفة على الإعلام لإعادة تكييف مواقفهم الأيديولوجيا مع قواعد التواصل والإعلام بحسب الخبرات التي تعلّموها من راند ومعهد كارنيجي وبرامج التدريب التي فتحتها واشنطن للطابور الخامس المهيّأ لخوض ثورجية جين شارب على ما تبقى من رمق السيادة برسم سايكس بيكو: أي تدمير الكيانات..فقط وخلال هذه السنوات تحوّل الدعاة وأعضاء التنظيمات الظلامية إلى إعلاميين وحلقوا لحاهم ونفثوا دخانا زائغا وغيروا اللغة وتحدثوا عبارات رخوة تنتمي إلى فهلوات البرمجة العصبية اللغوية..أراقب التطور الذهني لهؤلاء منذ عشرات السنين فإذا بهم يتنكرون بين فجوات الأجيال وصخب الحروب ليستنبتوا من جديد بـ “ألواك” مسختلفة..في كل المحطات الإعلامية ارم ابرة تسقط على إعلامي ذي سابقة في السلفية والإخوان..ولا يمتلكون الجرأة للاعتراف..المحطّتان الغالبتان في المشهد العربي من حيث حجم التزييف تضمّ عددا من أعضاء التنظيمات السلفية: سرورية، إخوان مسلمين، تنظيم الطلائع، الصحوات..هؤلاء هم المؤسسون للمهنية الإعلامية ضدّ سوريا..لا يوجد منهم شجاع يخوض الحرب على سوريا خارج لعبة التزييف والاختباء خلف المهنية لتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد..

يصيغ خصوم سوريا حربهم النفسية ضد سوريا بتساؤلات مبسّطة لكنها تكتسب بالتكرار مشروعية الطّرح، يقولون بأن سوريا واقعة تحت الاحتلال الإيراني والروسي، بينما هؤلاء هم حلفاء توجد بينهم وسوريا اتفاقية دفاع مشترك بينما الاحتلال التركي لمناطق في سوريا يعتبرونه مقبولا ويصفقون له.. يقولون: حيثما حلّت إيران حصل فتن ودماء بينما لا يقولون ذلك عن حلول الإمبريالية والإرهاب في التراب السوري، حتى أنهم حاولوا في بداية الأمر وقبل أن يكتشف المخطط أن يعتبروا النصرة هي المدافع عن الشعب السوري.. كما ويعتبرون أي عملية تخريبية واغتيال لمسؤولين وعلماء هو مؤامرة للنظام ضد رجاله بينما يعتبرون أي ضربة موجهة ضد الإرهاب ومواقعه هو اعتداء من قبل قوات النظام.. يعتبرون صمود القيادة السورية تشبثا بالسلطة بينما صراع أعضاء الإئتلاف ليس من أجل السلطة..كما يطالبون الأسد بالتنازل عن السلطة وهو من يتمتع بوضع دستوري كامل بينما لا تتنازل معارضة الناتو والرجعية عن السلطة وهي ترى خراب سوريا بسبب انخراطهم في ضرب وطنهم..كشفت الحرب ضد سوريا عن الوجه الآخر للإخوان ومشتقاتهم شرقا وغربا بأن لديهم القابلية للانخراط في المشروع الإمبريالي، وبأنهم حركة للثّأر والحقد واللاّمسؤولية الوطنية وعجزهم أن يتحوّلوا إلى حركة تحرر وطني حتى لما يتعلق الأمر بفلسطين..

لا حدود لمغالطاتهم، ولا حدود لمقاومتنا..إنّ سنوات من التجهيل هي أكبر جريمة في حقّ الإنسانية كلها، لأنّ الحرب على سوريا لم تهدد الأمن الإقليمي والدولي فحسب بل هددت الأمن النفسي والمعرفي للبشرية حين أخضعت المتلقّي لأكبر مؤامرة على الحقيقة..

اليوم وجب أن يبتلع هؤلاء جميعا ألسنتهم..وجب أن يتذكّر كل من دخل خلسة إلى إدلب عبر وسائط استخبارية أجنبية أن ينسى حلمه القديم..أدلب قريبا ستنظّف من القاعدة ومشتقاتها..وسيكون وضعها كالغوطة لكن لا شيء غير الاستسلام أو القتل..لم يعد هناك مجال للعبة الكاش كاش مع الإرهاب..فالسياقات تختلف وتناقضات الإمبريالية وحلفائها في ازدياد وهو ما يوفر سياقا أفضل من السابق لاجتثاث الإرهاب من سوريا..وعلى نمل الإئتلاف أن يبقوا حيث هم ويدخوا مساكنهم وجحورهم لكي لا يحطمنهم بشار وجنوده..إنّ التطبيع الوقح مع الإرهاب في سوريا ومحاولة الهروب لم يعد مقنعا..أتساءل اليوم أين ولّت أحناك من زعموا ببلادة أن داعش هي صناعة سورية وإيرانية؟

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *