الرئيسية / الملف السياسي / العالم / ثلاثة رؤساء وثلاث سياسات أمريكية(14)

ثلاثة رؤساء وثلاث سياسات أمريكية(14)

ادريس هاني

ندخل في نمط جديد من القوة بعد استراحة مقاتل على ضفاف القوة الناعمة..سياسة جديدة وخيار جديد ورئيس جديد أحاطت به كلّ الشّبهات..الإثارة، التشويق، الإرعاب، الحمق، تمزيق الصمت عما كان مسكوتا عنه في السياسة الأمريكية..ترامب والقوة الجديدة..القوة التي انتخبته وليس القوة التي سيبتكرها..كما قلنا، فالرؤساء هنا يمثلون أدوارا ولا يخلقون سياسات..من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة سندخل طور القوة الإرغامية أو القدرة على الإرغام..سيجد القارئ هنا تداخلا في معاني ووظائف القوى الثلاث، فلا ضير لأنّ المعول عليه هنا هو الغالب على جوهر الأطروحة..تقع القوة الإرغامية ما بين القوة الصلبة والقوة الناعمة..هي ليست صلبة لأنّ الإرغام فيها ليس بواسطة الحرب، وهي ليست ناعمة لأنّها تعلن عن سياسة الإرغام مباشرة..لكن الإرغام هنا ذو طابع اقتصادي مباشر..وضعتُ قيد “المباشر” على عنوان الإرغام الاقتصادي لأنّ هذا النوع من الإرغام مورس في كل أنماط القوة الأخرى بطرق غير مباشرة..المعركة هنا اقتصادية اقتضت مقاولا يملك حدس المقاول لا حدس السياسي.. لقد جاء ترامب ليؤدّي دور القبيح في وقائع فيلم جديد..ليحمل أكياس الذهب كلها ويلوذ هروبا نحو الغرب..الفيلم هنا ليس خيالا أو افتراضا بل هو السياسة كما تجري في الولايات المتحدة الأمريكية..هناك تماهي كبير بين هوليود والبيت الأبيض..فالسينما هي مأوى الوجود الأمريكي..وكما كانت سياسة الشّرير بوش تقوم على القوة الصلبة (Hard power )وسياسة الطيب أوباما تقوم على القوة الناعمة(soft power) فإن ما وجب التركيز عليه هنا أنّ سياسة القبيج ترامب ستقوم على مفهوم القوة الإرغامية أو القدرة على الإرغام(Power to coerce)..مستويات ثلاثة للقوة وهي التي تفرض قواعد اللّعب السياسي، بينما لن يكون للرئيس سوى دور التشخيص، ويوجد هامش للرئيس للخروج عن النص قليلا حسب مهاراته لتعزيز المضمون ليس إلاّ..لكي نفهم عهد ترامب علينا أن نتوقف عن تلك العادة التي تجعلنا نهدر الطاقة في تحليل السياسات من خلال دراسة مزاج شخص الرئيس..إنّ النقد السينمائي للسياسة الأمريكية يجعلنا نؤكّد بأنّ الرؤساء الأمريكيين كلهم ممثلون بارعون..إنّ المخرج قد اختار نجومه بعناية..لقد كان ترامب قبيحا بكل المعاني..حتى وهو يخوض معركة الانتخابات الرئاسية عبّر عن انحطاط في اللغة السياسية إزاء منافسه كلينتون..كان العالم متشوّفا لفوز كلينتون خشية ورود ترامب..كان العالم كله يستبعد وصول ترامب الذي عبّر عن قبح السياسة المفترضة بما يكفي من الرداءة..غير أن ترامب وصل إلى البيت الأبيض رغما عن رغبة العالم..فالمسألة أبعد من أن تقرأ وفق منظور القيم السياسية..انحذر ترامب من قطاع المال والمقاولة..شخصية تمارس التفاوض بالإرغام لكن تدرك حدود الإرغام..الذهاب والإياب..الكر والفر..لا شيء يمنع مقاولا عتيدا من أن يتراجع عن مواقفه عندما يخضع خصمه إلى شروطه..جاء ترامب ليحول السياسة الأمريكية إلى مفاوضات مفتوحة بمنطق السّوق..كل شيء يتحول إلى قيمة مالية..الأمن والعلاقة مع الحلفاء..بالنسبة لأمريكا الحلفاء هي عبارة مخاتلة لأنّ الحقيقة أن هؤلاء محاور تحتاج إلى الحماية الأمريكية، وإذن ما العمل؟ لا بدّ أن يدفعوا الثمن في زمن تآكل الكيانات..جاء ترامب لكي يبيع خدمات الولايات المتحدة الأمريكية ويرسم خطوطا في شتى مواقف وشوارع العلاقات الدولية لتحويلها إلى خدمات مدفوعة الثمن..

قفز رأس الذّرى على صهوة الفرس وأثار نقعا كثيرا وهو يزمجر ويستعرض عضلات مقاول مخاتل يحاول جهده إخفاء الهشاشة والإفلاس وبأنّ مسدّسه لم يعد محشوا بالرصاص، لكنه يلوّح بأنشوطته، يستثمر أثر القوة الصلبة القديمة التي يدرك كمقاول محتال أنها باتت مستحيلة..فرضت سياسة القوة الإرغامية أن يتحدث رجل البيت الأبيض لغة المقاول: لغة المخرجات والمدخلات ورقم المبيعات..هنا الحديث تجاريّا يعني أوراق تجارية..وفي الحالة الاستعجالية للقوة الإرغامية لا بدّ من الدفع فورا وكاش، لا مجال للانتظار لأنّ القوة الناعمة بعيدة المدى، وراعي البقر في حالة هروب..الكل وجب عليه أن يسدد الدين..لا أهمية لقواعد وأعراف القانون الدّولي..المقاول يعلن حالة الاستثناء ويذكر العالم بأنّ أمريكا هي القانون الدّولي..فلم يا ترى الحديث عن القانون الدولي في زمن القدرة على الإرغام..

فماذا تعني القدرة على الإرغام؟ وما هي مقوماتها وما مدى نجاحها؟ هذه الأطروحة التي جاءت في إطار تقرير مقدّم لمصلحة الجيش كما تبنت نشرها مؤسسة راند؟..سنتوقف عند مضمون هذه الأطروحة لكي نفهم ما هي الأفكار التي تحرّك حقبة ترامب وسياساته التي تفرض عليه كلّ هذا التمسرح الجنوني…يتبع

عن prizm

شاهد أيضاً

انهيار اقتصادي عالمي في 2024 أو انقلاب بالولايات المتحدة في 2025

8 كانون أول 2023 *ألكسندر نازاروف بلغ دين الولايات المتحدة حينما دخلت الحرب العالمية الأولى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *