الرئيسية / الملف السياسي / العالم / ذروة الإمبريالية(62)

ذروة الإمبريالية(62)


ادريس هاني

ستستمرّ حالة غياب العدالة والأمن الدوليين نتيجة بنية النظام الدولي القائم على الإرغام..وأمّا السيادة فهي عنوان وهمي أخفى التوزيع الإمبريالي للقوة نفسه خلفها بينما واصل مقارعته لها بأساليب سياسية واقتصادية وعسكرية..في نظام دولي لا يزال يعاني من غياب معجم سياسي وقانوني حاسم في قضايا ومفاهيم أساسية كالسيادة والإرهاب والمصالح وما شابه ذلك..ستجد الدولة الوطنية الثالثية نفسها تحت ضغط نظام دولي يحتكر فيه حقّ النقض دول هي وريثة انتصارات الحرب العالمية الثانية..هناك ما يوحي أن هناك دولا في المسرح الدولي تتمتع بالإسم نفسه لكن شكل العضوية في مجلس الأمن وحجم النفوذ والسلطة يختلف..فإمّا الخضوع الدولي وإمّا المروق، وفي مثل هذه الحالة يبقى البند السابع هو سيف ديموقليس فوق رروس الدّول..ظهر الفيتو منذ نشوء عصبة الأمم في 1919 وتكرّس في سان فرانسيسكو عام 1945 مع ميلاد الأمم المتحدة..قال المندوب الأمريكي في مؤتمر الأمم المتحدة يومها توم كوناللي عبارة تلخّص طبيعة النظام الدولي..أي أنّ النظام الدولي لا يمكنه أن يستمر من دون فيتو، وإذا استطاعوا القضاء عليه فهذا يعني نهاية الأمم المتحدة:” في وسعهم قتل الفيتو إذا شاؤوا، ولكن لن تكون هناك أمم متحدة إذا فعلوا ذلك”..
ظهر مفهوم الدولة المفتوحة لكسر الحدود أمام الراسميل الأجنبي..فإملاءات الصندوق التي أصبحت شرطا في الجدولة تفرض فتح الاقتصاد أمام الاستثمار الخارجي وتقليص النفقات الاجتماعية من قبل الدولة وتحرير الاقتصاد وتطوير القضاء لكي يصبح ضامنا وكل ذلك بمجموعه ليكون عامل جذب للاستثمارات..يحصل شكل من الوعي الزائف الذي يجعل الشعوب الجائعة نفسها تقوّض مصيرها وتتحوّل إلى جيش احتياطي لدى الإمبريالية..
إنّ المدى الذي تتحرّك فيه الإمبريالية أوسع من المدى الذي تتحرك فيه الدولة الوطنية الثالثية..فهذه الأخير منهكة في معارك التنمية المستحيلة ومشغولة بممارسة سيادتها داخل حدود ملغومة، بينما الإمبريالية ترصد المساحات الأوسع والآماد الأبعد في رسم خططها..وأحيانا تبدوا هذه المخططات لدى الدول الضعيفة أشبه بأساطير سياسية ولا تضرب لها حسابات فتكون عاجزة عن فهم التقلّبات السياسية على المسرح الدّولي.
أعود إلى السؤال نفسه الذي أكرره على مدى هذه الفصول: هل تملك الدول الثالثية ومنها العربية رؤية بعيدة المدى؟ هل تملك استراتيجيا حقيقة؟ هناك من ينظر إلى هذه المفاهيم نظرة سطحية فيعتقد أنّ الممارسة الوظيفية لدولة التّبعية هي ممارسة استراتيجية، وهنا مكمن الوهم، لأنّ أحد أهم شروط قيام استراتيجية حقيقية هو السيادة. وبقدر ما تتمدد السيادة تصبح الاستراتيجيا ممكنة ومنطقية وبقدر ما تنكمش السيادة تغيب الاستراتيجيا. إنّ دولة التبعية لا تحسن سوى أن تؤدّي أدوار الوكيل في قضية مجزوءة، ولكن الإمبريالية لا تطلع دول التبعية على أهدافها البعيدة..وتبدو دولة التبعية عاجزة عن امتلاك استراتيجية خاصّة لأنها لا تملك سلطة التأثير الجيوبوليتيكي وأدواته..تخشى دولة التبعية من مجرد التفكير في القرار المستقل..تبرز دائما شهادة حسن السلوك أمام من تسمّيه حليفا بينما يمنحها هذا الأخير كودا خاصّا بالخدمة..في النهاية قد تقتضي خطّة الإمبريالية تقديم من يعتقدون أنفسهم حلفاء قرابين في صفقات جيبوليتيكية كبرى..لكي تقاوم الدولة الوطنية هذا الجور الإمبريالي يتطلب الأمر منها امتلاك سيادة، والسّيادة هي للشعب كما يقرر حتى ميثاق الأمم المتحدة نفسه، تستطيع الدولة التي تصنع الأمّة في وضعها الراهن أن تكسب معركة السيادة من خلال تمكين الشعب من الوعي الضروري والثقة الكافية لكي يكون أداة فعّالة في معركة السّيادة..أن تمارس الدولة سيادتها في المجال الرمزي مسألة أساسية لكسب الرهاب في مجال تحقيق السيادة المادية..لعل الوهم الكبير الذي تقع فيه الدّولة الوطنية الثالثية غير الواعية بموقعها من الخريطة الجيوبوليتكية أنّ التنازل عن السيادة لا يكسب قوة أو أمنا بل يرهن الدولة لدوامة ومصير الصراع الدولي والإقليمي. وفي مثل هذه المعركة الدّائمة لا تستطيع دولة التبعية أن تتنبّأ بمصيرها ومصير أحلافها. لقد أعفت الإمبريالية محاورها من التفكير الجيوستراتيجي ورهنتهم للمجهول. لقد غابت الرؤية المستقبلية في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة، وباتت دولة التبعية في حالة عطالة وسوء تقدير.ففي عالم المستقبل فقط الدول التي تملك حدّا من السيادة والرؤية الجيوستراتيجية هي من سيستمر في الوجود، لأن المستقبل لا يمكن إدراكه بالتبعية..
هنا يبدأ سؤال الاستراتيجيا ودور الجغرافيا الذي يجعل أمن الدولة وسيادتها يوجد خارج حدودها، ولكن وفق مقاربات متينة وناجعة. هنا أيضا تبدوا القوة الناعمة أمرا أساسيا في عملية الجذب. ليست كلّ دولة هي مقنعة على المستوى الجيوستراتيجي نظرا لحجم القوة المادية والمعنوية..كيف تمتدّ أدرع الإمبريالية في المجال وهل تملك الدولة الثالثية رؤية جيوستراتيجية؟
ادريس هاني:

عن prizm

شاهد أيضاً

انهيار اقتصادي عالمي في 2024 أو انقلاب بالولايات المتحدة في 2025

8 كانون أول 2023 *ألكسندر نازاروف بلغ دين الولايات المتحدة حينما دخلت الحرب العالمية الأولى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *