الرئيسية / الملف السياسي / العالم / في جدوى القانون الدّولي على صعيد الماكروسياسات

في جدوى القانون الدّولي على صعيد الماكروسياسات

ادريس هاني

أمران يطيحان بالقانون الدّولي: القدرة النووية والرّيع الديبلوماسي، والباقي تفاصيل تشغل بال الذين يعتقدون بأنّ المجتمع الدولي هو حقا مجتمع للحق والقانون. الصراع الأزلي بين الإمبريالية والشعوب أنتج كل ظواهر الفساد في السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع..القانون الدولي لا يوجد هناك حيث يتشكّل من مواطنين هم الدّول، بل القانون الدولي هو هنا في تفاصيل الحياة الفردية ويوجد في مركز وهامش المجتمعات المغمورة..الفرد، المواطن: تفصيل صغير في مجرى هذا التعقيد الدّولي..حين تحضر المقاولة ومنطقها يصبح القانون الدولي قصيدة شعر وآمال وأحلام..يخشى ترامب من القوة النووية ولا يقاوم منطق الصفقات..وفي مثل هذا الوضع لن تكون هناك أي أهمية للقانون الدولي الذي هو قانون الكبار ضدّ الصّغار..إنه المجتمع الدولي هو مقاولة مارقة..

هي تفاصيل إذن، فما الحاجة إليها في زمن أصبح أطفالنا يدركون أنّ فوق قوة القانون يوجد قانون القوّة وتحت الطاولة تجري الصفقات؟..يصبح الحديث في القانون الدولي خداع ومساهمة مجّانيّة في طمس الحقيقة ومساهمة في إخفاء القانون الحقيقي الذي يستند إلى قانون الألعاب..

بالنسبة للعالم الثالث فهو يقع في وضعية الأسير والمرتهن..حتى الصفقات لن تحميه على المدى المتوسط والبعيد..فالمال الثالثي هو محدود، وإذا فاض فهو من منبع طاقي آيل للنضوب وعادة يجري على حساب الموازنة..وعليه فالعالم الثالث من دون مقاومة ورأسمال شعبي هو آيل للفوضى والسقوط، وتبقى القوة النووية هي من يوقف العدوان، لذا فهي محرّمة على العالم إلاّ من غرف منها غرفة بيده قبل ميلاد قانون الحظر..وإذن دول قليلة في هذا العالم فقط هي من تستطيع أن تخرج من سطوة الابتزاز..

إنّ الإمبريالية تأكل أبناءها، وهي تحديدا القوة الغاشمة التي لا تكثرت لخطاب الضمير، ومع أنها الأكثر استغلالا للأنسنة في إخضاع الأمم فهي آخر من يفكّر في مصير الإنسانية..

المسألة الأهم في هذا الصراع الأزلي هو عنصر الثقة والمصداقية، فالقانون الدولي يؤكد يوما بعد يوم أنه موضوع لانتهاكات جسيمة من قبل القوى التي شكلت منذ الحرب العالمية الثانية ضامنا لقيام وسير مؤسساته..نحن أمام حركة احتجاجية دائمة هي من يمنح القانون قيمته التي توجد في الرفوف وتتعرض لممارسة انتقائية تؤكّد على أنّ القانون الدولي بالفعل واقع تحت هيمنة السياسات الكبرى..

الدّول الهشّة في قبضة الإمبريالية، والشعوب في قبضة تلك الدّول، ومصير العالم يتحدد بهذه الهيرارشية..لا أحد في وضع مريح..ويبقى الشّكل الوحيد المتاح من الحرّية هو الوعي باستحالتها..العالم الثالث يحتضر، وهو يغرق يوما بعد يوم، ولهذا الغرق صلة بغياب المصداقية والثقة وهما العنصران الضروريا لاستمرار النّظام الدولي..

في المنعطفات الصعبة لا بدّ من أضحية سياسية..لا بدّ من ضحية لإسدال الستار عن التراجيديا..والكل هارب من الاستحقاق، والضحايا يتسابقون وقلّما يفكّرون، فغريزة الهروب تترك حولها فظاعات كبرى..القضية أكبر من أن يعالجها القانون الدّولي بل عي قضية جغرافيا سياسية يفسّرها قانون تقلّب المناخ..يرافق تغير المناخ واهتزازه تقلب في المزاج..وهذا ما يحدث اليوم..سوف نظلّ نعزف على القانون وأبجدياته، بينما الذي صنع القانون وأتقن العزف عليه هو من يتحكم فيه اليوم ويوجهه بانتقائية قاتلة..الاحتجاج بالقانون ليس سوى جزء من قانون الاحتجاج: اهتف ما طاب لك الهُتاف ثم انصرف لتستمرّ اللّعبة بتلقائية ممسرحة..

القانون الدولي لا يوقف شيئاولا يملك أن يحكم خارج الإرادات..أحيانا هو ذلك الخداع الذي يوهم القبائل الدولية بأنّها أسرة دولية بالفعل..يداري بين الفينة والأخرى قضايا هي بمثابة عناصر تأثيث في المسرحية الدولية..ففي اللحظات القصوى تظهر قسوة النظام الدولي وعجز القانون الدّولي عن أن تكون له قيمة عملية..العالم ينتظم وفق دستور عرفي يخضع لقانون القوّة..العالم الثالث ليس له أن يطمح أكثر..وهو بفعل هذا الخضوع والارتعاب والارتهان يتحوّل إلى مسرح للمافيا، إنّها الشكل الوحيد المتاح في نظام دولي توزّعت فيه الفرص على الأقوى فالأقوى..مجتمع دارويني لا يبقى فيه إلاّ الجدير بالبقاء حسب قانون محق الأقوى للضعيف..

القانون الدولي يحضر في القضايا المقدور عليها..في السياسات التفصيلية حين يكون العالم الثالث متّهما أو ضحية..لكنه لا يحضر في السياسات الكبرى، ولا يملك شيئا أمام جوهر النظام الدولي القائم على العلاقات غير المتكافئة…

ما هو مصير العرب في ظل قانون دولي هكذا هي حقيقته؟ لم يتسطع العرب انتزاع أي مكسب في القانون الدّولي في صالح نهضتهم..بل ظلّوا هم ضحايا لعبة الأمم ونظام دولي يقوم على الميز..وتبقى المراهنة على القانون الدولي من دون مقاومة غباء استراتيجيا بامتياز..

22/10/2018

عن prizm

شاهد أيضاً

انهيار اقتصادي عالمي في 2024 أو انقلاب بالولايات المتحدة في 2025

8 كانون أول 2023 *ألكسندر نازاروف بلغ دين الولايات المتحدة حينما دخلت الحرب العالمية الأولى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *