الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / مهنة المتاعب أم مهنة الصفقات؟ في الحاجة إلى صحافة-الصحافة

مهنة المتاعب أم مهنة الصفقات؟ في الحاجة إلى صحافة-الصحافة

ادريس هاني

لقد باتت الحاجة اليوم ماسة إلى إنشاء فرع ميديولوجي يعنى بالصحافة نفسها من حيث هي وحدها الحدث الذي لا يعنى بالتغطية ويتفلّت من الرّصد والتحليل..صحافة-الصحافة التي تتبّع جديد ما يحصل في كواليس الصحافة وبورصتها..هذا الاختصاص يستحقّ أن نضع له اصطلاحا دقيقا وعلميّا..ما رأيكم في الميتا-ميديا، وهي الصحافة الواصفة التي لا تقف عند دراسة المشكلات التي تواجهها مهنة المتاعب، بل هي وحدها من يعلن نهاية مهنة المتاعب وبداية مهنة الصفقات أيضا..

ذكرنا مرارا أنّ الحدّ من الفساد الإعلامي هو مبادرة لن تؤتي أكلها إلاّ حين تتصدّى الصحافة نفسها لمواجهة هذا الفساد، ويظل مشروع صحافة متخصصة في تتبع جرائم الصحافة والصحفيين على مستوى التآمر على الرأي العام هو المخرج الحقيقي، وهو يتطلب قيام صحافة مناضلة يتمتّع طاقمها بتاريخ وحسّ نضالي كبير هدفه تحقيق العدالة الإعلامية والدفاع عن حق الرأي العام في الصّحة الإعلامية والدفع إلى إقرار قانون خاص بالجرائم الصحافية يفوق القانون الجنائي في صرامته والدفع بإقرار قانون يجرّم الجمع بين العمل الصحافي والاستثمار..الفصل بين المشهد الرمزي والرأسمال..

تعنى صحافة-الصحافة بتتبّع أشكال الصفقات وتحولات الأسهم في المقاولة الصحفية وحجم النفقات والموارد والبحث في ماضي انتماءات الصحفيين وارتباطاتهم وحساسياتهم، ذلك لأنّ الرأي العام له الحق في أن يعرف كيف تتصرف مصادر إخباره ومعلوماته في مجال الصفقات واستراتيجيا التحرير.. إنّ الديمقراطية الإعلامية تجرّد الصحفي من خصوصياته لأنّه يشتغل في صناعة الرأي العام، ومن حقّ هذا الأخير أن يعرف كيف تتم عملية صناعة الرأي العام بدء بالخبر ومصادره وكيفية انتقائه أو صناعته وكيفية بثّه ومن هم المتحكمون في سياسة التحرير والمساهمون والمانحون في الظاهر والخفاء..

يستطيع الإعلامي الخبير والمحترف أن يكتشف التحولات التي يحدثها التغيير في خريطة الأسهم وبورصة الصحافة على مستوى المانشيطات ونوعية الأخبار وغرابتها وتحليلها في سياق الأزمات المحلية والإقليمية بالإضافة إلى الوجه الآخر من الولاءات الجديدة التي تترجمها أخبار تسعى لتخدير الرأي العام وتوجيهه إلى نواحي تخدم سياسات محدّدة..سيكون الرأي العام هو الضحية الأساسي في هذه المؤامرة، فالإعلام الصّفقاتي اليوم يخدعنا، يضطهدنا، يسخر منّا، يجعل من البعض ضحايا لسياسات وحشية تقتحم البلدان، تخترق خريطة الميديا، تشتري الذّمم تنتهك حرم النسيج الاجتماعي، وتعتقد أنّ الهيمنة على أسهم إعلامية في بورصة صحافة المافيا سيمنحها الحق في استعباد المجتمعات واستغلال الرأي العام..إنّ صحافة -الصحافة فرع ثوري يهدف إلى مقاومة كل أشكال الاستهتار بالرأي العام واستغلاله من صحافة توالي من يدفع أكثر، وتسعى إلى التطاول واستغلال أزمات المجتمع في خلق الإثارة..الطابور الخامس لهذا النوع من الصحافة يتمتعون بشراسة عبيد المنزل في الفتك بعبيد الحقل..ملامح إجرامية واستعداد كبير لمحق الحقيقة بحقد..هناك مافيا تتجار في الإعلام وتحاول أن تستثمر في قضايا المجتمع..ومن حقّ المجتمع أن ينتفض أمام هذا الخداع الميديولوجي الجديد، لا سيما حين يصبح الطابور الخامس في خدمة الرجعية التي تنقل التوحّش إلى البلدان الآمنة عبر سياسة شراء الذّمم والهيمنة على أسهم في زمن تحولت الصحافة فيه إلى بوصة، مما يعني أنّها غير معنية لا بالشأن العام ولا بالحقيقة ولا بالإنسان..صحافة-الصحافة مبادرة ينهض بها المناضلون الحقيقيون..وحدها ستكون مهنة المتاعب في زمن تحولت فيه الصحافة إلى مهنة الصفقات..

في مثل هذه الحالة الكل يتحمّل مسؤولية فساد الإعلام وشيوع صحافة المافيا..نحن نتتبع كل التحولات في الصفقات وفي سياسات التحرير وفي المؤامرات التي تحدث داخل المشهد الإعلامي وتريد أن تستثمر في أزماتنا وبؤسنا ومشكلاتنا..تحاول أن تضطهدنا عبر أساليب التشويه والإثارة والتحريض ونشر الكراهية..نحن نتابع ذلك جيّدا ونعرفه جيّدا ونحذّر منه جيدا ونرصد تطوراته جيدا….

هناك مافيا تريد أن تحلّ مشكلاتها بالاستثمار في مجتمعات أخرى..تسعى للهيمنة على الرأي العام وثقافته وذوقه وقيمه من خلال التسلط على مشهده الإعلامي مستغلّة خدعة المقاولة الإعلامية..لقد أصبحت مافيا الإعلام تتجاوز الحدود وتقدّم خدمات لسياسات أجنبية في غياب أي رقابة على دفاتر التحمّلات المعلنة وغير المعلنة التي تجعل المشكلات داخل الوطن الواحد شأنا خاصّا لا دخل فيه لقوى خارجية، لكن ما يحدث اليوم هو أنّ قوى كثيرة عبر الإعلام المحلّي تتدخّل لتضطهد مواطنين أجانب في بلدانهم..بينما الطابور الخامس الصحفي لهذه القوى الخارجية يستبيح المواطنين والمجتمع كأنه في مزرعة مستباحة، هل هي يا ترى الوصاية أم العدوان..وفي مثل هذه الحالة: من يحمي المواطن من صحافة تعتدي عليه بأدوات صناعة الخبر وصفقات مع قوى خارجية؟؟؟

22/10/2018

“نيويورك تايمز”: لا أمل لـ “التحالف

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *