الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / سوريا تنتصر وبدأ مسلسل النّفاق…

سوريا تنتصر وبدأ مسلسل النّفاق…

ادريس هاني

في المغالطة يهرب الجميع، وفي الإعلام هناك مغالطة الهروب، أي حينما تضع الحرب أوزارها نسمع الإعلام يسلك دروبا ملتوية ويتحلّل من مسؤوليته، وذلك حين يُقال بأنّ الصورة لم تنقل كما هي..نتساءل: ومن المعني بنقل الصورة الحقيقية؟ طبعا الإعلامي..نحن أمام مفارقة..الإعلامي مسؤول والإعلامي الضحية في الوقت نفسه.. للتهرب الضريبي من الأزمات يكفي أن يقال: كان لا بدّ من التّحرّي..إنّ مغالطة الهروب ستكون هي أسهل طريق بالنسبة لأي إعلامي أو فاعل إزاء ما جرى ويجري في سوريا، فالحقيقة واضحة، بينما الاعلام انخرط ليس فقط في التهريج بل في جريمة التآمر والتحريض وفي أقل الأحيان بالصمت في زمن الساكت فيه عن الحق شيطان أخرص..إنّ تاريخ المواقف والآراء بخصوص سوريا واضحة ودقيقة والكل مسؤول عما جرى، لأنّ النار هناك أكلت شعبا وقع تحت رحمة الإرهاب ، بينما احترف الإعلام تسمية الأشياء بغير أسمائها فيما الجميل تسامح في القبول بهذه الملحمة من البهتان العظيم..المصالح والانتهازية واللاّمسؤولية والإصطفافات والسمسرة كانت تحول دون رؤية ما يجري..الكل كان ينتظر سقوط الأسد، والكل كان ينتظر أن تأتي عصائب الناتو وتغير من منطق الأشياء في سوريا..سنوات على إيقاع الدم السوري المسفوح كانت معزوفة خصوم سوريا تجري وفق السّلم الموسيقي نفسه..كان سقوط الأسد في خيال كلّ هؤلاء حتمية يفرضها منطق الرّيع النفطي المتدفّق على امتداد الطوبوغرافيا الفاجرة..كانت طلائع المقاومة تبلي بلاء كبيرا..كانت تكافح هذه الوحوش التي تسللت من كل ثقوب الجغرافيا السياسية..هي حرب استمرت 8 سنوات..كان طلائع المقاومة لهذا التخريب معروفين بينما قطيع الغنيمة صامت أو متبرّم أو عازف على ذات النغم..اليوم حين انتصر محور المقاومة بدأت بعض الألسن تنطلق من عقدتها، تغيير المواقع، تحريف الذاكرة، البحث عن ما من شأنه أن يصلح مستندا هنا أو هناك، سبحان مبدّل الأحوال..أصدقاء أصدقاء الجيش الحر باتوا متضامنين مع سوريا، أصدقاء الإخوان المسلمين باتوا في طليعة الرفض للحرب على سوريا، نبتت نابتات غريبة ونطقت أصوات كانت تتلعثم..

تاريخ الخذلان، والصمت، والتدليس، والخداع هو أيضا شيء مدرج في أرشيف الحرب على سوريا..من يراهم اليوم يتفيهقون يظن أن التضامن مع النظام السوري كان حالة إجماعية وبأن الاحتجاجات لم تقف منذ بدأ العدوان..نحن في كل مرحلة نواجه مسيلمة الكذّاب..الانتهازية، الدجل، الجبن..إنه موقف: الصلاة وراء من غلب…

بالنسبة إلى سوريا فهي تدرك بالتفصيل كل ما جرى..تعرف جيدا خصومها من غيرهم..تقبل بالازدواجية والانتهازيين على قاعدة: كلب يعوي لك أفضل من كلب يعوي عليك..فسوريا عانت الكثير من هذا الصنف الخطير..لا يكفي أن يتحدث الإنسان كالعوام وكأنه ضحية الإعلام، لأننا نبّهناهم منذ 2011 على خطورة ما يجري وسمينا الأشياء بأسمائها لكنهم اعتبرونا شبيحة ورفضوا الحقيقة، رفضوها وهم في كامل قواهم العقلية..

أكثر من ثلاثين حلقة في بداية الأحداث أظهرنا فيها حقيقة وجود الإرهاب والمسلحين الذين كانوا يتترسون بالمواطنين الذين خرجوا في مطالب اجتماعية لتحسين الأجور وما شابه، لعبة القنص وضحايا الجيش العربي السوري الذي حولته الماكنة الإعلامية المعادية لسوريا إلى مجرد قوات الأسد بينما سمت مرتزقة الإرهاب بالجيش الوطني الحر..

لقد تقوّلوا فينا وأهانونا وحاربونا فقط لأننا رفضنا الانجرار لمواقف الإخوان والناتو والقرضاوي والعرعور بخصوص سوريا..نعتونا بكل الصفات إلى حدّ اعتبروا الموقف التضامني مع سوريا خيانة.. بل إن المفارقة أن حتى بعض فلول النفاق يكرهوننا أكثر من إسرائيل لأننا بموقفنا هذا أحرجناهم..ويا ما تآمروا..على الرغم من كلّ هذا لم يحصل إلاّ ما قلناه في بداية الأمر: فاقرأ في كل الدفاتر الموثّقة، أنّنا قلنا منذ اليوم الأول بلا منازع: لن يسقط الأسد..ستنتصر سوريا، بل سوريا انتصرت في نظرنا في الأشهر الأولى حينما قررت المقاومة..

كنا نتطلّع لتغيير اللهجة قبل سنوات، وفي اللحظات الحرجة التي منحنا فيها هؤلاء الصمت والتآمر..ما قيمة المزايدات على قاعدة مغالطة الهروب اليوم؟ لنتذكّر في تلك الأيّام الصعبة كيف كان الكلام مكلفا ومغامرة وتضحية..يدرك ذلك من عاش تلك المواقف الصعبة..كان الصمت انتظارا، كانوا ينتظرون سقوط سوريا لكي يعبروا عن مواقفهم بأثر رجعي، وربما قالوا: لقد سكتنا لأننا كنا ننتظر سقوط النظام..لكن سوريا لم تسقط، والمهرولون وضعوا السنتهم فوق صندوق ماسح الأحذية…

ادريس هاني

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *