الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / السلفية الجهادية والإخوان وسوء الفهم الكبير

السلفية الجهادية والإخوان وسوء الفهم الكبير


ما جهلته مقاربات “الخبراء” الجدد عن هذه الملل والنحل
ادريس هاني

الذهاب والإياب بين سلفية علمية وأخرى جهادية هي ضربة حظّ ووعكة مزاج..تصدر السلفية الجهادية باعتبارها ذروة التّطرف عن بيئة سلفية تقليدية أو عن تيار الإخوان أو عن بيئة يكثير فيها البؤس والاختلال النفسي والعقلي..فأما عن صدورها من السلفية التقليدية فإنّ السلفية الجهادية ليس أمامها في حال انفضاح أمرها إلاّ الهروب في اتجاهين: اتجاه الرقص على أنغام إديث بياف وإمّا العودة التكتيكية للسلفية العلمية أي الانتقال من العنف المادي إلى العنف الرمزي..وأما عن صدورها من الإخوان فلأنّهم بعد اختراق السلفية لهم حصل زواج هجين بين تنظيم العنف والبنية العقائدية للتكفير فتم إعادة بناء الفكر القطبي على أساس من التكفير ليس للحكومات فحسب بل للمجتمع أيضا..والإخوان هم سادة التدليس فهم لا يكفرون المجتمع في الظاهر لكنهم يعتبرونه وسيلة للتمكين بينما لسان حالهم (ليس علينا في الأميين سبيل)..وتاريخيا انشقت السلفية الجهادية من الإخوان لكن هذا لا يعني أن الإخوان في تربيتهم وكواليسهم لا يمارسون رياضة التكفير..وتسألني: ولم هذه المعركة التي نشبت بين كل من الرياض وأبي ظبي ضد الإخوان وأجيبك باختصار مفيد: لقد احتضنت هذه الدول الإخوان منذ الخلاف الحاد بينهم وبين عبد الناصر، ثم سرعان ما تحول الإخوان إلى حالة اجتماعية بل طائفة داخل بلدان الخليج امتدت للمجتمع وأسست لها فروعا عن التظيم الدولي..كان قادة الإخوان قد تورّطوا في العمل الاستخباراتي لصالح هذه الدول بل استطاعت هذه الدول اختراقهم فوجدت أنهم يلعبون على أكثر من اتجاه ولمصلحة أجهزة متناقضة..ونظرا لقوة تنظيمهم كانت لهم مشاريع خاصّة وقعت مخططاتها في يدي هؤلاء فانتهت الثقة وبدأت الحرب..لا أحد يملك أن يعرف كواليس الإخوان أكثر من هؤلاء، لا سيما بعد أن شق الإخوان طريقهم منذ آخر مؤتمر أشرف عليه مصطفى مشهور بإسطنبول وتركزت مخرجاته على سياسة التمكين والصراع بين الطرفين قائم على قدم وساق..ولا شيء يفسّر هذا النزاع أكثر من فهم طبيعة العلاقة التقليدية بين الطرفين..ليس النزاع هنا بين السلفية والإخوان، بل هذه العلاقة تأكدت بأشكال ومستويات لها تفاصيل مملّة..وأما صدورها عن بيئة الاختلالات النفسية والعقلية فإنّ هناك صنف من السلفية الجهادية قفز على تجارب السلفية العلمية والإخوان وحطّه السيل من قمّة الإدمان على المخدرات والأقراص المهلوسة، ولا يجد هذا الميل إلى الجريمة نفسه في كل التعبيرات الدينية إلاّ في تعبير السلفية باعتبارها تمنحه فرصة بناء علاقة متوترة مع الآخر وتمنحه حق استباحة حرمات النّاس..إنّ السلفية الوهابية اليوم هي فكر يرضي كل هذه النزوعات وكأنه فُصّل ليكون مزرعة احتواء للمرضى..يلعب التفسير الوهابي للدين التعبير المناسب لذوي العاهات النفسية والعقلية، ولذا تكون الاستجابة سلسة والدخول فيه أفواجا من قبل من ابتلي في العقل بلوثة، فهو يمنحهم اطمئنانا خاصا ولا يطالبهم بتصحيح ميولهم تجاه الآخر بل يزكيها ويمنحها فقها خاصا تعويضيا..فالوهابي حين لا يجد كافرا حقيقيا بالدين يفتعل مزيدا من نوبات التكفير داخل من يشاركونه ليس الدين فحسب بل حتى الملّة الوهابية نفسها، وهذا ما يفسر ظاهر الاقتتال بين عصائب السلفيات وكيف رأينا حين احتدم الصراع بين النصرة وداعش كيف تطايرت بينهم الرؤوس وكان بأسهم بينهم شديدا..وتكشف ملفات السلفيات الجهادية المنخرطة في الإرهاب كيف أنّ أغلبيتهم الساحقة يصدرون من هذه البيئة التي يتحوّل فيها بائع الماحيا لى أمير في دولة الخلافة الجديدة..
لقد مثّل مشكل اللغة دورا سلفيا في تحقيق الفهم، لقد عاش الإسلاميون الأتراك بخلاف الإسلاميين العرب عقدة الخلافة باعتبارها جزء من ذاكرتهم..وكان الإخوان في البلاد العربية يعيشون على هذه الأطلال لكن ليس بالحدة نفسها لدى إخوان التُّرك..وهؤلاء لما نظروا في أشكال الإسلام السياسي العربي لم يميزوا بين طبقاتهم وآرائهم ورأوا فيهم جند الله ثقافة وقتالا للقيام باستعادة أمجاد خلافة العصملّلي، وسلكوا ذات التدليس الإخواني حيال سوريا التي منحتهم الثقة وفتحت لهم طريقا إلى العالم العربي..فمن كان ينظر إلى غدر الإخوان ضد من يمدّ لهم اليد فلينظر إلى ما فعلته الأوردوغانية بسوريا..وهنا أحب أن أكون موضوعيا أكثر، حيث النزاع الحاد بين بعض دول الخليج والإخوان ينطلق من هذا الإدراك ويستبقون الوضع للإطاحة بحكوماتهم التي حملها “الربيع العربي”..فلقد فتحت الأوردوغانية المجال لكل أشكال الجماعات السلفية وجعلت منهم حالة انكشارية وأطلقت سيقانهم للريح باتجاه سوريا بينما شكلت لهم ظهرا مساندا في بناء إمارات كان أوردوغان ينتظر فرصة تحقيق انتصارات ليستولي عليها في إطار مشروع خلافة كبرى..وحينما فشلت الدويلات التكفيرية في تحقيق هذا الواقع تحركت قوات أوردوغان لمواجهة آثار هذا الخطر بتفعيل أجندة الدولة القومية وحساسيتها..حين اختار غراهام فولر وأقنع الدوائر الأمريكية بإمكانية منح الإخوان فرصة وبأنهم قادرين على الحكم كانت عينه على أوردوغان باعتباره كما قال في رسالة لسفيرهم بأنقرة أنذاك: هذا رجلنا في المستقبل، يوم كان أوردوغان رئيسا لبلدية اسطنبول..أرشيف الخلافة العثمانية مدروس بعناية فائقة لدى الأمريكيين، ويعتبر برنار لويس كبير المستشرقين المخضرمين من أكثر الاختصاصيين في هذا الأرشيف وهو مستشار سابق في البيت الأبيض والبنتاغون..ثم على هذه الأرضية عمل المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الأمريكية غراهام فولر على تطوير فكرة عن تحويل الإخوان إلى حليف، وبأنّ الأوردوغانية بإمكانها بناء خلافة عثمانية جديدة حليفة للغرب..المشروع في بداياته كان يهدف إلى أمرين:
_ من شأن خلافة عثمانية أن تجمع العرب إليها لتحقق توازنا إقليميا أو مشروعا موجها ضد إيران وضدّ المنظومة العربية في آن معا..
_ التشرذم العربي لم يعد يمثل هدفا للإمبريالية بل بات الهدف إنشاء شرق أوسط جديد وكبير ، يوحد القرار العربي في ظلّ الباب العالي الجديد..
لضرب المنظومة العربية وإمكانية احتوائها في الشرق الأوسط الجديد يتعين ضرب مركز الممانعة العربية (=سوريا)، باعتبارها عائق حقيقي ضدّ هذا المشروع..فلقد كانت سوريا هي أول من فجر ثورة ضدّ العصملّلي أيام الاحتلال التركي للشام..كانت الإمبريالية تريد صوتا واحدا في المنطقة يملك قدرة على تمرير كل المشاريع الإمبريالية، فأوعزوا لأوردوغان بهذه المهمة المشروطة، وحين فشل وأرادوا أن يستغنوا عنه بدأ سوء فهم من النوع شديد الإلتباس..لكن هذا جعله يدفع الثمن أكثر من خلال سحب الاستثمارات وضرب العملة وهو ما كان يشكل مصدر قوة شعبية..أطاح السيسي بمرسي وتجنبت مصر كارثة حقيقية أيّا كانت التهم التي أطلقها الإخوان عنه..فلقد حال دون أن تتحول مصر إلى مركز الخلافة وحينئذ اعتبر القرضاوي الذي كان هو الأب الروجي للإخوان بأنّ أوردوغان خليفة..وهكذا تمت مبايعة الخليفة الجديد في مشروع لم ينجز..
اعتبر أوردوغان نفسه طرفا في الشرق الأوسط الجديد وشريكا، بل على هذا الأساس تدفقت الاستثمارات إلى تركيا لمنحه شرعية المنقذ للاقتصاد التركي وإنعاش اقتصاد السوق مما جعل حلفاءه الاستراتيجيين قادة الرأسمالية المتوحّشة، فكرة المنقذ للاقتصاد التركي لها أكثر من حكاية بحساب الاقتصاد السياسي ..لم تعد الإمبريالية تريد تنوعا في القرار العربي، ولقد حصلت ردود فعل في بدايات الربيع العربي حينما تحدث العريان ضد أوردوغان..ولكي يتنافس إخوان مصر مع إخوان تركيا حول مركز الخلافة القادمة سارع مرسي بتهنئة بيريز برسالة غرامية غير مسبوقة: بيريز المنظر الأساسي لمشروع الشرق الأوسط الجديد..على الرغم من التحالف الاستراتيجي بين أوردوغان والإخوان إلاّ أن الحرب الباردة بينهما حول مركز الخلافة كان قائما، وكان أحرى أن نفهم الأسباب التي جعلت مرسي يظهر الكثير من الحماسة ويشرع في منح الجيش الوطني المصري أدوارا جديدة لصالح مشروع الخلافة القادمة حين لوح بانضمام الجيش المصري إلى ميليشيا السلفية الجهادية والإخوان في الحرب على سوريا، بل حين جعل أقوى الجيوش العربية رهن إشارة ميليشيا الجيش الحرّ الذي كان ينشط فيها قواد كازينوهات سوري في مصر زعم أنه انشق عن الجيش والتحق بالجيش الحر، أعني المدعو العواك..لقد أراد مرسي وبتوجيه من جماعة الإخوان تنفيذ وجهة نظر سبق وعبر عنها العريان أنهم في مصر ليسوا في حاجة إلى دروس..اختلف أوردوغان مع إخوان مصر حول مركز الخلافة، بينما التاريخ يؤكد أن نشأة الاخوان في الأصل هي ردّ فعل على سقوط الخلافة العثمانية..
ادريس هاني:24/12/2018

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *