الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / حوار مع أقدم ضابط سابق في الجيش المصري – زميل الزعيم جمال عبد الناصر بالكلية الحربية

حوار مع أقدم ضابط سابق في الجيش المصري – زميل الزعيم جمال عبد الناصر بالكلية الحربية

شهادة هامة منشورة في صحيفة “السياسة” الكويتية – سبتمبر 2012 

■ “الإخوان” حاولوا تجنيد عبد الناصر وتركنا دروس البنا بسبب ……
■ أسرار خلع محمد نجيب ورغبته فى عودة الملك فاروق
■ “الجيزاوي” وضع صورة الملك جورج الخامس وكتب أسفلها بالانجليزية “عاش ملك بريطانيا”
■ الضابط الانجليزي الذي كان بالبعثة العسكرية أعجبه جنايني فقرر أن يجعله “ضابطا”.

—————-

الإسماعيلية – هاني بدر الدين:
يبلغ من العمر 96 عاما لكنه يحتفظ بذاكرة وعت كل ما جرى في تلك السنين, شهد فترة الحكم الملكي لمصر, وزامل الرئيس جمال عبد الناصر في الكلية الحربية, وكانا صديقين, ويعتبر من شهود العيان على ولادة جماعة الاخوان المسلمين, وكان على علاقة مع مؤسسها الامام حسن البنا, كان ناصر قبل وبعد توليه الرئاسة يذهب اليه في منزله, ويحرص أن يتناول الطعام معه وخاصة “الفاصوليا البيضاء بالدمعة”, انه اللواء عباس ناصر, الذي يحكي لنا عن حياته وعلاقته بالرئيس عبد الناصر في ذكرى وفاته.وصلنا منزل نجله اللواء وسام, وبمجرد جلوسنا, دخل اللواء عباس في خطوات ثابتة, صافحنا وجلسنا, وعلى الفور بدأنا رحلة الذكريات في جلسة استمرت ساعات عدة, ظهرت خلالها روحه الفكاهية, وحبه الشديد لأحفاده, ورغبته في أن تكون مصر أفضل البلاد.
■ بداية كيف ترى الوضع الذي تعيشه مصر الآن بعد انتقال السلطة من العسكر الى الحكم المدني?
□ هناك أولا أمر مهم يجب أن نلتفت اليه, وهو انه في الفترة ما بعد ثورة 23 يوليو حققت مصر انجازات على يد حكم العسكر أبرزها انهاء الاحتلال البريطاني, وارساء التعليم المجاني حتى الجامعة, وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين بواقع 5 أفدنة, وتأميم قناة السويس, أقول ذلك ليس دفاعا عن العسكر, ولكن دفاعا عن الرجال الوطنيين, فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان رجلا وطنيا شأنه شأن أي رجل وطني آخر يحكم بلده, ويا ليتنا ننسى الحديث عن حكم المدنيين وحكم العسكر, فحكم العسكر لم يكن خطأ عندما أنهى الاحتلال البريطاني وقبلها كانت مصر مستعمرة بريطانية.
■ كيف التحقت بالكلية الحربية?
□ قدمت للكلية الحريبة واسمها وقتها المدرسة الحربية, استقبلني اللواء ابراهيم خيري باشا, و6 ضباط انكليز, أحدهم قال لي: انت يا ولد, رددت قائلا: “ماتقوليش يا ولد, قل يا طالب”, فقال لي “أنت شاب متفوق وذكي من الأفضل لك أن تسافر الى بريطانيا وتتعلم هناك فأنت متفوق ويمكنك أن تصبح مهندساً باراً”, فرددت قائلا: “أنا تعلمت من أجل مصر وأريد أن أصبح ضابطا في الجيش المصري”, ولكنهم للأسف رفضوني, فالتحقت بكلية الهندسة, بعدما تم قبولي بكليتي الهندسة والطب, وبقيت مسجلا في كلتا الكليتين, ولكني تركت الكلية بعدما وجدت ان هناك مشكلات بها, حيث كان الطلبة الوفديون ضد عميد الكلية, وفي احدى المحاضرات دخلوا المدرج ب¯ “فرقة موسيقية”, فغادر العميد المدرج, وبعدها ذهبت لوالدي وقلت له ان الوضع لن يستمر هكذا, وطلبت أن أسافر للتعليم بالخارج, وبالفعل قبلوني في جامعة أكسفورد وفي جامعة أخرى في لندن مجانا, ولكن جاءني خطاب من قيادة الجيش المصري بأن القيادة انتقلت من الجيش البريطاني الى الجيش المصري وأنه تم قبولي بالمدرسة الحربية.
■ كيف تعرفت الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر?
□ جمال عند الناصر كان تلميذا في مدرسة رأس التين الابتدائية آخر عشرينيات القرن الماضي, ورأيته في الكلية الحربية كطلبة, دخل الكلية الحربية في مارس 1937, وتخرجنا في يوليو 1938, حيث تخرج أكثر من دفعة, ففي أبريل تخرج زكريا محيي الدين وحسين الشافعي ومحمد أنور السادات, وفي يوليو أول دفعة من خريجي الجامعة دخلت الحربية وتخرجوا فى سلاح المدفعية, وآخر السنة في يوليو تخرجت دفعة أخرى كنت فيها والرئيس عبد الناصر.
■ وكيف كانت أحوالكم أثناء الدراسة بالمدرسة الحربية?
□ الدراسة كانت انكليزية, على أيدي البعثة الانكليزية العسكرية البريطانية, التي جاءت الى مصر بعد معاهدة 1936, وكانت مسؤولة عن تدريب الضباط واختيار من يصلح منهم للقيادة, وللأسف كانوا لا يختارون الأكفاء, ولكن كانوا يختارون على حسب الأهواء و”الواسطة”.وعندما تخرجنا كان عبد الناصر في الكتيبة الخامسة بنادق مشاة, وكان معه الممثل الكبير أحمد مظهر, وأنا كنت في الكتيبة الرابعة, ومعي المشير أحمد اسماعيل وزير الحربية أثناء حرب أكتوبر 1973, والرئيس الراحل أنور السادات, وضباط بعضهم لم يتعلم أي شىء, وأذكر أن الضابط الانكليزي الذي كان بالبعثة العسكرية أعجبه جنايني فقرر أن يجعله “ضابطا”, وهكذا أي أن البريطانيين كانوا يريدون أن يستغلوا الجيش لحسابهم, كنا ندرس اللغة الانكليزية بدون داع, وكل العلوم كانت تحددها لنا البعثة الانكليزية, ولم تكن هناك دراسة عسكرية كما ينبغي, كنا نتعلم جغرافيا وطيبوغرافيا وتكتيكا. وكيف كانت علاقتك بعبد الناصر? قابلت عبدالناصر في الكلية الحربية, كان قدم أوراقه ليلتحق بكلية الحقوق, وفي سبتمبر 1936 رأى الانكليز أن يتوسعوا في أعداد الضباط بالجيش المصري نظرا للحرب العالمية الثانية التي كانت على الأبواب, فتم قبول دورة في يناير وهي التي التحقت بها في المدرسة الحربية, وانضم عبد الناصر في مارس 1937.
■ وكيف تصف عبد الناصر في ذلك الوقت?
□ عبد الناصر انسان طيب لدرجة لا تصدق, وكانت علاقتنا قوية للغاية, وكنا أصدقاء الى درجة كبيرة, وكان يزورني في منزلي ويقول: عايز آكل “فاصوليا بيضاء بالدمعة” حيث كان يحبها للغاية, أي أنه كان رجلا عاديا ولا يتعامل بأي نوع من التعالي, وأتذكر أن نجلي اللواء وسام عندما كان يعود من العمليات أثناء حرب الاستنزاف كان يستقبلهما عبد الناصر بمنزله و”يعزمهما على الافطار معه”, ويحكي لي أن الافطار كان افطارا عاديا مثل أي منزل في مصر, ويتكون من الفول والجبنة البيضاء والبيض”, وأتذكر أيضا أن ملكة بريطانيا أقامت له مأدبة في “باكينجهام بالاس”, وكان من ضمن الطعام” فاصوليا بيضاء بالدمعة” وكذلك اللحوم والجبنة البيضاء, كما حكي لي.
■ وكيف كانت أوضاع الجيش المصري وقتئذ?
□ عندما انضممنا للجيش عام 1938, كان الجيش طبقا لمعاهدة محمد علي مع بريطانيا عدد جنوده لا يزيد على 18 ألف جندي وضابط, منهم 9 كتائب مشاة, و4 بطاريات مدفعية وكانت بطاريات المدفعية محمولة على بغال, كل 6 بغال تحمل مدفعا بمكوناته, و”آلاي” خيالة, ولا توجد به مدرعات, ولا سلاح مهندسين, ولا توجد سيارات.توجهنا الى منقباد, جمال عبد الناصر ومعه أحمد مظهر كانا في الكتيبة الخامسة, وأتذكر أنه كان هناك ضابط مصرى ولكنه سيىء للغاية, واعذرني لا أريد أن أذكر اسمه بالكامل وكان اسمه الجيزاوي, وكان ينافق الانكليز بشكل مبالغ فيه, وكان ذلك الضابط مسؤولا عن الرماية ووجدنا أنه وضع صورة الملك جورج الخامس وكتب أسفلها بالانكليزية “عاش ملك بريطانيا”, وأتذكر أنه أثناء مرور مفتش الجيش الانكليزي أعجبه وضع صورة ملك بلاده ونادى على الضابط المصري وكان سعيدا للغاية وقال للضابط المصري “أنت ابن, وأنا مبسوط منك”, للأسف كان ذلك هو شكل التعامل بين الانكليز والضباط المصريين, طبعا عبد الناصر أحس بالاشمئزاز تجاه ذلك الضابط, وشعر أنه لا بد من أن نتخلص من الانكليز, وربما كانت تلك الحادثة هي بداية وبذرة الثورة.
■ وماذا بعد التخرج فى المدرسة الحربية?
□ نظرا لأننا ضباط متميزون جعلونا أساتذة بالكلية الحربية, وأتذكر أن ضباط القوات المسلحة كان يجب عليهم أن يخوضوا اختبارا كي يحصلوا على أي ترقية, وكنا نحن ندرب الضباط على كيفية دخول الامتحان, وكان عبد الناصر يحضر معنا, وفي احدى المرات جاءنا ضابط وظل يحدثنا عن جماعة جديدة تدعى الاخوان المسلمين, وحدثنا عن الاسلام وكيف يعيش المسلم, وعمله وحياته, وعرفنا أنهم كانوا يحاولون تجنيدنا بالجماعة, وبعدها التقيت وعبد الناصر مع حسن البنا, وكان البنا مدرسا الزاميا, ومرتبه كان قليلا مثل غيره من المدرسين الالزاميين ولا يصل الى 4 جنيهات, ومكث في الاسماعيلية لسنوات طويلة, في المكان الذي أقيم فيه حاليا مسجد حسن البنا, وكان أصلا “دكانا” في شارع السوق, من 1928 حتى بداية الأربعينيات, والغريب أنه استطاع أن يشتري “فيلا” بالقاهرة في شارع محمد علي بالقاهرة, وأقام فيه أول مقر لجماعة الاخوان المسلمين, والذي أصبح حاليا قسم شرطة الدرب الأحمر, والغريب في الأمر أنه لا يمكن أن يكون البنا بامكاناته الذاتية قد استطاع أن يدخر مبلغا من المال يكفي لشراء مثل تلك الفيلا آنذاك.
■ وكيف كانت علاقتك وعبد الناصر بحسن البنا?
□ كانت رغبة عبد الناصر وأنا أن نعرف ما هدف البنا, وكيف استطاع أن ينشئ جماعة الاخوان المسلمين, وأعتقد وبشدة أنه كان يتلقي دعما من جهة ما, كان البنا يقدم محاضرة كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع, وكنا نلاحظ أنه يقرأ دائما من ورقة مكتوبة, واستمررنا في التردد عليه حتى حدث أمر ما أزعجنا فتوقفنا عن التردد عليه.
■ ما الذي حدث?
□ في احدى المرات وجدنا أن البنا عندما يصافح الناس يجعل يده عالية ليقبلها الناس, وبالفعل بدأ بعض الناس يقبلون يده, فأزعجنا ذلك جدا, وتوقفنا عن حضور محاضراته.
■ وكيف تصف علاقته بالاخوان بعد توليه الرئاسة?
□ كان هناك بعض الضباط الأحرار من الاخوان, وعبد الناصر كما قلت لك كان يحضر امتحانات الطلاب للترقي, وعمل تجمعات الضباط الأحرار, وظل الضباط الأحرار يتجمعون مع عبد الناصر, حيث كان يساعدهم لاجتياز امتحانات الترقي, كما كانوا يتجمعون لمناقشة الأوضاع في مصر وكيفية حل مشكلاتها, وبعد الرئاسة كان هناك حدث مهم يعد علامة فارقة في علاقة عبد الناصر بالاخوان, وهو حادثة المنشية, قال ان الاخوان عايزين يأكلوا الثورة – زي ما عملوا بعد ثورة يناير 2011 – واتقبض على اللي عمل الحادثة وكان من الاخوان واتحكم عليه بالاعدام, وعبد الناصر كان بصدد عدم تنفيذ الحكم ضده, ولكن رفاقه حذروه وقالوا له لم يتم تنفيذ الحكم باعدامه سيأتى لك 10 مثله بكرة ويستطيعون اغتيالك.
■ هل تعرضت شخصيا لمحاولات اغتيال?
□ قمت بتنفيذ أعمال كثيرة ضد البريطانيين, وهم من النوع الذي لا ينسى ثأرهم, وهو نفس الطبع الذي يطبقه الاسرائيليون, وأذكر أن نجلي اللواء وسام وجدا عندما كان في مرحلة الصبا والشباب, عدة قنابل يدوية في حديقة المنزل, فبريطانيا لا تنسى أعداءها ولا تتركهم على قيد الحياة, لذلك كان الانكليز وراء عملية اغتيال النقراشي باشا وأحمد ماهر باشا لدورهما في ثورة 1919, وللأسف كان ذلك على أيدي الاخوان, كما حاولوا قتل جمال عبد الناصر.
■ كيف تصف حياته الشخصية?
□ عبد الناصر كان مثله مثل أي مواطن, كان رجلا طبيعيا للغاية, ولكنه كان محبا لمصر ورجلا وطنيا لأقصى درجة, وكان يحب أفلام الأكشن, ولم يكن يهتم بكرة القدم ولم يكن من مشجعي أحد الأندية سواء الأهلي أو الزمالك, وكان عاشقا للفن ومتذوقا له, ولا تنس أنه طلب من الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أن يجمعه عمل مشترك مع كوكب الشرق أم كلثوم, وقال عبد الناصر لعبد الوهاب: لازم تلحن لها, وقال لأم كلثوم: لازم تغني له.
■ ما حقيقة خلع محمد نجيب من الرئاسة?
□ سأحكي لك قصة, خلال لقاء صحافي لمحمد نجيب, كان يتم توجيه السؤال له, فينتظر ليسمع الاجابة من عبد الناصر الذي كان يجلس خلفه, هذه كانت الحقيقة, فمحمد نجيب كان هو الواجهة ولكن الحقيقة هي أن عبد الناصر كان هو الرئيس الفعلي, وأقول لك أمرا مهما هو أن ابعاد نجيب تم بعدما واجهوه وهو رئيس للجمهورية بخطابات كتبها لمصطفى النحاس في أوروبا وتسجيل لمكالمات هاتفية أجراها, تتضمن رغبته في أن يعود الملك فاروق لحكم مصر ومعه حزب الوفد من خلال ثورة مضادة بالقوة, ويكون محمد نجيب وزير الدفاع, ولهذا تم ابعاده, كذلك فان هناك أمرا آخر هو, أن نجيب لم يكن يعامل بشكل سيء خلال فترة وجوده قيد الاقامة الجبرية, حيث كان يقيم في قصر المرج وهو قصر أقامه مصطفى النحاس لزوجته, وكنت كل يوم ثلاثاء أذهب للقصر وألتقيه ولا تنس أن نجيب كان ضابطا أعلى رتبة مني, حيث كان قائدا لسلاح المشاة بينما كنت ضابطا بنفس السلاح, ولهذا كنت أسأله: كل شىء جيد? يقول لي كل شىء جيد, والخلاصة أنه كان يعيش حياة جيدة.
■ حدثنا عن صداقتك مع عبد الناصر?
□ كنا صديقين طوال فترة الكلية وما بعدها, وحفل زفافه كان بسيطا للغاية وتم في أضيق الحدود بسبب عدم قدرته المادية على اقامة حفل كبير, وأثناء حرب 1948, وقعت في أسر الاسرائيليين ولكن بحمد الله, تمكنت من الهرب منهم واستطعت العودة الى مصر بعد مطاردات وملاحقات , وبعدها عدت للقاهرة وكان سعيدا جدا بعودتي على قيد الحياة لمصر, وبعد حرب 1967 كان مشغولا للغاية بالقوات المسلحة وكيفية الحرب لتحرير سيناء, وآخر مرة رأيته كانت في عام 1969, كنا قد أقمنا سباقا للسباحة وكنت مسؤولا عن السباق, وجاء عبد الناصر فتقابلنا, كان لقاء عابرا وسريعا, قال لي: “ازيك يا عبس, رددت: كله تمام, وأنا ماشي قال لي: انتوا مابتجوش ليه, يا ريت تيجوا تزورونا”, وللعلم فقد كان في أثناء بداية توليه الرئاسة يزورنا في المنزل مرتين أو ثلاثا كل أسبوعين, وكانت تلك آخر مرة أراه, حيث توفي بعدها بعام, وللأسف فأنا لا أستطيع تحمل زيارة قبره, ولكني كلما مررت أمام ضريحه أقرأ له الفاتحة.

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *