عراق..عراق

ادريس هاني

خلال الجلسة المخصصة لمقابلة الشيخ قيس الخزعلي زعيم العصائب بالعراق الفصيل المناهض للاحتلال الأمريكي والمشارك في الحشد الشعبي الذي قارع تنظيم داعش في العراق، تناول الحديث أو بالأحرى الجواب عن تساؤلات مدير اللقاء بلغة سياسية تستحضر أهمية الدولة العراقية إذ اعتبر أنّ عملهم في إطار مطالب الدولة العراقية كما تحدث عن أهمية تعديل الدستور العراقي..جدير بالذّكر أنّ العصائب كما هو سائر المشاركين في الحشد تحظى بشعبية أكثر من ذي قبل..فمن ممثل واحد في البرلمان قفزت في الانتخابات الأخيرة في كتلة صادقون إلى 15 نائب وممثلين في حكومة عادل عبد المهدي..

حضر اللقاء مسؤولون وقيادات حكومية ومدنية ورؤساء مراكز دولية من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ومن بلدان الخليج..في مناخ الأسئلة الباردة كان محتوى مداخلتي (أنقله بالمعنى):

إنّه في تاريخ نشوء الدّولة لا نظفر بدولة تولد خارج شروط الكفاح الوطني..تولد الدولة من رحم المقاومة والكفاح..ويبدو أنّ هذا ما حصل في العراق الذي يواجه تحدي تجاوز مرحلة بناء الدولة العراقية..وفي نظري أنّ أعظم حدث في العراق منذ غيلغامش حتى اليوم في العراق هو الحشد الشعبي الذي أطاح بمشروع داعش الذي كان دارقة لمشروع أخطر..ليبقى السؤال الموجه إلى الشيخ قيس الخزعلي: بما أنّ مؤشّرات الحل السياسي في سوريا لاحت في الأفق ألا يؤثّر ذلك على طبيعة أو نوعية التواجد في سوريا؟ السؤال الثاني: هل العصائب اليوم في العملية السياسية العراقية تشعر بأنها تطورت على مستوى الشرعية والمشروعية أكثر من السابق مع الوضع الجديد في البرلمان والمشاركة في الحكومة؟

كان جواب الشيخ الخزعلي واضحا..أوّلا عبّر عن أنه متّفق تماما مع تعبيري أن الحشد هو أهم حدث منذ غيلغامش، بينما قال بأن التحول في الملف السوري حتما مؤثر على طبيعة وجودهم أما عن الشرعية والمشروعية فقد أكد على أنّ هناك تطور في هذا المجال..وحين صافحته في نهاية اللقاء أعرب عن شكره لمداخلتي..

الغريب حين كنت أحتسي كأسا من الشاي في الاستراحة لاحقني خبير استراتيجي _ وما أكثرهم في العالم _ من إحدى أبرز مراكز الأبحاث بكندا..بادرني بعد يوم من اللقاء بالقول: لقد كانت مداخلتك جيدة..في الحقيقة أحيانا يفاجؤني التذاكي الغربي، فهو يريد فقط أن يعرف من أكون..وفي حساب المسافة بين السؤال والهروب: بتعبير الخطباء الفرس(الغوريز)، حسابا هندسيا وأرتميتيكيا تكتشف أنّ الرجل عين محترفة ضمن عيون إ (ست) خبارية..هذا هو التدخّل الناعم الذي لا يلتفت إليه أحد..قلت له شكرا ثم سألته من يكون، حاول أن يهرب في اللغة..تحدث بالفرنسي ثم لما سألته أظهر بأنه يفهم قليلا وكأنه غير رأيه ليدعي أنه لا يتحدث بها، نسي أنّه تحدث معي بها لثواني وهي طليقة حتى أنها تتجاوز اللحن الكندي: بمخارج حروف باريسية قحة..ثم تلوّى وهرب وغير الموضوع قائلا: الترجمة كانت رائعة..كولومبو الكندي يريد سؤالا واحدا: من أكون…كان من الصعب أن أترجم عبارة : أنا المجذوب…

الظاهر أنّ من بين القضايا التي أثارت انتباهي هو فكرة الدولة..هل يا ترى سنضع العربة أمام الحصان؟ إنه في نظري من الطبيعي أن يوجد الفساد حين تغيب الدّولة..ترى من هو مستعد اليوم للسماح للدولة أن تنشأ في ظروف طبيعية في إقليم مهتزّ؟ إن السؤال الحقيقي اليوم في العراق ليس: دعه يمرّ، بل دع الدولة تمرّ وإلاّ لن يمرّ أحد..في الحقيقة كل العراقيين واعون بأهمية وضرورة الدولة..هم يختلفون على التفاصيل والمقدمات والسياسات..طبيعي أن يكون الاختلاف في العراق بهوسة فهذا ما يحمي الوجود العراقي..شخصيا لا أرى في الهوسة العراقية مشكلة بل هي علامة حياة ومناعة.. بهذا تحمى قيم الفرسان في زمن الهدر..

شيء آخر هنالك: الشركات الأمنية الموزعة في الحواجز والسيطرات مقلقة..ألا يوجد عراقيون أكفّاء لضبط الأمن؟..في الحقيقة وكما أخبرني بعض الأصدقاء في الحكومة أنّ الأمر يتعلق باتفاقيات..فهذه الشركات بالفعل أثبتت جدارتها..ولو ترك الأمن في بعض الحواجز للعراقيين لنسف المطار من زمان..دائما هذا يطرح ضرورة وجود الدولة والمؤسسات..هذا طبيعي ففي العراق تفكك كل شيء وهو يولد من جديد..هذا مؤشّر على وجود بعض التحديات الأمنية..في العراق توجد كل مقومات بناء الدولة القوية وفيه أيضا توجد كل مقومات عرقلة الدولة القوية..داخل هذا الجدل تكدح السياسة ويجري التدبير..التفاؤل يقول أنّه لا بدّ للعراق من دولة لأنّ العراق بحجمه وإمكانياته إما أن يكون دولة أو لا يكون..

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *