الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / أميركا في لبنان.. ومحاولة احتواء فاشلة؟

أميركا في لبنان.. ومحاولة احتواء فاشلة؟

سفيرة الولايات المتحدة في لبنان تجتمع مع نجيب ميقاتي رويترز

أميركا في لبنان.. ومحاولة احتواء فاشلة؟

د. أمين محمد حطيط*
قد تكون المرة الأولى في تاريخ «الاستقلال اللبناني» إن يأتي وفد رسمي اميركي لزيارة لبنان للقاء الرئيس المكلف تشكيل حكومة، ولكن يبدو ان اميركا المرتبكة في المنطقة العربية التي تشتعل ساحاتها بثورات الشعوب المظلومة بحكام دعمتهم (اميركا) لحراسة مصالحها ومصالح «اسرائيل»، اميركا هذه تريد ان تقطع الطريق على ما يمكن تصوره من تغيير في السياسة اللبنانية التي فرضت على لبنان منذ العام 2005. تغيير يطمح الى ان يكون محققا للمصلحة الوطنية اللبنانية المتعاكسة مع مصلحة أميركا و«إسرائيل».
وبالعودة إلى جوهر النزاع في لبنان مع اميركا نجد انه يكاد يكون منحصرا بداية في ملف واحد هو المقاومة وسلاحها. هذا السلاح الذي عجزت اميركا بكل الوسائل المعتمدة للقوة الناعمة او الخشنة او الذكية، عن النيل منه، لا بل عجزت عن منع تطور مفاعيله وقدراته ـ التي مكنت سيد المقاومة منذ ايام من اطلاق استراتيجية جديدة للمقاومة تقوم على قاعدة «الهجوم في معرض الدفاع»، استراتيجية ستقود في حال تَشكُل ظروف تطبيقها ستقود المقاومين الى الجليل الاعلى المحتل في فلسطين بشكل يفرض على العدو «الاسرائيلي» اعادة النظر ومراجعة كل ما له علاقة بالشأن العسكري «الاسرائيلي» عامة، وبتخطيط الدفاع عن شمال فلسطين المحتلة خاصة. واذا كان اهتمام اميركا بشأن السلاح في حجم معين فانه بعد اطلاق الاستراتيجية الجديدة بات متصاعدا اضعافاً مضاعفة، في ظل واقع يمنع اميركا من العمل العسكري مجددا، ولا يفسح المجال امام اعمال اخرى للمعالجة، ولا يبقى في اليد الاميركية الا تلك الورقة الجوفاء المسماة محكمة دولية وقرار اتهامي. وتريد اميركا من رئيس الحكومة المكلف ان يتعهد لها بانه لن يمس هذه الورقة، ولن يشرّع في بيانه الوزاري سلاح المقاومة، وان يسهّل تنفيذ القرار الاتهامي الذي صنعته هي و«اسرائيل» بما يناسب اهداف سياستهما ضد حزب الله ومقاومته. ولكن يبدو ان اميركا نسيت او تناست الحقائق التالية:
– ان الوطنيين اللبنانيين المحتضنين للمقاومة اسقطوا حكومة سعد الحريري لانه انصاع لاميركا ضد المقاومة وضد مصلحة بلده بتأييده محكمة دولية ثبت التزوير فيها كما ثبت الاتجار والفساد المستشريين بين خلاياها.

ان الفريق الوطني الذي تحول الى اكثرية نيابية بعد ان انضم اليه من اكتشف حقيقة المواقف الاميركية والاهداف التي ترمي اميركا الى تحقيقها في لبنان (حرب اهلية، وتجريد المقاومة من سلاحها خدمة للمشروع الصهيو-أميركي)، أن هذا الفريق هو الذي سمى الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، وان هذا الأخير رغم ما يقال عن وسطيته لا يستطيع أن يشكل حكومة تعارض سياسة من اختاره للحكم، وإلا فانه لن يمنح ثقة ولن يحكم، فالثقة النيابية تمنحها الأكثرية النيابية لمن التزم سياستها.

– أن المحكمة الدولية، وبشكل علني لا لبس فيه وبنظر طائفة تشكل ما يربو على ثلث اللبنانيين، باتت ملغاة ولا يمكن التعامل معها، وان كان فريق آخر سبق في دار الإفتاء السني، وأصدر موقفا مؤيدا للمحكمة، فان موقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عطل مفاعيل ذلك التأييد.

– أن المحكمة الدولية تفتقر إلى الأداة الأمنية والعسكرية اللازمة لتنفيذ قراراتها، في ظل واقع قوى الأمن

الداخلي راهنا ورفض الجيش اللبناني التحول الى شرطة قضائية يأمرها بلمار. اما التهويل بالأحكام الغيابية ولوائح الارهاب والضغط على هذا او ذاك من المقاومة فتعرف اميركا انها سلوكيات لا تؤثر في مسيرة المقاومة.

– ان القرار التنفيذي في لبنان او السلطة التنفيذية في لبنان هي بيد مجلس الوزراء مجتمعا، وليس بيد فرد مهما كانت صفته، وهذا هو جوهر دستور الطائف واذا كانت اميركا قد تعاملت مع فؤاد السنيورة بانه «القائد الذي يقود شعبه» فان تلك النظرة معطوفة على سلوك المعني بها كانت خلافاً للدستور، اما اليوم ومع نية الفريق الوطني اجراء الاصلاح وتغيير الفاسد من السلوكيات الدستورية، فان الامر قد تغير، وبالتالي فان الاستحصال على التزام وتعهد من الرئيس المكلف بأن لا يمس المحكمة او انه سيتعاطى مع سلاح حزب الله والقرار الاتهامي بالشكل الذي تريده اميركا، ان هذا السعي لا مفاعيل له حتى وان حصل التعهد، فكيف اذا كان الرئيس المكلف ملتزما جهارا وعلانية بالتزام ثابت لا عودة عنه بحماية المقاومة وهذا يعني حمايتها من كل شر او سوء او خطر يتهددها مهما كان نوعه، وهو يعلم ان التغيير الحكومي لم يحصل الا لهذا السبب.

– ان العالم العربي يلتهب بثورات ضد حكام يمارسون وظيفة حراس المصالح الاميركية، وان الظرف غير ملائم اليوم لانتاج فئة حراس جدد، وبالتالي فان التهديد المبطن لهذا المتمول او ذاك، او هذا المرشح الى دخول الحكومة او ذاك من رجال الاعمال، هذا التهديد قد يؤثر على شخص اذا لسعه الخوف يخرجه من تشكيلة الحكومة العتيدة، اما الحكومة ذاتها فانها ستشكل بما يستجيب لمقتضيات المصلحة الوطنية.

لكل هذا نقول ان اميركا لن تحصل اليوم في لبنان على شيء جدي يلبي طموحاتها في الجوهر، ولن تنفع مع الظروف القائمة في لبنان والمنطقة مع التحولات المرتقبة، لن تنفع سياسة التهديد او محاولة احتواء التغيير الذي يحصل، خاصة بعد ان اسقط الفريق الوطني بحكمته وقوته خطري الحرب والفتنة، واطاح سياسة الاستئثار والاقصاء. واذا كان لاميركا ان تعمل شيئا يناسبها فالافضل ان تعتمد سياسة تحديد الخسائر، اما سواها، فأرى انها سياسة لن تفاقم الا الاخفاقات.

*أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية
عميد ركن متقاعد وباحث استراتيجي

عن “البناء” اللبنانية، http://www.al-binaa.com

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *