الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / إنهاء الاقتسام أم تصحيح الاقتسام

إنهاء الاقتسام أم تصحيح الاقتسام

عباس ومشعل يؤدون العمرة بعد تفاهمات مكة أيلول 2007 اف

إنهاء الاقتسام أم تصحيح الاقتسام

7 آذار 2011

أنمار حاتم

بات واضحا ً أن شعار ” إنهاء الانقسام أو المصالحة” على الساحة الفلسطينية هو شعار اللحظة الراهنة، يتنادى إلى تحقيقه كل أطياف الشعب الفلسطيني في كل مناطق توزعه الجغرافي والسياسي.

يتصدر واجهة المطالبين بإنهاء (الانقسام) طرفاه الأساسيان(فتح وحماس و باقي الفصائل المتأرجحة بينهما)، بالرغم من مظاهر التمنع أو التودد، التنازل أو التشدد، التي يمارسها الفريقان للاستفادة المباشرة من لحظة (الفراغ) الممتدة ما بين رحيل أنظمة عبيد اليهود المرضعات للسلطة الفتحاوية، وما قبل استقرار الأنظمة الجديدة حاملة التغييرات الثورية في المنطقة، والتي لن تكون بالتأكيد مرضعات للسلطة الحمساوية، وأيضا ًكإجراء استباقي لكتم وإخماد ومصادرة صوت الطرف الفلسطيني الثالث المنبثق من غبار المعارك الضارية التي تخوضها الشعوب العربية كافة للخلاص من مستعمريها المحليين (يهود الداخل)، والمتجاوب مع تأثيراتها ومتطلبات استكمالها وتلاقيها عند نهاياتها المنطقية والواقعية، وبعد أن فعل هذا (الانقسام) فعله المدمر في قضية الفلسطينيين والعرب عامة. إنهم كمن يريد تثبيت قدميه في الرمال المتحركة، أو كمن يريد الحفاظ على تسريحة شعره في عاصفة هوجاء تحمله فيما تحمل من رمال لترمي به في عالم المجهول.

لقد خاضت فتح وحماس وباقي الفصائل انتخابات العام 2005 في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سقف اتفاقيات أوسلو وما تلاها من اتفاقيات مع العدو الصهيوني المحتل وبرعايته، وحظي كل طرف بحصته من الصلاحيات والمسؤوليات من خلال المؤسسات التي تم التوافق عليها بين هذه الأطراف، والتي أفضت إلى تقليص حصة فتح وانمحاء حصة باقي الفصائل، لصالح حماس. وهو ما قاد إلى استقواء فتح بالتعهدات المنصوص عليها في الاتفاقات المبرمة مع المحتل الصهيوني، ومن ثم رفض حماس لهذا الانقلاب الفتحاوي على نتائج المحاصصة بالانتخابات، دون أية مراعاة من الطرفين والمتأرجحين ما بينهما لفداحة الخسائر التي حلت بالشعب الفلسطيني وقضيته الأساسية في تحرير فلسطين من دنس الاحتلال.

إننا نستهجن كما كثرٌ غيرنا، فحوى وجدوى هذه الرغبة المحمومة المستجدة بين طرفي (الانقسام) لإنهائه وتحقيق (المصالحة) والغيرة الجامحة الطارئة على (الوحدة الوطنية)، خاصة بعد أن بلغ هذا (الانقسام) لدى طرف حد الاستعانة بالعدو الصهيوني المحتل وبجيشه الدموي المدعوم بكل سطوة النظام الامبريالي المتهود وعبيده من أنظمة التبعية، لإقصاء الطرف الآخربعد أن فشل في إلحاقه واستيعابه في تقاسمية انتخابات الـ 2005. وما لحق ذلك من آثار تدميرية مهولة على شعبنا الفلسطيني لم تقتصر على حدود غزة المحاصرة بالموت منذ أكثر من أربعة أعوام، ولم تتوقف عند حدود الضفة الغربية، أو الأراضي المحتلة ما قبل 1967، بل تمادت لتُحّـِل الدمار بكل مرتكزات الوجود الفلسطيني في كل أماكن وجوده.

ونتسائل: هل يعبر مصطلح (الانقسام) الذي يجري الترويج له عن حقيقة ما آل إليه وضع قضية الشعب الفلسطيني، وهل يشكل تحقيق المصالحة المرجوّة بإنهاء هذا (الانقسام) مدخلا ً عمليا ً لوحدة وطنية فلسطينية حقيقية !!؟؟. هل هناك انقسام فعلي بين طرفي الصراع، أم أنها حالة “اقتسام”، يحاول طرفاها تعديل حصصهما عند مفترق التغييرات الثورية الحاصلة والمحتملة في الوطن العربي. خاصة أن المشترك بينهما هو اقصاء الطرف الثالث، بالقوة المباشرة أو بركوب “الموجة” واخضاعها لمتطلبات تعديل التقاسم الحاصل وبعد فشل محاولات الاقصاء المتبادلة حتى اللحظة.

الانقسام الفلسطيني أكبر بكثير من أن يختزل إلى حالة تصحيح الاقتسام بين فصيلين يصادران قرار الأغلبية الشعبية الفلسطينية. فقد أظهرت قوة الوقائع بؤس عملية الانتخابات التي جرت برعاية الاحتلال والتي اقتصرت على أقل من 20% من مجموع الفلسطينيين، وفي جزء من الوطن يخضع بشكل مباشر لنفوذ قوات الاحتلال وبالتنسيق معها. وهذا لا يعطي لنتائج مثل هذه الانتخابات أية شرعية لتمثيل إرادة الشعب الفلسطينين بقدر ما هي تغييب ومصادرة لهذه الإرادة، مثلما لا تبرئ نتائجها الساعين والداعين والقائمين بها. والأهم، أنه لا يمكن البناء عليها لأية مشاريع أو برامج لاحقة.

وإذا كنا نتفهم ونقدر ونصطف مع دواعي (الطرف الثالث)، فإننا نشدد على أن هذا التقديم لمفهوم (الانقسام) بين فتح وحماس، ما هو إلا اختزال وتمويه وحصار لمفهوم وحدة الأرض الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني وشطب لانتمائهما القومي لصالح تثبيت خيار “دولة الضفة والقطاع” التي لم تحظ حتى بـ (شرف) الانتساب للفترة التي يجري طيها بقوة واندفاع ثوريين نادرين.

لقد شكل اتفاق أوسلو نقطة الفراق بين مشروع تحرير كامل الأرض الفلسطينية ولم شمل الشتات البشري صاحب هذه الأرض، وبين مشروع التسليم بخطة المستعمرين (الطارئة) لإحكام قبضتهم على مستقبل المنطقة. وبالتالي فإننا نعتبر اسقاط اتفاقات أوسلو وماسبقها وما تلاها من اتفاقيات هو الخطوة العملية الأولى للنكوص عن الطريق الذي سُدّت آفاقه ووقع صريع تناقضاته قبل أن تناله أيدي المتضررين منه.

الانقسام الذي نريد وضع حد له هو بين تحرير كامل فلسطين واستعادتها أرضا ً وشعبا ً إلى حيزها الطبيعي والتاريخي، وبين “دولة” تقايض على وجودها بشطب حق 80% من شعب فلسطين المغيب خلف الأسيجة، وتقر بأحقية وملكية الوجود الاستعماري لأراضيهم وممتلكاتهم وانتمائهم القومي الموغل في التاريخ.

هذا هو الانقسام الذي يعنينا إنهاءه ونقصد الخلاص منه. هذا ما يوحد شعب فلسطين وتلتف أطيافه حوله. وهو ما سيسقط كل المتقاسمين من قيادات وشخصيات ورموز وبنى تنتمي إلى عهد باد دون أن يستطيع رسم أي ملمح لهذه “الدولة” الموهومة،

إن إسقاط أوسلو، وليس تصالح فتح وحماس، هو من سيعيد للثورة الفلسطينية ألقها ويعيد قضيتها إلى حاضنتها الشعبية العربية الطبيعية. وهو من سيفرز وينتخب المؤسسات والأفراد القيادية للشعب الفلسطيني، وليس التوافق المسبق (الانتخاب) على شخصيات ومؤسسات لا نعلم مدى قدرتها والتزامها بمتطلبات مشروع التحرير. ان انتخاب شخصيات جديدة للمجلس الوطني أو غيره، لا يعادله سوى انتخاب عمر سليمان بديلا ً لحسني مبارك. لقد سقطت شرعية هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات الفلسطينية عندما دعمت وأيدت ومررت الاتفاقات سيئة الصيت والسمعة، ويجب تفكيكها ومحاسبة رموزها وليس اعطائها صك براءة وتغييبها بسلام وراء شخصيات جديدة ستؤكد التزامها بمقررات هذه المؤسسات من جديد.

لقد كان اعتراف المنظمة باسرائيل شطبا ً لقضية اللاجئين، وتسليما ً بمصير أهل الداخل للقدر المجهول المعلوم، وتبديدا ً لوحدة الشعب الفلسطيني وبيعا ً رخيصا ً للجغرافيا والتاريخ الفلسطيني والعربي.

وحتى الآن، ليس في جعبة كل الداعين لإنهاء الانقسام ما يصلح للالتفاف حوله من قبل جموع اللاجئين، حيث أسقط المفاوض العربي والفلسطيني قضيتهم منذ مؤتمر مدريد، وأحالها دعاة (الدولة) بقضها وقضيضها إلى (الشرعية الدولية وقراراتها). ولنا في واقع فلسطينيي العراق وغيرهم من أرتال الفلسطينيين العالقين عند كل منافذ الأرض مثالاً صارخا ً على بؤس سلطة أوسلو بكل أطيافها، حيث امتنعت عن استقدام أي منهم إلى أراضيها (المحررة)، بل إن صلفها بلغ حد الامتناع عن تقديم أي مساعدة لأي منهم حتى من الزاوية الإنسانية البحتة.

إننا نرفع صوتنا مسائلين عموم شعبنا الفلسطيني والعربي: لماذا التسليم بأن يقوم القلة من أبناء جلدتنا بحذفنا من التاريخ والجغرافيا، بالتوازي مع أعدائنا، وهل يضمن المغرمون بهكذا “دولة” استبقاء العدو الصهيوني لهم، بعد الإيغال في نفي غالبية الشعب. لماذا يقبلون لنا ما يرفضونه لأنفسهم في العيش في كنف الاحتلال!!؟؟ لماذا يرتضون لنا هوية (إسرائيلية) يأبى انتمائهم الوطني والقومي حملها!!؟؟ ولماذا يعتبرون تبادل بعض الأراضي المحدودة لتعديل حدود الضفة الغربية مع الكيان الغاصب جريمة كبرى، ولا يرون في التخلي المجاني عن كامل الأراضي المحتلة قبل العام 1967 إلا استحقاقا ً يدفع من حقوقنا

لن تخدعنا كل التمويهات والتبريرات في تحويل نظرنا عن حقنا في الوجود والعيش المستديم فوق أرضنا الخالية من كل أشكال الاحتلال ومفرزاته. ولا تغرينا أبدا ً كل القرارات الدولية ولا المستنجدين (بشرعيتها) التي خلقت ورعت وحمت هذا الكيان الاغتصابي الدخيل. كما لا يعنينا مطلقا إنهاء الانقسام بين فتح وحماس إلا بمقدار كونه انفصالا ً عن برنامج (الدولة) والتحاقاً ببرنامج تحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني الغاشم.

إننا ندعو عموم شباب وفتيات ورجال ونساء وأطفال وشيوخ فلسطين إلى الحذر من الانسياق وراء شعار (إنهاء الانقسام)، الذي يراد منه إنقاذ سلطة أوسلو المفلسة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويتراكض أعداؤنا لنفخ سمومهم في جثتها الهامدة، ولا نظن أن أحدا ً قد نسي كيف استلبت هذه الزمرة نضالات شعبنا ودماء شهدائه قبل اتفاقيات أوسلو، وبعدها في انتفاضتين متتاليتين كانتا نبراسا ً هاديا ً لكل شعوبنا العربية ولشعوب العالم في مواجهة أعتى وأدهى بغاة التاريخ.

أعيننا وعقولنا متجهة بالكامل نحو المتغيرات الكونية التي بادر إلى خط معالمها شعبنا الأبي في تونس ومصر وليبيا … الخ، هذه الشعوب التي دمجت بقوة بين مطالبها بلقمة العيش الكريم وبين حريتها وكرامتها مع ادراكها الكامل بأنها لن تبلغ مقاصدها في ظل استمرار الوجود الاحتلالي في فلسطين.

لترتفع كل الأصوات من أجل إسقاط مشروع التسوية السلمي والاتفاقيات الناجمة عنه وعلى رأسها اتفاق أوسلو البغيض. وليشمر كل الشرفاء عن سواعدهم لخوض غمار حرب التحرير الشعبية لنيل الحرية والكرامة وإزالة الاحتلال مرة ً وإلى الأبد.

وللحديث صلة

http://www.a-kandil.com/pre/?p=9989

عن prizm

شاهد أيضاً

إسرائيل وجيشها يقاتلان على “جبهة أخرى”: الهواتف الذكية بين أيدي الجنود في قطاع غزة!

21 شباط 2024 سليم سلامة تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *