حكومة فياض تقرر “شطب” عشرات القرى في شمال الضفة عن خريطة فلسطين !
يوسف الشايب
بجرة قلم، قرر رئيس الوزراء الفلسطيني د. سلام فياض، وبتنسيب من وزير الحكم المحلي في حكومته المستقيلة، خالد القواسمي، “شطب” عشرات القرى الفلسطينية في محافظات نابلس، وطولكرم، وجنين، شمال الضفة الغربية، عبر حل مجالسها القروية، وضمها إلى أقرب بلدة لها، بحيث تتحول إلى حارات في هذه البلدات من ناحية عملية.
القرار اتخذ في تشرين الثاني الماضي، وأبلغت فيه القرى “المشطوبة” في كانون الثاني، ما دفع بعضها إلى رفع قضايا لدى محكمة العدل العليا الفلسطينية ضده، وتنتظر بفارغ الصبر منتصف الشهر المقبل للبت فيها، فيما قرر سكان قرى أخرى بالامتناع عن تنفيذ القرار، وهو ما يهدد بـ”عصيان مدني”، فيما يجري آخرون مشاورات لتنفيذ سلسلة تظاهرات واعتصامات قد تصل إلى حد الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”شطب” قراهم في يوم ليلة.
ووفق القرار، تحل “لجان المشاريع”، ويتم “ضمها إلى الهيئات المحلية المجاورة لها”، و”تزول جميع الحقوق والالتزامات” للمجلس واللجان التي تم حلها وضمها إلى الهيئات المحلية المجاورة لها.. واللافت أن القرار يجري تطبيقه على المجالس القروية، وليس لجان المشاريع فحسب، فلجان المشاريع هي تلك التجمعات السكانية من عزب وخرب التي لم يكن لها أي وجود في العهود التركية، والبريطانية، والأردنية، وحتى في عهد الاحتلال، وتشكلت بعد قيام السلطة الفلسطينية، في حين أن المجالس القروية هي لتجمعات سكنية راسخة بعضها منذ آلاف السنين، إلا أن وزارة الحكم المحلي، ووفق تفسيرها للقرار باشرت في تطبيقه على كافة التجمعات السكانية في محافظات نابلس، وطولكرم، وجنين، ممن يقل عدد سكانها عن الألف نسمة، وفق ما أكد وكيل الوزارة مازن غنيم، بغض النظر ما إذا كانت هذه التجمعات “لجان مشاريع” أو “مجالس قروية”.
العديد من المجالس القروية انتفضت ضد تطبيق القرار عليها، كونه ينص صراحة على ما يعرف بـ”لجان المشاريع”، وتقوم وزارة الحكم المحلي بتطبيقه على القرى (المجالس القروية)، إضافة إلى “لجان المشاريع”، وهو ما لم ينص عليه القرار، ومن بينها قرية جالود قضاء نابلس، والتي قام مجلسها القروي برفع قضية إلى محكمة العدل العليا طعناً بالقرار، حيث من المقرر انعقاد الجلسة الثانية، في الثامن عشر من الشهر المقبل.
ويقول عبد الله حج محمد، رئيس مجلس قروي جالود: القرار يتحدث عن لجان المشاريع، وهي التجمعات السكانية التي لم يكن لها أي وجود قبل قيام السلطة الوطنية، وليس عن مجالس قروية، وبالتالي قمنا برفع قضية إلى محكمة العدل العليا الفلسطينية، وننتظر أن ينصفنا القرار، إلا أن غنيم أشار إلى خلل قديم في تصنيف بعض التجمعات السكنية على أنها مجالس قروية، وبالتالي “تم تطبيق القرار على جميع التجمعات السكانية التي يقل عدد سكانها عن الألف نسمة”.
ويصف حج محمد القرار بالتدميري .. ويقول: هناك سبع مستوطنات إسرائيلية مقامة على أراضي جالود، حيث أن 85% من أرضيها تقع في مناطق “ج”، فأربعة آلاف دونم فقط من أصل عشرين ألف دونم مجمل مساحة القرية، التي يقطنها 600 نسمة، تقع في مناطق “ب”، وبالتالي فإن قرار ضم جالود إلى قريوت، وتحويلها إلى حارة، يعني أننا نرمي 16 ألف دونم من أراضي القرية في أحضان المستوطنين، وبقرار فلسطيني للأسف.
ويضيف حج محمد: وفق القرار فإن أربعة آلاف دونم من القرية ستضم إلى قريوت، و16 ألف دونم ستذهب للمستوطنات، لأن لا سيطرة فلسطينية قانونية إلا على المساحات داخل مناطق “ب” من جالود .. منذ اتخاذ القرار بات الاحتلال يمنعنا من دخول أراضينا التي حصلنا على مشروع لاستصلاحها من الصليب الأحمر، توفق بطبيعة الحال، واشترطوا علينا الحصول على إثبات ملكية من ضابط الأراضي في الارتباط الإسرائيلي، وهذا شبه مستحيل .. هذا القرار جريمة لا يجب السكوت عليه.
ولقرية اجنسنيا قضاء نابلس أيضاً، وفيها مجلس قروي “عتيق”، وتقرر ضمها لتصبح حارة في بلدة سبسطية المجاورة، حكاية أخرى، فهي قرية ضاربة في القدم، فيها واحدة من أقدم قنوات الماء الأثرية في فلسطين عمرها يقدر بستة آلاف سنة، وفي آثار رومانية تعود لأربعة وخمسة آلاف سنة، وجامع عمري يعود لأكثر من ألف سنة، وبالتالي فإن قرار الضم يعني للعديد من سكانها “شطباً” لجزء حيوي من تاريخ فلسطين.
واللافت أن نضال الأشقر، عضو المجلس القروي في إجنسنيا، فند تبريرات وكيل وزارة الحكم المحلي، حتى قبل إجرائنا حواراً مع غنيم، فأشار إلى أن هذا القرار بالتأكيد غير مدروس، ولا يتم التعاطي معه وفق الحقائق على الأرض، فحين يقولون في الحكم المحلي عن أن القرار يأتي لتطوير قرانا، يتجاهلون أن قرية مثل اجنسنيا لديها فائض مالية في موازنتها السنوية لإجراء مشاريع إضافية، وليس عليها أية ديون متراكمة كحال بلدية سبسطية التي تعاني من ديون، وكأنهم يريدون ليس فقط “شطبنا من الخريطة”، بل وحل الأزمة المالية للبلديات من خلالنا .. ويضيف: شوارعنا تضاهي شوارع المدن، ونوزع مياهنا على القرى المجاورة في بعض المواسم، وندفع فواتير الماء والكهرباء “كاش” لوزارة المالية، وهذا غير متوفر في البلدة التي يريدوننا حارة فيها، ثم إن القرار يتحدث عن لجان مشاريع وليس مجالس قروية، والغريب اقتصار القرار على شمال الضفة الغربية دون وسطها وجنوبها، وخاصة الخليل، التي تكثر فيها الخرب والعزب !
ويضيف الأشقر: أشعر أن ثمة تخبطاً داخل وزارة الحكم المحلي، فهم ورغم قرارهم الواضح بالضم، لا يزالون يخاطبوننا بمجلس قروي إجنسنيا حتى هذا اليوم .. نحن لسنا ضد فكرة الدمج، بمعنى تشكيل بلديات من عدة قرى متجاورة تحصل كل قرية على حصتها في التمثيل، وتتفق فيما بينها على تسمية البلدية الجديدة، لكننا نرفض قرار الضم الذي نرى فيها شطباً لنا .. إنهم “يشطبوننا دون التشاور معنا، ويصدرون قراراً بمسحنا عن الخريطة دون سابق إنذار، ويجمدون أرصدتنا في البنوك ويحولونها إلى بلديات أثبتت فشلها في إدارة أمورها بدليل الموازنات العامة لمجالسنا القروية ولهذه البلديات، والأمر لا يقتصر على إجنسنيا أو نصف جبيل التي ضمت لسبسطية ايضا، بل على جميع القرى المتضررة .. من هم ليشطبوا قرية عمرها ستة آلاف سنة .. “والله شيء غريب”.
من جهته رفض مازن غنيم، وكيل وزارة الحكم المحلي، اتهامات “الشطب”، والرضوخ لرغبات الممولين، وغيرها، مشدداً على أن هذا القرار يندرج في إطار الخطط القطاعية والتنفيذية، ووفق مخططات استراتيجية للوزارة، وهو ليس قراراً عشوائياً، أو عفوياً .. وقال: في الماضي لم يكن ثمة تخطيط سليم، وكان العمل عشوائياً، وهذا دفعنا لاتخاذ هذا القرار، كون أن غالبية لجان المشاريع أو المجالس القروية هذه غير قادرة على تغطية نفقاتها التشغيلية، وتنفيذ مشاريع تطويرية وخدماتية داخل حدودها .. نحن نسعى عبر هذا القرار إلى زيادة درجة اللامركزية داخل الهيئات المحلية، وبناء قدرات الهيئات المحلية نفسها، وإحداث عملية تنمية سريعة ومستدامة داخل حدود هذه الهيئات، وضمان استمرار تقديم هذه الخدمات من قبل هذه الخدمات.
واعترف غنيم بأن اقتراحات الدمج بين القرى المتجاورة في هيئة محلية جديدة كان مقبولاً لدى مختلف المجالس القروية، وان هذا هو التوجه الأصيل للوزارة، لكن وبسبب قرار إجراء الانتخابات المحلية في تموز، تم تأجيل بعض مشاريع الدمج .. وقال: حتى نستطيع تطبيق رؤية “الحكم المحلي” لابد من هيئات محلية قوية قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بالشكل المطلوب، رابطاً القرار بقضية الديون المتراكمة على العديد من المجالس ولجان المشاريع فيما يتعلق باستحقاقات المياه والكهرباء، وغيرها من المبررات .. قبل أن يشدد على أنه لابد من دراسة حالات معينة لقرى بعينيها، وإعادة النظر فيما إذا كان القرار ينطبق عليها أم لا، ولكن هذا لن يكون قبل الانتخابات المحلية المقرر في التاسع من تموز !
من جهته شدد المحامي أشرف حنني، المكلف من مجلس قروي جالود برفع قضية للطعن في القرار لدى محكمة العدل العليا الفلسطينية، على أن القرار واضح ويتحدث عن “لجان المشاريع”، وبالتالي لا ينطبق قانوناً على المجالس القروية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كان هناك تعسفاً في استخدام السلطة من قبل الحكومة الفلسطينية ووزارة الحكم المحلي، عبر عد مراعاة الإجراءات القانونية فيما يتعلق بتحويل المجالس القروية إلى “لجان مشاريع”، ما ترتب على ذلك من تجميد أرصدة هذه المجالس وغيرها من الإجراءات المترتبة على القرار المطعون فيه أمام محكمة العدل العليا.
القرار، الذي ينص على أنه جاء استنداء للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل، وقانون الهيئات المحلية، ولم يحدد المواد التي استند عليها في هذين القانونين، يتجاهل، وفق أكاديميين ومثقفين ومراقبين وعدد من أعضاء المجالس المحلية، البعد التاريخي والحضاري للعديد من هذه القرى، والتي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من ستة آلاف عام، كما يتجاهل البعد الوطني في ضرورة تثبيت هذه القرى وحضورها، بدلاً من “شطبها” وتحويلها إلى مجرد “حارات” في بلدات أخرى، خاصة في الوقت الذي يتغول فيه المستوطنون في أراضي الفلسطينيين، وليس بعيداً عنها، لينشئوا تجمعات استيطانية بأسماء جديدة يعملون جاهدين، وبدعم من حكومة الاحتلال، على تثبيتها على خريطة باتت العديد من القرى الفلسطينية، وبموجب القرار الأخير، مهددة بمغادرتها وربما وإلى الأبد.
ويقول د. أحمد حرب، عميد كلية الآداب في جامعة بيرزيت سابقاً: هذا القرار خطير على أكثر من صعيد، أولها على الصعيد السياسي الوطني في ضوء الهجمة الاستعمارية الاستيطانية، خاصة ما يتعلق بالقرى المصادرة أراضيها لصالح المستوطنات أو جدار الفصل العنصري، أو المهددة بالمصادرة، ففي هذه الحالة يكون الضم بمثابة اعتراف بما هو قائم، خاصة أن هذه القرى ستتحول لتكون جزءاً أو لربما حارات من بلدات أخرى، وهذا أمر لا يجب المرور عليه مرور الكرام.
ويضيف حرب: النقطة المهمة الأخرى، ويجب عدم إغفالها على المستوى الوطني والثقافي، هو ضرورة العمل على تثبيت وتعزيز هوية المكان الثقافية والتاريخية والحضارية، بالاسم والمضمون والجغرافيا، خاصة أن المشروع الصهيوني ومنذ البدايات عمد ولا يزال إلى طمس هوية المكان الفلسطينية، وللأسف هذا القرار يساهم في طمس هوية المكان الفلسطينية، بغض النظر عن الأسباب والمبررات .. لا تعنيني الأسباب الإدارية، أو المالية، أو ما يقال عن اشتراطات الممولين أو غيرها، وما يعنيني هو عدم الانسياق وراء هذه المبررات، وبالتالي نقدم هدية للاحتلال عبر طمس هوية المكان .. عندما نتكلم عن المكان فإننا نتحدث عنه كحيز جغرافي، ونتحدث عن ارتباط الإنسان بهذا المكان .. نحن بمثل هذه القرارات التي تتحدث عن ضم كامل بالمفهوم الإداري ننزع عن القرى خصوصيتها الثقافية، وهويتها التاريخية الخاصة .. علينا البحث عن إبراز هوية المكان وليس طمسها، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها هذه الأيام من تغول استيطاني.
من الجدير بالذكر أن شباب من القرى المتضررة من القرار أسسوا صفحة على موقع “فيسبوك” ضد القرار تحت عنوان “نرفض قرار حكومة فياض بشطب قرانا عن خريطة فلسطين”، تحدث فيها مؤسسوه عن القرار وتداعياته ومخاطره على أكثر من صعيد، فيما اقترح بعضهم البدء بسلسلة اعتصامات في مدينة رام الله، وغيرها، في النصف الأول من الشهر المقبل.