المسألة القومية:
بؤرة الاشتباك بين الثوريين وقوى الثورة المضادة[1]
عادل سمارة
جرت قراءات عديدة لما يحصل في الوطن العربي، ومال معظمها إلى التفاؤل، وهذا صحيحاً، ولكن لا بد من قراءة كيف يفكر بل ويعمل أعداء الوطن (أنظمة الغرب وخاصة أميركا، الحكام العرب، مثقفون عرب والكيان). فالثورات بدأت لكنها لم تنتصر بعد! واليوم تنهض الثورة المضادة بقوة، وهذا خطر يجب التصدي له وإلا ضاع كل شيء.
بعد أن نهضت الموجة القومية الثانية في محيط النظام الراسمالي العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين، ساد الزعم برحيل الاستعمار، وتراكمت كتابات عديدة عنوانها ما بعد الاستعمار وخاصة في الأدب. لم يلحظ كثيرون أن سياسة “الإنفراج” بين الاتحاد السوفييتي والمركز الإمبريالي سوف تقود بالضرورة إلى أمرين خطيرين:
· تفكيك الكتلة الشرقية
· وتفكيك محيط النظام العالمي لأصغر منازل عشرية، يقابلها تركيز المركز في كتل ضخمة، وعودة الاستعمار إن كان خرج.
لذا، ما تلا انتهاء الحرب الباردة كان مجيء الحرب الساخنة ضد بلدان المحيط وخاصة الوطن العربي وتذرير المحيط وتركيز المركز. حين كتبت عن هذا عام 1991 في مجلة كنعان واجهني اصدقاء بتهم التشاؤم. فلينظر الأعزاء إلى يوغسلافيا والشيشان والبانيا وأفغانستان والعراق والصومال ومصر وليبيا[2] اليوم وما يحاك ضد لبنان وسوريا…الخ.
إذن لم يخرج الاستعمار، بل اعاد انتشاره بشكل أخطر عبر أدوات محلية قضت على إنجازات الموجة القومية الثانية وحولتها إلى آليات لإعادة أو استدعاء الاستعمار.
إلى جانب الأنظمة كان لا بد من المثقفين العضويين لهذه الأنظمة وللغرب الراسمالي. وإذا كانت الأنظمة مسلحة بالجند والشرطة والأمن…الخ. فالمثقفون مسلحون بالمال والأنجزة ومسارح الفضائيات ومقاعد الجامعات والمنح الدراسية السخية.
لنقرأ ما يدور في الوطن العربي اليوم على ضوء حديثنا أعلاه:
· إمعان الغرب في تقسيم كل قطر عربي من داخله سواء الأنظمة العميلة للغرب أو المعادية للغرب. هذا معنى تذرير المحيط، وهذا التذرير هو تركيز الاستعمار. فالولايات المتحدة والكيان لديهم سيناريوهات تفكيك كل قطر عربي على اسس طائفية، جغرافية، مذهبية…الخ
· ما يدور في ليبيا يمثل الحالة العينية بعد العراق وبالطبع الصومال.
· كثير من المثقفين العرب يؤيدون الاحتلال الغربي ل ليبيا بحجج حقوق الإنسان، ومنهم من يزعم أنه قومي عربي مثل عزمي بشارة، وللإنصاف ليس وحده. وهذا شرط الترحيب به في دويلة قطر التي ترسل مقاتلاتها إلى ليبيا، ومثقفون آخرون يزعمون أنهم يؤيدون العدوان لأن الثوار في ليبيا لا حيلة لديهم؟ هذا وكأن كل ثورات العالم جرى دعمها من خارج مكانها وشعبها (ثورة البلاشقة 1917، لم تبحث عمن يدعمها بل هاجمها الغرب بأجمعه). من لا يدعمه الشعب ليس ثورياً. وإذا كان إسقاط الديكتاتور يعني إعادة الاستعمار ليحكم الثوار سلطة في ليبيا كسلطة أوسلوـــ ستان، فهذا أمر يجب قذفه إلى الجحيم!
الغرض من هذا الحديث بسيط. قد نكثِّفه في التالي:
· إن هدف الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ومختلف أنظمة الغرب من عمالقتها أميركا وفرنسا …إلى بُغاثها، الدنمارك والنرويح…الخ وأنظمة الكمبرادور العرب (معادلة 22 نسخة ل 14 آذار- حيث إعلان العمالة بافتخار) ، هو تمكين الاستعمار في الوطن العربي عبر تقسيمه مجدداً إلى اكثر من الضعف.
· إن هدف الأعداء هي القومية العربية بلا مواربة ومن هنا تجزئة كل قطر من داخله هو المشروع المطروح.
· هذا المشروع يتطلب أجيالاً وأنواعا من الجواسيس، تتوالد وتتناسل باستمرار في الأكاديميا والجيش وراس المال والأنجزة والمثقفين، منهم السري ومنهم العلني…الخ لذا يدافع جواسيس الثقافة عن احتلال ليبيا ويخرسون عن احتلال السعودية للبحرين مثلاً. ويتعامون عن أن الجزر الثلاث محتلة من إيران منذ عقود اين كان الدرع ؟ هل كان خِماراً؟ فهل يحب النظام السعودي والإماراتي إيران؟ هل درع الجزيرة لحماية الحكام أم الوطن؟ هل نبالغ إن قلنا أنهم يدعمون الكيان الصهيوني في فلسطين؟
· أظهر الفيس-بوك في الثورة المصرية أن التكنولوجيا مطية للثوريين وللجواسيس معاً، وبأن الثورة المضادة قادرة على تنظيم الجواسيس بأشكال لا حصر لها، محاطة بأغطية شديدة الإتقان يتم تشغيلها يوم الحاجة. هؤلاء هم الجيل الفتى للثورة المضادة. وإذا كان الفيس بوك علني، فهناك ألغام الثورة المضادة، في دوائر الجامعات، وفي المنح الدراسية التي تبدو بريئة مثل حمام بيت الله الحرام، وهناك منظمات الأنجزة التي تغني لحقوق الإنسان بينما تمارس كتابة التقارير وخصي المثقفين الثوريين وإنتاج الأبحاث المسحية للمجتمع…الخ. أما داخل الكيان فهناك مراكز الابحاث وملتقيات التطبيع في الكيبوتسات بحجج دراسات الأديان أو الدورات المهنية والفنية وكلها تكرِّس التطبيع ودونية العرب وأفضلية الصهاينة.
· والأخطر، ان هؤلاء المثقفين/ات يتقنون فن أن يكتبوا كما لو كانوا شرفاء وثوريين، وخاصة بعد انفجار الثورة العربية اليوم، ليخلقوا مناخ اندساسهم مجدداً بين صفوفها.
ما العمل؟
إن المسألة القومية العربية هي محور الصراع، وإذا كان لنا أن نأخذ في الاعتبار مشروع العدو، اي المسألة القومية العربية، فهذا يشترط بلا مواربة ما يلي:
التصدي المكشوف بدون تأدُّب برجوازي صغير لمختلف أدوات العدو الثلاثي ومنها:
ـ المثقفون كأفواه لأجهزة الإعلام وخاصة الفضائيات
ـ دُعاة الديمقراطية المرتبطين والممولين من الأعداء والذين هدفهم التطبيع والتصالح مع الكيان، على طريقة البرادعي :” السلام بين الديمقراطيين وإسرائيل اثبت من السلام بينها وبين الديكتاتوريين”
ـ الاتجاهات السلفية في الإسلام السياسي التي تعادي القومية العربية وتنتهي في التحليل الأخير وحتى قبل التحليل الأخير إلى التصالح والتبعية للولايات المتحدة وخلفائها، فالطرفين متشاركين على أرضية راس المال، المتبوع والتابع.
ـ الاتجاهات الماركسية المرتدة، أو الراجعة بعد الردة، أو التي تدعي بقائها ماركسية وشيوعية والتي جميعاً تعادي القومية العربية والأمة العربية متسلحة بخطايا الأنظمة العربية التي زعمت أنها قومية ولم تكن.
ـ مجاميع من الأكاديميين الجاهزين أو الذين في طور الإعداد بالمنح، وجماعات حقوق الإنسان والأنجزة الذين يدعون للديمقراطية وتفوق الغرب وأبدية هيمنته وثقافته من جهة ويتصالحون ويدعون للمصالحة مع الكيان الصهيوني وبالتالي شطب القضية الفلسطينية كحق للشعب الفلسطيني وشطبها كقوة تجميع عربية، وكل هذا مقابل وضد مشروع تحرير فلسطين.
في هذه المرحلة من التاريخ، التي ما تزال مرحلة القومية بلا مورابة يصبح طعن المسألة القومية خيانة واضحة، ليس فقط لأن هذا حق الأمة، ولكن ايضا لأن المدخل القومي هو البوابة إلى الاشتراكية. هذا ما يفهمه العدو جيداً في دفاعه عن التبعية وإعادة الاستعمار والتفريط بالوطن.
[1] لا أود تذكير القارئة/رىء ب سايكس بيكو، فمن رغب فليقرأ مقررات مؤتمر هرتسليا الصهيوني ، وليقرأ المقالة المنشورة قبل ايام للجنرال الصهيونيCaution: Middle East under construction – By Aluf Benn
MsoNormalTable” border0″ cellspacing0″ cellpadding0″ width99%”>
[2] من يرغب في معرفة شركاء تقسيم ليبيا وخططهم منذ عقود فليقرأ:
URL of this article: www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=23947
Global Research, March 25, 2011
The Asia-Pacific Journal Vol 9, Iue 13 No 3, March 28, 2011.
عن نشرة كنعان الألكترونية