طائرات إى 10 الأميريكية تقصف دبابات تي 72 الروسية الصنع اسوشيتدبرس
تدمير ليبيا من أجل إنقاذها: عارض حرب الخليج
كون هاليان
تدلّ الصور الواردة من ليبيا على وضع بالغ الخطورة. غير أن اثنتين منها بشكل خاص تنذر بمشاكل كبرى على المدى البعيد. الأولى هي لإحدى الطائرات الحربية الأميركية من طراز «أي ـ 10» القبيحة لدرجة اكتسبت لقب «الخنزير الوحشي» وهي تسير على مدرج. والثانية تعود لمجموعة ثوار يرقصون على دبابة محترقة.
لقد تمّ تدمير هذه الدبابة السوفياتية القديمة من طراز «تي ـ 72» من قبل إحدى طائرات «أي ـ10» على الأرجح. مما يعني أن هؤلاء الثوار سيعيشون بشكل شبه مؤكد في عالم من الألم في المستقبل. ففيما كانوا يحتفلون على سطحها، تنشقوا أيضاً الغازات الناتجة عن الصاروخ الذي دمّر هذه الدبابة: رأس اليورانيوم المستنفذ من طراز 30 ملم.
تعتبر ذخيرة اليورانيوم المستنفذ من أفضل الخيارات لتدمير المدرعات، وهو سلاح تختص به طائرات «أ ـ 10». استخدمت الولايات المتحدة 320 طناً من هذه الذخيرة خلال حرب الخليج الأولى، 10 خلال حرب كوسوفو، وأكثر من 1000 في اجتياح العراق. فهي فعالة جداً لتدمير المدرعات، لكن آثارهاً الجانبية مضرّة للغاية.
تظهر صور تعود للعام 1991 جنوداً أميركيين تسلّقوا على دبابات عراقية مدمّرة بهدف الاحتفاظ بصورة تذكارية. ومع قيامهم بذلك، قاموا بتنشق أوكسيد اليورانيوم أو حملوه بثيابهم من غير أن يدروا.
لم يعلم الجنود آنذاك أن هذا الغاز سام. فقد قالت لهم وزارة الدفاع الأميركية إنه غير مؤذٍ، رغم معلوماتها التي تبين العكس. ففي العام 1991، استنتجت «قيادة الذخيرة الحربية والكيمياء» التابعة للجيش الأميركي أن «أي جسم يتم استخدام هذا النوع من الصواريخ عليه يمكن اعتباره على أنه ملوّث باليورانيوم المستنفذ»، ووجّهت تعليمات للجيش بوجوب وضع الجنود لأقنعة أو ألبسة حامية أو كمامات «بالحد الأدنى»، والتخلص من هذه الملابس بعدها.
غير أن المشكلة الوحيدة كانت أن قيادة الجيش لم تبلغ الجنود بذلك، حتى أولئك الذين اقتصرت مهمتهم على التعامل مع الأجسام التي تمّ ضربها بهذه الصواريخ. ولم يتفوه أحد بأي كلمة للفريق 24 في الجيش الأميركي الذي جمع أفراده 29 مدرعة أميركية أصيبت بنيران صديقة من هذه الذخيرة بهدف إعادتها إلى الولايات المتحدة. وعندما وصل الفريق والمدرعات إلى كارولينا الجنوبية، كانوا ملوّثين بالمواد الإشعاعية. وكان كبار الضباط على علم بذلك.
تبين أن معظم أعضاء الفريق يحمل ما دُعي بـ«عارض حرب الخليج» الذي أصاب في تلك الفترة 118 ألف جندي من مجموع 700 ألف شاركوا في الحرب. وقد عانى هؤلاء من شعور بالتعب المستمر، الصداع، تشنجات عضلية، أوجاع في المفاصل، فقدان الذاكرة، الأرق ومشاكل في التوازن؛ وتضاعفت لدى هؤلاء فرص تطوير الحصول على أولاد بإعاقات خلقية.
إن هذه الصواريخ هي الأكثر فتكاً للمدرعات. ويستطيع الصاروخ اختراق حتى 10 سنتم في الدرع الفولاذي وكأنه زبدة، لينفجر بعدها بشكل كتلة نارية بقوة 10 آلاف درجة تحول 70 في المئة من الذخيرة إلى مسحوق قد ينتشر حتى بعد 40 كلم عن موقع الانفجار الأساسي.
إن اليورانيوم المستنفذ ليس عالي الإشعاع، غير أن معدل حياته يبلغ 4,4 مليار سنة، وفي حال اخترق جهاز الإنسان، قد يكون مؤذياً جدّاً. وبحسب «معهد السياسة البيئية» الأميركي، «من شأن «الذخيرة» أن تولد عواقب طبية خطيرة».
وقال العضو في «معهد الأبحاث النووية ـ البيولوجية» التابع للجيش الأميركي ألكسندر ميلر لصحيفة «الغارديان» البريطانية إنه «لطالما تم افتراض أن الجرعات المنخفضة ليست خطرة، غير أن خطر هذه الجرعات في الواقع، أكبر بكثير مما يتم افتراضه». وقد أظهرت دراسة أجراها المعهد المذكور أن اليورانيوم المستنفذ يلحق ضرراً بكروموزوم العظم الأساسي.
لكن لا يمكن إلقاء كل اللوم في حصيلة حرب الخليج على هذه الذخيرة فحسب. فبعد 11 عاماً من النكران، اعترفت وزارة الدفاع أخيراً أن ما لا يقل عن 30 ألف جندي تعرّضوا لبقايا أسلحة نووية عندما تمّ تفجير مخزن سلاح في منطقة الخميسية العراقية.
تبدو المعارك الحديثة كوابيس سامّة، وثبت ذلك فعلاً في العراق.
غير أنه من المؤكد أن للـ«ذخيرة» دوراً كبيراً في تفشّي العارض، ولا سيما بالنسبة للجنود الذين أصيبوا بأمراض متعلقة بالمناعة.
بشكل عام، يصعب رصد آثار الإشعاعات المنخفضة، وذلك لكون الخلايا السرطانية السامة التي تتركها تحتاج إلى ما بين 16 و24 عاماً من التطور قبل أن تظهر. وتقول السلطات الطبية العراقية إن معدلات الإصابة بالسرطان في البصرة ـ وهي مدينة تركز فيها استخدام «الذخيرة» خلال حربي الخليج واجتياح العراق ـ تضاعف حتى عشر مرات، وأن نسبة الولادات المشوّهة أعلى من أي مدينة أخرى في البلاد.
يمكن استخدام هذه «الذخيرة» أيضاً في المدافع من عيار 25 ملم، وصواريخ الدبابات من عياري 105 و120 ملم. ويعمل الجيش الأميركي حالياً على تطوير استخدامها لأقلمتها بما يناسب رصاص سلاح أوتوماتيكي ضخم. كما يتم استخدامها في طبقة المدرعات الخارجية، مما يجعلها مضادة بالكامل تقريباً لكل القذائف غير المحتوية على هذا اليورانيوم المستنفذ.
تبيع الولايات المتحدة هذه الصواريخ إلى إسرائيل، مصر، باكستان، بعض حلفائها من الحلف الأطلسي ـ ألمانيا وإيطاليا لن تستخدماه ـ السويد، تايوان، السعودية، تايلاند، ودول أخرى لم يفضح البنتاغون اسمها لأسباب تتعلق «بالأمن القومي».
إن اليورانيوم المستنفذ هو أيضاً معدن سام للغاية ومضرّ بالكبد والكليتين، ولا سيما في حال تسربه إلى ماء الشرب. وفي حال أخطأ أحد الصواريخ المحمل بهذا النوع من الذخيرة هدفه، فقد تخترق أسهمه الثقيلة جداً الأرض. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن «أحد أكبر الأخطار البيئية لذخيرة اليورانيوم المستنفذ غير المنفجرة هي إمكانية اختلاط موادها مع المياه الجوفية خلال عملية تحلّلها».
نظراً لهذه الأخطار الكبرى، اعتبرت لجنة تابعة للأمم المتحدة أن الأسلحة التي تستخدم هذه «الذخيرة» تنتهك 7 اتفاقات دولية، بما فيها شرعة الأمم المتحدة ومعاهدة جنيف. غير أن محاولات حظرها، واجهت فيتو من أميركا وبريطانيا وفرنسا. وفي العام 2009، أصبحت بلجيكا أول دولة تحظر استخدام اليورانيوم المستنفذ في أسلحتها، وفي العام نفسه، صوّت البرلمان الجنوب أفريقي لمصلحة تجميد استخدامها.
ويحاول حالياً «التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم»، والذي يضم 120 منظمة غير حكومية، حشد التأييد والعمل سياسياً بهدف التخلص من هذه الأسلحة.
يتم استخدام آلات قاتلة أخرى على الليبيين في هذه الأيام، ومن ضمنها القنابل العنقودية التي تطيح كل ما تحل عليه من دبّابات وبشر. وتطلق الطائرات الأميركية قنابل من طراز «سي بي يو 103 و 104 و105»، و«أي. جي. إم 154»، وجميعها تُعرف بنسبة فشل انفجار عالية، لما يجعلها «قنيبلات» قاتلة لعقود. كما حصل عند قصف لاوس ما بين عامي 1964 و1973، حيث بلغت نسبة ضحايا مخلفات القنابل العنقودية غير المتفجرة بعد نهاية الحرب من 100 إلى 200 شخص سنوياً.
مهما كان شكل الحكومة الليبية المقبلة، سيكون عليها التعاطي مع مخلفات حرب «الذخيرة». وكما قال يوماً الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور «تكمن مشكلة الدفاع في مدى قدرتك على عدم تدمير من الداخل ما تحاول أن تدافع عنه من الخارج».
هي مشكلة كبرى بالفعل. ويأمل المرء اليوم أن تتجنب ليبيا مصير قرية فيتنامية دمّرت في سبيل إنقاذها.
عن موقع معهد «فورين بوليسي إن فوكس»
ترجمة السفير اللبنانية 13 نيسان 2011