الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / جورج قرم: نظامنا عصيٌ على الاصلاح.. نعم لاسقاطه

جورج قرم: نظامنا عصيٌ على الاصلاح.. نعم لاسقاطه

مظاهرات شبابية لإسقاط النظام الطائفي في لبنان

جورج قرم: نظامنا عصيٌ على الاصلاح.. نعم لاسقاطه

ديانا سكيني

يدافع الوزير السابق الدكتور جورج قرم عن رفع الحركات الشبابية في هذه المرحلة لشعار «اسقاط النظام الطائفي». ذلك ان ما يجتهد على تسميته بنظام في لبنان كان تاريخيا عبارة عن «ترتيبات دستورية» تهيىء لاندلاع توترات امنية وسياسية بين فينة زمنية واخرى. وهي ترتيبات متصلة عضوياً بالاستقطابين الاقليمي والدولي اللذين نجحا في ترتيب الوضع اللبناني وفق المعايير التي تضمن بقاء لبنان «دولة- حاجز» لتنفيس الصراعات بين الدول الكبرى. وعليه، فان على الشباب الرافعين لشعار اسقاط النظام الا يتراجعوا او يترددوا لان «نظامنا الحالي عصي على الاصلاح». كما ان المساومة او التسوية لم تعودا نافعتين في ظل واقع الفساد و الاهتراء الذي ينهش بنى الدولة. ويدعو قرم خلال مقابلة مع «صدى البلد» الى تنحية الخلافات الداخلية ذات البعد الاقليمي جانبا في هذه المرحلة اهتداء بالتجربة المصرية التي لم تضع «كامب دايفيد» في اولويات حراكها الثوري. وللمسيحيين المتوجسين من شعار «اسقاط النظام الطائفي»، يقول قرم ان «دولة مدنية ديمقراطية هي الكفيلة بحفظ حقوق كل مواطن وحمايته من اي تهديد في المحيط».

ويرد قرم على الاحباط الذي يشهره البعض في مواجهة هذه الحركة الشبابية التغييرية التي تتهم بعدم الواقعية، قائلا ان «قوة الخيال تصنع الواقع».

هل يعتبر توصيف النظام اللبناني بالطائفي صحيحًا لناحية المفهوم السياسي والدستوري؟
ما يسمى بالنظام السياسي اللبناني هو نتاج تصادم الاستعمار الفرنسي والاستعمار البريطاني في سعيهما الى السيطرة على طريق الهند. ولما كان الموقع اللبناني الفلسطيني السوري استراتيجيًا، دخلت الطائفتان الكبيرتان حينها اي الموارنة والدروز في فلك صراع الدولتين الاوروبيتين فنتج الصدام الاهلي كانعكاس للصراع الخارجي.

منذ العام 1840 مرورا بنظام القائمقاميتين الى قرار المندوب السامي العام 1936 الذي يشرع في القانون العام الطوائف التاريخية الرئيسية اللبنانية ، الى دستور العام 1926 بمادته الرقم 95 التي كرست طائفية الوظائف، وصولا الى اتفاق الطائف الذي اعاد تشكيل التركيبة اللبنانية، في كل تلك المحطات كنا أمام ترتيبات موقتة تعكس التوازنات في الصراع الاقليمي المتصل بمشاريع الهيمنة الاقليمية في السيطرة على الشرق الاوسط. ولم تكن تلك الترتيبات الدستورية نتاج ارادة اللبنانيين ولم يستفد منها الشعب بل الزعامات التي تكيفت مع الارادة الخارجية للحفاظ على نفوذها.
النظام لا يمكن ان يعبر عن سلسلة ترتيبات تهيئ المناخ كل مدة زمنية الى جولة اخرى من الاضطرابات السياسية والأمنية ذات الطابع الطائفي.

وفي الواقع فان كل تلك الترتيبات كرست مفهوم لبنان «كدولة حاجز» بين افرقاء اقوياء في النظام الاقليمي والدولي يتحاربون عبر شعب صغير كي يتفادوا حروباً اكبر بينهم. فحتى القلائل واحداث العنف الدائرة بين 1975-1990 اتت لتوفر حرباً اسرائيلية عربية لم تكن الجيوش العربية مستعدة لخوضها.

وهنا اجدني اكرر اننا طالما بقينا ساحة لا يمكن ان نصبح وطنا يملك مفهوما واضحا للمواطنية ونظاما دستوريا يقونن حقوق المواطن. وما نملكه اليوم هو ترتيبات دستورية تقونن حقوق الطوائف. وفي هذا السياق يبرز التناقض الصارخ بين حقوق الطوائف وحقوق المواطن، بحيث لا يمكن ان تكون هناك حقوق لمواطنين متساوين في ظل حقوق الطوائف.

لكن ألا يقلل تضخيم اثر العوامل الخارجية في صناعة تلك الترتيبات الدستورية من شأن خصوصيات الطوائف في لبنان، خصوصًا أن ثمة من يقول إن هذا النظام فصّل على مقاس الشعب؟
هذه مغالطة كبيرة تأتينا من الدوائر الاكاديمية الغربية وتستند الى نظريات الديمقراطية التوافقية النابعة من تجارب داخلية محددة ومن دول تتسم تركيباتها السكانية بفوارق عرقية. اما في لبنان فهناك تداخل كبير جدا في التركيبة الاجتماعية للشعب، والامر سيان في المنطقة العربية ككل وان بدرجات اقل فحتى بين العرب والكرد، والامازيغ والعرب، الفوارق الثقافية الموجودة ليست كبيرة ولا يمكن مقارنتها بالفوارق الموجودة بين التركيبتين السكانيتين في بلجيكا او سويسرا.
لذا لا يجب ان نغفل فعل القوى العاملة على تفتيت المنطقة والتي لا تتماشى رؤيتها مع حقيقة الارادة الداخلية في الدول الرافضة لهذا التفتيت بفعل ادراك شعوبها للمشترك بينها.

الطائفية نظام شمولي

هل ترى وجوب التمسك بشعار اسقاط النظام او استبداله بشعار اصلاح النظام؟
هذا النظام عصي على الاصلاح.
حين نتحدث عن الرغبة في اسقاط النظام، نعبر عن رغبتنا في اسقاط نظام حالَ دون بلوغ المواطنين حالة المواطنية، واسقاط النظام لا يعني ان الطوائف ستتبخر في الهواء.
كما ان شعار اسقاط النظام افضل بكثير من شعار الغاء الطائفية السياسية. ذلك ان كلمة الغاء تزعج نفسيا اللبنانيين المشبعين بأجواء طائفية، ناهيك عن أن الطائفية لا تنقسم كنظام بل هي نظام شمولي،وهي واحدة بأوجهها السياسية والثقافية والاجتماعية، لذا يجب علينا تجاوز الحالة الطائفية في لبنان.

في رأيك هل يجب التركيز على اقامة الدولة المدنية أم العلمانية؟
يمكن أن نترك العلمانية لانها تزعج الكنائس (يضحك) خصوصا الشرقية منها او حتى بعض المراجع الاسلامية. بات هناك اتفاق على مفهوم الدولة المدنية اي الدولة التي ليس لها لون ديني. ولبنان في هذا السياق ليس محايدا دينيا بوجود 17 مجموعة طائفية على ارضه. لذلك فان مفهوم الدولة المدنية جميل وقد رأينا بريقه في ثورتي مصر وتونس.
ناهيك عن أن العلمنة تتعرض للتشويه علما أنها تعبر عن سلسلة اجراءات دستورية تمنع استغلال المشاعر الدينية في المعترك السياسي، وهي لا تعني الالحاد او التضييق على المشاعر الدينية. مع هذا اجدني اميل الى عدم استيراد المفاهيم الغربية وتطبيقها على واقع يختلف في مساراته التاريخية عن واقع ومسارات وأمكنة أخرى. فمسار الدول الغربية شيء ومسارنا شيء آخر.

ثمة من يتحدث عن أن أي تغيير في الواقع اللبناني لا يمكن أن يتم الا من خلال تسوية او مساومة في مقابل من يتمسك بالتغيير الجذري. أي الخيارين تتبنى؟
هناك اشياء غير قابلة للمساومة، وكل ما يمس حقوق المواطنين وكل ما يبقي على قنوات الفساد في المجتمع وكل ما لا يساهم في تكريس حقوق المواطنين والمواطنية وكل ما لا يساهم في تخفيف حدة الانقسامات الاجتماعية ووقف تكديس ثروات خيالية على حساب الفقراء ، لا يمكن المساومة عليه.

كما رأينا في نموذجي مصر وتونس فإن من ثار لم يكترث لمطالبه بإجراء قراءات واقعية ولو فعل لما حقق شيئا، وذلك اهتداء بمقولة «قوة الخيال تصنع الواقع».
وفي العودة الى تحليل مجتمعنا، نجد أننا نأكل ونتكلم اللغة نفسها وفي معظم الأحيان نلبس الملبس نفسه. نحن ضخمنا الفوارق بين اللبنانيين، لأننا أسرى أدبيات أكاديمية منذ 300 عام تضخم الخصوصيات ولا تنظر الى كل ما يجمع بين اللبنانيين. وهنا اعتقد انه يجب على العلوم الانسانية المشرقية والمغربية في العالم العربي ان تركز على ما يجمع بين فئات الشعب لا على ما يفرق.
اما الخوف في لبنان من الآخر فيولد في أحيان كثيرة من عدم محاكمة المسؤولين، ولو محاكمة صورية كما تم في جنوب افريقيا. ومن هنا فان من يبالغ في تضخيم خصوصية الواقع لدحض امكانية التغيير فهو مشتبه.

وماذا عن هواجس المسيحيين كأقلية دينية في لبنان والشرق حيال المطالبة بإسقاط النظام؟
حين تتحقق الدولة المدنية يجب أن يطمئن اي مواطن الى أنه ليس عرضة للتهديد من المحيط. واي ضمانة لاي مجموعة لا تأتي الا من المجتمع الديمقراطي. القوى الاستعمارية عملت منذ العام 1840 على تغذية العصبيات الطائفية وعلى تعزيز القلق النفسي لدى المجموعات اللبنانية.

السلاح والديموقراطية

ماذا تجيب من يتحدث عن استحالة اقامة دولة مدنية ديمقراطية في ظل وجود «طائفة مسلحة»؟
رأينا في ثورة مصر كيف ان المواضيع الخلافية المرتبطة بالوضع الاقليمي نُحِّيت جانبا، حيث لم يطالب احد بالغاء معاهدة كامب دايفيد.
يجب في المرحلة الاولى ابعاد المسائل الخلافية التي تتعلق بوضع المنطقة المهيمن عليها خارجيا.
ولا أظنّ أن الجهة المسلحة من الممكن ان تقطف ثمار اي تغيير مدني ديمقراطي. وهنا ايضا لا بد من تشريع النقاش حول ضرورة الحسم الفعلي لهوية العدو والصديق. واذا اتفقنا على هذا الامر بالعمق، سنكون امام حلول متوفرة ولا ننسى ان سلاح المقاومة هو نتاج الضعف اللبناني الرسمي في الذود عن ابناء الجنوب الذين تحملوا فاتورة الاعتداءات الدموية الابهظ منذ ستينات القرن الماضي. في الدولة المدنية الديمقراطية علينا ان نناقش النظام الدفاعي الذي يتمسك بفحوى حرب العصابات التي اثبتت نجاحها في تحرير الارض والدفاع عنها، وليس المطلوب ان نتخلى اليوم عن هذه القدرة بشكل مجاني.
وفي الدولة الديمقراطية التي تخرج من مفهوم الساحة سيكون دمج الجناح العسكري لحزب الله في الجيش اسهل بكثير. ولا ننسى أن لدينا عدواً ذا خصوصية كبيرة وهو يستعمل العصبية الدينية بشكل فظيع والعالم كله مجيش لمساعدته. يجب النظر الى سلاح حزب الله في سياق التاريخ لكي لا تشوه الحقائق.

شعارات طائفية

البعض يسأل كيف نطالب بدولة ديمقراطية ولا نطالب بانهاء استخدام السلاح في الداخل؟
هذا الامر حصل في محطة استثنائية في 7 ايار ، وحتى ما عرف بتسمية «القمصان السود» كان في اطار صراع يتصل بالمحكمة الدولية وبشعور فريق بوجود مؤامرة دولية عليه. علينا ان نضع حدا لأثر الخارج في بلدنا ومن هنا تبدأ كل الحلول.
ويجب ان نترك الشعارات التي ترفعها القوى الطائفية، ذلك أن أي شعار يرفعه تيار مذهبي ليس متنصلا من الابعاد الخارجية.

عن موقع صدى البلد

عن prizm

شاهد أيضاً

القومية العربية نهضت بنهج عبد الناصر وتلاشت بغيابه !!

11 تشرين أول 2024 نبيل عودة تطور القوميات في اوروبا هو نتاج تطور اقتصاد مشترك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *