الأخوان المسلمون في مصر ينتحبون قيادة حزب “الحرية والعدالة” الجديد
تقاسيم عربية وخليجية
أحمد حسين
بعد تفكك الحراك الشعبي في مصر، والذي ذهب ضحية الطوباوية الشعبية من ناحية، والضغط الهائل والمنظم الذي مارسه جهاز الثورة المضادة بقيادة أمريكا والإخوان والعسكر، بدأت مصر ما بعد “الثورة”، تستعيد روتينها العادي في أيام الملك فاروق، وتغرق في بحبوحة الفقر المستور، وعناء الرفض المغدور والدم المهدور وعناء الكرامة الصامتة، التي سجنها سحرة الطنطاوي وعبد البديع، في قماقم المغفور له سليمان بن داوود. لم يحصل الشعب المصري على شيء سوى الديموقراطية. أي المشاركة في اختيار الجلادين واللصوص القادمين من الإحتياطي الأمريكي النخبوي في بلادهم. وفي قراءتي لوعيي الخاص، فإنني على ثقة بأن شيئا لن يتغير جذريا في حياة الشعب الصابر. سيظل الظلم ظلما، ولكن بالدستور المدني هذه المرة، وسيظل الفقر فقرا ولكنه لن يكون عشوائيا بعد. سيكون مبررا بظهور التمايز الطبقي بشكل جارح، بسبب الديموقراطية الغربية والديموقراطية الإخوانية، والديموقراطية العسكرية، يرافقه نهضة برجوازية جامحة، تستوعب كل مصالح الطبقة الحاكمة الجديدة وأتباعها من الديموقراطيين. هذا أمر لا مفر منه، ما دام لم يحدث جديد.
سيكون الظلم في النظام القادم عبارة عن انضباط مرهق، يقوم على طاعة القانون، وتحمل الديمواقراطية، والمواطنة الصالحة ( إحذروا هذا البند )، وأداء الصلاة. سيكون رجال الأمن السري هذه المرة رجال مثقفون ولطفاء وملتزمون بالقانون، وسيتحسن وضع السجون، ولكن هذه المرة سيكون الظلم أكثر منهجية، يتم تطبيقه بواسطة المحاكم المدنية. سيكون هناك محامون لكل طبقة من الطبقات، يتمايزون بالأجرة فقط، وسيكون بإمكان أي فلاح بائس، أو معلم مدرسة، أن يقاضي رئيس الدولة نفسه أو أي ملياردير. كل ما هو مطلوب هو رسوم الدعوى وأجرة المحامي، والتحلي بالصبر. أي أن التغيير الحاصل بعد الثورة سيرفع من كرامة المواطن، لأنه أصبح دجاجة بياضة، ولكن كرامة وجبات الطعام لن ترتفع. سيعمل المواطن المصري7-8 ساعات في اليوم، وينتج بضاعة بألف جنيه، يأخذ منها ما قيمته 10 جنيه. فهل كان هذا يحتاج إلى ثورة؟ نعم، بشرط أم نكون ثورة أمريكية ينفذها الشعب المصري. وقد حصل!
كانت ثورة لتجنيد ثمانين مليون مصري في خدمة الشركات العالمية. كانت ثورة لحماية دول الخليج وإسرائيل من الخطر الإيراني والسوري وحزب الله. كانت ثورة من أجل إدخال شعوب المنطقة في دورة الأنتاج الكومبرودوري العالمي. كانت ثورة من أجل منع قيام تنمية مستقلة في أي بلد عربي. كانت ثورة للقضاء نهائيا على مصطلح العالم العربي الشفهي. كانت ثورة للقضاء نهائيا على الزراعة في مصر، وسرقة نهر النيل. كانت ثورة بدأت في تونس وانتقلت إلى مصر فليبيا فاليمن فالبحرين فالعراق فسوريا لتغيير وجه التاريخ في هذه البلاد المنكوبة وبقية العالم. وكله ببلاش على حساب الشعب المصري، وبقيادة الكادر الجنسي والديني والثوري لكازينوهات الإعلام العربي الأمريكي. كانت ثورة ” رقصني يا جدع ” بكل المقاييس.
حكومة طنطاوي الإخوانية تعرف أنها باقية. تغيرت بعض الوجوه أو لم تتغير. لقد قام في مصر نظام ” موديل 2011 ” وانتهى الأمر وأرسل الطنطاوي مبعوثيه إلى السيلية لتسليم أوراق اعتماد النظام. وتقرر هناك أن تقوم مصر بدور إسرائيل في تخويف إيران بأهمية أمن النظام الخليجي لمصر، تمهيدا لجرها إلى حرب الخليج القادمة. لم تكن الأمور قد استقرت له نهائيا عندما اضطرت ماما كلينتون لزيارته لتأمره أن يمد ثوار ليبيا بالأسلحة والضباط، وأن يمد قناة الجزيرة بالعقيد أبي الدمامل. وسوف تواجه مصر والشعب المصري نتائج لا يمكن التنبؤ بها الآن، إذا قام هذا الرجل بزج مصر في هذه اللعبة الخليجية الجديدة، لأن أبعادها قد تضخمت وتشابكت إلى حد بعيد، ولم تعد مغامرة عسكرية صغيرة. سيقتل المصري السوري واللبناني والإيراني، وسيقتل هؤلاء المصري ويتبادلون الدمار معه، من أجل بقاء الدشاديش الخليجية التي لا تضم سوى بطون الماعز والسلاح الشخصي للتيس. وسيحمي المصريون بدمائهم سلامة نفط الخليج، الذي بدل أن يكون نفطهم ونفط الشعوب العربية بشرعية التاريخ والجغرافيا والحق الإجتماعي، كان منذ ظهوره لعنتهم ونكبتهم ونكبة الشعوب، ونعيم الأمريكي والإسرائيلي. سيموت المصريون فداء لعباءات آل ثاني وآل سعود، مقابل استعباد العامل المصري بالحد الأدنى للتسعيرة في سوق العمل. لقد اتخذ الطنطاوي والإخوان قرارهم بشأن كل البنود، ووافقت ” الثورة ” على ذلك، ولم يبق سوى التأهب العسكري. ولا حاجة لأي كلام بهذا الشأن، فقد سبق السيف العذل. ولم يبق أي إمكان لرد ذلك، سوى انقلاب عسكري سريع ضد طنطاوي، وهو ما فات أوانه أيضا، فقد أصبحت أمريكا قريبة تدير الأمور من قطر وليبيا. ألسؤال الأن لم يعد يتعلق بمصر.
السؤال الآن هو، هل ستظل إيران وسوريا وحلفائهما يتحلون بالصبر الجميل، إلى أن تحل الكارثة؟ ترى هل تشكان أن حرب التصفية الشرق أوسطية قد بدأت؟ إن سوريا اليوم مستهدفة كدولة وشعب وليس كنظام. وهي ستسقط عاجلا أو آجلا مثل ليبيا في براثن الإخوان والهاشميين وإسرائيل. فماذا ينتظر أيوب الأسد؟ لقد سقطت الشبهة القومية عن العرب ربما إلى الأبد. لا أحد يتمسك باستراتيجية وهمية. لماذا لا يعلن نوعا من الإتحاد الإقليمي مع إيران لتقوية فرص الطرفين في الدفاع عن بلديهما وشعبيهما؟ لعلهما يستمعان إلى تطمينات أردوغان الأب الروحي للتحالف الإخواني الأمريكي الأخير، التي يأتي بها مباشرة من المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ضابط المخابرات أوباما. لا أظن ! فأردوغان هو راسبوتين الشرق الأوسط ويعرفون ذلك. ولكن لم الإنتظار. اللعبة كبيرة بحجم التاريخ، وليست مجرد فرض وجهة نظر سياسية. وما دام لا يمكن تجنب العدوان التصفوي عليهما، فلماذا لا تبادران بتصفية دول الخليج بأي ثمن. ليخلطا الأوراق على نحو تخرج منه أمريكا وحلفائها خاسرين حتى لو انتصروا؟ إنهم لن يخسروا شيئا لن يخسروه حتما إذا انتظروا التصفية لكل دول المقاومة وأعشاشها مؤكدة مئة بالمئة، والدور العربي مؤكد مئة بالمئة، والخليج كنز الغرب الإستراتيجي، فما الذي يمكن فعله غير تحييده سلفا؟ فلماذا لا يضعون أوروبا واليابان والصين والهند أمام، خيار الحصول من أمريكا على النفط بالكوبونات إذا توقف الضخ في نفط الخليج والعراق، أو الوقوف في وجه الجنون الأمريكي الصهيوني؟
ليمت الذين يعيشون بين الشك واليقين بطريقتهم. فلماذا يموت المهددون بالموت المحتم بطريقة أمريكا؟ المعركة الدائرة إذا وصلت مداها هي معركة حسم تاريخي مصيري للجميع. لا يوجد متفرجون ! وفي الحقيقة أن من يظنون أنفسهم متفرجين، هم منطقيا وعمليا سيكونون المتضررين أكثر من غيرهم. الساعة البيولوجية والعقلية والسيكيولوجية للعالم تشير إلى لحظة انهيار الجسد الكوني، وبدء رواية كونية جديدة، إذا لم توقف أمريكا والصهيونية عند حدهما سريعا، ووضع خطة ” طريق ” لوقف الإنهيار الكوني، وإنعاش الساعة البيولوجية للحياة بحمية مؤثرة. الحياة جميلة ويمكن أن تصبح أكثر جمالا، ولكن ليس بالقوة والجريمة، وتجاوز إنسانية البشر حتى ولو كانوا عربا.
27 نيسان 2011
عن مجلة كنعان الألكترونية