الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / “استحقاق” ايلول: دولة أوسلو ـ ستان أم تشريع الاعتراف العربي بدولتهم؟

“استحقاق” ايلول: دولة أوسلو ـ ستان أم تشريع الاعتراف العربي بدولتهم؟

الاعتراف بدولة فلسطينية بحاجة إلى دعم مجلس الأمن الدولي !!! (رويترز-أرشيف)

“استحقاق” ايلول: دولة أوسلو ـ ستان

أم تشريع الاعتراف العربي بدولتهم؟

عادل سمارة ـ رام الله المحتلة

ينشغل الفلسطينيون منذ اشهر ويزدادون شغلا اليوم كلما اقتربت حافة ايلول. تتكاثر الفتاوى والاجتهادات والمزايدات والتكتيكات، والأخطر هو تضاؤل الخلافات حول “ما يسمى” استحقاق ايلول، أو وصول حالة “إجماع ايلول”! فهل أصبح بيت اوسلو بديلاً لفلسطين؟

لماذا نقول “ما يسمى” ؟ لأنه ربما المحاولة الأولى في التاريخ التي يحلم أُناس وطنهم مغتصب بأن يحصلوا على دولة في نظام عالمي في حقبة الراسمالية المعولمة التي هي بيدها اقتطعت هذا الوطن والقت بهم إلى حواف الصحراء السياسية والجغرافية العربية.

لماذا صار هذا الوهم حلماً واكتسى انتفاخا خاله البعض لحماً؟

إنه العجز عن حمل المشروع الوطني، مشروع التحرير والعودة الذي اصبحت ناقلته أو حاملته اي منظمة التحرير مثابة عربة في أكوام الخردوات السياسية. إنه العجز في القناعة والذاكرة والمعتقد والعجز في الميدان، أو كامتداد للعجز في الميدان.

من يقرأ ما يُكتب ويُقال من سلطة الحكم الذاتي ومن معظم القوى السياسية ومعظم المثقفين والقوى التي في طور التشكُّل يكتشف أن الحديث عن حق العودة يأتي في أدنى مراتب الحديث فما بالك بمراتب العمل ويكتشف أنه يأتي رفعاً للعتب وأحيانا يُغفل أو يُنسى. وإذا كان هذا شأن حق العودة فما بالك بالتحرير[1].

لقد جرت على المشروع الوطني الفلسطيني تغييرات أفقدته جوهره وحصرته في الحصول على دولة مقزَّمة إلى ادنى منزلة عشرية في أجزاء من الضفة والقطاع المحتلتين. وانتهى هدف تحرير الوطن إلى شعار دولة. إنه الغرق الطوعي مقروناً بانهيار المعتقد وقلَّة “البَتع وليس الحيلة”، الغرق في خطاب التسوية الإمبريالية/الصهيونية/الكمبرادورية العربية.

وإن كان لا يعرف أحد بعد ما هو موقف الشارع الفلسطيني في الوطن والشتات من هذه الفقاعة الإعلامية، لكن لا يخفى أن هناك جمهوراً لهذه الفقاعة متمثلاً في هوامش القوى السياسية التي صاغت أو شاركت أو استفادت أو نمت على حواف اوسلو.

صحيح ان هذه لا تشكل اغلبية الشعب، ولكنها تمثل القوى المسيطرة على الشارع السياسي والثقافي والإعلامي بالطبع وهو ما يسمح لها بتخريج مشروع دولة أوسلو-ستان على أنه إنجاز تاريخي. وسيطرة هذه القوى مستمدة من دعم المستعمِر المباشر اي الكيان الصهيوني الذي صاغ أوسلو والاستعمار غير المباشرأي الإمبريالية سواء بقراراتها السياسية أو تحويلاتها التمويلية[2] وفي حواشي هذه الإمبريالية تقف الأنظمة العربية التابعة لتقدم الغطاء العربي لتشييع الجثة الفلسطينية وتستير ذلك بالصلاة عليها على الطريقة الإسلامية.

هذا إلى جانب الموقف المشدوه أو الغائب للأكثرية الشعبية الفلسطينية التي لا تشارك في صياغة شء الآن. فهذه الأكثرية اعتادت على أمرين:

المشاركة الرئيسية في الكفاح الوطني الشعبي الحقيقي وخاصة الكفاح المسلح والذي يتعرض للنكران والشتم والتحقير والتغييب ومؤخراً الاستبدال بمقاومة شعبية تحصر نفسها في مشاكسات سلمية والأهم أنها تحصر المطالب في أوسلو!
والتبعية السياسية للقوى الفلسطينية كما حصل مع منظمة التحرير.
بكلمة أخرى، لم تخلق هذه الجماهير ممثلها الشرعي بعد رحيل منظمة التحرير، كما لم تخلق ممثلها الطبقي. لذا، نجد طبقات بلا ممثلين وتنظيمات بلا طبقات، وفي النهاية أكثرية شعبية إما استدخلت الهزيمة عبر الهيمنة او استدخلت الصمت، وهو هزيمة.

ما هو جوهر الاستحقاق؟

لعل السؤال الأول : هل هو استحقاق أصلاً؟ أم هو وهم الاستحقاق؟ ألم تمر القضية الفلسطينية بمئات الاستحقاقات؟ يكفي ذكر استحقاق قرار التقسيم وهو استحقاق جائر ومفروض ولم ينفذ بل تجسد في تشكيل الدولة اليهودية وطرد شعبنا من وطنه.

ليست المشكلة أن يتم “سك” هذه الدويلة في ايلول هذا أو ايلول آخر، وليست المشكلة في الضغط التمويلي لتركيع الناس لهذا الاستحقاق الخطير، أو في بقاء رئاسة الوزارة لفياض أو غيره أو وزارة الاقتصاد لأحد مقرئي الاقتصاد من النيولبراليين المتشاطرين اليوم لنيلها. فطالما هناك أوسلو، طالما لم تتوقف مهلكة أوسلو، فإن دولة أوسلو- ستان قادمة لا محالة.

إن كل اللغو سواء من الولايات المتحدة برفض هذه الدولة، وهو لغو مناور، أو الأوروبي الذي يزعم تأييد “سك” هذه الدولة، أو العربي الرسمي…الخ لا ينفي ابدا ولا يحجب حقيقة أن هذه الدولة هي مشروع عولمي لشطب القضية الفلسطينية مجسدا في بقاء الأرض مغتصبة وبقاء اللاجئين حيث هم وتعريب الاعتراف.

إن الرفض الشكلي الصهيوني او من الولايات المتحدة لهذه الدولة هو إمعان في عقيدة أن كل شيء للصهيونية واليهود، وليس كما يتخيل البعض خوفهم من هذه الدولة العظمى.

هذا رغم ان تشكيل دولة أوسلو- تان هو في جوهره ليس اعترافاً بحقوق الفلسطينيين بل شطب لها، هو تجسيد وتعريب الاعتراف الرسمي العربي بالكيان الصهيوني والنفاذ من خلاله إلى الشعب العربي لقبول هذا الاعتراف وبالتالي إندماج الكيان في الوطن العربي اندماجاً مهيمناً. لذا، ستكون هناك ذات يوم دولة أوسلو -ستان، ولكن حينما يتأكد الكيان والعدو الغربي الرأسمالي ان الطوفان مؤكد، اي الاعتراف العربي المفتوح بالكيان، المفتوح بالتطبيع الشامل وتقديم العِرض الاقتصادي وحتى الجغرافي “الحيِّز” العربي لاغتصاب ملفَّعٍ برقصات وضجيج أغاني أهله. حينها سيكون الوطن الكبير كله مثل فلسطين!

ليس المهم إذن ايلول القادم أم بعده، ولعل ما قد يُقرِّب هذا الاستحقاق أو يبعده هو هذه المرَّة :

حدود قوة المقاومة في لبنان خاصة ومن ثم في الأرض المحتلة والعراق.
الواقع العربي، حراك هذا الواقع، حدود جريان الثورة في مصر وتونس، حدود صمود سوريا، حدود صمود ليبيا، حدود حصول حراك كبريتي على آبار النفط، حدود بقاء الاحتلال الأميركي للعراق…الخ.
لذا، تنتحر الثورة المضادة اليوم لمحاصرة التطورات العربية واحتوائها ووأدها, ومن ضمن ذلك الاجتماع القريب للجنة المبادرة العربية التي تحركها الولايات المتحدة باتجاه ما تراه لمصلحة الكيان وبالتالي للمساعدة على سحب تلك المحاولة الصغيرة المسماة “استحقاق ايلول” عن طاولة الأمم المتحدة؟ حتى هذا الاستحقاق الصغير مرفوض ومُستكثر.

[1] كان القبول بأوسلو ومن ثم تشكيل سلطة أوسلو مثابة معيار مواقف القوى من حق العودة، أو لنقل تخلي الأكثرية الساحقة عن هذا الحق. أنظر عادل سمارة، اللاجئون الفلسطينيون بين حق العودة واستدخال الهزيمة: قراءة في تخليع حق العودة، منشورات مركز المشرق العامل للدراسات الثقافية والتنموية رام الله 2000 ودار الكنوز الأدبية بيروت 2001.

[2] هذا المال الحرام الذي بدأ بتمويل من الأنظمة العربية لمنظمات فلسطينية لاحتوائها، وهو تمويل لا شك أخذ الضوء الأخضر من الإمبريالية، إلى أن قامت الإمبريالية نفسها بتمويل منظمات الأنجزة لاحتواء المناضلين اليساريين وتمويل الإمبريالية لسلطة اوسلو الذي أوقف شغل العمالة الفلسطينية في الكيان وحولها إلى أكوام من الجند والأجهزة الأمنية . وحينما فازت حماس باغلبية مجلس الحكم الذاتي “اللاتشريعي” أوقفت الإمبريالية دفع الرواتب. كان فخَّاً إذن بتحويل من يعملون بأجر إلى متلقي رواتب. وفي نهاية الأمر أصبح أهل الرواتب مضارِبين بوطنيتهم على حساب الوطن، فصار الوطن هو الراتب. فهل يمكن الاعتماد على هؤلاء وهم في هذا الوضع للنضال من أجل حق العودة؟

عن مجلة كنعان الألكترونية 14 تموز 2011

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *