لستم وملك السعودية مرجعية شعبنا
ولا مرجعية العرب
عادل سمارة
منذ أن جرى اجتياح منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بالكيان الصهيوني وجولات مفاوضات مدريد العشرة واتفاق أوسلو وتتويج ذلك بسلطة الحكم الذاتي، غابت تلك المنظمة عن الوجود الحقيقي وفُتحت السبل لمزاعم متعددة لاغتصاب تمثيل الشعب العربي الفلسطيني. كانت مشروعية المنظمة في ميثاقها كخطاب من جهة وفي الكفاح المسلح كممارسة من جهة ثانية. أما التخلي عن هذين المكونين، والإبقاء على الوجود الإسمي لمنظمة التحرير فقد سمح باحتلالها من قبل أنماط وقوى وأفراد لا علاقة تاريخية لهم بها، وإن كانت للبعض علاقات بالمنظمة وهي تحتضر أو وهي على حالها الحالي. أما وقد ترسخت أوسلو في الواقع العملي فقد ترسخت في الوجدان الشعبي، وهو ما يتضح في تحول الحياة في الأرض المحتلة 1967 إلى شبيه بتلك الحياة في المحتل 1948، اي بدل الحياة مقاومة، اصبحت الحياة تحت الاستعمار الاستيطاني أمراً عادياً، وصار يُنظر إلى الوطن كمكان لا يستحق الاستعادة ويمكن مغادرته في اية لحظة من أجل وظيفة مناسبة، وليُترك من بقوا لمصيرهم. وبكلمة، يجري استمراء التطبيع والاستعمار باعتباره الوضع الطبيعي. وهذا ما تبلور في اعتبار استحقاق ايلول أعلى حق للفلسطينيين والعرب! وهذا يعني أن حق العودة ليس سوى شعار إعلامي وأن الزمن قد عفا عليه، بل إن المطالبة به هو موقف عنصري عدواني ضد جار له ملىء الحق بما يتربع عليه من بقعة!
قبل ايام، وفي ترتيب واستخدام أميركي دقيق للنظام السعودي انضم ملك السعودية إلى الولايات المتحدة وتوابعها مطالباً النظام السوري بالديمقراطية وبزعم الحرص الحرياتي والديمقراطي على الشعب السوري، وكان نفس الملك وحكام النفط قد استدعوا، عبر الجامعة العربية، قوات الأطلسي لتدمير ليبيا، وأغدقوا الأموال على المتمردين المرتبطين بالغرب الرأسمالي. كما لم يتوقف ملك السعودية عن محاولة احتواء الحراك اليمني للحيلولة دون يمن حر وعروبي، هذا إلى جانب الاحتلال والاضطهاد الشامل لعرب البحرين!
تكثِّف هذه المواقف الخطيرة سياسة النظام السعودي في الوطن العربي وهي السياسة التي أرساها مؤسس هذه المملكة كسياسة لا عروبية من جهة وفي خدمة الإمبريالية من جهة ثانية هذا إن لم نقل أن السعودية لم تمر يوماً بحالة استقلال. قال مؤسس المملكة العربية السعودية، (لاحظوا التسمية أي نسب الوطن للأسرة الحاكمة التي عينها الاستعمار)! قال هذا الرجل عام 1948 رداً على اقتراح باستخدام النفط في دعم النضال الوطني الفلسطيني: “لا علاقة بين الاقتصاد والسياسة”. من الواضح أن هذه تشكل حجر الأساس في السياسة السعودية تجاه القضايا الوطنية في الجزيرة والقومية العربية عامة، بل يُستخدم الاقتصاد في السياسة المعادية للأمة العربية، وهذا دور النفط الذي يُرسَل إلى الغرب نقياً ويُرسل ضد الأمة العربية مشتعلاً.
وجلالة الملك لا يستطيع القراءة من ورقة باللغة العربية مكتوبة له وبأحرف كبيرة، فمن اين للرجل أن يعرف ما هي الديمقراطية والحريات. بل إن الرجل يحكم شعباً حِيل بينه وبين السماح بالحد الأدنى من الحريات والحقوق الفردية في مشروع هائل للحيلولة دون أدنى المطالب.
حزب 14 آذار السعودي
ومع ذلك ليست المشكلة العربية مع هذا الملك او غيره، هذا النظام او غيره، لا أمل ولا تعويل على التوابع بالفطرة والخلقة والدم. المشكلة مع الذين يصفقون لهذا الملك أو ذاك. ويزعمون تمثيل هذا الشعب أو ذاك.
هذا ما ورد في رسالة شكر ارسلتها مجموعة من سكان الأرض المحتلة 1967 يشكرون ملك السعودية على موقفه ضد النظام السوري وزعمه الحرص على الديمقراطية وبالطبع لم يكن الملك قد نسى ليبيا، حيث ارسل الطائرات والمال لمن يناهضون النظام تحت جناح تحالف أعداء الأمة والتاريخ. هذا طبعاً بناء على كلام الملك في العلن، ولكن ماذا فعل النظام السعودي في الماضي ضد مصر الناصرية وما ساهم به في احتلال وتدمير العراق وما يقوم به سراً ضد ليبيا وسوريا واليمن فهذا ستكشفه ايام مقبلة.
ومما ورد في رسالة هؤلاء الحامدين الشاكرين : ” إننا وباسم الشعب الفلسطيني نقف الى جانبكم ونساند دعوتكم وجهودكم المخلصة في هذه الظروف الدقيقه التي تمر بها المنطقة لأن مصير سوريا هو قضية محوريه لكل عربي حر”.[1]
ليقف هؤلاء ضد النظام في سوريا وحتى ضد سوريا الوطن. ففي فوضى الإعلام والمواقف في الوطن العربي وفي حمأة الاستخدام والتوظيف والفتاوى والفلتان العقلي في الوطن العربي، وفي معمعة الكلام والمزايدات الثقافوية على تبني الديمقراطية حتى لو اطاحت بوطن وشعب، في مناخ مريض كهذا، صار بوسع اي إنسان أن يأخذ موقفاً تفرضه عليه متناقضات المرحلة:
فإما موقف عروبي تحرري وإما موقف تابع يستدعي الاستعمار وحتى الاستيطان ويعتبرهما الوضع الطبيعي.
ولكن، من الذي خوَّل هؤلاء التحدث باسم الشعب الفلسطيني؟ قد يزعم البعض أنه عضو في مجلس الحكم الذاتي، وهو مجلس جرى انتخابه ضمن ديمقراطية الاحتلال، مما يفقده ادنى مشروعية، هذا ناهيك عن أن الذين صاغوا حملة الانتخابات هذه، اي المركز الراسمالي المعولم هم الذين نسفوها بترتيب انقلاب معولم ضد الأكثرية في ذلك المجلس المشؤوم وطنياً. وقد يزعم البعض أنه فعل ذلك كرجل دين. وهذا تجاوز على الدين. فمن يمثل المؤسسة الدينية لا يمثل الدين. وحتى من يمثل الدين لا يمثل الوطن والمجتمع. وفي قضايا الوطن لم يحصل ابداً أن قام شعب بانتخاب اشخاصا يمالئون الاستعمار وملوك يخدمون الاستعمار. وقد يزعم البعض وخاصة النساء أنهن لبراليات. ومع أن اللبرالية ليست سوى كذبة كبيرة وآلية لتبرير الاستعمار والاستغلال والمؤامرات لإسقاط الأنظمة الوطنية في العالم، إلا أن هذه اللبرالية هنا تصادر حق الآخرين وتزعم تمثيلهم دون تخويل مما يُفرغ هذه اللبرالية من الحد الأدنى من لبرالية الغرب.
إن النظر في تركيبة هذه المجموعة يطرح السؤال التالي:
أما والتشابه في تركيبتها مشابه لتركيبة 14 آذار في لبنان، فهي أولاً تضم فريقاً بأكمله بين مشارك أو مستفيد أو صاحب قرار أو مؤيد لاتفاق أوسلو، وثانياً تضم منتمين للإسلام والمسيحية، وتضم رجال مال ذوي علاقة قوية بالسعودية، فهل هذه محاولة لخلق، وربما الإعلان، عن تيار سعودي في الأرض المحتلة؟ فأية كارثة نحن مقبلون عليها. وهل هناك تمفصلات للتيار نفسه عربياً؟ هل هذا ما سنراه في مقبل الأيام؟
ليس من حق أحد مبايعة ملك السعودية الذي لم تبايعه الأسرة الحاكمة في السعودية نفسها، بل لم تحصل هذه المبايعة الأسرية أساساً. أليس من قتل الملك فيصل هو إبن شقيقه؟ فلماذا يقوم هؤلاء بزعم تمثيل الشعب الفلسطيني؟ وكيف يطالبون النظام السوري بالديمقراطية وهم ينصِّبون انفسهم ممثلين للشعب الفلسطيني دون ان يكلفهم أحداً.
لهؤلاء وإلى الكثيرين الذين يضرمون نار المجوس لإحراق أكثر من قطر عربي، سنترك الأمر للتاريخ القريب، وسيرى كل عروبي نقي أن كل من مالىء وخدم وتآمر لصالح الاستعمار تحت أغطية الديمقراطية والحرية والإسلام، وكل من حمل السلاح لقتل الشعب أو أرسل السلاح والمال، وكل من مالىء القومية التركية العدوة، سيرى الناس أن هؤلاء جميعاً كانوا بين غارق في الجهل وغارق في المال.
[1] بيت لحم- موقع معا الإخباري: شخصيات فلسطينية تشيد بموقف خادم الحرمين الشريفين تجاه احداث سوريا، نشر الأربعـاء 10/08/2011.عن موقع www.kanaanonline.org>
16 آب 2011