الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / ليبيا: عن تجسس الأنجزة لا عن “ثوار الناتو”

ليبيا: عن تجسس الأنجزة لا عن “ثوار الناتو”

“ثوار الناتو” المتعددو الجنسيات بعد قصف واقتحام طرابلس 23 آب 2011

ليبيا:

عن تجسس الأنجزة لا عن “ثوار الناتو”

عادل سمارة

ملاحظة:

قد يؤخذ البعض بالمفاجأة قائلا: وهل هذا وقته؟

إنه سيدتي/سيدي عين وقته.

إذا كانت اللحظة معركة فعصرنا الحالي هو حروب. وخسارة معركة قد تعني، إن فهمنا دورنا، كسب الحرب. جرى اختراق أمتنا العربية ضمن حرب لا معركة واحدة، ومن هذه الحرب تجهيز أعداد لا نعرفها ممن يتدربون على خدمة المركز الراسمالي الاستعماري المعولم في مجالات الثقافة والخطاب والأكاديميا ورصد المجتمعات، وبناء منظمات أنجزة مخفية تحت عباءات الأكاديميا والصحافة والإعلام، وهؤلاء ليسوا لمعركة اللحظة بل لمعارك بل حروب مقبلة. صراعنا اليوم مقدمة أولية لحروب طاحنة مديدة.

في حوار، أجرته قناة المنار مساء الإثنين 23 آب الجاري مع ميشيل سماحة وزير ونائب سابق في لبنان، بدأ الحوار ساخناً عن ليبيا حيث اختلف بجرأة عن موقف القناة من نظام العقيد وركز كعربي على أن ما يدور هناك هو صناعة الناتو وكأنه يقول “الناتو هو الثوار”! ثم هدأ الحوار حيث نقلته المذيعة سريعاً وبمهارة إلى الحديث عن سوريا.

اللافت جدا في هذه المقابلة ما قاله السيد سماحة عن منظمات الأنجزة في ليبيا خلال فترة الصراع بأنها لعبت دورا جاسوسياً[1]

لعل هذه الملاحظة على جانب شديد من الأهمية، وهي تذكرنا بدور هذه المنظمات وكثير من المتضامنين مع العراق قبل احتلاله عام 2003.

ولكي لا نخلط الحابل بالنابل، فهناك فارق بين المتضامن الذي يقاتل نظام بلاده في بلاده وبين متضامن يأتي إلى هذه البلد او تلك من المحيط كمستشرق وسيد أو ل “يناضل” نيابة عن أهل البلد، وفارق بالطبع بين متضامن لبرالي وثوري، وهذا يجعل الفرز صعباً. وهناك فارق بين متضامن جاء من حركة ثورية وبين متضامن جاء فردياً أو من خلال منظمات غير حكومية لبرالية؟

بات معروفا أن منظمات الأنجزة تولدت في مناخ الحرب الباردة. وإذا كانت أنظمة هذه الحرب هي “أب” هذه المنظمات، فإن أمها هي الفوضى الخلاقة. والفوضى الخلاقة ليست وليد سفاح من الرحم السياسي للسيدة كونداليزا رايس التي إن كانت أم هذه الفوضى فإن اباها هو الاقتصادي اللبرالي، الألماني الأصل، أميركي الجوهر جوزيف شومبيتر الذي صاغ هذا المصطلح في منتصف القرن العشرين.

وتسمية الفوضى الخلاقة تحرر نفسها من طبيعة الخلق أو المخلوق الذي تخلق. فالقديس مخلوق والشيطان مخلوق والثائر مخلوق والجاسوس مخلوق. وعليه، ففي فوضى الإعلام وفوضى المخابرات والجاسوسية، يبدو أنك لا بد تُخطىء، وهذا إلى حد أن اقول: في عصر الفوضى الخلاقة، إن لم تخطىء فأنت مخطىء حقا!

لقد أحيط وجود منظمات الأنجزة بإخراج هائل من خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية، والشفافية وحتى التنمية واجتثاث الفقر وبالطبع المرأة…الخ وكان وراء هذا الإخراج أمر أخطر هو تخليق قواعد “شرعية” للتجسس، بغض النظر عن وجود ضحايا في هذه المنظمات لا يعرفون كيف يُستخدمون، ولا يعرفون كيف تتم المساومة بين هذا المدير أو ذاك مع من يموله.

يعيدنا هذا إلى ما نشرناه في “كنعان” عن الاختراق والتجسس. وبالطبع فالمنظمات غير الحكومية هي بُنى ذاهبة إلى الاختراق برجليها، فهي ذاهبة إلى المال، ومن يدفع بوسعه أن يأمر ولا فرق هنا بين الدفع باسم الإنسانية او العلم أو الخير…الخ.

يفتح هذا الحديث على فوضى السيادة. ففي العقود الأخيرة صاغ لنا الغرب الراسمالي خطاباً جديداً عن السيادة مفاده أن السيادة باتت صناعة قديمة، وأن على العالم أن يكون مفتوحا بلا ابواب، بل يجب تخليع الأبواب! وهذا ما جعل تخليق الأنجزة أمراً سهلاً وجعل “نشاطها ودورها سهلاً”.

والسيادة مسألة أكبر من الانحصار في شرطة الحدود التي تمنح تاشيرات الدخول. السيادة في الخطاب والثقافة والانتماء للبلد والنضال من أجل الأكثرية الشعبية، وفي التنمية والأكاديميا والبحث والنشر والاشتراكية…الخ.

سيادة الحدود يتم التفريط بها من النظام الحاكم كي يُقبل لدى المركز الراسمالي الاستعماري، وهذا كان من أحد سقطات العقيد القذافي وهو الأمر الذي لم يسعفه حين وجد المركز من هم “أكرم” من القذافي حيث تنازلوا عن البلد نفسها لتلحق بفلسطين والعراق.

أما سيادة الأمور الأخرى، وهي أخطر فيمكن أن يتنازل عنها الفرد، المواطن، وهنا يحصل التهتك الاجتماعي والوطني والقومي. هنا يحصل الاختراق في الجسم المجتمعي كبشر وفي الجسم الفكري في الخطاب والثقافة فيصبح المواطن، إن كان هذا حاله، أداة تخارج معادية لشعبها وللإنسانية في التحليل الأخير، فالعميل من نشازات التاريخ.

حين يردد المثقف في المحيط خطاب اللبرالية الغربية وخاصة الجديدة سواء في تعظيم السوق وتكريس الخصخصة وترويج التقشف، وتزويق خطاب المصرف الدولي، وتمكين المرأة بدل تحررها، وحين يصف التبعية الاقتصادية بالتعاون، وبالاعتماد المتبادل…الخ حين يفعل هذا يتحول إلى عميل علني لصالح راس المال العالمي، حين يتورط المثقف في هذه الأمور يتحول إلى أداة جاهزة للاستغلال السياسي وحتى الأمني. حينها يعقد صفقات “كل واحد بحجمه بالطبع” صفقات تلقي المال، الدعوات لمؤتمرات (طبعا جماعتنا يحضرون كمستمعين ومتمتعين، إن كان ذلك متوفراً، في الغالب) الحظوة بالمنح الأكاديمية، تقديم بعثة تعليمية للغطاء على دورات تدريب قيادي للأنجزة،، الرحلات، المناصب…الخ.

وكي لا نطيل، حين تُخرق هذه السيادات، نفهم كيف لعبت منظمات الأنجزة في ليبيا دور الجواسيس[2] فماذا عن القطريات العربية الأخرى!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 كلما تابعت تطورات الأكاديميا في الأرض المحتلة، تزداد قناعتي بأنها من أفخاخ الاختراق وخاصة المنح مشروطة الموضوع والمكان، هي شاهد عام دون الحاجة لللاستشهاد به/ها والشهادة عليه/ها

2 حينما كانت الولايات المتحدة تطارد العقيد محمد فارح عيديد في الصومال وضعت رشوة بالملايين لمن يخبر عنه. حينها كتبت إحدى الصحف الأميركية خبرا يقول: بوسع الأقمار الصناعية رصد بيت، دبابة، معسكر…الخ ولكن ليس بوسعها رصد أفراد. ولرصد الأفراد نحتاج إلى عملاء. لكن الصومال ليس فيها مثقفين؟ ترى كم بحث إمبريقي أكاديمي رصد المجتمعات العربية؟ أليس بحث منظمة فافو النرويجية هو الذي وضع الأساس البحثي والتطبيقي لاتفاق أوسلو؟

23 آب 2011

www.Kannan online.org

عن prizm

شاهد أيضاً

صنعاء قلبت الطاولة على امريكا… وما فيش توقيع

23 تشرين ثاني 2023 منى صفوان بالمنطق والمعلومات والمصادر، وباستخدام 10%؜ من الذكاء الطبيعي للإنسان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *