غسان يوسف
ملاحظة من “كنعان”
قد لا نتفق مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في أمور متعلقة بالأنظمة العربية، ودرجة الوقوف ضدها، ولكن موقفه فيما يخص ليبيا وسوريا والوطن باسره هو موقف يُحرج فلول المثقفين العرب الذين استدخلوا الهزيمة في أعمار مبكرة فأُصيبوا بالخصاء قوميا وطبقياً وتحولوا إلى ثعالب صغيرة تنهش وعي الأمة وتخدم عسف الأعداء.
لو قلنا لهم أتركوا الأستاذ هيكل واقرأوا ما يكتبه المثقفون غير العرب لقالوا: للأسف نكره اللغات الأحنبية.
فاية بنية ثقافية في هذا الوطن.
ليست المشكلة فقط في إصابة المثقفين بالعمى، ولكن في دورهم في ابتلاء الناس بالعمى. فلشدة عماهم كثيرا ما لا يروا أضخم الحقائق. كان المثقفون الروس اللبراليون وغير اللبراليين يشربون الفودكا ويهزأون بالفلاحين والعمال الذين يثورون ضد القيصر في ثورة أكتوبر، أما مثقفونا فيمهدون للمذبحة ضد الأمة.، فليس عجيباُ أن تطابق عزمي بشارة ذو الخلفية التربوية في الفكر الصهيوني ويوسف القرضاوي ذو الخلفية الإخوانية..
****
كاد المشاهد يزعل على المذيع محمد كريشان وهو يستجدي محمد حسنين هيكل في لقاء الجمعة على قناة الجزيرة للقول ولو كلمة واحدة إن ما يحدث في سورية ( ثورة ) لكن هيكل بين أن ما يحدث في سورية ليس ثورة حقيقية والسبب هو الهدوء الذي تشهده كل من مدينتي دمشق وحلب. طبعا كريشان اعتاد أن يكون بوقا في الجزيرة كما غيره من المذيعين وحاول مرات عدة ليجعل من هيكل نسخة عن الجزيرة لكنه كان في كل مرة يتلقى الصفعة تلو الأخرى ! الصفعة الأولى كانت قول هيكل : إن ما حدث في ليبيا ليس ثورة وإنما احتلال غربي بطلب عربي راح ضحيته أكثر من ستين ألف قتيل وأكثر من سبعين ألف جريح إضافة إلى تدمير مرافق ومنشآت وإن هذا سيبقى عارا على الدول العربية التي شرعت للأطلسي فعلته وعلى أعضاء المجلس الانتقالي الذين كانوا حتى بداية هذا العام مع القذافي منبها إلى أن ما حدث للقذافي أمر بشع وأن التدخل الغربي أفسد للثورة نقاءها. أما الصفعة الثانية فكانت عندما قال هيكل لكريشان : إن الجزيرة تمارس تحريضا واضحا ضد سورية وأن التحريض لا يصنع ثورات منبها إلى المحاولات التركية والغربية المستميتة لتكرار السيناريو الليبي أي إيجاد بنغازي جديدة في سورية وهو ما حاولوا فعله في كل من تلكلخ ودير الزور وجسر الشغور ودرعا منبها إلى دور كل من المخابرات الأردنية والإسرائيلية في تلك المحافظة! أما الصفعة الثالثة فكانت أن دول الخليج ليست بمنأى عما يجري في العالم العربي خصوصا الدول التي تحاول أن تشتري لنفسها دورا في المنطقة حتى أن هيكل نبه إلى أن رياح التغيير قد تأتي إلى هؤلاء ربما من باكستان قائلا لكريشان: أنت تعيش في قطر وتراقب ما يحدث في الخليج. وهنا لا بد من التذكير بحوار هيكل مع صحيفة الأهرام المصرية حيث رأى أن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس ربيعا عربيا وإنما ( سايكس بيكو ) جديدة لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن مشروع غربي أوروبي أمريكي وآخر تركي بالإضافة إلى المشروع الإسرائيلي الواضح لإجهاض القضية الفلسطينية، منوها بأن الثورات لا تُصنع! ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعل لا يتم بطريقة تسليم المفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أن هذه الدول تريد تحرير الشعوب العربية، مشيرا إلى أن كل ما يحدث في المنطقة إنما هو تمهيد لفصل في شرق أوسط جديد يعاد الآن تخطيطه وترتيبه وتأمينه! فهل يخجل محمد كريشان وغيره من مذيعي قناة الجزيرة ويتفكروا بما قاله هيكل ويتوقفوا عن التحريض الذي يمارسونه ضد سورية دون أي رادع أو وازع ليتحولوا إلى مرتزقة مأجورين وممثلين سيئين في نظر الشعب السوري علما أن قناتهم وقنوات عربية أخرى تتحمل الجزء الأكبر من سفك الدم اليومي في سورية؟! وهنا يصح التذكير بما قاله الكاتب الفرنسي تيري ميسان عندما كشف أن قناة الجزيرة القطرية أسسها أخوان فرنسيان يحملان الجنسية الإسرائيلية هما ديفيد وجان فريدمان والهدف كان خلق مجال يستطيع أن يتحاور عبره الإسرائيليون والعرب ويتبادلون النقاشات ويتعرفون على بعضهم الآخر. اللافت أن الجزيرة التي كانت تدعي الرأي والرأي الآخر تحولت إلى بروباغندا لحلف شمال الأطلسي ضد سورية وأدواته في المنطقة في وقت تدعي فيه الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولنا أن نسأل سؤالاً بريئاً للأخوة في قطر.. ما هي مظاهر الديمقراطية عندكم؟ وما هي حقوق الإنسان التي تتشدقون بها على الجزيرة؟!
وهل تتمتعون بنظام برلماني كالكويت مثلا وهي الدولة الخليجية؟! إلى أخر ذلك من الأسئلة التي لن تجد لها جوابا لأن البيت من زجاج وزجاج هش جداً !!
عن مجلة كنعان الألكترونية 4 تشرين ثاني 2011