الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / مطلوب انسحاب كامل من العراق وبدون مخلفات!

مطلوب انسحاب كامل من العراق وبدون مخلفات!

مطلوب انسحاب كامل من العراق وبدون مخلفات!
جمال محمد تقي

ما سنقوله هنا ليس من الاحاجي والالغاز، كل الدلائل العملياتية تشير اليه، فكلما اقترب الموعد المعلن لانسحاب القوات الامريكية المقاتلة من العراق، كلما تأكدت حقيقة التشبث بالبقاء طويل الامد، وان بصور اخرى، غير مباشرة، او بالاحرى غير نمطية.

بوضوح اكثر فان الامريكان لم يأتوا للعراق كي يزيحوا نظام صدام حسين ويتركون الجمل بما حمل لتفاعلات واستقطابات الموالين لدول الجوار من العراقيين الذين ما كان لهم ان يتصدروا المشهد من دون جواز مرور امريكي معتمد وقابل للتجديد، نعم الانسحاب الامريكي من العراق هو احد ثمرات النضال العراقي المقاوم الذي كلف الامريكان ما لم يكن بحسبانهم، لكن الامريكان يريدون ان يجعلوه انسحابا مطابقا لشروطهم، اما شروط المقاومة العراقية فهي تذهب الى ما هو ابعد من مجرد سحب القوات الامريكية المقاتلة من كامل الارض العراقية، فتعويض العراق عن الاضرار التي لحقت به من جراء عمليات الغزو والاحتلال، وازالة كل الاثار السياسية والقانونية المترتبة عليه، كبقايا لمخلفاته المنبوذه، هي المعنى الحقيقي للانسحاب الامريكي الكامل من العراق.

لقد اقام المحتلون على اطلال الدولة العراقية التى دمروها، قاعدة سياسية وتنظيمية كبيرة تعتمد على عقيدة المكونات المحررة من الروابط الوطنية، والتي لا تستغني عن الارتباط الاستراتيجي بالراعي الفعلي لهذه العقيدة في العراق الجديد، وما الاتفاقية الاستراتيجية بين الحكومتين الامريكية والعراقية الا تأكيد طويل الامد على هذه الحقيقة، حيث انها ستبقى سارية المفعول في كل الحالات ـ حالة الاحتلال العسكري او السياسي ـ فالجيش الدبلوماسي والتدريبي والاستخباري الضخم الذي سيرابط في العراق حتى بعد الانسحاب المعلن للقوات القتالية الامريكية، والمقدر عدده مع حماياته الخاصة بحوالي 20 الف عنصر، دليل قاطع على ان الامريكان سيسحبون قطعاتهم الاحتلالية ليحلوا محلها قطعات دبلوماسية واستخبارية لاستكمال اهداف المهمة ذاتها، مهمة دوران العراق بالفلك الامريكي، وهو مغمى عليه، صحيح ان ايران منافس لها داخل العراق، لكن امريكا بانسحابها هذا ستورط ايران اكثر في العمق العراقي، وستجعله سببا لاستنزافها، فبدلا من ان تكون هي في وجه المدفع العراقي المقاوم، ستكون ايران في وجهه!

اعوان امريكا في العراق على استعداد لتلبية اي رغبة امريكية لاقامة اي عدد ثابت ومتحرك من القواعد العسكرية على الارض العراقية، وهذا ما اعلنه صراحة مسعود البرزاني مثلا، وما اعلنه بشكل مبطن هوشيار زيباري، والكثير من وجوه العملية السياسية الاخرين بما فيهم اعضاء من القائمة العراقية و وقائمة دولة القانون المحسوبة على ايران، وهؤلاء يتخذون من الاعذار اللوجستية سببا للمطالبة بالتمديد للبقاء العسكري الامريكي في العراق، انهم يؤكدون كل يوم على عدم اكتمال جاهزية القوات العراقية برا وجوا وبحرا واستخبارا.

لقد نقل ملف العراق باغلب فصوله الثقيلة من عهدة البنتاغون الى عهدة وزارة الخارجية الامريكية، وذلك منذ ان تولى اوباما الادارة الفعلية للبيت الابيض، وعليه فان ما اعلنه اوباما مؤخرا عن سحب جميع القوات الامريكية من العراق نهاية هذا العام هو اعلان متسق مع ما سبق وان اعلنه منذ حملته الانتخابية، ومنذ ان اقلم طروحاته السابقة لتنسجم مع منطوق الاتفاقية الامنية والاستراتيجية التي وقعها سلفه، بوش، مع المالكي عام 2008.

لا توجد مشكلة حقيقية امام تنفيذ الاجندة الامريكية للبقاء الطويل الامد في العراق، غير مشكلة المقاومة العراقية التي تتقصده، اما ما يتعلق بقضية الحصانة لعناصرها فهي مشكلة مفتعلة، تريد حكومة المالكي من ورائها اظهار نفسها وكأنها هي من يضغط على الامريكان ويطالبهم بالرحيل الفوري، لان الحصانة يمكن ان تكون دبلوماسية او تحت ذات بنود تفاهمات الناتو السارية مع الحكومة العراقية.

ان حكومة المالكي التي بصمت على الاتفاق الاستراتيجي مع الحكومة الامريكية لا تستطيع ان تقنع احدا بانها حكومة كاملة السيادة، لاسيما وانها متناصفة في تبعيتها للوجودين الامريكي والايراني في العراق كل العراق.

الانسحاب الحقيقي المطلوب وطنيا هو لكل القوات الاجنبية والنشاطات الاجنبية المخلة بالسيادة العراقية ولكل مخلفات الغزو والاحتلال بما فيها العملية السياسية الامريكية القائمة حاليا، المطلوب، انسحاب حقيقي يقر اصحابه باحقية العراق بالتعويضات عن ما لحق به من خراب، واعتذار واضح وعلني للشعب العراقي الذي ذاق الامرين من جرائم تلك القوات المنسحبة، وبدون ذلك فان استمرار مقارعة الامريكان وباي زي كان داخل العراق، امر مفروغ منه.

عن مجلة كنعان الألكترونية 5 تشرين ثاني 2011

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *