الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / بين ثقافة المقاومة .. وثقافة المرحلة!! من يدفع للزمار؟

بين ثقافة المقاومة .. وثقافة المرحلة!! من يدفع للزمار؟

الفلسطينيون: رهائن مصيدة الممولين!!

بين ثقافة المقاومة .. وثقافة المرحلة !!

من يدفع للزمار؟ [1]

مال وهدان

هذا سؤال مشروع ومنطقي وواجب، ومن حق كل مواطن شريف وغيور على مستقبل وطنه المنكوب بالاحتلال والتمويل الأجنبي وهيمنة الفساد وتسفيه القيم الوطنية والاخلاقية والاجتماعية أن يطرحه وبالفم الملآن والصوت العالي. فلم يعد من المقبول أن يكون الصمت والسكوت على خراب المجتمع هو سيد الموقف. بل بات الصمت الآن جريمة لا تغتفر.

ولا يحق لأحد أياً كان ومهما بلغت قامته زيفاً أن يستخدم أسلوب الترهيب والشتم وكم الأفواه للأصوات والآراء التي تنقد عمله وسلوكه وآرائه، خاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا جوهرية ومصيرية تعصف بالشعب والوطن المحتل وتهدد وجوده التاريخي والإنساني، بل وتعصف بالوطن العربي والأمة العربية لصالح مخططات التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي التي يقودها ذات الأعداء بالتحالف والتعاون مع أنظمة الردة العربية.

وعلى ما يبدو أنني أصبت كبد الحقيقة حين اتهمت القائمين على مهرجان سينما الشباب الدولي، دون أن أعرفهم بالإسم، بالتمول من الغرب: المجلس الثقافي البريطاني، المركز الثقافي الفرنسيالألماني، المركز الثقافي الدنماركي. نعم لا تستغربوا أيها القراء، التمويل الأجنبي هو تهمة وجريمة. لماذا؟ لأن مقابله ثمن ما قد يبدأ متواضعاً لكنه بالتأكيد ينتهي بالسقوط تماماً في الشرك المنصوب عن دراية. هو يبدأ بالراتب المغري ثم الموقف السياسي والثقافي والفني وبكتابة التقارير-الدراسات أو بالمنحة الجامعية المشروطة بموضوع محدد [2]، والتي يستخدمها الممول لأغراضه وأجندته السياسية التي باتت معروفة حتى للأطفال في أزقة المخيمات وأحياء الفقر. باختصار، الغرب يدفع كاستثمار من أجل تمرير التسوية. كل مؤسسة غير حكومية غربية يمر تمويلها من سلطة بلادها وترضى عنه وتجيزة كسلطة وكدولة وكحكومة من خلال Overseas Development Agency. فأيها المموَلون لا داع للمكابرة!

ويحضرني هنا موقف هؤلاء الممولين الأجانب وتغلغلهم وتحكمهم في تشكيل وعينا وثقافتنا الوطنية حينما ألغى المركز الثقافي الفرنسي الألماني ندوة للأسيرة المحررة عائشة عودة عن تجربتها بالمعتقل! واحتجت عائشة حينها لإدارة المركز وكتبت احتجاجها على صفحات هذا المنتدى. والسؤال هنا لماذا؟ لماذا تمنع عائشة عودة من الحديث عن تجربتها المريرة في المعتقل؟ وبالمقابل، لماذا يمول المركز الثقافي الفرنسي الألماني مهرجان سينما الشباب الدولي خاصة وهو يعرض أفلاماً عربية عرضت سابقاً محلياً وعربياً ولا تحتوي على أي فيلم فلسطيني رغم وجود عدداً من الأفلام الفلسطينية المهمة فنياً وفحوىً؟

والجواب واضح لا لبس فيه: لأن هذا الوطن بات منكوباً ليس فقط بالاحتلال الصهيوني العسكري المباشر بل بالغزو الثقافي للمنظومة الامبريالية الصهيونية العالمية وكل أذرعها وامتداداتها السرطانية في جسم مجتمعنا الفلسطيني والعربي عامة، من أجل تزييف وعي مجتمعاتنا وشبابنا وحرف أنظارهم عن الخطر الحقيقي المحدق بنا. إنها أيها القراء وأيها الشباب أحصنة طروادة التي يسمونها تمويهاً “مؤسسات المجتمع المدني”. فاحذروها[3]

وفي معرض دفاعه عن التمول من الجهات الأجنبية يقول السيد البرغوثي أن ” التأثير الغربي قد يتسلل إلى مجتمعنا لكنه لا يشكل وعينا وثقافتنا ووطنيتنا”!

لا أدري من أين لك هذه الثقة المطلقة بمناعة وحصانة مجتمعنا ووعينا وثقافتنا الوطنية أمام هجمة جحافل المؤسسات الغربية غير الحكومية المدعومة من حكوماتها بدءًا من DIASU و CEDA و FORD و FAFO وغيرها من المؤسسات التي يتهافت عليها اليسار واليمين والشباب للتمول ؟ يبدو أننا لا نعيش على نفس الكوكب! فالقاصي والداني يعرف جيداً، وكذا غالبية القراء، أن مجتمعنا وثقافتنا ووعينا مخترقة من مؤسسات الغرب وأجهزة مخابراته الذين يتحركون بشوارعنا بكل حرية وكأنهم أصحاب البلاد ويدخلون الوزارات وكأنهم يملكونها.يبدو أن السيد برغوثي غارق في التطبيع إلى درجة أنه صار يراه الحياة الطبيعية!

وهنا نعيد السؤال مجدداً:

هل هذا التمويل بالفتوى والوعي الوطني الذي تحدث عنه السيد برغوثي حلال أم حرام؟

هل هذا التمويل مشروط أو عمل خيري وهبة؟

هل هذا مال سياسي قذر أم لا؟

هل هذا التمويل استثمار سياسي غربي مقابل الوطن أم لا؟

والسؤال الأهم كيف تسلل هؤلاء لوطننا المحتل ومؤسساتنا ونسيج مجتمعنا وطريقة حياتنا وبيوتنا وأحاديثنا ولغتنا ومناهجنا؟ ألم تفتح لهم سلطة الحكم الذاتي الباب على مصراعيه؟ ألا تعتبر المظلة التي يستظلون بتمولها ؟ اليست هي من أوائل وأبرز المتمولين من الأجنبي الذي ظل يطالبنا بالمقابل حتى لم يبقى لدينا شيئاً نعطيه بعد أن أخذ منا الأرض والتاريخ والهوية والأمن والكرامة والعزة والثقافة والصحة والتعليم والشباب ولم يبقي لنا سوى الحصار والسجون والفقر والعوز والمذلة.

بعد كل هذا يسأل السيد برغوثي بخبث إن كنت مفوضة لإطلاق الأحكام على هذه النشاطات والقائمين عليها ومن فوضني؟ وأجيب القراء بنعم. أنا مفوضة. مفوضة بالواجب والضمير والمسؤولية الوطنية أن أحذر وأنبه وأشير بأصابع الاتهام لكل من يتمول من الأجنبي تحت أي تبرير كان، ولو أن كل مواطن حريص على وطنه وأمن وطنه تصرف وكأنه جندي عنصر وحامي حمى هذا الوطن المنكوب لما وصلنا إلى الكارثة التي نعيشها اليوم! وإذا كانت أي جهة من الجهات التي ذكرت: جامعة، فرقة فنية، مسرح، مركز دراسات، نادي رياضي تتمول من الأجنبي بشرط أو بلا شرط (وهذا تمويهاً مكشوفاً لأن الأدلة الدامغة تفضحه) فإن هذا مشروع اختراق لمناعة وأمن هذا المجتمع بلا مواربة. وفقط من اعتاد الاسترزاق من أي مصدر كان لن يتحرج أن يفعل ذات الشيء على أبواب سفارات الغرب.

وأُذكر القراء وكل من يتمول من الأجنبي أن يراجع التاريخ القريب حين انهار الاتحاد السوفيتي (بعد أن كان القطب المناهض لمعسكر الرأسمالية) على أيدي “مؤسسات المجتمع المدني” المرتبطة بالمخابرات المركزية الأمريكية وكيف تم شرذمة أوروبا الشرقية وما هو مآلها اليوم.

وكذلك أُذكر بما يحصل اليوم والآن ضد وطننا العربي من غزو عسكري وثقافي وبذات “مؤسسات المجتمع المدني” لإعادة استعماره وشرذمته طائفياً ومذهبياً وعرقياً بشعارات ومفردات مزيفة عن الديمقراطية والعدالة والحرية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان! لقد واكب القراء كيف انتهكت حقوق الإنسان في العراق على يد المحتل الأمريكي البريطاني الغربي، وكيف انتهكت حقوق الإنسان في الحرب على لبنان عام 2006 (بتعاون لبناني عربي مكشوف) وكيف تكرر نفس السيناريو في الحرب على غزة عام 2008-2009، وكيف انتهكت حقوق الإنسان والقانون الدولي في ليبيا وما تزال على يد الناتو وأعوانه وكيف تسفك دماء السوريون باسم حقوق الإنسان في سوريا اليوم! أم هل نسينا كل هذه الدماء والجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الغرب الذي يدعي الحضارة والحداثة والإنسانية والتي تنذر بحرب كونية وشيكة سنكون نحن من أول ضحاياها؟

أما آن لنا أن نستفيق من سباتنا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] “من يدفع للزمار” هو عنوان كتاب صدر عام 1993 للكاتبة البريطانية فرانسيس ستونر ويتضمن وثائق وتقارير عن الدور المشبوه للدوائر الغربية لاستهداف قيم الناس وأخلاقياتهم وثوابتهم. ويمكن للقارىء أن يستعيره من مكتبة البيرة العامة.

[2] هناك منح دراسية من جامعات غربية يشترطون فيها على الطالب موضوعاً محدداً للدراسة أو لرسالة الدكتوراه.

[3] في اليمن مثلاً يوجد (1644) “منظمة مجتمع مدني” وفق إحصائيات وزراة الشؤون الاجتماعية. وفي هذا الرابط تحقيقاً عن دورها المشبوه: http://www.26sep.net/newsweekarticle.php?lng=arabic&sid=22047

عن prizm

شاهد أيضاً

إسرائيل وجيشها يقاتلان على “جبهة أخرى”: الهواتف الذكية بين أيدي الجنود في قطاع غزة!

21 شباط 2024 سليم سلامة تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *