رام الله على موعد مع الانفجار
أيمن أنور
لا يختلف اثنان على أن القيادة الفلسطينية الحالية تسير أخيراً في طريق زوالها الحتمي، ورحيلها غير المأسوف، فالسلطة التي تتخطى كل الحدود الأخلاقية، والقيم والأعراف الوطنية وموقف الإجماع الوطني والرفض الشعبي لسياستها، وينحصر حجم التأييد لها من خلال سور المقاطعة، أو شرذمة من أباطرة الفساد والأجهزة الأمنية ورجال الأعمال التي تدير هذه السلطة، حتماً ستشهد الفصل الأخير من مسرحيتها التي جاءت فصولها وبالاً وتدميراً على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
الشعب الفلسطيني في وادٍ، وهذه القيادة في وادٍ آخر، فلم نرَ على الإطلاق سواء في التاريخ، أو الحاضر، ولن نشهد في المستقبل سلطة حكم ذاتي كانت ربحاً صافياً للاحتلال، حرصت منذ سنوات تأسيسها وحتى الآن على تحقيق الامن والاستقرار للاحتلال، والسير في متاهات التنسيق الأمني، وملاحقة رجال المقاومة واعتقالهم وتعذيبهم، وفتح قنوات للتطبيع واللقاءات الأمنية، وامتهان كرامة المواطن الفلسطيني الذي وجد نفسه بين سندان ممارسات السلطة، ومطرقة الاحتلال التي لا ترحم.
بكل صفاقة يتحدث رئيس السلطة الفلسطينية بأنه ضد المقاومة وأنه مع السلام الاستراتيجي مع هذا الاحتلال المجرم والذي لن يتحقق إلا بالمفاوضات وحدها، ويصل الأمر عنده إلى درجة فجة في كسر حالة الإجماع الوطني، والموافقة على استقبال قاتل ومجرم صهيوني كالإرهابي “موفاز” ؟!!
وللأسف الشديد انبرى المدافعون عن سياسة السلطة، أو المؤيدون لها في الضفة الفلسطينية خاصة في رام الله من مثقفين ورجال إعلام وكتّاب، على اتباع سياسة الصمت تجاه هذه المهزلة الجديدة من عباس وسلطته، بل والعكس من ذلك تحّول هذا العباس في عيونهم بقدرة قادر إلى واحد من الأولياء الصالحين، حين برروا مواقفهم الانهزامية بأن القضية الفلسطينية لا تستحمل صداماَ ضد الاحتلال، وهم لا يعرفون أنهم يتحملون جزءاً كبيراً عن المعاناة والفساد والإفساد في الأراضي الفلسطينية، بشكل مباشر أو من خلال بعض الأذناب التي تحاول الدفاع عن سياسة السلطة هنا وهناك.
لم يترك عباس رجلاً معادياً للمقاومة ومتقرباً للاحتلال إلا وحاول استقطابه، ولم يدع رجلاً فاسداً مسيئاً لنضالات شعبنا إلا وحاول التحالف معه مبرراً ذلك برغبته في صنع السلام العادل، ارتباطاً بحبه وانتمائه وولائه للوطن وللمواطنين الذي يعتقد (على ما يبدو) أنهم شعب فاقد الذاكرة أو ورثوا حمامة السلام المزعومة!، حتى أصبحت السلطة الفلسطينية تحكمها تيارات فاسدة وعصابات من الأجهزة الأمنية ما زالت تقتتل فيما بينها حتى اليوم.
إن آخر ما جادت به قريحة (عباس وزمرته) هو الرقص على دماء شهداء مجزرة جنين، وعلى مقربة من ضريح ياسر عرفات أمام المقاطعة، من خلال رغبته في لقاء المجرم موفاز يوم الأحد القادم في المقاطعة وكلنا يعرف حقيقة دور هذا المجرم في ارتكاب مجزرة جنين، واجتياح رام الله وتدمير المقاطعة واغتيال قادة المقاومة. إن هذه الحقيقة المُرة والمأساة التي وصلت إليها قضيتنا الوطنية من خلال ممارسات عباس وجماعته، تحيلنا إلى مجموعة من التساؤلات حول مواقف الفصائل الفلسطينية من هذا العبث، وعن دورها داخل مؤسسات منظمة التحرير ( التي أعتقد أنها ميتة أصلاً)، في الضغط على عباس وزمرته، لماذا تبقى هذه الفصائل أسيرة لأشخاص غير شرعيين لا يمثلون شعبنا الفلسطيني لا من قريب أو بعيد كعباس، وعريقات، وياسر عبدربه!!، ماذا فعلتم في القضايا المصيرية التي يتلاعب فيها أبو مازن وزمرته !! أليس مخيماتنا في لبنان شاهد حقيقي على تخاذل القيادة الفلسطينية ضد شعبها؟؟!!
هزلي ” الحياة مفاوضات” صائب عريقات يقول أن اللقاء القريب بين عباس وموفاز جاء بناءً على طلب الأخير، وأن للقيادة الفلسطينية الكثير لتقوله له”!!!، أليس هذا عبث واستخفاف بالشعب الفلسطيني وتضحياته، لو كانت هذه القيادات وطنية يهمها مصلحة الشعب الفلسطيني، لكانت قد أكدت أن لديها الكثير لتفعله في الرد على طلب موفاز الزيارة، من اعتقال ومحاكمة كمجرم حرب، أو حتى قتله أمام حاجز أو مدخل رام الله.
طالما أن هذه القيادة المستهترة بالشعب الفلسطيني مصممة على لقاء هذا المجرم، فإن من حقنا أن نحملها المسئولية المباشرة عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها موفاز بحق شعبنا الفلسطيني، فالمعادلة الواضحة التي يجب أن يفهمها شعبنا الفلسطيني خاصة أهلنا في رام الله، أن من يلتقي المجرم موفاز ويصافحه ويبتسم معه أمام الكاميرات، سيكون هو نفسه أيضاً مجرم وقاتل ويديه ملطخة بدماء شعبنا.
كنا وما زلنا نشعر بالفخر بأهلنا في رام الله، شيبه، وشبابه، ونسائه، ورغم أن الأمور الآن في المقاطعة قد وصلت إلى حد لم تعد تجدي في حله إلا رصاصة في رأس كل من يجرم بحق شعبنا، إلا أنهم مطالبون بالنيابة عنا، أن يمنعوا بأي وسيلة هذا اللقاء الأسود يوم الأحد القادم، وعلى المثقفين الفلسطينيين أن يحددوا وجهتهم هذه المرة، هل هم مع شعبنا الفلسطيني، أم مع مواقف القيادة الفلسطينية؟؟. إن مهمة المثقف العضوي والفّعال والمبدأي كما علمنا ” غرامشي” هو الانشغال بالقضايا العامة، والمشاركة فيها بالرأي والموقف، والانحياز للطبقات الاجتماعية الكادحة، أو المهمشة والنضال ضد السلطة الرسمية وقمعها.
إنهم رسل اجتماعيون لحمل هموم الشارع ومواقفه الأصيلة، ولا يجب أن يكونوا جزء من سياسة السلطة المتهالكة، فدورهم ليس مجرد تحليل أو تفسير، بل عامل تغيير ينفذ إلى عقول الجماهير ومطالبهم ويرضخ لها.
لتخرج رام الله يوم الأحد عن بكرة أبيها في الجلزون، والأمعري، ودير عمار والرام والبيرة وبيتونيا وجميع القرى ولتنشد قصيدة ” لا تصالح ” وتقول لعباس وزمرته وأجهزته الأمنية ” لا لهذا العبث.. العار لمن يصافح يد طوحت بأعناق شعبنا… حاصروا مؤسسات السلطة الأمنية والمدنية في شوارع الإرسال، وفلسطين، والإذاعة، والنهضة، والطيرة، والأندلس… حاصروا مقرات الأمن الوقائي والمخابرات والأمن الوطني والشرطة… إن هذه السلطة فشلت في الاختبار وعليها أن تذهب بلا رجعة.