*خاطرة أبو المجد (125):
كَنَاطِحِ صخرةٍ يوماً، ليُوهِنَها فلم يَضُرْها، وأوهى قَرْنَه، الوَعِل
* الوعِل: التّيس
د. بهحت سليمان*
أرسل الإنكليز (جون فيلبي) إلى (عبد العزيز بن سعود) فأسقطوا (الثورة العربية الكبرى ومعها الشريف حسين)… وأرسلوا، في الوقت نفسه، (لورانس) إلى (الشريف حسين) فخرجوا على العرب بـ(وعد بلفور وسايكس بيكو).. والآن في زمن (ربيع الناتو العربي) أرسلوا الصهيوني الفرنسي (برنار هنري ليفي) إلى (ثورات الناتو العربية) لكي يكون المرشد الروحي الأعلى لهذه (الثورات) و(الانتفاضات) من أجل (وعد بلفور جديد) يمهّد لتحقيق (إسرائيل الكبرى) ومن أجل (سايكس بيكو جديد) يحوّل الأمة العربية إلى أكثر من مئة دويلة.
كم هو مُريع ومؤلم وكارثيّ.. أن يصل غسيل الدماغ، بملايين من العرب والمسلمين، إلى درجة يفكّرون فيها، كما يريد لهم عدوّهم أن يفكّروا، ويفعلون كما يريدون لهم أن يفعلوا، وينفّذون له برامجه، مجّاناً (وَلِوَجْهِ الله) دون أن يطلبوا جزاءاً ولا شكوراً (إلاّ حوريّات الجنّة للبعض منهم).
يعمل شرفاء سورية، موالاة ومعارضة، على تحويل الأزمة الملتهبة، إلى فرصة سانحة.. ويعمل بيادق الخارج وخوارج الداخل (من بعض الموالاة، والمعارضة أيضاً) على امتطاء الأزمة، لتحقيق بعض المكاسب الفردية والأرباح الذاتية، حتى لو ذهب الوطن إلى هاوية سحيقة لا قرار لها ولا خروج له منها، لا بل يعتبرونها فرصة لهم، لكي يحشروا الدولة الوطنية في الزاوية، حتى لو أدى ذلك، إلى احتراق الوطن.
هذا الركام التاريخي، في دنيا العرب، من التخلّف والتعصّب والتزمّت، والجهل، والفهم المقلوب والعصبيّات الدونية والغرائز السُّفْلِيّة.. هو ما بنى عليه الاستعمار القديم، ويبني عليه الاستعمار الجديد الصهيو-أطلسي.. من أجل أن يحتفظ بهيمنته ويعمّق سيطرته على الأقطار العربية ومقدّراتها وقراراتها وحاضرها ومستقبلها.. ورموز هذا الركام – وما أكثرها بين ظهرانَي العرب – جاهزة غَبّ الطلب، لتمرير وتسهيل المهمّة على الاستعمار الجديد، باسم (الإسلام) أحياناً، وباسم (العروبة الحضارية) أحياناً أخرى.. أي (التأسلم المتأمرك المتصهين) و(العروبة المفّرغة من قيمها ومبادئها، والمتخلّية عن حقوقها ومصالحها، والملتحقة بالركب الصهيو-أمريكي، بحيث تصبح “أعرابية”).
كم هو على صواب، مَن يقول بأنّ الغرض من إلحاح المحور الصهيو-أطلسي وأذنابه، على (رحيل الرئيس الأسد) يعود إلى معرفة هؤلاء الأكيدة بأنّ ذلك الرحيل سوف يؤدّي إلى خلق حالة فوضى رهيبة في سورية، تؤدّي إلى مئات الآلاف من الضحايا، الأمر الذي يمهّد الطريق، بسرعة، للغزو العسكري الأطلسي جواً وبحراً وبراً، لاحتلال سورية، تحت عنوان (إنقاذ سورية).. لأنّ الفشل الذريع لهؤلاء في إسقاط (النظام السوري) (وإجبار رئيسه على الرحيل) رغم استخدامهم لمختلف السبل والوسائل الإرهابية والإجرامية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية والأمنية والسياسية والإعلامية، التي سمحت لهم، بها، الظروف المحيطة بسورية، ومن لا يرى ذلك، وَاحِدٌ من اثنين: إمّا مغفّل جاهل موتور.. وإمّا مرتهن مُباع مأجور.. ويبدو أنّ هؤلاء، نسوا، أنّ الجَمل بنية، والجَمّال بنية، ونيّة رجال الله، أقوّى من كل نيّة.
عندما يقول بعض بهلوانيّي الإعلام (تحوَّلَ الاعتراض على تقاعس النظام السوري عن الإصلاح، وتحدّي الإرادة الشعبية، إلى ما يشبه “الانتفاضة” المطالبة بإسقاط النظام).. فإننا نقول، دون أن نوجّه كلامنا لـ:(إعلاميّي المارينز) ولا (لمثقفي الناتو) ولا (لمرتزقة بلاك ووتر الممتهنة صنعة بحثيّة ودراسيّة) ولا (للمسامير الصدئة في أحذية نواطير النفط والغاز).. بل نوجّه كلامنا لبعض الوطنيين والقوميين الشرفاء ولبعض اليساريين والأمميين الأنقياء، الذين ضيّعوا السمت من البداية، لأسباب قد تكون خارجة عن إرادتهم، ولم يميّزوا بين الحلقة المركزية التي هي (الاستهداف العدواني الدولي لسورية) وبين الحلقات الفرعية التي هي استخدام مختلف العوامل المُتاحة، بما فيها العامل الداخلي لتحقيق ذلك الاستهداف.. وانساقوا مع التيّار العالمي-الأمريكي الجارف، بأنّ الدولة الوطنية السورية، على طريق الانهيار، وبسرعة قياسية.. وبدلاً من أن يُسارِعَ هؤلاء السادة الأجِلّاء، بعدئذ، إلى تصويب الحَيَدان الذي انتاب بعض مواقفهم في البداية.. داوَرُوا وناوروا، لتبرير تلك المواقف المتسرّعة وغير الصائبة، عبر الاستمرار في التحدّث عن أنّ ما حدث في سورية، هو (انتفاضة) أو (ثورة) وليس (حرباً عدوانية إرهابية-صهيونية-أميركية-وهّابية-إخونجية) وحَمّلوا المسؤولية، للدولة الوطنية السورية، عبر توجيه التهمة لها بتقاعسها عن الإصلاح، وبتحدّي الإرادة الشعبية في البداية!!!!.. وحتى لو كان ذلك صحيحاً – وهو غير صحيح مطلقاً – فإنّهم بذلك، يبرّئون العصابات الإرهابية المسلّحة ومَن وراءها، ويحمّلون المسؤولية للدولة، من أجل أمرٍ واحد – غالباً – وهو (لكي لا يعترفوا بخطئِهم في البداية، ولكي يبقوا مُصِرّين على أنهم معصومون) إنّ الاعتراف بالخطأ، ليس عيباً، بل العيب هو الإمعان فيه، والرجولة هي الاعتراف به وتجاوُزُه.. إنّ إصرارهم وإمعانهم، في عدم انتقاد أنفسهم وفي عدم تقويم وتصويب مواقفهم، يؤدّي موضوعياً، إلى وضعهم في الخانة، التي ليسوا فيها، وهي خانة دعم الحرب العدوانية الإرهابية الوهّابية الصهيو-أمريكية، على سورية.
إذا كانوا يريدون النجاح لـ(الأخضر الإبراهيمي) في مهمّته الحسّاسة.. فلا بدّ أن يكفّ الأطلسيون والسلاطين الجدد وآل سعود وآل ثاني، عن منع الحوار بين السوريين.. وأن يتوقفوا عن تجنيد الإرهابيين وشحنهم إلى سورية.. وأن تتوقف الدول المجاورة لسورية، عن استقبال واحتضان وتمرير السلاح والمسلحين، وأن تقوم بإغلاق معسكرات التدريب المتلطّية وراء مخيّمات اللاجئين، والاكتفاء باللاجئين إنسانياً، وأن يقوموا بالتعاون مع سورية في حفظ الحدود المشتركة، لإيقاف تهريب السلاح والمسلّحين إلى داخل سورية… وأمّا مَن يرفع شعار (وقف العنف) سبيلاً لتسليم مقدَّرات سورية، للعصابات الإرهابية والإجرامية.. ومَن يريد (تنحّي الرئيس الأسد) دبلوماسياً، بعد أن عَجِزَ عن ذلك، بمختلف السبل المتوافرة لديه.. فإنّ مَن يعمل على ذلك يريد فعلاً إفشال مهمة (الأخضر الإبراهيمي).
(روسيا والصين تَحْمِيان النظام السوري)… و(الأمم المتحدة عاجزة عن اتّخاذ قرار، بسبب الفيتو الروسي والصيني).. والصواب أن يقال أنّ روسيا والصين، رفضتا الانخراط في الحرب العدوانية الإرهابية الأطلسية-الوهّابية على سورية، وقَطَعَتا الطريق على المحور الصهيو-أطلسي وأذنابه، من حيث الاستفراد بسورية، والقيام بعدوان عسكري برّي وحوّي وبحري عليها، كما جرى الاستفراد بليبيا، التي قُتل فيها بعد سقوط القذافي، وبعد سيطرة الناتو وأزلامه عليها، أكثر من خمسين ألف ليبي!!! هذا ما منعته وتمنعه المواقف المشرّفة لروسيا والصين.. ولكن يبقى العامل الأساسي والجذري والرئيسي هو صمود الشعب والجيش والقيادة السورية، في وجه هذا العدوان الدولي عليها.. ولولا ذلك الصمود الأسطوري، لَمَا كان هناك من فائدة، لأيّ دعم خارجي، مهما كان نوعه وحجمه.
وأخيراً، بعض (قَوّادي الإعلام) من المستعربين والعُرَيْبيّين، ومن القلّابين الطالحين، ومن السلاطين المزيّفين المتسلطنين، أو من التلموديين الليكوديين الشرق أوسطيين المتبرقعين، زوراً، بعبادة الرحمن وبالراشديّة، عبر تسميةٍ تحمل عكس مضمونها، كما هو الحال في مختلف جوانب الحرب الإعلامية المأجورة والمسعورة على سورية، وأشباههم من (فَلاشا) المارينز الإعلامي الأعرابي المتصهين، ممن تتلخص ذروة طموحهم، بأن يحافظوا على مواقعهم كبيادق متموّلة من بيوتات التمويل الدولي والإقليمي، أو كمسامير صدئة في أحذية نواطير المشيخات النفطية والمحميّات الغازية.. أمثال هؤلاء المرتزقة، لا يعنينا ما يقولونه وما لا يقولونه، ولا نمتلك وقتاً، نضيّعه على ترّهاتهم وحَمَلاتهم المسمومة المزمنة، بعد أن تفرّغوا كّلياً، لنهش سورية، وتبرير وتمرير وتزوير حقيقة الجرائم الشنيعة التي قام ويقوم بها عشرات آلاف الإرهابيين والظلاميين والمجرمين والقتلة، بحق الشعب السوري والجيش السوري والبُنى التحتية السورية القيام بـ(حماية المدنيّين) عبر الاختباء وراءهم واستخدامهم دروعاً بشرية وعبر التمتّرس في منازلهم وتحويلها إلى مرابض هاون ومدفعية.. بعد أن (انتهوا من حَلّ جميع مشاكل بلدانهم)!!!.
ذلك أنّ المعركة الكبرى للدولة الوطنية السورية هي مع أسياد أسياد مُشغّلي هذه البيادق المتعفّنة المتفسّخة، وقرقعة هؤلاء، مهما رفعوا عقيرتهم، ليست في العير ولا في النفير.
أيلول 2012
* كاتب عربي سوري