الطائرة التي طيرت عقول الاسرائيليين
حرب قائمة في الفضاء الالكتروني. من يكسب ساحات المعركة القادمة؟
أليف صباغ*
يبدو ان الطائرة بدون طيار التي حلقت فوق ديمونة امس الاول ومن ثم اسقطتاها طائرتان حربيتان اسرائيليتان F16 ما تزال تقلق القيادة الاسرائيلية الى حد الجنون. اقول الجنون لان المعني يكتشف بين ليلة وضحاها وبسبب فضيحة صغيرة انه ليس عظيما بل يعاني من جنون العظمة فقط، وهذا ما يقلق قادة اسرائيل، ويجعل المواطن الاسرائيلي اليهودي يستصغر نفسه في المرآة ، فتصوروا لو كانت هذه الطائرة مع طيار او محملة بالاسلحة. ربما تكون هذه هي العبرة التي رددها العديد من قادة الحركة الصهيونية منذ حرب تشرين ولغاية اليوم مرورا بحرب تموز ومفادها ان انهيار القوة / الشعور بالعظمة الاسرائيلية في نظر الاسرائيليين اخطر على الوجود الاسرائيلي من اي شيء آخر.
ما يقلق الاسرائيليين بالتفاصيل، هو : اولا، كيف دخلت هذه الطائرة ؟ دون اكتشافها بواسطة السايفر الالكتروني (رادار يراقب الفضاء الالكتروني) الاسرائيلي في الجنوب وآخر الأمريكي ومركزه في النقب. هل هي طائرة صديقة جاءت لتفحص مدى اليقظة الاسرائيلية كما يقول البعض؟ هنا تدخل الامور في نظرية المؤامرة فعلا. وثانيا، هل صورت الطائرة مواقع حساسة مثل مفاعل ديمونة ومضادات الصواريخ الامريكية والاسرائيلية في الجنوب؟ وهل استطاعت ان ترسل الصور الى القاعدة على الارض؟ وهل أُرسِلت الصور مباشرة الى القاعدة؟ اوهذا يعني ان القاعدة على اتصال مباشر وقريب من العين الالكترونية في الطائرة، وهذا لا يمكن ان يتم الا من غزة. اذن هل تمتلك جهة ما في غزة هذه الطائرات وما يرافقها من تكنولوجيا وخبراء؟ أم انها ارسلت بواسطة قمر اصطناعي؟ وهذا يعني ان المرسل يستخدم تكنولوجيا متطورة تقلق اسرائيل اكثر مما يقلقها السلاح المتطور، وهنا لا بد ان تكون ايران هي المرسل او حزب الله. واذا كان الامر كذلك فهل مرت الطائرة كل هذه المسافة فوق دول عربية تراقبها الاجهزة الالكترونية الامريكية دون ان يكتشفها أحد؟ وهذه بحد ذاتها مصيبة من وجهة النظر الاسرائيلية. اما اذا كان حزب الله هو المرسل للطائرة عن طريق البحر فهذا يعني ان حزب الله يحدد اهدافا كبرى وبوسائل تكنولوجية متطورة تعجز عنها دول صناعية كبرى وهذه ايضا مصيبة. يكبر القلق طالما ان مصدر ارسال الطائرة غير معروف، لانه يصعب على الخبراء الاسرائيليين، وقد تحطمت الطائرة بالكامل، تقدير ما قامت به هذه الطائرة وقدرات الجهة التي ارسلتها وما يمكن ان يترتب على ذلك من مفاجئات في حالة حرب قادمة. ومن يشعر بالعظمة لا يحب المفاجئات ابدا.
ما زالت اسرائيل تتكتم على الكثير من المعلومات فيما يخص الطائرة المذكورة، وتجاريها في ذلك وسائل الاعلام الكبرى مثل موقع هارتس، اكثرهم مجاراة، الذي نقل رواية الناطق باسم الجيش باختصار مشيرا ان الطائرة حلقت في سماء اسرائيل مدة ربع ساعة بينما قال موقع معاريف انها حلقت نصف ساعة قبل ان تسقطها الطائرات الحربية الاسرائيلية، وهذه فترة طويلة جدا بالمفهوم العسكري. بينما اضاف موقع ديبكا المقرب من مصادر مخابراتية معلومات اضافية منتقدا اداء سلاح الطيران والمراقبة بحدة. واعتبر الكاتب ان حقيقة دخول الطائرة في الاجواء الاسرائيلية وتحليقها لمدة نصف ساعة دون ان يستطيع خبراء السايفر الالكتروني الاسرائيلي والأمريكي من اكتشافها وفشل الخبراء في التحكم بها وقدرة مرسليها على الهروب والمناورة، او الطائرات الحربية من إسقاطها، يعني ان اسرائيل فشلت فشلا ذريعا في عملية الدفاع عن الفضاء الإلكتروني وهذا يعني انها غير مستعدة بعد لحرب اسرائيلية ومفاجئات محتملة من الطرف الآخر بالرغم من صرف 10 مليارات شاقل في السنة الاخيرة على التدريبات والتزود بكل الوسائل اللازمة لخوض الحرب القادمة، تلك الحرب التي سيشكل فيها الفضاء الالكتروني ملعبا اساسيا اكثر من كل الحروب السابقة التي عرفها العالم حتى اليوم.
يبدو ان الفضاء الالكتروني تحول الى الشغل الشاغل لمن يبحث عن التفوق العسكري. لم تعد قوة الجيوش والعتاد العسكري المتطور واللوجستيات العسكرية تكفي لتدخل الدول الى نادي الدول العظمى إقليميا او عالميا. بل تحتاج في الاساس الى علوم وتكنولوجيا متطورة جدا وخبراء على افضل مستوى لأنهم هم الذين يصنعون العظمة الحقيقية. اليس هذا ما يجعل اسرائيل تطمح لضرب مسيرة التطور التكنولوجي لإيران؟
8 اكتوبر 2012
* كاتب فلسطيني من حيفا – فلسطين المحتلة