المستعمرون الصهاينة يعتدون على أهالي نحالين غرب بيت لحم أثناء قطف الزيتون
كيّ الوعي الفلسطيني
يوسف شرقاوي
ما يجري على الساحة الفلسطينية من مشاهد تمس وجدان الشعب الفلسطيني وكيّ وعيه، في كافة أماكن تواجده، ما كانت لتمر مرور الكرام، لولا وجود ثلة تنتمي إلى ثقافة النفاق الرسمي والشعبي، فأمام المشاهد تلك، نشهد غياب النخب السياسية والثقافية نتيجة نكوصها عن ما كانت تتغنى به سابقا لينكشف زيف وكذب وهشاشة ثقافتهم الوطنية واستغراقهم مابين انحيازهم لجانب الخطاب الرسمي للنظام السياسي الفلسطيني، وعجز أشباه المثقفين الفلسطينيين عن إجراء مراجعة معمقة وجدية ومسؤولة، ثقافية وفكرية ونضالية لمجمل ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني.
المشهد الأول: تصريحات رأس الهرم الفلسطيني لـ”القناة الإسرائيلية الثانية” في الذكرى ال95 لـ”وعد بلفور” والذي تحدث خلاله عن ثلاث مسائل تمس جوهر القضية الوطنية من حيث حق العودة وحدود فلسطين، من وجهة نظره، وإصراره على منع حق الشعب في انتفاضة تعيد حقه وتحرره من نير الاحتلال الإسرائيلي سيما أنه اعترف بفشل مشروعة التفاوضي مع “الطرف الإسرائيلي”، والذي استغلته دولة الاحتلال في توسيع ومضاعفة استيطانها في “الضفة الغربية” وتهويد القدس المحتلة وقلب مدينة الخليل وبعض مناطق نابلس ومصادرة الأغوار واستمرار بناء جدار “الضم والتوسّع”.
هذه التصريحات تضمنت تنازلاَ واضحاَ، ليس عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ملاعب وبيّارات البرتقال الحزين فحسب، وإنما حتى عن المطلب الفلسطيني بانسحاب الكيان الاسرائيلي الكامل وغير المشروط من الأرض المحتلة ابّان حرب حزيران 1967، أي الحد الأدنى مما يمكن القبول به فلسطينيا في إطار أي تسوية سياسية للصراع العربي الصهيوني، بما في ذلك التنازل عن أجزاء من “القدس الشرقية” وعن أسفل الحرم القدسي الشريف، واقتلاع الفلسطينيين المتجذرين في أرضهم المغتصبة عام 1948.
وبدون ضرورة للإسهاب يكفي الإشارة إلى أن أول النتائج الضارة لتلك التصريحات على المستوى الإسرائيلي دخول وسائل إعلام إسرائيلية إلى مخيمات اللاجئين بـ”الضفة الغربية” لمحاولة عمل شبه استفتاء حول التصريحات آنفة الذكر، والتركيز بوضوح أن تلك التصريحات تعني حق عودة اللاجئين إلى أراضي (الدولة) الفلسطينية لأن التصريحات رسمت حدود فلسطين التاريخية وإلى الأبد، وقد تقدم معظم دول العالم برسمات تلك التصريحات إلى تبنيها، وهو رفض حق عودة الشعب الفلسطيني استناداَ إلى قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194، بمعنى آخر فإن تلك التصريحات وصفها قادة العدو بالشجاعة لأنها تمثلت بالتنازل الطوعي عن احد أهم أركان القضية الفلسطينية ألا وهو حق العودة وقضية اللاجئين دونما أي ثمن سياسي للانسحاب غير المشروط، والأدهى من ذلك بأن رأس السلطة، تصرف بما لا يملك على اعتبار أن حق العودة هو حق فردي وجماعي..في نفس الوقت لا يمكن لأي قائد أو طرف سياسي فلسطيني التنازل عنه لأن ذلك يحتاج في المقام الأول إلى استفتاء يشمل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده، وتنازل شخصي من قبل كل لاجئ فلسطيني عن حقه في العودة وهذا مستحيل سياسيا ووطنياً.
المشهد الثاني: دعوة احد أقطاب ما يسمى الشخصيات (الوطنية ) المستقلة منيب المصري لرجل الأعمال الإسرائيلي المستوطن وداعم الاستيطان رامي ليفي، إلى قصره المنيف المقام على ارض أثرية في جبل النار، عاصمة الثورة ضد الانتداب البريطاني لفلسطين أوائل القرن الماضي، برفقة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ورئيس وزراء الأردن عبد السلام المجالي، المتهم ببيع أراض للمستوطنين بالقرب من بلدة حزما الفلسطينية، والمستشار الاقتصادي لسلطة الحكم الذاتي في رام الله محمد مصطفى، تحت مسمى مؤتمر اقتصادي لفتح الباب مستقبلا لدعوة رجال أعمال إسرائيليين إلى المدن الفلسطينية بحجة تحريك ما يسمى بعملية السلام المتعثرة، لتمييع القضية الوطنية وجرح كرامة الشعب الفلسطيني تحت يافطات مشبوهة، تظهر الكومبارادور الاقتصادي الفلسطيني المتحالف تاريخياً مع رأس المال الصهيوني ومساعدته على اغتصاب فلسطين.
المشهد الثالث: الاعتداء من قبل الشرطة النسائية الفلسطينية في قطاع غزة على اعتصام شعبي نسائي استنكاراََ للانقسام الفلسطيني، مابين ما يسمى حكومة غزة والضفة” ليظهر هذا السلوك المشين أن طرفي النظام السياسي الفلسطيني، يسعيان إلى ترسيخ نظام امني بوليسي لقمع وجلد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال لإذلاله وكسر شوكته لترسيخ اليأس والقنوط والمهانة في وعيه.
خلاصة
البيانات والمقالات والتململ بهمس لا يجدي، ولابد من تنظيم صفوف النخب الوطنية المخلصة والمعروفة بتمسكها بمبادىء وأخلاق شعبنا العربي من أجل تأسيس حركة وطنية عربية فلسطينية ذات ثقافة مجتمعية فاعلة، تعيد مجد هذا الشعب المكافح لتمنع كيّ وعيه.. كي لا يلعننا التاريخ ..
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ..