الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / تونس .. قطر وما بينهما

تونس .. قطر وما بينهما

تونس .. قطر وما بينهما

أحمد الحباسى*

توعد رئيسنا المفدى كل من ينتقد قطر بعقوبات صارمة ، يظهر أن الرئيس المؤقت لم يطلع على المجلة الجنائية ، و لا على مجلة الصحافة ، و أن هذا التصريح كغيره سيقيد ضد مجهول ، و يظهر و الله أعلم أن سيادة الرئيس لم يكن واعيا بخطورة مثل هذا التصريح ، أو أنه لم يطلع أصلا على نوعية الصلاحيات المحدودة المعطاة إليه بحكم الدستور الصغير ، و يقول بعض الخبثاء أن هذا التصريح هو ثمن الشيك المسلم إليه بعنوان ما وجد في الخزائن اللبنانية من الأموال المنهوبة من الشعب التونسي لفائدة عائلة النظام السابق.

بطبيعة الحال ، السيد الرئيس ، أدام الله “تصريحاته” التي أصبحت المادة الدسمة لبرامج القلابس ، و شكلت الفرصة الوحيدة لهذا الشعب حتى ينال نصيبا من الضحك بعد أن أفقدته حكومة قطر التونسية حب الحياة و الرغبة في يوم جديد لا وجود فيه لحركة النهضة الاخوانية السلفية الإرهابية ، لم ينتبه من فرط حالة الكبت الإعلامي التي يعانى منها ، و من فرط المشاعر المستهزئة التي نراها ـ و نسمعها على كل الألسنة في الشارع التونسي ، إلى كون هذا التصريح الهزيل يزيد من عزلته السياسية ، و يلقى كثيرا من ظلال الريبة و الشك حول موقع الرئاسة و موقع الرئيس بحيث يكون الموقع و الرئيس متهمان بكونهما فرعا من أفرع الإمارة القطرية التي أصبحت محل كراهية واضحة من الشعب التونسي.

ولان سيادة الرئيس ، يعمل بالأجر في قناة الجزيرة ، و لذلك فهو لم يتورع إطلاقا على التهجم على جزء معتبر من الشعب التونسي وصفه بالعلمانيين ، و لم يكتف سيادته بهذه السقطة البائسة بل توعد هذه الفئة الفكرية العلمانية بنصب المشانق ، كما كان يحصل في فترة محاكم التفتيش، و لعل سيادة الرئيس لم ينتبه أصلا – و كالعادة- إلى كون حركة النهضة الحاكمة قد سبقته بنصب المشانق للعلمانيين و اغتالت زعيمهم شكري بلعيد ، و نصيت المشانق أيضا للمعارضة و إلى كل من يرفض الأفغنة و المذهب القرضاوى .

في كل الأحوال ،لا يعلم سيادة الرئيس طبعا أن حرية التعبير هي مطلب الثورة ، و لا يمكن لسيادته حتما أن يتفهم أن حالة الكراهية و الغضب نحو النظام القطري و نحو العلم العنابي الذي أحرق منذ يومين في شارع بورقيبة ليست حالة عابرة أو زلة شعبية ستزول مع الوقت ، و بالتأكيد فسيادته مغيب تماما عن الوجدان الشعبي منذ صعوده إلى قصر قرطاج ، و إلا لما تجرأ أصلا على قطع العلاقات مع سوريا في خطيئة سياسية ستبقى عالقة بالأذهان ، و مثيرة لكثير من الشبهة و الريبة و علامات الاستفهام حول الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس المؤقت لمثل هذا التصرف دون استشعار الغضب الشعبي التونسي ، و دون مراعاة ارتدادات هذا القرار على العلاقات بين البلدين ، و إذا كان سيادته غير ملم بمقتضيات المجلة الجنائية و بأحكام مجلة الصحافة ، فمن واجب مستشاريه إعلامه بكون التعبير عن المشاعر الشعبية السلبية نحو أي نظام ، و الخروج في مظاهرات مناهضة لوجود هذا النظام و المطالبة بقطع العلاقات معه لا تدخل تحت طائلة العقوبة لان الشعب هو مصدر السلطات و أعلى من كل القوانين الوضعية.

ولان قطر فيها نظام ينفذ أجندة صهيونية ، و هذا لم يعد سرا ، اللهم إلا إذا كان عمل سيادة الرئيس في قناة الجزيرة لم يترك له الفرصة لمتابعة ما ينشر في نوافذ الرأي الآخر في العالم ، فانه من حق المتابعين للشؤون العربية انتقاد هذا الدور القبيح بكل أدوات الجدل المتاحة ، لأنه لا يعقل أن يتبرأ الرئيس من النظام السوري بما يمثله في الوجدان العربي و بما قدم من تضحيات لفائدة قضايا الأمة العربية ، و يدخل إلى تونس في المقابل أسوأ نظام عربي في تاريخ العلاقات العربية- العربية ، و إذا كان سيادته متعلقا كل هذا التعلق بالنظام القطري ، فانه لا يمكن أن يسحب هذه المشاعر المشبوهة على وجدان الشعب التونسي الرافض أصلا للعلاقات مع قطر ، و مع النظام القطري بالذات ، خاصة بعد الإهانة التي وجهها أمير التوسل القطري لموقع الرئاسة التونسية متناسيا للأسف أن تونس لن تنسى مثل هذه الأفعال أبدا.

في حقيقة الأمر ، سيادة الرئيس يفقد رصيده إن لم نقل أنه فقده تماما، و استقباله لرابطات القتل و الترويع ، ثم سكوته المطبق عن متابعة مال قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد ، و موافقته على تسليم البغدادي المحمودى ، و صمته على كل الانتهاكات التي تقوم بها الجماعات السلفية ضد الشعب و ضد المعارضة في نفس الوقت ، و عدم متابعته الفعلية لما يسمى بالمجموعات الجهادية التونسية التي يشرف عليها الحزب الحاكم ، و عدم الانتباه إلى كل هذه الأسلحة الثقيلة الموردة من ليبيا ، و عدم الوقوف بجدية في وجه الحكومة في خصوص عدم إطلاق سراح سامي الفهرى ، كل هذا و غيره كثير يجعله في موضع الاتهام و الشكوك حول مدى قدرته على التعامل مع القضايا المصيرية للبلاد و يعطى للجميع الذريعة المنطقية للقول بكونه يخدم المصالح الأجنبية على حساب المصالح التونسية.

من العار أن يصدر على رئيس حكومة ما بعد الثورة مثل هذا التصريح الهزيل ، و من العار أن يعلم الرئيس الشعب الصمت إزاء الجرائم القطرية و الخيانة القطرية بعد أن تكلم العالم عن هذه الجرائم و عن هذه الخيانة ، و بعد أن وصف أيهود باراك ما قام به النظام القطري بكونه أكثر الخدمات المقدمة لإسرائيل مجانا و فائدة ، و أكثر مما قدمه نظام مبارك طيلة 30 سنة من الحكم ، و إذا كان الرئيس له نظرته الخاصة للعلاقات مع قطر ، فان الشعب التونسي برمته لن يقبل من الرئيس و لا من الحكومة و لا من قطر أي يحث في هذه العلاقة المسمومة ، و إذا كانت حكومة النهضة قد فشلت في تنفيذ وعودها الكاذبة و دخلت في عملية بيع و شراء للذمة التونسية لهذا النظام العميل بدعوى الحصول على القروض و الهبات القطرية فان هذا الشعب الذي جوعه الرئيس السابق طيلة 20 سنة لم يقدم أي تنازلات و خير في النهاية الاستشهاد بالرصاص على الصمت المذل .

بطبيعة الحال ، السيد الرئيس ، لا يدرك هذه المشاعر التونسية الصرفة باعتبار عزلته الوجدانية عن هذا الشعب مدة في الخارج ، و لعل من يرسمون للرئيس اليوم خارطة الطريق من أصدقاء النظام القطري في رئاسة الجمهورية أو بعض الأطراف الغربية المشبوهة ذات العلاقة بالصهيونية العالمية ، يجرون الرئيس و من وراءه الدولة التونسية إلى الخراب.

سيادته يمنع التطاول على قطر ، لهذا شهدت صفحات الفيسبوك حملات غير مسبوقة عنوانها ” أنا أتطاول على قطر ” عبرت الآلاف فيها عن مشاعر الكراهية الكبيرة للنظام القطري و سخفت من تصريح الرئيس الذي يظهر أنه فقد ماء الوجه ، فلم يعد في نظر الشعب التونسي إلا مندوبا لمحمية قطر في إمارة تونستان النهضوية.

سيادته يهدد بالعقاب كل من يتعرض إلى قطر ، سجل أنا أتطاول على قطر.

* كاتب تونسي

13 نيسان 2013

بانوراما الشرق الأوسط

عن prizm

شاهد أيضاً

القومية العربية نهضت بنهج عبد الناصر وتلاشت بغيابه !!

11 تشرين أول 2024 نبيل عودة تطور القوميات في اوروبا هو نتاج تطور اقتصاد مشترك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *