الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / أسأل جوال والوطنية ماذا تريد؟ وطن حر وشعب مثرثر ورصيد!!

أسأل جوال والوطنية ماذا تريد؟ وطن حر وشعب مثرثر ورصيد!!

أسأل جوال والوطنية ماذا تريد؟ وطن حر وشعب مثرثر ورصيد!!

عدنان الشعراوي

الحشود الجماهيرية التي تتسمر أمام شاشات التلفزه في البيوت والمقاهي في البلاد العربية، وفي فلسطين خاصة. وبالأخص أيام الجمعة والسبت. تفوق في أعدادها أي أمكانية للأحصاء. والمشاعر والأنفعالات تفوق كل وصف. وفي هذا النطاق من الحدث تتجلى الوطنية في أنصع وأبلغ تعبيراتها المباشرة. من خلال الأرقام وأحصاءات المصوتين للمتنافسين، وعبر تصويت حر ونزيه، خاليا من أي خروقات وتلاعب، وفوق ذلك بواسطة الهاتف النقال، ومواقع التواصل الأجتماعي.

فحماس الجماهير الفلسطينية المتابعة، وهي تهتف بأسم المطرب. كان لافتا لأن غالبية الجماهير المحتشدة، والساهرة أمام الشاشات من الشباب الذين أنضم أليهم الرجال والنساء، ينتمون إلى جيل أكبر سنا، إلى درجة أن العجائز تنهمر دموعهن الكثيرة حتى أختلطت صلوات الدعاء الديني بالفوز والنصر والتأهل مع أصحاب الأعجاب والطرب.

هذا يدفعنا إلى سؤال يطرحه علم الأجتماع السياسي، على ماذا تدل هذه الظاهرة؟

قد تكون الشركات مبهورة بالحدث الذي ساهمت في صناعته، وربما فوجئت بحجم الاهتمام والحفاوة الجماهيرية الفلسطينية، وبنوع وبطبيعة المشاركات الواسعة التي تحظى بها عملية التصويت، والتي تدر ربحا وفيرا على الشركات، بفضل تسعيرة المكالمات والرسائل بواسطة الهاتف النقال.

لكنها مع ذلك، ستبدو سعيدة لا بنجاحها هذا وحسب، بل بصعود دورها الأجتماعي. فهي لم تعد بعد اليوم مجرد شركة للهاتف النقال متجهمة الأبواب ومحاطة بالحراس والتدابير الأمنية. بل أصبحت جزءا عضويا من النسيج الأجتماعي والأقتصادي للبلد، وبات دورها السياسي مفتوحا أمام كل التوقعات. ولترسم بذلك شكل الفصيل السياسي الجديد في الساحة الفلسطينية مضافا أللوحة الكلاسيكية لفصائلنا، تحت مسمى: فصيل جوال وفصيل الوطنية. وبحكم البرامج التي تطرحها وتجذب جميع أطياف الشعب حولها، والمقدرة العالية لديها على التهيج والحشد – في الوقت الفصائل الفلسطينية معدمة البرامج. وأن كانت سابقا لازمها الفشل والتكلس – وهو أمر يفتقده أي تشكيل سياسي فصائلي جماهيري فلسطيني اليوم، كما بالأمس. مثلما بينت المسيرات المسانده للأسرى المضربين عن الطعام، والمقاومة للأستيطان والجدار، والتي غالبا ما تتسم بالفوضى، وسوء الأنضباط، والأفتقاد للحماسة المطلوبة، بل وإلى عدم الرغبة في المشاركة عند القطاعات الواسعة من الراغبين في الخروج في هذه التظاهرات.

وهذا الأمر لا يتعلق بالنسبة لي، وفيما يتصل بتفسير هذه الظاهرة بتعطش الجماهير إلى التصويت أو التلهف إلى الممارسة الأنتخابية وحسب، لأن هذا الأمر فرغنا من النقاش حوله منذ وقت طويل. وقد لا يستحق الكثير من الكلام والأستطراد. بل أمر أخر أكثر أهمية هو صناديق الأقتراع الألكترونية الجديدة والمتكررة في مثل هكذا برامج. والتي تعد به الشركات أجيالا من الجماهير.

هنا نجد أن الشركات التجارية سواء المنظمة، والراعية، وتلفزيون الفضائية، وحتى شركات الهاتف النقال المصوت عبرها، وغيرهم، قد لعبت دور الحزب السياسي الذي ينظم نوعا جديدا من الأنتخابات أو الأستفتاءات من دون لجان مراقبة سواء محلية أو دولية. وبواسطة تقنيات الأتصالات الحديثة، وخصوصا الهاتف النقال. والتي أظهرت المقدرة الشبابية العالية على الأنضباط والمقدرة في الحفاظ على الطابع السلمي في التصويت، وهذا أمر هام للغاية بخلاف ما يجري في ملاعب كرة القدم، وفي أنتخاباتنا بمختلف أنواعها، وحين تأخذ الحماسة والتنافس أشكالا من الهياج والعنف. وهذا بالضبط المضمون الحقيقي للحفل الغنائي.

فمنذ الأن، سوف تتنافس الشركة مع الحزب السياسي القديم، وأليات أستقطابه وتنظيمه. وقد تقوم بسرعة غير متوقعة بأزاحته بسلاسة ونعومة (حراك أبيض) لتفرض في النهاية سيطرتها المطلقة على الجماهير. فهذه المرة الأولى التي يتسنى فيها التعرف على الجماهير من نوع جديد غير منظمين ولا حزبيين ، والتي كانت حتى الأن من المنظور التجريدي، حقيقة سياسية من حقائق واقع يعج بالتجريد. بل وأضحت جزءا من حقيقة أخرى سوف تطرح الكثير من الأسئلة. أي أن تفرض سيطرتها على المادة، وعلى عوامل الجذب التي كانت وما تزال تشكل عصب حياة الأحزاب والفصائل السياسية، ومصدر وجودها التاريخي والأيدولوجي والسياسي والأجتماعي.

كذلك فإنه مخطيء من يظن أن حشود المصوتين والمشاهدين والتي تتابع وتشاهد وتشارك بالتصويت، ليسوا بكتل بشرية كبرى معزولين، وغير مهتمين، ولا ترغب في أظهار أي نوع من التعاطف مع الأحداث الجارية في المنطقة والعالم، وخصوصا ما يتعلق بمبادرات العربية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية . وكذلك الحرب الكونية ضد سوريا. لهذا فهم في قلب هذه الأحداث. وأن أهتمامهم ليس محصور في الثقافة الموسيقية، وأنها جماهير لا يمكن التلاعب بها، بل على العكس من ذلك. برهنت الكثير من الأحداث والوقائع على المستوى الرفيع من المعرفة الحقيقية لديهم بما يجري والدرجة العالية من الأنفعال الواعي بأحداث المنطقة، وخصوصا في أوساط الشباب. وبالقدرة على الأبتكار أساليب وأشكال للمشاركة والمقاومة، وخصوصا في وطننا فلسطين. لهذا بمشاركتهم في التصويت والمشاهده والأهتمام الشديد بذلك، أرادوا التعبير عن شيء جديد، بعيد كل البعد عن السياسة بمعناها الضيق المحدود المتداول، وعن مصدري الفتاوي والشعارات. والتعبير أكثر بلاغة عن الأرتعاشات الأولى لمجتمع ضاق ذرعا بماضيه السياسي المغلق، وأكثر حنقا وتطلعا لفجر مستعصي على أي بادرة أنفراج حقيقية.

كذلك تقديم أنفسهم كشريك أجتماعي وسياسي في صناعة الأمل، وفي التقدم نحو المستقبل. لأن ما يبدو أمام أبصاره المشدودة أمام الشاشات ليس مجرد حدث موسيقي يتعلق بالأغاني الشبابية وبهوس جماهيري بمسابقة من صناعة غربية. بل هو حدث جماهيري بكل المقاييس لم يشرف عليه الفصيل السياسي، أو نقابة رسمية، ولم يرتب له أتحاد طلابي أو حراك شبابي رسمي.

وتسألت وأنا أشاهد أنفعالات هؤلاء الشباب، وأراقب توتر أعصابهم المشدودة، ودموعهم وهتفاتهم وكلماتهم الحماسية. وكذلك أهاتهم – لأننا في بلاد يموت من كثرت الأهات شبابها – وأشعارهم. عما أذا كان بوسع الفصائل والأحزاب الفلسطينية ، من: ( أم الجماهير، إلى حراس النوايا، إلى المشهد اليساري، إلى حركات الأنجزه، أو متصيدي الكراسي). هل هذه الأحزاب أو الفصائل بصرف النظر عن أسمائها وعقيدتها وخططها السياسية، بقدر التحدي الذي يخلق أمامها، والذي باتت رسائلها في الحشد الجماهيري أكثر تضائلا مع تعقد أوضاعها الداخلية وتفاقم المصاعب بوجهها، وربما مع تقليص أدوارها السياسية في الوطن فلسطين، المنقسم والمقطع والذي يتاكله الأستيطان.

أذن يجب أن يدركوا أن الجماهير تبدلت جذريا، بينما بقي هم قي مواقعهم القديمة مترهلين وعاجزين عن القبام بأي نوع من التغيير، سوى في ربطات العنق ونوعية العطر، لأن في السابق كنا نميز الأشخاص من خلال أيدلوجياتهم، أما اليوم من نوعية عطرهم. كما وباتو أكثر شبها بماكينة عتيقة كثيرة الأعطال تبحث عما يهديها للمتحف الوطني.

وضمن هذا النطاق للأختيار العلني، بوسع المرء أن يلاحظ الحقيقة التالية، وقد شخصت أمام أنظاره: أن مجتمعنا يتجه وبتسارع صوب تغيرات واسعه وحاسمه في الأنماط الثقافية القديمة. وأن فكرة الحزب الثوري والحزب الجماهيري عن الجماهير التي تلتف من حوله. هي فكرة لم يعد لها من أساس واقعي، لسبب بسيط واحد: أن هذه الجماهير تحتشد اليوم من حول ثقافة أخرى، يجذبها خطاب من نوع أخر. لقد كفت عن أن تكون مجرد حقيقة سياسية، وعادت إلى حقيقتها الأنسانية المطلقة، وأنتقلت إلى طور جديد ومفاجيء لم تتهيء الفصائل والأحزاب والحركات، ولم تستعد بعد للتعامل معها.

مما لا لبس فيه، وجب عليهم أن يقولوا لنا شيئا في هذه المناسبه، أو تفسيرا أو قدرة على قراءة الحدث قراءة موضوعية وسليمة!! لأن الحدث يستحق أكثر من تعليق، فهو على الأقل يطرح معضلة جديدة أمام الحركات والفصائل وأي أحزاب جماهيرية، وبما هو حزبي سياسي؟

ختاما تنبأ فيلسوف ألماني عجوز قبل بضع سنوات، بأن الوظيفة التاريخية للحزب السياسي، قد أنتهت وأن العالم يتجه بكل قواه إلى ملاقات حقيقية من حقائق العصر الجديد، وهي أن الشركات والبنوك قد تحل فعليا في المستقبل المنظور محل الأحزاب السياسية في العالم.

لكن أذا عكسنا هذه الحقيقة على الواقع الفلسطيني، نجد أن ألتزام الفرد الفلسطيني هو لشركات جوال والوطنية، ومن ثم للبنوك. والتي هي بمثابة أحزاب وفصائل في الساحة الفلسطينية. فعندما تطرح، وتسأل الفصيلان جوال والوطنية ماذا تريد؟ يجيبان: وطن حر وشعب مثرثر ورصيد!!!!!

وعندما تسأل أحزاب البنوك، تجيب : قطع أعناق الشعب وعائلاتهم، ولا قطع رزقة البنوك!!!!

7 أيار 2013

عن prizm

شاهد أيضاً

إسرائيل وجيشها يقاتلان على “جبهة أخرى”: الهواتف الذكية بين أيدي الجنود في قطاع غزة!

21 شباط 2024 سليم سلامة تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *