بعد إعلان سوريا المقاومة.. هل يملك الأعداء ما يراهنون به على البقاء في عروشهم..!
مضر بركات
منذ أيام أعلن السيد الرئيس بشار الأسد انتقال سوريا من (سوريا الممانعة) إلى (سوريا المقاومة).. وإلغاء كافة الالتزامات السابقة التي فرضتها علينا سلطة (سلبطة) القطب الواحد على العالم، والهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن، التي أرغمنا من خلالها على التهدئة على جبهة الجولان المحتل..!
وعلى الأثر.. السيد حسن نصر الله قائد المقاومة اللبنانية، أعلن في خطابه أمس عن قرار اتخذته المقاومة بالعمل جنباً إلى جنب مع المقاومة السورية التي أعلنت عنها الأحزاب السورية.. فبالتزامن مع إعلان السيد حسن، صدر قرار عن الحزب السوري القومي الاجتماعي بتشكيل تنظيم المقاومة من أجل التحرير، أعلن عنه الدكتور علي حيدر باسم الحزب.. كما صدر قرار مشابه،بتشكيل ألوية الجبهة الشعبية للتحرير، أعلنه الدكتور قدري جميل باسم الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير.. وقد قام كل من الحزبين السوري القومي الاجتماعي والجبهة الشعبية للتغيير والتحرير بتشكيل قيادات عسكرية لتنفيذ هذه المهمة، كما أعلنا كلاهما عن دعوة جماهيرية عامة للتطوع في صفوف المقاومة السورية.. وبالطبع سوف تنضوي كافة الكوادر المتطوعة تحت قيادة موحدة تضمهم مع متطوعي حزب البعث ومتطوعي غيره من الأحزاب، ممن يشاركون جيشنا السوري المقدس في التصدي للإرهاب منذ بداية الأزمة..
انتشرت هذه المعلومات في وسائل الإعلام، وسمعنا وقرأنا بعض ردود الفعل هنا وهناك على صفحات الفيسبوك والمواقع، تحدثت كلها حول هذا الموضوع، مما أوحى بأن البعض يأخذ على الدولة السورية وعلى الأحزاب الوطنية أنها لم تتخذ خطوات فعلية من قبل في هذا الاتجاه، حتى البعض قال “لماذا الآن”.. وآخرون قالوا “أين كان هؤلاء (المقاومون) على مدى السنوات السابقة”..!
الحقيقة، للرد على هؤلاء، ولتفسير الأمر لا بدّ من العودة إلى السبعينات من القرن الماضي حين توقفت العمليات الفدائية في مرحلة ما بعد حرب تشرين 1973، إلى أن قام السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم فرضت الظروف الدولية العامة على سوريا، المتواضعة اقتصادياً وعسكرياً آنذاك، أن ترضخ للضغوط الدولية، وأجبرَت على قبول وجود القوات الدولية في الجولان، وبات الوضع أشبه بقنبلة موقوتة احتفظت الأمم المتحدة ومجلس الأمن يجهاز التحكم فيها، إلى أن وجدت سوريا الحل في تشجيع قيام المقاومة اللبنانية بتنغيص عيش الصهاينة وإقلاقهم بهجماتها الفدائية، حتى تمكن الصهاينة من تنصيب (بشير الجميّل) رئيساً للبنان، حيث وقع اتفاق (17 أيار) الذي يخدم الصهاينة على غرار اتفاق كامب ديفيد، ليقوم السوريون مع حلفائهم في لبنان بإسقاطه بعد أشهر قليلة.. وبعدها، كان لكل من سوربا وإيران دور كبير في صنع ما هي عليه المقاومة اللبنانية اليوم.. وهي المقاومة التي أسقطت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، والتي طردت الصهاينة من لبنان، وساهمت بكسر شوكتهم أمام المقاومة الفلسطينية فيما بعد..
في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، تمكنت الولايات المتحدة من الانتصار اقتصادياً واستخباراتياً على الاتحاد السوفييتي الذي سقط على إثر ذلك، وسقطت معه الخطوط الحمراء التي رسمتها اتفاقية (يالطا).. وبات العالم تحت سيطرة القطب الواحد (الصهيوأمريكي).. مما انعكس سلباً بالطبع على قدرة سوريا على محاولة استرداد الجولان عسكرياً، بحرب نظامية أو عن طريق المقاومة.. واصطنعت سوريا الصبر والهدوء والمهادنة، واشتغلت على بناء اقتصادها، ومضت في مخططها الذي أعلنه القائد الخالد حافظ الأسد في صنع التوازن الاستراتيجي العسكري بوجه العدو الصهيوني..، إلى أن باتت القدرات الصاروخية السورية بين أعلى المراتب في حسابات جيوش العالم، كما باتت سوريا من الدول النادرة في العالم غير المرتهنة للديون الخارجية، كما أنها ليست مدينة للبنك الدولي بـ”شروى نقير” وهو الذي تستعبد الدول من خلال عطاياه ومنحه المشروطة..، وقد حققت سوريا كل هذا رغم عبث العابثين باقتصادنا الوطني ورغم استشراء الفساد في كافة مفاصل إدارات الدولة..
أما على الصعيد الاستراتيجي، فقد تمكنت سوريا من صنع علاقات وتحالفات جعلتها “بيضة القبان” في النزاع الدولي بين الولايات المتحدة وحلفها من جهة، والحلف الروسي الصيني من جهة أخرى..
وبالتزامن، استعادت روسيا المكانة الدولية التي تعتبر الوريث الشرعي لها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعززت قدراتها السياسية والاقتصادية، كما تمكنت حليفتها الصين من الإمساك بالعديد من مفاتيح الاقتصاد العالمي.. وفاجأ هذا الحليفان العالم كله بالفيتو المزدوج الذي رفعه مندوبا البلدين في مجلس الأمن في وجه الولايات المتحدة زعيمة القطب الواحد.. فكان إشهاراً فعلياً لموقف روسيا والصين الذي أحيا في ذاكرة الولايات المتحدة (خارطة الخطوط الحمراء) في العلاقات الدولية حسب اتفاقية (يالطا) التي كانت قد ماتت بانهيار الاتحاد السوفييتي..
في ظل هذه التطورات، باتت الظروف مواتية بالنسبة لسوريا لكي تستعيد زمام المبادرة وتعلن مطالتها بحقها في استرجاع أراضيها المغتصبة، خصوصاً بعدما لاقته من تأييد من حليفيها الروسي والصيني، وما لاقته من دعم صادق من حليفها الإيراني، وهو بالتأكيد نتيجة طبيعية لما أثبتته سوريا من قدرة على الصمود، وما أظهرته من حنكة في إدارة الأزمة، وما أبدته من مصداقية وجدية في التنسيق مع الحلفاء..
والآن..، حان الوقت وباتت الظروف مواتية، فلم تهدر القيادة السورية الفرصة لإعلان تحولها على لسان القائد بشار الأسد، من (سوريا الممانعة) إلى (سوريا المقاومة)، وهو القرار الذي تمت ترجمته ببيان حكومي وطني سياديّ على لسان وزير الإعلام ممثلاً للحكومة السورية معلناً الردّ على العدوان الصهيوني في الخامس من الشهر الجاري (أيار)، حيث أن هذا العدوان بدّد التباس العالم حول حقيقة أن الكيان الصهيوني خلف ما يجري في سوريا من إرهاب (وهابي تكفيري-إخونجي-عثماني-صهيوني)، وبات متعذراً على الأمم المتحدة أن تتعامى عن هذه الحقيقة..
لا شك أن الإطار العام الناظم لقرار سوريا بإعلان المقاومة المسلحة من أجل تحرير الأراضي المحتلة، هو الرؤية السورية التي تقوم على مفهوم المقولة التي سمعناها دوماً على لسان القائد الخالد “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”..
وها هي سوريا بعدما أثبتت للعالم قدرتها على الصمود والتحدي، أعلنت الآن قرارها بالعمل الفوري على استرداد حقوقها مهما بلغت التضحيات.. وإن كان للعالم أن يتحدث عن سلام في المنطقة، فإن سوريا لن تقبل سلاماً غير سلام الشجعان الذي يعني تحرير الأرض دون التخلي عن ذرة تراب، وأنّ أحداً في العالم لن يستطيع فرض سلام صهيوني على السوريين، حتى لو صرف الوهابيون وغيرهم من الصهاينة والمتصهينين، كل مليارات النفط والغاز لتسليح مرتزقة العالم وإرسالهم لمحاربة سوريا..
من أهم انعكاسات الظروف المحيطة بهذا القرار السوري، ما تمخض عن لقاء لافروف وكيري، حيث اتفقت الولايات المتحدة مع روسيا على ما بات مؤكداً انعقاد مؤتمر لحوار المعارضة مع السلطة السورية في جنيف تحت اسم (جنيف 2).. الذي تقرر في التاسع والعشرين من الشهر الحالي.. كما أعلن عن لقاء أوباما بوتين في الخامس عشر من الشهر المقبل..
وأما جيشنا السوري المقدس، فلن يتوقف عن سحق بهائم الإرهاب الوهابي، حتى يقضي على آخرهم في كل مكان من سوريا، خصوصاً المناطق التي اعتقد العدو أنها عصية على جيشنا المقدس..
وحسب ما أورده مصدر رسمي سوري (مسؤول جداً)، فإنه خلال الشهر الجاري وحتى نهاية النصف الأول من حزيران المقبل سوف تشهد الأيام نهاية هذا العدوان.. وفي حزيران سوف يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية..
وبناءً عليه.. على العالم أن يدرك أن سوريا لن تسقط، وإن كان الكيان الصهيوني قادراً على الإخلال بالتوازنات في المنطقة، فهو ليس الوحيد القادر على ذلك الآن بعد تصريح القائد بشار الأسد بتسليح المقاومة، وتصريح السيد حسن نصر الله باستعداد المقاومة لاستلام السلاح الاستراتيجي من سوريا، الأمر الذي لن يكون سراً بعد إعلان هذا التحالف الاندماجي المقاوم، والأيام المقبلة ستثبت أن سوريا المقاومة تزداد قوة رغم الجراح.. فماذا بقي بين أيدي الصهاينة للمراهنة على البقاء في الجولان..! وماذا بقي بين أيدي العثمانيين الجدد للمراهنة على البقاء في لواء اسكندرون..! وماذا بقي بين أيدي نواطير النفط للمراهنة على البقاء في عروشهم الكرتونية…!!!
11 أيار 2013