سوق الفتاوى وحرب المصطلحات
د. محمد الشيخ علي
مقدمة
مما لا شك فيه أننا ومن خلال القضية السورية والأزمة التي نعيشها ونعايشها في هذا البلد عبر استهدافه ـ وعلى كل الصعد العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية ـ وهذا مركز اهتمامنا عبر هذه المقال ـ بشلال من المصطلحات المستحدثة خصيصاً لتوصيف ما يجري على الأرض السورية ولو كان المصطلح لا يوّصف ما يجري بل قد يكون بعيداً كل البعد عن التوصيف الدقيق للحدث على الأرض , لتضرب تلك الوسائل عرض الحائط بالأمانة الصحفية والغاية العسكرية والساسيّة للمنطق والأخلاق والعرف لتبتعد عن السياسة وتقترب من التسييس فجرى الكلام المبتذل الممتهن الكاذب في النقل والتوصيف مدلساً على المتلقى بشتى الوسائل الدعائية من صورة جذابة وكلام معسول ربما ينطبق عليه كلام الإمام علي عليه السلام : كلام حق أريد به الباطل فأين دعاة الحرية من الحرية ودعاة الفكر من الفكر ودعاة الدين من الدين وهكذا دواليك حتى نرى أنهم يتخلفون عما يدعون إن لم نقل : أنهم يعاكسون.
المصطلح بين التعريف والتحريف
لعل الجملة التعليمية الشهيرة التي قالها نيتشة تشكل خير مدخل لنا في هذه الوريقات التي سنحاول من خلالها إيقاع بعض الضوء على مصطلحات أسيئ استخدامها فأعطت مفهوماً معاكساً وبعيداً كل البعد عن مدلولاتها سواء أكانت هذه المدلولات لغوية أو عرفية أو فلسفية أو اجتماعية أو فقهية .
قال نيتشة : ( عرّف لكي تعرف ) فأي مفهوم أو مصطلح أو كلمة أو اسم يختزل حالة لا يجري تعريفه تعريفاً شاملاً فأنه يؤدي بشكل حتمي إلى نقص بمعرفة هذا المفهوم وخلل في استقراء المصطلح وخلط بتفهم الحالة وبالتالي بعد عن العقل الذي سمي عقلا من فعل عقل أي ربط لأنه يربط حامله من الانفلات نحو الغرائزية البويهيمية ليكون أفضل من الملائكة كما وصفه الإمام علي فإذا كان العكس يكون شراً من البهائم فقد قال عليه السلام : ( خلق الله الملائكة وركب فيهم العقل وخلق الله الحيوانات وركب فيهم الشهوة , وخلق الله الإنسان وركب فيه كلتيهما , فمن غلب عقله شهوته كان أفضل من الملائكة , ومن غلبت شهوته على عقله كان شراً من البهائم ) ومن هنا يتوالد لدينا سؤال على درجة كبيرة من الأهمية ما مدى حاكمية العقل وما هي ماهيته وما حدوده وهل الحسن والقبح نتاج عقلي أم هما نتاج قانوني أو لنقل شرعي ؟
الحسن والقبح قول الشرع وأفعال المتشرعة
شغلت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين بال الكثير من المفكرين منذ القدم حتى عصرنا , وقلّما يتفق أن يخوض باحث في العلوم الإنسانية دون أن يشير إليهما لعلاقتها بعلوم جمة ولاسيما علم الكلام والأخلاق والفقه . فمثلاً الباحث في الكلام الذي يبحث عن أفعال الله سبحانه من حيث الجواز والامتناع , وكذلك الباحث في الأخلاق حينما يتناول القيم الإنسانية بالبحث يتعرض إلى تلك القاعدة بأخذ ما يحسنه العقل أساساً للقيم وما يقبحه أساساً للرذائل , أما الباحث في أصول الفقه وقواعد الاستنباط وأدلته يخوض غمار تلك القاعدة في أكثر مباحثه نظير القول بأن الأمر بالشيء يلازم الأمر بمقدمته لقبح التفكيك بينهما , أو أن الأمر بالشيء يلازم النهي عن ضده لنفس الملاك فيتخذهما الأصولي أصلاً موضوعياً لاستنباط وجوب مقدمة الواجب أو حرمة ضده وبالخلاصة أنه لمّا كانت القاعدة هذه تعتبر حجر الأساس لكثير من مسائل العلوم مست الحاجة إلى طرحها ـ ولو بشكل مقتضب ـ علنا نسلط بصيصا ليرى الذين أنكروا ثبات القيّم الأخلاقيّة ـ بفتاواهم كمتشرعة ـ خارج حياض العقل وقالوا : إن تلك القيم نسبيّة تابعة للأوضاع والظروف السائدة وأنه ليس هناك أصل أخلاقي ثابت ولا ينفكون يثيرون الشكوك حول تلك القاعدة وما يترتب عليها من مسائل كلاميّة وأخلاقيّة تدعو إلى ثبات القيم الأخلاقيّة والقوانين الشرعية السماوية بشكل عقلي لا نقلي ليقولوا : إن العقل لا يعدو أن يكون منفذاً للشرع فنفذوا النقل وأفتوا به كمتشرعة ولم يعملوا بما يقول العقل في هذا النقل الذي اعتراه ما اعتراه من وضاعين ووعاظ سلاطين وكذبة ممالك أو حمية قبلية أو إحن مذهبيّة فألغوا بذلك المحاكمة من عناصر الفعل فانتقلوا من الأمر إلى التنفيذ مباشرة فقتلوا وذبحوا وفجروا أنفسهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً بالطاعة المطلقة لمن يمثل الشرع باعتقادهم وجعلوا من عقولهم آلات تنفيذية للأوامر الصادرة ليس أكثر , مقتربين بذلك من الاستخدام الحيواني لعضو اسمه المخ بتأمين الطعام والشراب واستمرار النوع وما شاكل وصاروا كالجمل المخشوش يقودهم من يمثل الشرع باعتقادهم وهم في غاية الرضى متقبلين كذبه وتدليسه وفتواه بعد أن سمّاهم بالمجاهدين بل وجعلهم في شرك خفي بأن حدد لهم هدفهم الدنيوي وكذلك الأخروي بالجنس والمضاجعة والمناكحة ففي الأرض أو في الدنيا أحل لهم ما حرّم الله ورسوله كالزنى والاغتصاب والمواقعة الغير شرعية تحت مسمى جهاد النكاح وفي السماء أو الآخرة وعدهم بمواقعة الحوريات اللواتي لا يمللن من المواقعة والمضاجعة والمداعبة فاستحقت ثوراتهم بحق اسم الثورة الجنسيّة فأي حلوم وعقول هذه وأي أهداف وأخلاق تلك.
الأخلاق , الأفعال , الرسالة
يقول كنط عالم الأخلاق الشهير : (لو كانت سعادة العالم بأسره مرتبطة بقتل طفل لكان ذلك عيب أخلاقي). وهنا ألا يحق لنال أن نسأل عن المسوغ والمبرر الذي دعا حرملة بن كاهل هذا العصر أن يرمي أطفالنا بسهمه المحدب ذي الثلاث شعب ليذبحهم حينما استسقينا لهم ماء ؟ ما غاية بن ذي الجوشن أن يوجه هاوناته إلى مدارس أطفال الطف ؟ إنها كربلاء بكل ما تحمله من هيبة وعظمة وكبرياء أعطاها أياها أبي عبد الله الحسين الصحابي السلف فأين أنتم منه إن كنتم حقاً سلفيون أليست السلفية نسبة إلى السلف الصالح؟ وهنا نشدد على كلمة الصالح وهل تعتقدون أن حجار بن أبجر وشبث بن ربعي وقيس بن الحجاج وعمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن أكثر صلاحاً من ريحانة رسول الله وأبي الفضل العباس وزينب ابنة علي وسكينة ابنة الحسين ؟!
أليست السلفية تعريفاً لزوم الطريقة التي كان عليها الصحابة من التمسك بالكتاب والسنة علما وعملا، وفهما وتطبيقا، فأين تجدون في الكتاب والسنة قتل وسبي من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟
ألم يقل رسول الله لأسامة بن زيد : أقتلته بعد أن قالها يا أسامة فقال أسامة : قالها خائفاً : فأجاب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : هلا شققت عن صدره؟ ما أمرنا بالشق عن الصدور يا أسامة .
المصطلحات
لن نتطرق هنا ـ لضيق المساحة ـ إلا لمصطلح واحد شوه كثيراّ واختلفت فيه الآراء والتوجهات بل والتحارب بين الأفرقاء وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ونعني مصطلح الجهاد فما هو تعريفاً كمدلول لغوي وبعد اصطلاحي ومن هو العدو الواجب جهاده وما الهدف منه ؟
الجهاد
الجهاد لغة : هو استفراغ الجهد ـ أي الطاقة ـ من أجل تحقيق غاية يسعى إليها المجاهد في ظل جملة من الرؤى والمثل والعقائد التي يؤمن بها .
الجهاد شرعاً : أن يبذل الإنسان جهداً بيده ولسانه وقلبه ويكون هذا الجهد لوجه الله خالصاً تحت لواء ولي أمر شرعي .
ومن هذين التعريفين نرى أمور عدة :
• الجهاد ذو هدف
• الجهاد حالة منظمة لا يتم إلا ضد أعداء الله الصرحاء بدون شبهه
• لا يتم الجهاد إلا في ظل دولة تمتلك مشروعية ـ ولي الأمر ـ
• توفر العقائد والنظم
فهل ما يجري على الأرض السورية الآن جهاد أم فوضى ؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من التفصيل بعض الشيء في التعريف وما استنتجنا منه.
الهدف من الجهاد
إن الجهاد في الحقيقة يتضمن مشروعين ..مشروع للفرد ومشروع للأمة والمجتمع , فهناك أهداف على المستوى الفردي والشخصي وآخر على المستوى الاجتماعي قد تتعدد الأهداف الشخصية وتختلف من شخص إلى آخر , فأبواب طاعة الله تعالى كثيرة , ولكن هناك هدف أساسي يجب أن يشترك به كل المجاهدين, وكل الأهداف الأخرى في الحقيقة ترجع إل هذا الهدف هو أرضاء الله تعالى وهو الهدف الأسمى والأساسي الذي تتمحور حوله كل حركة يقوم بها الإنسان المؤمن أو سكون يلتزم به ، والجبهة هي من الأمكنة الخاصة التي تتميز بجو الصفاء والروحانية والقرب من الله تعالى .
وإذا كان الجهاد طريقا لتحقيق رضى الله تعالى ، وباباً للتقرب منه ، فأي نعمة وأي توفيق إذا توفق أحدنا للدخول إلى هذا الميدان ، ميدان الجهاد . الذي عبر عنه أمير المؤمنين قائلاً : ( أما بعد فإن الجهاد باب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه . وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة.)
الهدف الاجتماعي
لا تقف أهداف الجهاد عند أفراد والحالة الفردية التي تتجاوز مصالح الفرد لتشمل المجتمع وتحقق مصالحه. ويمكن اختصار مصالح المجتمع ضمن الأهداف التالية :
1ـ الجهاد يكون لله تعالى ليشمل الحفاظ على حدود الله سبحانه وتعالى وأحكامه ، والمحافظة على الدين ونهجه الصحيح في المجتمع فهل المجتمع السوري لا يقيم الصلاة ولا يؤت الزكاة ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى يجري جهاده؟
2ـ الاستقلال والدفاع عن البلاد لما للاستقلال من أهمية خاصة في ظل أطماع المستعمرين الذين يحاولون السيطرة والتسلط على كل ما هو للغير من هنا كانت كل حضارة وكل مجتمع بحاجة لقوة تمنع طمع الطامعين وتضمن عدم تعديهم وتجاوزهم ، هذه القوة تشكلها القوات المسلحة المقتدرة ومع غياب مثل هذه القوة سيكون من غير الممكن المحافظة على الاستقلال ومن هذا المنطلق يشكل استهداف القوات المسلحة في سورية خدمة للعدو ومساهمة في إضعاف النهضة المقاومة لمشاريعه الاستعمارية .
وضوح الرؤية عند المجاهد
ذكرنا في الاستنتاج أن الجهاد حالة منظمة لا يتم إلا ضد أعداء الله الصرحاء بدون شبهه إذاً لتتوفر الرؤية الواضحة لابد أن ينطلق الجهاد من خلفيات ثقافية تعنى بشكل أساسي بتشخيص الهدف الذي يقاتل من أجله المجاهد , فينبغي على المجاهد في سبيل الله أن يكون لديه من وضوح الرؤية ما يمكنه من تشخيص مسار الجهاد , ضد من ولماذا , والعدو الحقيقي من العدو الوهمي وغيرها من الأمور وهذا ما سنشير أليه بشيء من التفصيل.
من هو العدو الحقيقي
تقع الكثير من الجهات التي ترفع راية الجهاد في الشبهات, وتصنف الأعداء من دون أن تسند لمبرر من الشرع المقدس , وهذا ما يحرف مسارها من الدفاع عن الأمة ومصالحها إلى الإضرار بالأمة وتشكيل خطر إضافي عليها .
ومن أبرز المصاديق لهذه الجماعات ما يسمى بالتكفيريين كالنصرة وغيرها من الفصائل المقاتلة في سوريّة , والذين اتخذوا من الكثير ممن يخالف معتقدهم المذهبي وليس الديني وهواهم السياسي موقفاً بإخراجهم من رقبة الدين , والحكم بجواز قتلهم فأساءوا بذلك للجهاد والإسلام وأصبح من الواجب أن ننبه إلى خطورة انحراف مسيرة الجهاد والمقاومة عن المسار الحقيقي. ولهذا ينبغي أن نلجأ للإسلام الحقيقي لمعرفة من هو العدو الذي ينبغي أن نجاهده ونقاومه وما هي الطرق الصحيحة والشرعية للجهاد وما هي الضوابط التي ينبغي الالتزام بها في الجهاد.
العدو الحقيقي هو الذي يشكل تهديداً من خلال أمرين :
• الهجمة العسكرية : ينبغي في هذا الإطار أن تهب الأمة جمعاء لمقاومة هذا الغزو والدفاع عن الأرض والعرض و الكرامات وهذا حق للإنسان تكفلت بمنحه إياه الشرائع السماوية والقوانين الوضعية
.
• الهجمة الثقافية : ينبغي أن تجابه بالعلم والفكر والحوار البناء الساعي للوصول للحقيقة , بدون استعلاء ولا مراء , وللجهاد الثقافي دور هام ويتم بأساليب في غاية المرونة , وهو أشبه ما يكون بالطب من حيث الاهتمام والحرص والمدارة , وهو ما يسمى بالتبليغ .
نحن نعيش في زمن سقطت فيه الأقنعة وظهر الأعداء بشكل واضح وعلني , ولا نحتاج لكثير من الوعي لتشخيص العدو المتمثل بالاحتلال الأمريكي والصهيوني , فالإدارة الأمريكية التي تعمل وفق أولوية الحفاظ على الكيان الصهيوني في منطقتنا كشرطي يمنع من قيام الأمة ويسيطر عليها ويستعبدها عسكرياً وسياسياً واقتصاديا. فلا شك بأن هذه الإدارة هي العدو الذي يجب جهاده لا التعاون معه .
وكذلك الجرثومة الأدوات بيد هذه الإدارة ـ كإسرائيل وغيرها من الدول العربية والأوربيّة ـ , وهذا ما رأيناه كلياً في حرب تموز 2006م وفي الحرب على سوريّة . والتي بذلت فيها كل الإمكانات العسكرية والسياسية للقضاء على النبض الحي للممانعة والعالم الإسلامي والعربي
الخاتمة
في الختام سوف نطرح العديد من التساؤلات تحت عنوان لمصلحة من:
• ضرب وتعطيل بطاريات الدفاع الجوي ؟ إذ أن (المجاهدين ) لا يملكون طائرات والجواب لمن يمتلك سلاح جو معاد في هذه المنطقة
• استهداف الجيش العربي السوري جيش الدولة العضو ـ سابقاً ـ في منظمة المؤتمر الإسلامي والجواب لمصلحة الجيش الإسرائيلي الدولة الغير عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي
• إضعاف سوريّة اقتصادياً
• ضرب البنى التحتية
• سرقة المعامل
• استهداف المدنيين بالمفخخات وغيرها
• قطع الطرقات والسعي بالأرض فساداً
• الاغتصاب والسبي والفتاوى القذرة التي تبيح ذلك
• رفض الحوار والإصرار على عسكرة الأزمة
• استباحة الدم الحرام
والكثير الكثير من التساؤلات . هذا ( الجهاد ) هدفه إضعاف المحور المقاوم لمشاريع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية لذلك تعد هذه القطعان ـ المجاهدة ـ خارجة عن القانون , خارجة عن الشرع , خارجة عن العرف , خارجة عن المجتمع , خارجة عن القيم , خارجة عن الأخلاق .
هي تقاتل بالنيابة عن إسرائيل. من يقاتل إسرائيل؟
18 أيار 2013