هل نستحق أن نكون سوريون؟
محمد الشيخ علي*
البارحة كنت على اتصال مع بعض الأخوات والاخوة اليائسين لأكثر من سبب أذكر منها:
• تأخر الحل
• الغلاء الفاحش
• دخول الدولة على خط رفع الأسعار كرفع سعر البنزين والغاز المنزلي وغيرها.
لكن هلّا وقفنا لنسأل أنفسنا ما هو مقدار حبنا لسوريّا قبل أن نقرر؟ لا أريد هنا أن أقف مدافعاً عن الأداء الحكومي السلبي بالقطع في بعض مناحيه ولكني أريد أن أوضّح بعض الأمور التي يمكن أن تغيب عن ذهن السوري, بل سأكتفي بتوضيح الأمور الثلاثة الآنفة الذكر:
تأخر الحل – الحل بيد الجيش العربي السوري – الحل لا يمكن أن يكون إلّا عسكرياً – لأننا ببساطة لا نتعامل على الأرض مع سياسيين ومخطئ كل من يظن أن المجموعات المسلحة وجبهة النصرة بل وحتى مجلس إسطنبول والإتلاف الموحد هم من السياسيين كي يكون الحل معهم سياسياً. جرياً على القاعدة أقول لنعرّفهم كي نعرفهم. المقاتلون المسلحون: هم مجموعة من اللصوص والشذاذ الفاسدين والمفسدين ـ سواء أكانوا سوريون أو غير ذلك ـ وبالتالي هم لا يريدون إسقاط دولة تمهيداً لقيام دولة أخرى ـ إمارة إسلاميّة ـ كما يظن البعض, إذ لا يمكن لأي دولة مهما كانت بدائيتها وجهلها أن تسمح بالانفلات الأمني على أراضيها, فهم إذا لا يسعون لذلك ولا يريدونه لأنهم ـ ببساطة ـ يستفيدون من واقع الفوضى كي يقوموا بما يقومون به من سرقةً واعتداء على الممتلكات الخاصّة والعامّة فبالتالي هم يسعون لإطالة أمد الصراع. السياسيون (اصطلاحاً أولياً) قطعان من المرتزقة القابعين في الفنادق الفخمة والمتربعين على أرصدة بنكية أغدقت على حساباتهم بالتالي والحال كذلك, لن يسعوا لتغيير هذا الوضع المريح بالنسبة لهم حتى لو كان على حساب دماء وأعراض وكرامة أبناء وطنهم وجلدتهم. وكما اعتدت ألّا ألق الكلام على عواهنه سأسوق ثلاث أدلة ـ بشكل أسئلة ـ ليبحث القارئ عن الإجابة التي لا شك سوف تقنعه بصوابيّة ما أقول.
• ما هو موقف السيّد جورج صبرا ـ المسيحي ـ من اختطاف المطرانين الكريمين في حلب وما مدى مشاركته في عملية الاختطاف تأسيساً على كلام له على قناة العربية يذكر فيه أنه يملك معلومات دقيقة عن العمليّة والجهة التي قامت بها؟
• ما هو موقف عبد الباسط سيدا ـ الكردي ـ من استهداف حزب العدالة والتنميّة التركي لمواقع وتجمعات حزب العمّال الكردستاني في تركيّا ـ حيث يقيم ـ وسوريّا والعراق؟
• ما هو موقف الإتلاف الموّحد مما يجري في المخيّمات السوريّة ـ الزعتري في الأردن ـ على سبيل المثال لا الحصر لأن الأحوال المعيشيّة والانتهاكات على الأعراض والكرامة والعنفوان السوري, متشابهة في كل المخيمات إن لم نقل متطابقة, ولماذا لم يقم هذا البطل الأسطوري المسمى بالإتلاف الوطني بأي خطوة ـ مهما كانت صغيرة ـ لتحسين الواقع المعيشي لسكان هذه المخيمات, ولما لم يقم بالدفاع عن الأعراض المنتهكة أمام الدول التي تقع هذه المخيمات على أراضيها؟
سياسيو المعارضة السوريّة لا يمتلكون أفقاً سياسياً ويتاجرون بالدم السوري والعرض السوري والكرامة السوريّة, لأنهم باعتقادهم ـ الميكيافلي ـ يظنون أنهم يزيدون أوراق الضغط على دول العالم من أجل التسريع بالتدخل لإسقاط الدولة, فالغاية تبرر الوسيلة في اعتقادهم.
الخلاصة:
نحن في سوريّا لا نتعامل مع سياسيين في المعنى المعرفي للكلمة بل مع مرتزقة وتجار ولصوص لذا الحل السياسي ـ الداخلي السوري ـ يجب أن يكون عسكرياً. سبب تأخر الحل العسكري أريد أن أستطرد برواية طرفة لا يكف السادة في الجيش الحر وجبهة النصرة وسياسيو الناتو من تزويدنا بها, تقول الفصائل المسلحة: ( إننا حررنا المنطقة الفلانيّة ), ممن؟! حررنا أراض سورية, من يد الجيش العربي السوري من يملك حلاً لهذه المعادلة فليسعفني, تونسيون وأفغان وشيشان وإردنيون وقطريون ومصريون وبعض السوريين يحررون أراض سورية من أيد سوريين, أليس هذا الأمر شر البليّة؟! مالك الحل العسكري وأعني الجيش العربي السوري لم يعتمد استراتجيات قتالية تعتمدها الجيوش الغازية في العادة, كاستراتيجيا الأرض المحروقة أو الاكتساح الناري, بل اعتمد استراتيجيا القضم المتدرج وهي كما نعلم, توقع عدداً أقل من المدنيين وعدداً أكبر من الشهداء في صفوف الجيش الذي يعتمد هذا الاستراتيجيا, التي تأخذ الكثير من الوقت والجهد كما لا يخفى . وتأكيداً على أن الجيش اعتمد استراتيجيا القضم المتدرج سوف أسوق دليلاً واحداً يكفي أن يضيء الطريق لكل شاك أو متردد أو ملتبس:
• ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما يقارب المائة ألف قتيل سقطوا في سوريّا منذ اندلاع الأحداث, وفي التقارير الإخبارية على جميع قنوات سفك الدم السوري يذكرون قصف الجيش للمدن بالطائرات الحربية والمدافع والدبابات والراجمات ولا يستثني طفلاً أو شيخاً أو امرأة. وبحساب بسيط نرى أن الأزمة السوريّة انطلقت في 17/ 3/2011 ونحن الآن في 24/5/2013 أي نحن نتحدث عن 798 يوماً فلو قسّمنا عدد القتلى المائة ألف على عدد الأيام فينتج معنا 1252 قتيل يومياً إن قسّمناهم على 14 عدد المحافظات السوريّة فينتج 90 قتيل يومياً في كل محافظة من ضمنهم شهداء الجيش وقتلى المسلحين. علماً أن في كل محافظة قرىً ومناطق ومدن يوزّع عليها التسعون فيكون الحد الأدنى واحد والحد الأعلى تسعة فهل يتناسب هذا الرقم مع ما يوّصف من قصف عنيف وصبيب ناري على المدن والقرى؟ وألا يعني هذا أن عمليات الجيش نوعيّة وتستهدف ملسحي الشتات فقط وبشكل دقيق؟ سبب تأخر الحل السياسي لم تنفك الدولة السوريّة ومنذ انطلاق الأزمة تدعو جميع الأطياف والمعارضات ـ لأننا لا نمتلك معارضة موحدة على قاعدة شعب كله زعماء أو كما قال المرحوم شكري القوتلي لجمال عبد الناصر رحمه الله شعب نصفه زعماء ونصفه حكماء ـ للحوار على قاعدة أساسها المصلحة السوريّة ودعت إلى انتخابات حرة للمجالس المحلية والبرلمان لكن هذه المعارضات لم تشارك لأنها ببساطة لا تريد الحل لا السياسي ولا العسكري, إنهم يريدون التدخل الأجنبي من أجل إنهاء الحالة السورية المقاومة وضمان حدود إسرائيل التي ما انفك رجال المعارضات من القمة إلى القاع سياسييها وعسكرييها بإطلاق عبارات الغزل والود لهذا الكيان المصطنع.
الغلاء الفاحش مشكلة الشعب السوري كمشكلة القيادة السوريّة مع المسلحين الذين لا يحملون الأسلحة وأعني تجّار الأزمة الذين لا يهتمون بوطن أو مواطن أو انتماء أو حتى دين أو أخلاق. هذه الخلايا النائمة والتي كانت تنخر جسد سوريا أيقظتها الأزمة لتطفو على السطح وتمارس جشعها وعدم أخلاقيتها وتكشف حقيقة الزيف الذي كنا نحياه في اعتقادنا الثقة والأمانة ببعض أو أكثر تجار سوريّة. الدولار تضاعف مقابل الليرة السوريّة ثلاث مرات على سعر صرف السوق السوداء لكن الأسعار تضاعفت 5% كحد أدنى و300% كحد أعلى كأسعار وسائل النقل الجماعي واللحوم الحمراء والبيضاء وغيرها من الخضار والفواكه والزيوت والسمون. أنا هنا لا التمس العذر للدولة لكني أعذرها لأنها لا تملك حلاً أمام نفوسنا الضعيفة: دعمت مادة الخبز فأصبحنا نبيعها على قارعة الطريق بمضاعفة السعر ثلاث مرات ونصف كحد أدنى, وضعت تسعير للنقل الجماعي فكفت شركات النقل عن تقديم خدماتها إلا بالسعر الذي تحدده هي لا الدولة ولا نريد أن نستعرض أكثر لأنه أكثر من الكثير وهنا أسأل وبالفم الملآن هل يستحق تجّار الأمة أن يكونوا سوريين؟ ما الحل؟ على الدولة أن تتدخل على صعيد النقل العام وتقدم خدماتها في مجال النقل الجماعي الخارجي والداخلي وبأسعار مدعومة وإحياء الشركات العامة للنقل الجماعي (الكرنك). والتفعيل الحقيقي لمنافذ بيع اللحوم والخضار وبأسعار منافسة تكسر احتكار تجّار الأزمة للسوق السوريّة.
دخول الدولة على خط رفع الأسعار أمام هذا الانفلات الاقتصادي الصاعق وهبوط الليرة السوريّة ـ وإن كان وهمياًـ أمام الدولار لجأت الدولة رفع سعر صفيحة البنزين والغاز المنزلي, لدعم الليرة السوريّة, وهو إجراء يمثل حل اقتصادي سليم من الناحية النظرية لكنه ـ من الناحية العملية ـ يمكن أن يشكل القشة التي تقصم ظهر البعير فطبيعة احتمال المواطن السوري بدأت بالتناقص على أرضية ما ذكرت آنفا وعلى الحكومة أن تتجه للحسم السريع على الصعيد الاقتصادي والمالي وتأمن الدعم من غير طريق دخولها ومشاركتها في الغلاء.
• رفع سعر صفيحة البنزين يؤدي إلى رفع أجور سيارات الخدمة في المدن.
• رفع سعر الديزل يؤدي إلى رفع أسعار شحن المواد التموينيّة والخضروات والفواكه لاعتماد الري على الديزل.
• رفع سعر النقل جواً زاد من العبء المادي على المواطن.
• عدم إيجاد البدائل من قبل الحكومة أدى إلى عدم مراقبة السوق وانفجار الأسعار بشكل جنوني.
• عدم ديناميكية الحكومة ومراعاتها ظروف المرحلة إذ أن سير وتسيير الأعمال ما زالت تحكمه لوائح السبعينات والثمانينات ولم تصدر لوائح استثنائية خاصة بالأزمة. كتنقلات الموظفين إذ أن الجهات المنقول إليها الموظف ما زالت تطلب نفس الأوراق (البيان المالي المؤشر من الرقابة ـ سلامة أجر ـ صورة مصدّقة من مركز العمل عن البطاقة الشخصيّة ـ انفكاك …. إلخ) التي كانت تطلبها قبل الأزمة وبشكل متتالي وليس دفعة واحدة مما يؤدي إلى انتظار الموظف شهوراً طويلة قبل أن يباشر عمله في المكان الجدير وضياع رواتبه وأجوره عن هذه الفترة وعلى حساب قرارات الحكومة أو لنكن منصفين الحكومات السابقة. البلد لمن صمد لا لمن شرد ونحن سوف نصمد لكن على الحكومة أن تقدم ما يساعد على الصمود إذ أن الميت لا يستفاد من صموده وعلى الحكومة ألّا تفكر بمنطق حكومة ومواطن فكلنا موطنون وكلنا سوريون وإن لم نصمد لا نستحق الانتماء لأمنا الحبيبة “سوريّا .”
* كاتب عربي سوري