ماذا وراء استطلاع الرأي في موقع روسيا اليوم؟
أمال وهدان
بدأ موقع روسيا اليوم منذ 4 أيام بتنفيذ استطلاعاً للرأي طالب فيها المشاركون بإبداء رأيهم حول من يمثل مصالح السوريين. وكانت الخيارات المتاحة هي:
– الجيش الحر
– المجلس الوطني السوري
– المعارضة الداخلية
– نظام الرئيس بشار الأسد
– لا أحد من هؤلاء
وقد وصل عدد المشاركون حتى اللحظة 480071 منهم 249987 (52.07%) ، المجلس الوطني السوري 17397 (3.62%)، المعارضة الداخلية 15816 (3.29%)، نظام الرئيس بشار الأسد 178429 (37.17%) ولا أحد من هؤلاء 18442 (3.84%).
ورغم كل التحفظات على الغاية والوسيلة قرر العديد من المواطنين السوريين المشاركة بالتصويت من أجل الفوز بنتيجة الاستطلاع كما حقق الجيش العربي السوري نصراً استراتيجياً في القصير أصاب الأعداء في الصميم.
خلفية تاريخية عن استطلاعات الرأي
رغم ان مفهوم الديمقراطية، أي حكم الشعب وفق قوانين أثينا، قديمة في التاريخ حيث لم يكن بالإمكان تحقيق شيء دون إقناع الشعب، طرح أرسطو مفهومه للديمقراطية بالقول: “أن الحاكم الذي يفقد دعم شعبه لا يمكن أن يبقى حاكماً”. وبالمقابل لم يعط أفلاطون أي قيمة للرأي العام لآنه كان يعتقد أن المجتمع يجب أن يحكم من قبل ملوك فلاسفة تفوق حكمتهم ومعارفهم تلك التي لعامة الناس. بينما مارس عمر بن الخطاب رضي الله عنه طريقته في استطلاع الرأي عندما كان يتخفى ويسير بين الناس ليعرف رأيهم به وبحكمه.
أما استطلاع الرأي الحديث فقد بدأت المجتمعات تستخدمه لدى نشوء وتطور الدولة الحديثة وتطور العلوم الاجتماعية والإنسانية. ونستطيع القول أن مصطلح استطلاع الرأي دخل حيز التداول منذ القرن الثامن عشر ليشمل كل مناحي الحياة كالسياسة والتجارة والصحة والدين والنشاط الاجتماعي.
استطلاع الرأي بين مفاهيم النظرية والتطبيق العملي
ومع تطور الدولة الرأسمالية وأساليب هيمنتها ازدادت علاقات تعاقدها مع الشعب تعقيداً وازداد تطويع الأغلبية من عامة الشعب لخدمة مصالح النخبة الرأسمالية. وتحول استخدام وسيلة مثل استطلاع الرأي من أجل تحسين ظروف الشعب إلى وسيلة للتلاعب بإرادته عبر تزويرها وتكريس هيمنة الرأسمال على مقدرات الشعب. ولهذا اخترعت النخبة الحاكمة في الدول الرأسمالية ما يسمى بشركات استطلاع الرأي وأوجدت لها نظريات وتطبيقات تعمل فقط من اجل الحفاظ على مصالحها. وهي تستخدمها في شتى المجالات الضرورية لتثبيت سطوتها مثل توجيه الرأي العام باتجاه أحد المرشحين قبل الانتخابات أو استطلاع الرأي في أداء الحكام بغية التلاعب بهم والضغط عليهم لتنفيذ أجندات معينة أو التأثير على سوق الأوراق المالية.
وعلمياً لا يمكن الركون إلى هذه الشركات من اجل الوصول إلى استطلاع وجهة نظر الجمهور في هذه القضية أو تلك بطريقة موضوعية لأن هذه الشركات لا تعتمد الموضوعية في عملها ولا تعمل من أجل الصالح العام بل من أجل النخبة الرأسمالية. لذا فمجمل استطلاعات الرأي تكون موجهة مسبقاً باتجاه النتيجة المطلوبة من خلال صياغة الأسئلة الموجهة.
تحليل استطلاع الرأي على روسيا اليوم
من المهم التأكيد بداية على أن موقف الاتحاد الروسي من الأحداث في الوطن العربي عامة وفي سورية خاصة لم يبنى فقط على المصالح القومية العليا لروسيا بل نابع أيضاً من نهج راسخ قائم على علاقات التعاون بين الدول واحترام سيادتها واستقلالها وعلى نبذ التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو تغيير نظامها السياسي بالقوة المسلحة أو من خلال أدوات مأجورة. إضافة إلى كل ذلك فإن تاريخ روسيا يمتد إلى عقود من علاقات التعاون مع الوطن العربي وتحديداً مع سورية.
وقد ترجمت هذه العلاقة في مجلس الأمن عندما وقفت روسيا بكل صلابة إلى جانب سورية واستخدمت حق النقض لصالحها ثلاث مرات مما جنبها الوقوع في مخالب حلف الأطلسي وعملائه في المنطقة. وبذلك تمكنت روسيا ومعها الصين من إفشال مخطط الأعداء ووضع حد لغطرستهم ومنع تكرار السيناريو الليبي المشين والمهين.
أما ما يخص فضائية روسيا اليوم التي نحترمها فهي تحاول الحفاظ على موضوعية ومهنية في أدائها لعملها لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن لا تقع في هفوات من خلال بعض موظفيها تماماً مثلما حصل في استطلاع الرأي الذي نحن بصدده. ويمكن أن نلخص مآخذنا الموضوعية والعلمية على هذا الاستطلاع بالآتي:
أولاً: أن نتيجة الاستطلاع هو ما يحققه الجيش العربي السوري في الميدان بتطهيره الأرض السورية من حثالات قطر والسعودية وأن كل نصر على الأرض يقربنا من تحقيق النصر النهائي في هذه الحرب الكونية على سورية.
ثانياً: الجهة المعنية بهذا التصويت هي الشعب العربي السوري المتمسك بوطنه رغم أهوال الحرب والعدوان الأطلسي الشيطاني. وغالبية هذا الشعب لا تملك أجهزة حاسوب متنقل ولا حاسوب مكتبي لتتابع عليه عملية التصويت علماً أن موقف غالبية هذا الشعب تم التعبير عنه بأكثر من طريقة ووسيلة. وهذه الوسيلة في التصويت تمنح من لا يحق له التصويت ممن هم في دول الأعداء أن تستخدم هذه الوسيلة في محاولة للإيحاء بأن غالبية المصوتين صوتوا للخيار الأول وهذا منافي للموضوعية وللواقعية.
ثالثاً: استخدام الشبكة العنكبوتية كوسيلة استطلاع للرأي هي خطأ علمي قاتل ولا يمكن الاعتماد إلى نتائجه. حيث بالأمكان أن يصوت الشخص أكثر من مرة ومن أكثر من جهاز.
رابعاً: أن هناك تحفظات علمية عديدة على استطلاعات الرأي التي تجرى عبر الهاتف بسبب توجيه الأسئلة الرامية إلى نتيجة محددة وهي معدة مسبقاً من قبل الشركة التي نفذتها لصالح جهة سياسية معنية بهدف سياسي معين.
خامساً: استخدام المصطلحات والإيحاء من أجل توجيه المستطلعين بالرأي وهذا لا يجوز علمياً. فكيف يمكن استخدام اسماء لجهات غير معترف بها لا شعبياً سورياً ولا دولياً مثل “الجيش السوري الحر” و”المجلس الوطني السوري” و”نظام الرئيس بشار الأسد”. وفوق هذا التجاوز تقوم بترتيب الخيارات بدءاً بالجهات الغير شرعية وتضع الخيار الرابع الشرعي بالأغلبية الشعبية والشرعية الدولية في الترتيب قبل النهائي. فكيف ممكن أن يكون المنشق عن الجيش والذي يستحق الإعدام وفق قواعد الجيوش المحترمة، والذي يستعين بكل أعداء الوطن بدءاً من واشنطن وانتهاءً بمستعمرة الصهاينة، أن يسمي نفسه جيشا وسورياً وحراً؟ وكيف يمكن لمجلس اتخذ من استنبول والدوحة مقراً له ولم يدخل دمشق منذ عقود ومرتهن قراره للدولة الأجنبية التي يعيش فيها أن يكون مجلساً ووطنياً وسورياً. وكيف ممكن لمن صاغ هذه الخيارات أن يصف النظام السياسي لدولة مستقلة وذات سيادة وشعب عريق يعد بالملايين وهي عضو مؤسس لجامعة الدول العربية (قبل أن تختطفها مشيخة قطر) وعضو فاعل في هيئة الأمم المتحدة وكل مشتقاتها ولها مؤسساتها وأجهزتها واقتصادها القوي المستقل (قبل ان دمره وسرقه العثماني الطوراني) يختصر كل ذلك ويدعوه: نظام الرئيس بشار الأسد! حتى أن الرئيس بشار الأسد الذي صوت له الشعب بالملايين في الأشهر الأولى من الحرب رداً على العدوان والأعداء يرفض أن تنسب هذه الدولة العريقة والقوية وذات الإرث الضالع في التاريخ إلى شخصه الكريم لأنه أولاً يحترم شعبه ويحترم دولته ويحترم ذاته.
سادساً: بعد انتصار جيشنا العربي السوري التاريخي في مدينة القصير وريفها بما تعنيه من مركز وثقل استراتيجي للأعداء استخباراتياً وعسكرياً وأمنياً ولوجستياً قد أدى إلى انهيار تحالف الأطلسي معنوياً وسياسياً وعسكرياً وأنه شكل نقطة ارتكاز وازنة من أجل استكمال عملية تطهير الوطن السوري من كل النفايات السامة التي قذفها إليه التركي والقطري والسعودي والصهيوني في حلب وإدلب وباقي محافظات الشمال، فإن تحالف الأعداء يريد أن يسجل نقاطاً في مرمى الدولة السورية للتعطيل على جنيف 2 فينفذ تفجيراته اليائسة في الأسواق الشعبية ويرتكب مذابح وحشية بحق المدنيين مثلما فعل في دير الزور. وها هو يحاول أن يسجل نقاطاً من خلال هذا الاستطلاع مقابل ما سجلته صحف بريطانية في استطلاع آخر يشير إلى حصول الرئيس بشار الأسد على 70% من الأصوات.
إذن، لا بد أن نضع علامة سؤال كبيرة على من يقف وراء هذا الاستطلاع للرأي في قناة فضائية صديقة للدولة والشعب السوري تاريخياً هي قناة روسيا اليوم التي نحترمها، ومن يريد توريط هذه القناة والإيحاء بأن روسيا قد غيرت موقفها الاستراتيجي من سورية ؟
13 حزيران 2013
البيرة-فلسطين المحتلة