البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من 1997 إلى 2005
لماذا يعشق المثقفون هذه “الديمقراطية “؟
أحمد الخميسي
ترددت كثيرا في أن أكتب في موضوع د. البرادعي وترشيح البعض له رئيسا، بل إني تجنبت هذه الكتابة عن عمد منذ أن طرحت القضية التي ما زالت على رأس أولويات حركة النخبة السياسية لأتفادي المنطق السخيف الذي يقول بأنك إن لم تكن مع البرادعي فأنت مع الحكومة.
من حق البرادعي بالطبع مثل أي مواطن مصري أن يرشح نفسه لأي منصب، لكن السؤال يتعلق بمدى صلاحيته وبوجود برنامج محدد سياسي واقتصادي لديه خارج إطار العبارات العامة التي أطلقها البرادعي عن نزاهة الانتخابات وتعديل الدستور والحكم الرشيد. تاريخ البرادعي هو تاريخ شخصية دبلوماسية شغلت منصبا رفيعا، وخلال ذلك صرح مرة واحدة بأنه ليس في برنامج إيران النووي ما يستحق التدخل، وردت كونداليزا رايس في حينه بأن البرادعي مجرد موظف في هيئة عامة وليس له أن يتدخل في السياسة وأن عليه أن يعرف حدوده. وأدهش البرادعي الجميع حين لم يعقب ولم يقدم استقالته، وهو موقفه ذاته عند غزو العراق بينما توفرت لديه معلومات بحكم منصبه بأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار. وحين تصب كل أقوال البرادعي في اتجاه تعديل الدستور، ونزاهة الانتخابات، فإنه يصب جهده في الاتجاه ذاته الذي تقنعنا به أمريكا من أن أساس مشاكلنا كلها ومصدر فرحتنا كلها هي
” الديمقراطية ” الشكلية، وليس غياب العدل الاجتماعي والفقر والأمية ووقف التنمية الصناعية والزراعية، والأخذ بالخصصة عمال على بطال. والمكتسبات الديمقراطية بالغة الأهمية لكن في إطار السعي للتنمية والخلاص من هيمنة صندوقي النقد والبنك الدولي، وإلا صارت ” ديمقراطية ” كتلك التي في العراق، أي تحت وطأة الدبابات صاحبة الصوت الأعلى في أي انتخابات.
والعجيب ألا تجد حركة النخبة السياسية بين صفوفها شخصية واحدة تتفق عليها فرقها وأحزابها بعد ربع القرن من الصحف والمقرات والعمل العلني. والعجيب ألا تجد النخبة
” المعارضة ” برنامجا لخلاص مصر من مشكلاتها إلا برنامج الثورة البرتقالية التى تغطي السماء بالألوان وتترك الواقع دون تغيير. المؤسف أيضا أن تقارن النخبة بين السيء والأسوأ، كمن يقارن بين الموت بالرصاص أو بحبل ناعم، ثم يلح في إقناعك بفائدة ” الحبل “! يعد البرادعي في معظم التصورات بشأنه بالديمقراطية ويضيف إن ما يسعى إليه هو دولة تقوم على “الحداثة والاعتدال والحكم الرشيد”. أما برنامجه الاقتصادي والسياسي فهو البرنامج ذاته الذي افتقر في ظله تسعة وعشرون مليون مواطن مصري يعيشون تحت خط الفقر. قل لهولاء إننا سنرشح شخصية تأتيكم بالحداثة!
وتشير الأرقام الحكومية الرسمية إلي أن هناك نحو 14 مليوناً من الشباب والفتيات أدركتهم العنوسة لاستحالة توفير مسكن، وأن نسبة حالات الطلاق بلغت أربعين بالمئة معظمها تحت ضغط المعاناة الاقتصادية، وأن نحو عشرين مليون فلاح يزرعون ثمانية مليون فدان يعانون من الجوع والاهمال. قل لكل أولئك إننا نحتشد لنأتي لكم ” بالحداثة ” وليس ببرنامج تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية، واسمع ما الذي سيقولونه لك.
المعطيات كثيرة وكلها تشير إلي ضرورة العثور على مخرج لكن ليس بالثورة البرتقالية. هل هي مصادفة أن يكتب ديفيد شنيكر بمجلة فوربس الأمريكية عن البرادعي بصفته ” أمل على ضفاف النيل ” ؟. وأن يصرح مسئول بالخارجية الأمريكية بأن واشنطن ترغب في “ظهور عملية سياسية تنافسية في مصر” ؟. نحن أيضا مع العملية التنافسية لكن ليس فقط من أجل مجرد ” تنافسية ” تكرس الأوضاع نفسها. لكن نخبة المثقفين تقيم المهرجانات لأنها تعشق هذه ” الديمقراطية ” التي يمكنك في ظلها أن تفتح فمك لتقول ما تشاء دون أن تجد طعاما تحشو به فمك أو مسكنا او علاجا أو تعليما. يعشق المثقفون هذه ” الديمقراطية ” لأن معظم صناعتهم ” الكلام ” والكلام يحتاج إلى صحف وأجور ومقالات وقنوات مرئية وسجالات، فمن كل ذلك تتشكل مصادر دخل خاصة مع دعم المؤسسات الأمريكية المالي لما يسمى المنظمات الخاصة. وهذه “الديمقراطية ” هي خبز عدد كبير من المثقفين.
أما غالبية الشعب المصري فإنها لا تستطيع أن تصبح كتابا وصحفيين ومؤسسي جماعات نوعية، ولهذا فإن تلك الغالبية تبحث عن حل آخر – خارج أطراف المعادلة – لمشكلاتها الكبيرة الحقيقية المؤلمة.
* كاتب مصري
مجلة الوعــي العــربي