التسوية صناعة امريكية
المفاوضات و تصفية قضية فلسطين
د. غازي حسين
ـ مقدمة تاريخية
ـ تداعيات حرب حزيران العدوانية عام 1967.
ـ ياسر عرفات والمفاوضات.
ـ إدارة ريفان والمفاوضات.
ـ المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 وتلبية الشروط الأمريكية.
ـ المفاوضات السرية وولادة اتفاق الإذعان في أوسلو.
ـ توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو
ـ مراحل المفاوضات وصناعة السلطة الفلسطينية.
ـ خطورة السلطة ورؤية الدولتين.
ـ المفاوضات الراهنة ورئيس السلطة الفلسطينية.
ـ إدارة أوباما والمفاوضات.
ـ الموقف الوطني الفلسطيني من المفاوضات.
ـ الموقف الصهيوني من المفاوضات.
ـ المفاوضات وموقف أوباما ومبارك وعباس.
ـ الموقف الإسرائيلي الحالي من المفاوضات.
ـ خطاب أوباما الأول.
ـ خطاب نتنياهو أمام الكونغرس.
ـ خطاب أوباما الثاني.
.التسوية الامريكية و تصفية قضية فلسطين.
مقدمــة تاريخيــة
فلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ، سكنتها القبائل الكنعانية (العربية) منذ العصر الحجري وعرفت بأرض كنعان وبسورية الجنوبية.
تبلور المخطط الاستعماري والصهيوني لفلسطين وبقية الوطن العربي في تقرير كامبل عام 1907 وفي اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر الحلفاء في سان ريمو الذي قرر وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
بدأت الجذور التاريخية للصراع مع الغرب في حروبه الفرنجة والرواسب التي خلفتها ومرحلة الاستعمار الأوروبي للعديد من البلدان العربية وظهور الصهيونية وارتباطها الوثيق بمصالح الدول الاستعمارية ومعاداتها لحقوق ومصالح الشعب العربي وإعلانها الحرب على العروبة والإسلام.
بدأ المشروع الصهيوني كجزء من المشروع الاستعماري للهيمنة على الوطن العربي، ويعمل الكيان الصهيوني حالياً بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الإمبريالية الأمريكية على تفتيت البلدان العربية إلى دويلات طائفية وعرقية وقيادة هذه الدويلات من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لأمركة الوطن العربي وصهينته ومسح هويته الحضارية العربية الإسلامية تستند الأمة العربية في موقفها من عروبة فلسطين إلى:
ـ الحق التاريخي للعرب فيها، فالغرب سكان فلسطين الأصليون وأصحابها الشرعيون.
ـ بطلان وعد بلفور ونظام الانتداب وعدم شرعية تقسيم فلسطين.
ـ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم.
إن مرور مئات السنين لا يمكن أن يضفي الشرعية على كيان غير مشروع، لذلك يرفض الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية الوجود الصهيوني في فلسطين العربية الذي استند في إقامته على المزاعم والأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية ودعم الدول الاستعمارية، وأقيم باستخدام القوة وتكريس الأمر الواقع الناتج عنها.
بنى العرب رفضهم للتقسيم على اعتبارات تاريخية وقانونية ووطنية وقومية ورفضوا التنازل عن جزء من فلسطين لمجموعة بشرية غريبة عنها دخيلة عليها جاءت من وراء البحار لتقيم كياناً استعمارياً وعنصرياً، وجاء التقسيم نتيجة تخطيط وتنسيق وتعاون استعماري صهيوني تعويض عروبة فلسطين وإنشاء دولة يهودية عنصرية بمثابة أكبر غيتو يهودي عنصري في قلب المنطقة العربية ـ الإسلامية.
نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخطط الترحيل الذي وافق عليه المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في مدينة زيوريخ عام 1937 وعن لجان الترحيل التي شكلتا الوكالة اليهودية والحكومة الإسرائيلية.
ونشأت المشكلة من قرار التقسيم غير الشرعي والحرب العدوانية التي أشعلتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة عام 1948 والمجازر الجماعية التي ارتكبتها وتأسيس الكيان الصهيوني على أنقاض الشعب الفلسطيني.
واستغلت اليهودية العالمية معزوفتي اللا سامية والهولوكوست (المحرقة) لتبرير اغتصاب فلسطين وترحيل شعبها العربي.
إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حق أساسي من مبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نابع من حق المواطن في وطنه ومن حرية الملكية الخاصة، وهو حق شخصي لا تجوز فيه الإثابة أو التنازل ولا يسقط بتقادم الزمن، وحق جماعي أيضاً انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وهو حق شرعي وقانوني وعادل ومقدس.
ويتحمل الكيان الصهيوني المسؤولية القانونية والمادية والأخلاقية عن الترحيل والقتل والإبادة والاغتيالات، كما يتحمل المجتمع الدولي وبالتحديد الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأمم المتحدة مسؤولية النكبة واستمرار معاناة وعذابات ومصائب اللاجئين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم.
إن الشعب العربي الفلسطيني لم ولن يسلم أبداً بالاحتلال وباغتصاب أرضه وحقوقه ومقدساته ويرفض التوطين والوطن البديل، ويتمسك بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194 وأسوة بالتعامل الدولي.
تداعيات حرب حزيران العدوانية عام 1967:
المقاومة الفلسطينية هي نتاج بين الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وإرهابي وعنصري وإجلائي وبين العرب سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين لإقامة دولة اليهود وإسرائيل العظمى كأكبر غيتو يهودي عنصري في قلب الوطن العربي.
استولى في حرب العام 1948 على 78% من فلسطين، واحتل القدس الغربية، واستولى في حرب حزيران العدوانية عام 1967 على فلسطين بأسرها وسيناء والجولان، ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية وتطبيقاً لذرائع أمنية ودينية، وتحقيقاً للأطماع الاستعمارية الصهيونية ونظرية المجال الحيوي للصهيونية العالمية من النيل إلى الفرات، وذلك للهيمنة على الوطن العربي من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وللهيمنة على العالم من خلال سيطرة اللوبيات اليهودية على الرئيس والكونغرس الأمريكي.
حقق الكيان الصهيوني نجاحات عسكرية واستيطانية جراء الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي داخل الأمم المتحدة وخارجها، ونجح في كسر بعض الإرادات الرسمية العربية والفلسطينية ولكنه لم ينجح ولن ينجح على الإطلاق بكسر إرادة الشعب والأمة، للإيمان بعروبة فلسطين ولأن الصراع صراع وجود ولأن مستقبل كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي إلى الزوال.
قرر قادة الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية استغلال احتلال الأراضي العربية والدخول بالمفاوضات الثنائية المباشرة والسرية لتحقيق الأهداف السياسية لحرب حزيران العدوانية وتصفية قضية فلسطين عن سلطة الحكم الذاتيالفلسطينية كمصلحة إسرائيلية ومنقوصة الأرض والسكان والسيادة وتحقيق التطبيع الجماعي والاعتراف العربي.
ونجحت الولايات المتحدة في عهد اليهودي هنري كيسنجر وفضيحة ووتر غيت للرئيس نيكسون إخراج مصر من الصف العربي وتحويلها إلى كنز استراتيجي لإسرائيل على حد تعبير نتنياهو عن طريق اتفاقيتي كمب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وأخذ النظام المصري يلعب دور الوسيط والسمسار لتحرير المشروع الأمريكي ـ الصهيوني، وحقق الرئيسان كارتر والسادات الحلم الذي راود بن غوريون بإخراج مصر من المواجهة مع الكيان الصهيوني، وأصبح النظام المصري والرئيس المخلوع حسني مبارك من أخلص حلفاء الكيان الصهيوني على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
ياسر عرفات والمفاوضات:
جرت المفاوضات وتجري حسب المخططات والإملاءات الإسرائيلية وبرعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، وبدعم وتأييد كاملين ممن أسمتهم رايس بمحور المعتدلين العرب، وانخرط فيها ياسر عرفات ومحمود عباس عن قناعتهما التامة بالدور الأمريكي والتسوية السياسية.
ساد في فتح منذ التأسيس اتجاهان: الأول: يؤمن بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
والثاني: نادى بكفاح المسلح من أجل التحريك للتوصل إلى تسوية بالمفاوضات بالرعاية الأمريكية.
رفع ياسر عرفات في الستينات من القرن الماضي شعار توريط البلدان العربية في حرب مع إسرائيل، وفلسطنة قضية فلسطين وفصلها عن بعديها العربي والإسلامي والقرار الفلسطيني المستقل.
وبعث في اليوم الرابع لحرب تشرين التحريرية عام 1973 برسالة سرية إلى كيسنجر يبلغه فيها رغبته في الدخول بالمفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية لقضية فلسطين.
وحمل عرفات المجلس الوطني الفلسطيني على الموافقة على البرنامج المرحلي في عام 1974 لإقامة دولة في الضفة والقطاع.
ووافقت القمة العربية في الدار البيضاء في العام نفسه على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتوجه عرفات في نهاية أيلول 1974 على رأس وفد فلسطيني إلى الأمم المتحدة (وكنت أحد أعضاء الوفد الفلسطيني آنذاك) وطرح فكرة إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين.
أعلن كيسنجر بعد اتفاقية سيناء الثانية عام 1975 أن الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع منظمة التحرير شريطة أن تعترف صراحة وعلناً وسميا كبار إسرائيل وبالقرارين 242 و338 وتتخلى عن المقاومة وتدينها.
طرح مناحيم بيغن عام 1977 مشروع الحكم الذاتي الفلسطيني، ومارست إدارة ريغان الضغوط على الملك حسين لحمله على الدخول في المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني انطلاقاً من مبادرة الرئيس ريغان التي طالب فيها إنشاء حكم ذاتي فلسطيني في الضفة والقطاع وارتباطه مع الإرادة.
حاولت الولايات المتحدة تعميم كمب ديفيد على الساحة اللبنانية ففجرت بالتعاون مع العدو الإسرائيلي الحرب الأهلية في لبنان (بعد اتفاقية سيناء الثانية مباشرة)، ودعمت الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وحملت الرئيس أمين الجميل على توقيع اتفاق 17 أيار 1983، ونجحت القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية بدعم وتأييد كاملين من سورية في إلغاء اتفاق الإذعان في 17 أيار.
إدارة ريغان والمفاوضات:
MsoNormal” styletext-align: right;”>حددت إدارة ريغان الشروط الأمريكية للتعاون مع منظمة التحرير كما يلي:
ـ معارضة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لذلك جاء الاتفاق الذي وقعه عرفات مع الملك حسين في 11 شباط 1985 ينص على الكنفدرالية.
ـ معارضة الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال، لذلك جاء إعلان القاهرة الذي فرضه الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووقعه عرفات في 7 تشرين الثاني 1985 يتضمن شجب منظمة التحرير الفلسطينية وإدانتها لجميع العمليات الإرهابية، ووقف عمليات المقاومة داخل الكيان الصهيوني.
ـ وأعلن عرفات استعداده إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني استجابة لطلب الإدارة الأمريكية، وتخليه عن الكفاح المسلح وإدانته.
ـ والدخول بمفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني.
ـ والتفاوض مع العدو على أساس مبادرة ريغان واتفاق عمان وإعلان القاهرة.
نجحت الولايات المتحدة في ترويض وترتيب ياسر عرفات رئيس فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وموافقته على بعض الأسس المفصلية التي يطالب بها العدو الصهيوني للتوصل إلى تسوية برعايتها لتحقيق الأهداف السياسية لحرب حزيران العدوانية.
وأدى الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وتوقيع ياسر عرفات مع فيليب جيب مبعوث الرئيس ريغان اتفاقيات خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت وتحويل منظمة التحرير من منظمة مقاتلة إلى منظمة سياسية وضعت جميع أوراق الحل في السلة الأمريكية.
وتسبب خروج المنظمة ومقاتليها من بيروت وتوزيعهم في تونس والجزائر والسودان واليمن إلى إضعاف مكانة منظمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات.
استغلت الولايات المتحدة و«إسرائيل» مكانة عرفات وأجريا معه الاتصالات السرية، ووافق على الشروط التي وضعها اليهودي كيسنجر لبدء الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير في دورة المجلس الوطني بالجزائر عام 1988، وبدأت بعدها المفاوضات السرية مع أحمد قريع ومهندس اتفاق أوسلو محمود عباس وياسر عرفات في أوسلو.
المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988
وتلبية الشروط الأمريكية
انعقدت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 12/11/1988 في الجزائر، وقرأ عرفات في ختامها بتاريخ 15/11/1988 إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين، وصدر عن المجلس ثلاث وثائق أساسية:
1 ـ إعلان دولة فلسطين.
2 ـ إعلان تشكيل الحكومة المؤقتة.
3 ـ والبيان السياسي الذي حدد الخطوات السياسية لمنظمة التحرير في المرحلة القادمة.
تضمنت مقدمة البيان السياسي التوجه السلمي لمنظمة التحرير لحل قضية فلسطين، وضرورة انعقاد المؤتمر الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة وعلى قاعدة قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
ربط البيان السياسي العلاقة المستقبلية بين دولتي الأردن وفلسطين بالكونفدرالية، وتضمن البيان رفضاً للإرهاب بكل أنواعه والالتزام بإعلان القاهرة عام 1985 الذي فرضه الرئيس المخلوع حسني مبارك على ياسر عرفات.
عقد عرفات دورة المجلس الوطني في الجزائر لتحقيق المطالب الأمريكية لبدء الحوار الأمريكي الفلسطيني كمقدمة لبدء الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي فيما بعد، لذلك أعلن عرفات في مؤتمره الصحفي في ختام أعمال دورة المجلس «أن دورة الجزائر هي دورة من أجل السلام، إذا كانت الولايات المتحدة و«إسرائيل» ترغبان في السلام».
وأكدت مجلة وول ستريت جورنال هذا الهدف قائلة: «إن الخطوات التي اتخذت في الجزائر كانت موجهة لواشنطن».
وكتبت مجلة دير شبيغل الألمانية قائلة: «إن قبول منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود وبالقرارين 242 و338 ونبذ الإرهاب تكون قد وافقت بالشروط الأمريكية الثلاثة التي فرضها كيسنجر».
اعتبرت الولايات المتحدة أن قرارات الجزائر خطوة جيدة ولكنها لا تفي بحاجات عملية التسوية، وهي خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، خطوة إلى الأمام بسبب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل وبالقرارين 242 و338 والتنديد بالعنف والإرهاب، وخطوة إلى الوراء بسبب إعلان الدولة المستقلة والتمسك بحق تقرير المصير.
قدمت دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر تنازلات جوهرية مست صميم قضية فلسطين والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين العربية، ووضعت استراتيجية جديدة لمنظمة التحرير استجابت فيها للعديد من الشروط الأمريكية والإسرائيلية.
وعلى الرغم من ذلك تابعت إدارة ريغان ضغطها وابتزازها على ياسر عرفات واعتبرت أن قرارات المجلس غير واضحة وغير كافية لبدء حوار أمريكي ـ فلسطيني، لأن منظمة التحرير لم يعترف صراحة وجهاراً بإسرائيل وأن القرارات غير كافية وتحمل غموضاً والتباساً ولا تتضمن اعترافاً واضحاً وصريحاً بإسرائيل.
واعتقد عرفات بعد قرارات الجزائر أن الولايات المتحدة ستفتح له أبوابها على مصراعيها، ولكنها رفضت في 26/11/1988 منحه تأشيرة دخول للأمم المتحدة لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة في نيويورك، لأنها اعتبرت القرارات غير مستوفية للشروط الأمريكية، فقررت الجمعية العامة نقل مناقشات قضية فلسطين إلى جنيف ليتمكن عرفات من إلقاء خطابه المتضمن الموافقة على الشروط الأمريكية.
وألقى خطابه في 13/12/1988 وطرح فيه مبادرة السلام الفلسطينية وجاء فيه: «إنني كرئيس لمنظمة التحرير أعلن من هنا مرة أخرى أنني أدين الإرهاب بكل أشكاله، ولاقى خطابه القبول والاستحسان من جميع الدول الغربية ما عدا الولايات المتحدة، حيث علق جورج شولتس وزير الخارجية الأمريكي قائلاً:
«لم يكن (الخطاب) كافياً ولا يلبي الشروط الأمريكية، وقال الرئيس ريغان: «نحن نريد كلمات أكثر وضوحاً وأكثر تحديداً».
وفي اليوم التالي لإلقاء الخطاب أي في 14/12/1988 عقد عرفات مؤتمراً صحفياً قرأ فيه بيان جنيف بالإنكليزية كما كتبه شولتس والذي تضمن الاستجابة الحرفية للصيغة التي طلبتها إدارة ريغان، وكرر عرفات فيه إدانته ورفضه للكفاح المسلح والتخلي عنه، وأن الرغبة في السلام استراتيجية وليس تكتيكاً.
ولن يتراجع عنها إطلاقاً، وأن القرار 181 أساس الاستقلال، وأن القبول بالقرارين 242 و338 كأساس للمفاوضات مع إسرائيل.
وعلى الفور أصدر الرئيس ريغان في اليوم نفسه قراراً نص على فتح الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير ووجه شولتس في اليوم نفسه أيضاً رسالة إلى بيرس وشامير يقول فيها أن منظمة التحرير قبلت بالقرارين 242 و338 واعترفت بصورة واضحة بحق «إسرائيل» في الوجود ونبذ الإرهاب، لذلك نعتزم بدء الحوار معها.
وأكد الرئيس ريغان أن الهدف من الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير هو مساعدة إسرائيل على تحقيق الاعتراف بها والأمن لها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة.
المفاوضات السرية وولادة اتفاق الإذعان في أوسلو
وصل عرفات في بداية العقد الأخير من القرن العشرين إلى حافة السقوط والانهيار بسبب فرديته واستبداده وغياب القيادة الجماعية في منظمة التحرير ومؤسساتها بسبب هيمنة فتح وحدها عليها، وبسبب انتشار الفساد والإفساد فاضح ومنظمة التحرير واستغلال الكفاح المسلح والمقاومة من أجل التحريك وليس التحرير وللانخراط في التسوية الأمريكية والمشروع الأمريكي ـ الصهيوني لتصفية قضية فلسطين وحل مشاكل «إسرائيل» وأزماتها.
وجاء تأييد عرفات لاحتلال الكويت ليدمر مكانة الإنسان الفلسطيني في الكويت وبقية دول الخليج، وفقدان منظمة التحرير لدولارات دول النفط العربية.
تأكد العدو الصهيوني من قصف مكانة عرفات وخشي من انهيار زعامته، فأسرع وفتح معه قناة أوسلو السرية على الرغم من وجود الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن برئاسة حيدر عبد الشافي والذي انبثق عن مؤتمر مدريد عام 1991.
وكان عرفات مستعداً للتنازل عن بعض ثوابت النضال الفلسطيني، بل وأعلن في آخر اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح في بيروت قبل الخروج منها قبوله بالحكم الذاتي الفلسطيني الذي طرحه بيغن في عام 1977.
وعندما قال له الشهيد أبو جهاد خليل الوزير أن الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير لا يوافقان على ذلك أخذ يكيل الشتائم البذيئة للشعب وقال له قلمي ده هو منظمة التحرير، وبالتالي وافق عرفات على الشروط الأمريكية لبدء الحوار وعلى الحكم الذاتي الفلسطيني وتنازل عن أهم الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني مقابل الاعتراف بزعامته وبسلطته ولو في دويلة منقوصة السيادة والأرض والكيان والحدود وعلى الورق.
حضر أحمد قريع في بداية كانون الثاني 1993 اجتماع لجنة المفاوضات المتعددة الأطراف في لندن، وجرى خلال انعقاد الاجتماع ترتيب لقاء بينه وبين يائير هيرشفيلد عضو الوفد الإسرائيلي، واقترح هيرشفيلد على قريع متابعة المباحثات في النرويج، طرح قريع الأمر على محمود عباس فوافق وعرض عليه أن يصطحب معه حسن عصفور من مكتبه لتسجيل محضر الاجتماع.
وصل إلى تونس مقر ياسر عرفات وعلى الفور في منتصف كانون الثاني 1993 عميل الموساد النرويجي تبدي رود لارسن ومعه زوجته الشقراء مونا مديرة مكتب وزير خارجية النرويج، ونظم قريع لهما موعداً مع ياسر عرفات، وطلب عرفات في اللقاء من لارسن إيجاد قناة خلفية للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية المتعثرة في واشنطن وقيام النرويج بدور الوساطة بين منظمة التحرير و«إسرائيل».
وكانت مفاوضات واشنطن بين الوفدين الرسميين الفلسطيني والإسرائيلي قد وصلت إلى الطريق المسدود بسبب إيمان الوفد الإسرائيلي بالاستعمار الاستيطاني وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني الواردة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
سافر قريع وحسن عصفور وماهر الكرد إلى أوسلو بتاريخ 20/1/1993، ووصل إليها أيضاً ريائير هيرشفيلد ورون بونديك من تل أبيب، ودارت حتى 8/5/1993 خمس جولات من المفاوضات، وانضم أوري سافير المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الجولة السادسة في 21/5/1993.
والتحق المحامي الشهير يوئيل سنجر إلى الجولة السابعة في 13/6/1993 لمهارته في صياغة الاتفاقات.
وتوصل الجانبان إلى اتفاق أوسلو في الجولة الثانية عشرة بتاريخ 17/8/1993 حيث وصل شمعون بيرس إلى أوسلو وقاد الجولة الختامية للمفاوضات.
وكان عرفات وعباس وياسر عبد ربه ومحسن إبراهيم يتابعون المفاوضات في تونس والجنرال رابين في تل أبيب، وبيرس والفريق الإسرائيلي المفاوض والفريق النرويجي في أوسلو مع قريع وحسن عصفور، وتوصلوا إلى الاتفاق الذي وقعه عرفات بالأحرف الأولى في 9/9/1993.
توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو
وقع عرفات اتفاق أوسلو في 9 أيلول 1993 برسالة وجهها إلى الجنرال رابين وجاء فيها: «أود أن أؤكد التعهدات التالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن منظمة التحرير الفلسطينية، إن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، وتوافق على القرار 242 و338 لمجلس الأمن، وتلتزم بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وبالمشاركة في إيجاد حل سلمي ينهي النزاع بين الطرفين وتعلن أن جميع المسائل المعلقة التي ترتبط بالوضع الدائم سيتم تسويتها عن طريق التفاوض، وتعتقد م. ت. ف أن توقيع إعلان المبادئ يعد حدثاً تاريخياً ينبئ ببدء عهد جديد من التعايش السلمي والاستقرار ومن ثم فإن م. ت. ف تتخلى عن الإرهاب وعن أي عمل من أعمال العنف وستتحمل المسؤولية بالنسبة لكل عناصر وموظفي م. ت. ف وتتعهد بتدارك أي انتهاك لهذه التعهدات وباتخاذ إجراءات تأديبية ضد أي مخالف لها».
وتؤكد أن مواد ونقاط الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود وأيضاً نقاط الميثاق التي تتعارض مع التعهدات الواردة في هذه الرسالة عديمة الأثر وغير سارية المفعول.
ورد الجنرال رابين برسالة تتكون من جملة واحدة وهي:
«رداً على رسالتكم المؤرخة في 9 أيلول 1993 أود أن أعلن لكم أنه على ضوء تعهدات م. ت. ف الواردة في هذه الرسالة فقد قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات مع م. ت. ف في المار مسيرة السلام في الشرق الأوسط».
ووقع محمود عباس إعلان المبادئ في 13 أيلول 1993 في البيت الأبيض بحضور الرئيس بيل كلنتون.
لم يعترف اتفاق أوسلو بالشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وجرى فيه تغييب القضايا الأساسية للصراع، وحدد سقفاً زمنياً مدته خمس سنوات، وانتهت المدة بدون نتيجة لقلع الاحتلال واستعادة الأرض والحقوق المغتصبة وأثبت حصاد أوسلو المر والمرير أن هذا الاتفاق فشل في تحقيق أية حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، فلا انسحاب للقوات المحتلة، ولا سيادة وطنية، ولا حق تقرير مصير ولا أية حقوق دولية أو إنسانية، واستمر العدو في الاستيطان والتهويد والقتل والتدمير والترحيل والتمرد على القرارات والمرجعيات الدولية.
ووجه عرفات رسالة إلى وزير خارجية النرويج في 9/9/1993 أكد فيها أن منظمة التحرير تشجع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وتدعوه إلى المشاركة في التدابير التي تؤدي إلى التطبيع ورفض العنف والإرهاب والإسهام في تحقيق السلام والاستقرار.
أخذ الكيان الصهيوني من ياسر عرفات كل ما أراده من اعتراف به والتزامات من منظمة التحرير ودون أن تعلم المنظمة أو الشعب بها.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من الويلات والمآسي والمصائب التي جلبها له اتفاق أوسلو الذي أنهى الانتفاضة الأولى، وأدى إلى إضعاف الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وتآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي.
كان الكيان الصهيوني يهدف من جراء توقيع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات بعد أن ابتزته إدارة رونالد ريغان تحقيق عدة أهداف منها:
أولاً: نسف المقاومة والميثاق الوطني وبرنامج فصائل منظمة التحرير.
ثانياً: تحويل حركة فتح من حركة تحرر وطني إلى سلطة تخضع لدولة الاحتلال.
ثالثاً: الاعتراف باغتصاب الكيان 78% من فلسطين العربية وبدون اعترافه بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
رابعاً: إنهاء عرفات للانتفاضة بعد أن عجزت «إسرائيل» ووقف المقاومة وتكريس الاحتلال والاستيطان وتهويد المقدسات.
اندلعت الانتفاضة الأولى بعفوية شعبية، وفشل العدو الصهيوني في القضاء عليها، واهتزت قيادة عرفات بسبب استبدادها وفسادها وفرديتها وتفريطها بالثوابت الفلسطينية واستعدادها للاعتراف بالكيان الصهيوني.
فأسرع العدو الصهيوني وفتح قناة أوسلو السرية من وراء ظهر الشعب الفلسطيني.
وأنقذ اتفاق الإذعان قيادة عرفات من السقوط والانهيار بسبب الدعم الأمريكي والأوروبي ومحور الاعتدال العربي لها، وأدان المقاومة وتخلى عنها ونعتها بالإرهاب وتعهد بمعاقبة رجالها من خلال التعاون الأمني مع الاحتلال.
وأقام سلطة الحكم الذاتي والتي أسماها بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في تاريخ البشرية، وجلبت له سنوياً أرباحاً هائلة من خلال التعاون التجاري معه ومن خلاله، ومن خلال اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقعه أحمد قريع.
ووصف بيرس اتفاق أوسلو بأنه ثاني أكبر انتصار في تاريخ الحركة الصهيونية، واعترف بيرس في مقابلة مع جريدة دافار بأنه هو الذي وضع اتفاق أوسلو وأعطاه للرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي قام بتسويقه إلى عرفات بذريعة أنه اقتراح مصري وعليه القبول به ويقول بيرس في المقابلة المذكورة حرفياً بأن الفلسطينيين قدموا إليّ اقتراحي على أنه اقتراح فلسطيني فوافقت على اقتراحي الذي صغته.
مراحل المفاوضات وصناعة السلطة الفلسطينية
مرت المفاوضات السرية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في عدة مراحل منها:
المرحلة الأولى: توقيع الجنرال رابين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 9/9/1993 وتوقيع محمود عباس ورابين إعلان المبادئ في البيت الأبيض بتاريخ 13/9/1993 وكان رابين على استعداد لتقاسم الضفة الغربية المحتلة مع منظمة التحرير كشريك في التسوية التي تصفي قضية فلسطين لصالح المشروع الصهيوني وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
المرحلة الثانية: بعد اغتيال رابين والتردد الإسرائيلي في تحقيق ما كان على استعداد لتحقيقه بالتخلي عن المدن وبعض المناطق الأخرى من الضفة لمنظمة التحرير وأخذ مناطق معينة منها وضمها للكيان الصهيوني.
المرحلة الثالثة: مجيء شارون وطرحه الحل الأحادي بالتخلص من المناطق ذات الكثافة السكانية، كالانسحاب من غزة، وطرح مشروعه للتسوية عام 2001 لإقامة دويلة فلسطينية على 40 ـ 45% من مساحة الضفة الغربية، وتقاسم الوظائف بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وظهرت رؤية الدولتين في فلسطين التاريخية من مشروع شارون للتسوية التي أخذها بوش من المشروع المذكور.
المرحلة الرابعة: المفاوضات التي جرت بين أولمرت وليفني من جهة ومحمود عباس وأحمد قريع من جهة أخرى وتم فيها الاتفاق على تبادل الأراضي والتشطيب على حق العودة وإبقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمة للكيان الصهيوني والتعاون الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
المرحلة الخامسة: وهي المفاوضات التي جرت وتجري بين نتنياهو ومحمود عباس للتوصل إلى الحل النهائي وإنهاء الصراع بالشروط والإملاءات الإسرائيلية وبالرعاية الأمريكية المنحازة للعدو الصهيوني وبتغطية من لجنة المتابعة العربية ومن أسمتهم كونداليسا رايس وليفني وأولمرت بالمعتدلين العرب لحل مشكلة إسرائيل وأزماتها وتخليد وجودها في المنطقة.
فشلت الولايات المتحدة والرباعية الدولية والمجتمع الدولي في إلزام نتنياهو بوقف سرطان الاستعمار الاستيطاني الخبيث، وجدار الفصل العنصري، ووقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعقوبات الجماعية والحصار الجائر على قطاع غزة وتهويد المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية.
عملت السلطة التي ترأسها عباس بصلاحيات المجالس البلدية وتوطيد التعاون الأمني مع أجهزة الاحتلال لوأد الانتفاضة الثانية واجتثاث المقاومة المسلحة، وإضعاف الحركة الوطنية وإنهاء الصراع عن طريق تقديم التنازلات المستمرة.
وبالتالي وقعت منظمات المقاومة تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الأسوأ في التاريخ البشري، وتحت نير الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالح الاحتلال وأمن المستعمرات والمستعمرين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووقعت المقاومة تحت بطش أجهزة السلطة نهاراً وقوات الاحتلال ليلاً، وارتمت السلطة في عهد محمود عباس وسلام فياض ومحمود دحلان وجبريل في أحضان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
خطورة السلطة ورؤية الدولتين
نتجت السلطة عن توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو وملحقاته، وقامت بإدارة الضفة والقطاع بصلاحيات المجالس البلدية، وتوطيد التعاون الأمني مع أجهزة الاحتلال الأمنية، وأجهضت الانتفاضة الأولى والثانية، وأضعفت الحركة الوطنية في الضفة الغربية ومقاومة الاحتلال تطبيقاً لاتفاق أوسلو والمرحلة الأولى من خارطة الطريق، وفشلت في تعزيز العمل الوطني وحماية الوطن وحياة المواطن وممتلكاته ومقدساته.
وكان هدف الكيان الصهيوني من إقامتها هو تحميلها للأعباء الملقاة على عاتق دولة الاحتلال بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وتوفير الأمن له داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل الكيان الصهيوني نفسه، وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية حتى القضاء عليها.
إن التخلي عن خيار المقاومة وإدانتها ومعاقبة رجالها وتبعية السلطة للولايات المتحدة أدى إلى خضوعها المستمر في المفاوضات العبثية إلى الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وتبنيها وتبريرها والدفاع عنها وتقديم التنازل تلو التنازل عن الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني.
وأصبحت السلطة في رام الله العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني وخيار المقاومة وتحرير القدس وفلسطين التاريخية وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
جرى تشكيل السلطة وصناعتها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاستيطانية لحرب حزيران العدوانية التي شنها العدو عام 1967، ونجحت الإدارة الأمريكية بتوفير غطاء عربي عن طريق من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب، لدعم تنازلات رئيس السلطة الفلسطينية عن الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، وساعد الموقف العربي الرسمي المتخاذل بقيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك وبلجنة الجامعة العربية على تقديم السلطة للمزيد من التنازلات عن عروبة فلسطين.
وظهر بجلاء أن مسار المفاوضات التي أجرتها السلطة خلال عشرين عاماً من التفاوض قد ألحق أضراراً جسيمة بالأرض والمقدسات والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب والأمة، وأصبحت السلطة العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني، وأصبح وجودها ووجود أجهزتها الأمنية مصلحة إسرائيلية لخدمة الاحتلال ومصالحه واستيطانه وتهويد القدس بشطريها المحتلين، وبالتالي فشلت فشلاً ذريعاً في وقف الاستيطان والتهويد وفي بناء مؤسسات فعالة لخدمة المواطنين وتوفير الأمن والحماية لهم، وغرقت هي ورموزها في عملية الفساد والإفساد وقمع المقاومة المسلحة وإضعاف الحركة الوطنية.
ووافقت على رؤية الدولتين التي طرحها بوش في خارطة الطريق وأخذها من مشروع شارون للتسوية، حيث يؤكد قادة العدو أن الهدف من إقامة دولة فلسطينية من خلال رؤية الدولتين هو الشطب الأوتوماتيكي لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وترحيل فلسطينيي الداخل من أم الفحم وغيرها إلى دولتهم الفلسطينية والاعتراف بيهودية الدولة.
ويسعى العدو الصهيوني من خلال الراعي الأمريكي للتسوية المنحاز كلية لحليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني إلى تخليد وجوده في قلب الوطن العربي من خلال إقامة دولة فلسطينية لمصلحة «إسرائيل» وبشروطها، دولة معازل عنصرية منقوصة الأرض والسكان والسيادة والحقوق ومحمية إسرائيلية لخدمة مصالح العدو في الوطن العربي.
وتعتقد أوساط إسرائيلية أن تحقيق فكرة الدولتين عن طريق المفاوضات العبثية يساعد الإدارة الأمريكية على إقامة تحالف معاد لحركات المقاومة ودول الممانعة وضد إيران والحد من التطرف الإسلامي في باكستان وأفغانستان.
ويعتقد الرئيس أوباما أن تحقيق رؤية الدولتين بإقامة دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» يخدم الأمن القومي الأمريكي وإنقاذاً لإسرائيل من نفسها.
أوغلت سلطة أوسلو في التفريط والتنازل والتبعية، مما جعلها أداة طيعة لتنفيذ ما تطلبه الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال حفاظاً على مصالحها ومصادر تمويلها وعلى حساب المصالح والحقوق الوطنية والقومية للعرب في فلسطين العربية.
عقد بوش قمتي شرم الشيخ و العقبة لانجاح المفاوضات
نجحت «إسرائيل» بحمل الرئيس بوش على الأخذ بمواقف حكومة شارون ورؤيتها للتسوية بعين الاعتبار، وموافقة الإدارة الأمريكية على التخلص من المرجعيات الدولية، أي جميع قرارات الأمم المتحدة، وحصرت المرجعية بخارطة الطريق، وبإشراف المخابرات المركزية على الشق الأمني، بينما تتولى أطراف الرباعية الثلاثة مهمة مراقبة القضايا الاقتصادية والقضائية والإصلاح المدني.
عقد الرئيس بوش القمة الأمريكية العربية في شرم الشيخ بتاريخ 3/6/2003 بحضور الرئيس مبارك، وولي العهد السعودي الأمير عبد الله، والملك عبد الله الثاني، والملك حمد بن عيسى ورئيس السلطة محمود عباس.
وصدر عن القمة البيان الأمريكي الذي ألقاه بوش، والبيان العربي الذي ألقاه مبارك، وأكد مبارك في بيانه على رفض الإرهاب والعنف والاستمرار في محاربة ويلات الإرهاب، ورفض ثقافة ما يسمى التطرف بصرف النظر على التبريرات والدوافع.
ويعني هذا البيان العربي إسقاط التفريق بين المقاومة والإرهاب، وتبني الموقف الإسرائيلي بدفع مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بالإرهاب، وتبنت الدول العربية المشاركة في قمة شرم الشيخ الموقف الإسرائيلي من تمويل منظمات المقاومة الفلسطينية بتجفيف منابع الدعم المالي لها وتوجيه المساعدات لرئيس السلطة الفلسطينية.
وجاء في بيان الرئيس بوش في أعقاب انتهاء القمة أن قادة العالم العربي اليوم قد أعلنوا رفضهم للإرهاب بصرف النظر عن مبرراته أو دوافعه، كما التزموا خطوات عملية، واستخدموا جميع الوسائل لقطع جميع المساعدات بما فيها الأسلحة والتمويل لأية مجموعات إرهابية.
وهكذا يكون الزعماء العرب الذين اشتركوا في القمة قد انتهكوا الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقعتها حكوماتهم، وتفرق بين المقاومة والإرهاب، تدين الإرهاب وتدعم المقاومة، وعقد الرئيس بوش في اليوم التالي قمة العقبة وذلك بتاريخ 4/6/2003 واشترك فيها شارون والملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس.
وأكد محمود عباس في قمة العقبة أنه يدرك أهمية مكافحة الإرهاب وإنهاء الانتفاضة والمقاومة والتحريض، وربط شارون في قمة العقبة تنفيذ خارطة الطريق بالتحفظات الإسرائيلية، وطالب بالاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة.
وكرر بوش في قمة العقبة التزامه بأمن إسرائيل كدولة يهودية.
ويمكن القول أن القمتين وضعتا الأساس لتصفية الانتفاضة والمقاومة بأيد فلسطينية وعربية وأمريكية، بعد أن عجزت «إسرائيل» وجيشها وأجهزتها الأمنية عن تحقيق ذلك.
ومارست القمتان أقصى أنواع الضغوط على الجانب الفلسطيني للتوصل إلى هدنة، ونجحت مساعي الوزير عمر سليمان، ممثل الرئيس مبارك في إقناع الفصائل الفلسطينية بإعلان وقف إطلاق النار في 29/6/2003 لمدة ثلاثة أشهر.
وعلى الرغم من إعلان الفصائل الفلسطينية التزامها بالهدنة تابعت «إسرائيل» عدوانها باجتياح القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، واغتيال القيادات وهدم المنازل، وتوجت جرائمها الوحشية باغتيال الشيخ أحمد ياسين، شيخ فلسطين ومؤسس حركة حماس.
لقد أصبحت العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية في عهد بوش وشارون علاقات تلاحم أيديولوجي واستراتيجي، واستمرار الحرب العالمية على العرب والمسلمين بذريعة الحرب على الإرهاب، وتحقيق يهودية الدولة، وإقامة دويلة فلسطينية منقوصة السيادة والأرض والحقوق لوأد المشروع الوطني الفلسطيني وخدمة مصالح الكيان الصهيوني في الوطن العربي ومصالح الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.
إن خارطة الطريق هي بالأساس خطة إسرائيلية للتسوية استوحاها الرئيس بوش من مشروع شارون للتسوية، وأدخل عليها تحفظات الحكومة الإسرائيلية، وألبسها بلباس أمريكي، وقدمها للجنة الرباعية على أنها رؤيته للتسوية، وتبنتها الرباعية.
إذاً هي خطة إسرائيلية بالأساس، بختم أمريكي وغطاء دولي لإنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين العربية والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني، ونتجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف التي أقرتها الأمم المتحدة ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية.
المفاوضات الراهنة ورئيس السلطة الفلسطينية
استجابت لجنة المتابعة العربية لرغبة محمود عباس وأوباما ووفرت الغطاء العربي لدخول محمود عباس في المفاوضات غير المباشرة والمفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني.
إن سير عملية المفاوضات بالشكل الراهن بدون خيارات وبدائل أخرى يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي لذلك من الضروري بلورة خيارات وبدائل أخرى كإعادة الاعتبار للميثاق الوطني وخيار المقاومة وإنهاء الانقسام وتشكيل الهيئات القيادية في منظمة التحرير على أسس ديمقراطية واعتماد مرجعية تطبيق مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتوقف لجنة الجامعة العربية عن تغطية دخول المفاوضات بالشروط الإسرائيلية.
ويساعد الموقف العربي المتخاذل المفاوض الفلسطيني الذي نصبته إسرائيل على تقديم المزيد من التنازلات.
لقد وضعت السلطة نفسها رهينة بيد الولايات المتحدة، فإذا رفض محمود عباس الدخول بالمفاوضات ستفرض عليه عقوبات أمريكية وإسرائيلية وأوروبية، وإذا دخل المفاوضات بالشروط الإسرائيلية (وفقاً للشروط الإسرائيلية) يقضي على نفسه بالانتحار السياسي.
لا يجوز على الإطلاق أن يدخل المفاوض الفلسطيني المفاوضات بدون مرجعية وبدون ضمانات.
إن قرار العودة للمفاوضات تفريط بالحقوق والثوابت، وإن بيان الرباعية مجرد عملية تضليل وخداع للرأي العام الفلسطيني، وتستغل إدارة أوباما العودة إلى المفاوضات لحساب مشاريع إقليمية أمريكية، وصهيونية وبعيدة كل البعد عن المصالح الفلسطينية والعربية.
فدخوله المفاوضات بدون شروط مسبقة وبدون التزام بالقرارات الدولية والقانون الدولي يعني القبول بالشروط الإسرائيلية وغطاء لاستمرار الاستيطان في مدينة القدس المحتلة.
ويعمل محمود عباس المنتهية ولايته من خلال المفاوضات المباشرة على تصفية قضية فلسطين، وإن ما قام به رئيس السلطة غير الشرعية التي خلقها الاحتلال واتفاق الإذعان في أوسلو من مواقف وممارسات يمثل خطراً حقيقياً على حقوق شعبنا الوطنية غير القابلة للتصرف وتشكل جرائم وطنية وقومية ودينية، ويعمل على أن يكون السادات الفلسطيني، لا سيما وأن الذي جلبه إلى سدة الحكم بوش وشارون، وخرج عباس عن الإجماع الوطني، ولم يعد يمثل سوى نفسه، ولكنه ينجح بتدمير مؤسسات الحركة الوطنية واستبدلها بسلطة عميلة للاحتلال تعمل بالتعاون معه لقمع نضال شعبنا الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال.
إن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية تؤكد على شرعية المقاومة الفلسطينية، وأن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم تضمنه الحقوق الطبيعية والقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي أكدت عليه الأمم المتحدة في قراراتها 135 مرة، والاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام 1966.
وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم هو جوهر قضية فلسطين، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، وهو حق فردي وجماعي ملك للاجئ نفسه وليس لمحمود عباس أو حركة فتح أو منظمة التحرير أو حتى مؤتمرات القمة العربية.
ويخوض محمود عباس المفاوضات حالياً بعد أن تنازل عن 78% من فلسطين في اتفاق الإذعان في أوسلو، ووافق على بقاء كتل المستعمرات الكبيرة في الضفة الغربية وضمها الكيان الصهيوني بذريعة تبادل الأراضي، أي القضاء على حق العودة وحدود عام 1967 وتهويد القدس وترحيل أبناء شعبنا عام 1948.
إدارة أوباما والمفاوضات
تعتقد إدارة أوباما أن التوصل إلى تسوية للصراع العربي الصهيوني يخدم المصالح الأمريكية والأمن القومي للولايات المتحدة وتحسين العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، وتؤكد على خارطة الطريق التي وضعها الرئيس بوش، وتركز على تحريك العملية السياسية وإعادة محمود عباس والسلطة التي تترأسها فتح في الضفة الغربية إلى طاولة المفاوضات مع الكيان الصهيوني.
واتخذت إدارة أوباما نفس الموقف الذي اتخذته إدارة بوش من حكومة هنية وحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
وعارضت إقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفي الوقت نفسه تابعت سلطة رام الله في تطبيق ما جاء في المرحلة الأولى من خارطة الطريق بإشراف الولايات المتحدة وطلبت من«إسرائيل» تنفيذ الاستحقاقات الواردة في المرحلة الأولى من خارطة الطريق وهي التجميد الكلي والفوري للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة، كوسيلة لتوثيق التعاون الأمني بين أجهزة السلطة والكيان الصهيوني.
ونجحت إدارة أوباما في بلورة غطاء عربي لدعم تنازلات محمود عباس وعملية المفاوضات.
طالبت الدول العربية تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» على الرغم من استمرارها في سياستها الاستيطانية والإرهابية والعنصرية.
وعلى الرغم من أن رؤية الدولتين أخذها بوش من مشروع شارون للتسوية لم يوافق عليها نتنياهو إلاّ في حزيران 2009، ووضع على الدويلة العتيدة قيوداً أمنية مشددة كتجريدها من السلاح والإشراف على حدودها الغربية والشرقية وعلى معابرها وأجوائها والاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة كشرط للاتفاق وليس لاستئناف الحوار، ورفض نتنياهو مطلب محمود عباس لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، أي رفض الاعتراف بما اقترحه أولمرت وما تم الاتفاق عليه بين أولمرت ومحمود عباس، كما أصر على بحث مصير المستوطنات في نهاية المفاوضات، وتطبيقاً لهذا الموقف توقف نتنياهو عن تفكيك المستوطنات التي وافقت حكومة أولمرت وحكومات سابقة، وأعلنت حكومة نتنياهو سيطرتها على غور الأردن كحدود أمنية شرقية للكيان الصهيوني حتى بعد قيام الدويلة الفلسطينية.
طلب أوباما من نتنياهو عندما اجتمع معه بتاريخ 18 أيار 2009 في واشنطن التجميد الكلي لجميع عمليات البناء في المستوطنات وفي القدس الشرقية، ورفض نتنياهو قبول الطلب الأمريكي وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2009 أعلن نتنياهو تجميد عمليات البناء الجديدة في الضفة الغربية لمدة عشرة أشهر، على أن لا يشمل التجميد عمليات البناء التي تم البدء بها والمباني العامة وفي القدس وكانت المرة الأولى التي أعلن فيها مناحيم بيغن تجميد جميع عمليات البناء في المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة لمدة ثلاثة أشهر خلال توقيع اتفاقيتي كمب ديفيد مع السادات في أيلول 1978، وتفكيك مستعمرة ياميت في سيناء.
ويعتقد بعض المحللين السياسيين أن مناورات التمويه والتضليل والكذب الذي لجأت إليها الحكومات الإسرائيلية لتفكيك 26 مستوطنة وافقت على تفكيكها كانت وراء الإصرار الأمريكي على تجميد الاستيطان.
وكان إعلان نتنياهو قد تم الاتفاق عليه مع الإدارة الأمريكية في بداية شهر تشرين الثاني 2009.
وصادقت عليه لجنة الخارجية والأمن المكونة من 15 عضواً بنتيجة (12) مقابل صوت واحد ضد الاقتراح وغياب عضوين من حزب شاس.
وصل نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في 8 آذار 2010 إلى الكيان الصهيوني لزيارة رسمية وأدلى بسلسلة من التصريحات المؤيدة للكيان الصهيوني وتقوية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وعلى العكس من ذلك استقبلته إسرائيل بالمصادقة على إقامة (1600) وحدة سكنية جديدة في حي رمات شلومو في القدس الشرقية المحتلة، مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين لفترة قصيرة، بسبب إعلان المصادقة على بناء الوحدات الجديدة إبان زيارة نائب الرئيس الأمريكي.
وانتهت مدة التجميد في 26 أيلول 2010، ما أدى إلى وقف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا سيما وأن نتنياهو رفض التعهد رسمياً بتجميد البناء في القدس الشرقية.
وحدث خلال الفترة التطابق بين الموقف الأمريكي وموقف محمود عباس في موضوع تجميد الاستيطان، ولكن الشعب الفلسطيني يؤمن بأن جميع المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها القدس غير شرعية ويصر على تفكيكها.
وشدد المفاوض الفلسطيني على طلب تجميد الاستيطان كاستحقاق على «إسرائيل» بموجب المرحلة الأولى من خارطة الطريق، وطالب بتعهد إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 مع تبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات الكبيرة للكيان الصهيوني، ورفضت حكومة نتنياهو هذا المطلب لأسباب أيديولوجية واستعمارية وسياسية وائتلافية.
وركزت حكومة نتنياهو على مفهوم السلام الاقتصادي والسلام مقابل السلام وأن الضفة الغربية أرض محررة وليست محتلة لتبرير استمرار الاستعمار الاستيطاني فيها.
وضعت إدارة أوباما عملية التسوية (بالمفاوضات) على قائمة أولوياتها بهدف تحقيق رؤية الدولتين وخدمة الأمن القومي الأمريكي.
وعين أوباما جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له إلى المنطقة، فأعلن مشروعاً يتضمن النقاط التالية:
1 ـ الوقف التام للاستيطان.
2 ـ إطلاق المفاوضات الثنائية برعاية الإدارة الأمريكية.
3 ـ البدء بخطوات تطبيعية عربية بين الدول العربية و«إسرائيل» تراجعت إدارة أوباما عن مشروعها هذا قبل نهاية العام 2009 ووافقت على مشروع نتنياهو الذي تضمن:
1 ـ تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان في الضفة الغربية واستثناء القدس المحتلة من عملية التجميد.
2 ـ إطلاق المفاوضات من دون أية شروط أو مرجعية وعدم الالتزام بما وصلت إليه المفاوضات مع حكومة أولمرت.
وهكذا تراجع الرئيس أوباما عن شرطه بتجميد الاستيطان، وبالتالي فقد صدقيته في عملية المفاوضات.
ويعتقد أن تراجع أوباما يعود إلى عدم قدرته ممارسة أي شكل من أشكال الضغوط على نتنياهو بسبب انحياز الكونغرس الأمريكي لنتنياهو وكثمن للصفقة التي عقدها أوباما مع اللوبي اليهودي لتمرير مشروع التأمين الصحي في الكونغرس.
وهكذا دخلت عملية المفاوضات ضمن الشروط التي حددها نتنياهو، ما يجعل الإدارة الأمريكية والرباعية الدولية ودول الاتحاد الأوروبية تخشى على أوضاع السلطة الفلسطينية والدول العربية المؤيدة لعملية المفاوضات.
إن الاستمرار في تحريك عملية التفاوض هو مصلحة إسرائيلية، لأن الكيان الصهيوني يحصد التنازلات الفلسطينية والعربية المستمرة مع استمرار الاستيطان وتهويد المقدسات، وهو في الوقت نفسه أفضل الخيارات للإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، لأن التوقف الكلي للمفاوضات ووصول المفاوضات إلى الطريق المسدود يقوي التوجه إلى خيار المقاومة.
وجه أوباما في 19/9/2010 رسالة إلى نتنياهو جاءت كمحصلة للقاءات التي عقدها وزير الحرب الصهيوني باراك ورئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي اسحق مولخو مع كبار المسؤولين في إدارة أوباما وتضمنت ما يلي:
أولاً: تتعهد إدارة أوباما مقابل استجابة «إسرائيل» لمطلب تجميد الاستيطان مرة واحدة فقط ولمدة (60) يوماً بتقديم ضمانات طويلة الأمد، وذلك بتوفير سلسلة من الوسائل الحربية الحديثة قبل التسوية النهائية.
ثانياً: تتعهد الإدارة الأمريكية بأن تحبط أي مبادرة عربية لإثارة مسألة الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
ثالثاً: تتعهد الإدارة الأمريكية بأن مستقبل المستوطنات لن يتقرر إلاّ في نطاق التسوية النهائية وعلق نتنياهو بعد مقابلته لميتشل في اليوم نفسه (29/9/2010) بالقول:
«أنا وحكومتي ملتزمان بمحاولة التوصل إلى اتفاق سلام يضمن أمن إسرائيل والمصالح الوطنية الحيوية الأخرى»، وبالتالي فالتسوية النهائية بالرعاية الأمريكية هي لمصلحة «إسرائيل» فقط وليس لإيجاد حل لقضية فلسطين.
وتضمنت التعهدات الأمريكية أنه مقابل تجميد الاستيطان لشهرين بالموافقة على بقاء التواجد العسكري الإسرائيلي في غور الأردن حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية، وذلك استجابة للمطلب الإسرائيلي الذي يضمن مصالح «إسرائيل» الأمنية، وبالتالي أغرى الرئيس أوباما نتنياهو بغور الأردن، الذي يلعب لعبة الابتزاز مع أوباما بذريعة وجوب استقرار ائتلافه الحكومي والحفاظ على أمن «إسرائيل» لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعهد أوباما بالضغط على الدول العربية للتوحد بشكل مشترك في مواجهة الخطر الإيراني (المزعوم) وبالتالي تغير الضمانات الأمريكية وجه المنطقة لمصلحة الكيان الصهيوني وضد حركات المقاومة وإيران وتمنح العدو الصهيوني ضمانات واسعة تحدد وجهة المنطقة العربية وتوفر له كل عوامل التفوق.
وينسف مضمون الضمانات مبدأ الأرض مقابل السلام الذي تكرَّس في مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
عرض نتنياهو بتاريخ 14/11/2010 أمام وزرائه اقتراحاً أمريكياً يتضمن تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة ثلاثة أشهر مقابل رزمة محفزات سياسية وأمنية، ومقابل التجميد الذي لن يشمل القدس المحتلة، ستتعهد الولايات المتحدة بألا تطلب مرة أخرى تمديد بتجميد البناء، كما أن الإدارة الأمريكية ستطلب من الكونغرس الموافقة على تسليح «إسرائيل» بـ 20 طائرة من طراز (إف 35)، وتقترح الولايات المتحدة استخدام حق النقض في مجلس الأمن، ووقف أي إجراءات في الأمم المتحدة بشأن تقرير غولدستون، وأن تلتزم برفض أي قرار ضد إسرائيل بشأن مجزرة أسطول الحرية.
الموقف الوطني الفلسطيني من المفاوضات
انتقلت الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد حرب حزيران العدوانية من المطالبة بتحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1948 إلى التركيز على إزالة آثار الحرب العدوانية وتنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338، أي اعتبار المناطق المحتلة عام 1967 وكأنها فلسطين وبالتالي التنازل عن الحقوق التاريخية وعن القدس وفلسطين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
ووضع الكيان الصهيوني الاعتراف به وبما اغتصبه بما فيه القدس الغربية جانباً وانتقل إلى المساومة على ما احتله عام 1967، وتعرض واقع جديد كالواقع الذي فرضه في الأراضي العربية المحتلة عام 1948، وجزأ الصراع العربي الصهيوني إلى نزاعات ثنائية، وفرض تصوراته للمفاوضات الثنائية والمباشرة على النظام المصري والأردني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
واستفرد بكل طرف عربي على حدة، وشق وحدة الصف والموقف العربي بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية.
بدأ بمصر أولاً وفي كمب ديفيد وبالرعاية الأمريكية، ثم في لبنان مستغلاً نتائج الغزو لعام 1982 والدور الأمريكي، ووقع اتفاق الإذعان في 17 أيار، واتفاق الإذعان في أوسلو، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن.
وأدت اتفاقات الإذعان هذه إلى شق وحدة الصف الفلسطيني وشق وحدة الصف العربي، وخرج نظام كمب ديفيد في القاهرة من الصف العربي وانتقل إلى السير في المشروع الأمريكي ـ الصهيوني، وأدت هذه الاتفاقات أيضاً إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني والتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 بما فيها القدس الغربية والدخول في لعبة المفاوضات حول الـ 22% من مساحة فلسطين التاريخية والمتنازع عليها بموجب اتفاق أوسلو.
أقام العدو الصهيوني حكماً ذاتياً محدوداً في قطاع غزة، والمدن الفلسطينية الآهلة بالسكان في الضفة الغربية والتي شكلت عبئاً سياسياً وعسكرياً ومالياً ومعنوياً عليه.
وتابع العدو في توسيع المستعمرات اليهودية كانتشار السرطان الخبيث في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.
ويصر في المفاوضات على تحقيق الأساطير والخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية بعد أن نصّب اللوبي اليهودي غلاة الصهاينة في أهم المراكز في الإدارات الأمريكية بدءاً من هنري كيسنجر ومروراً بالصهيوني العتيق مارتن أنديك وحتى دنيس روس وجون بولتون.
إن تعيين رؤساء الولايات المتحدة طواقم المفاوضات من يهود أمريكا مع الأطراف الفلسطينية والعربية من الذين يؤمنون كما يؤمن قادة الكيان الصهيوني بالتعاليم التوراتية والتلمودية لا يمكن أبداً أن يقود إلى تحقيق الحل العادل والسلام الشامل والدائم ويخدم الاستقرار والازدهار في المنطقة.
تبنى جيمس بيكر في مؤتمر مدريد عام 1991 صيغة المفاوضات التي طرحتها عليه «إسرائيل» وهي تأجيل قضية اللاجئين إلى مفاوضات الوضع النهائي.
ووافقت قيادة منظمة التحرير التي برزت وصعدت على أرواح شهداء اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
ومنعت «إسرائيل» المفاوض الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد ومروراً باتفاق الإذعان في أوسلو وحتى المفاوضات غير المباشرة والمباشرة من طرح قضايا الحل النهائي: الحدود، القدس، اللاجئين.
خلف جميع الاتفاقات ومراحل المفاوضات من مرجعية القانون الدولي والقرارات الدولية برعاية وضغوط الولايات المتحدة واستبعاد الأمم المتحدة والعهود والمواثيق والاتفاقات الدولية.
وأنهت دور منظمة التحرير كحركة تحرر وطني وبرز دور السلطة والتعاون الأمني واجتثاث المقاومة والتنازل عن القرارات الدولية والموافقة على الضغوط والمطالب والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.
وهيمنت السلطة المنبثقة عن اتفاق أوسلو على عملية المفاوضات واتخاذ القرارات السياسية والإدارية والتنظيمية والمالية، وانتشرت في السلطة مظاهر الفساد والإفساد والصهينة والمحسوبية.
فقد الشعب الفلسطيني منذ مفاوضات أوسلو والمفاوضات التي عقدت في طابا وشرم الشيخ في أيلول وتشرين أول 2010 ما تبقى من أرض وحقوق ومكاسب نضالية، ونجح العدو الصهيوني في الحصول على تنازلات استراتيجية من قيادة منظمة التحرير وبعض البلدان العربية في قضايا أساسية كالتطبيع والعلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية ونعت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب.
ثبت بجلاء فشل مسار المفاوضات وأن العدو لا يرغب ولا يستطيع تحقيق تسوية عادلة بسبب تناهي العنصرية والفاشية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني في المجتمع الإسرائيلي، واستمرار الاحتلال وتصاعد الاستيطان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وظهر أن مسار المفاوضات خلال العشرين سنة من التفاوض قد ألحق أضراراً جسيمة بالمواطن وبالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وأن انحياز لجنة الجامعة العربية لرئيس السلطة الفلسطينية وتغطيتها لاستمراره في مسار التفاوض لا يحدث تأثيراً لدى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وإنما أصرَّ في الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
واستمرت حكومة تسيير الأعمال غير القانونية حكومة سلام فياض ورئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي فقدت شرعيتها منذ عام 1984 في ممارسة أعمالهم، ما أدى إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، وضياع مكاسب النضال الفلسطيني وتآكل الحقوق وقرارات الشرعية الدولية.
الموقف الصهيوني من المفاوضات
ساد في الكيان الصهيوني حول ما بعد الصهيونية اتجاهان:
الاتجاه الأول: يقول أن الصهيونية قد حققت جميع أهدافها، ولم يبق لها ما تفعله وفق تصوّر هرتسل، لذلك يجب العمل للتقدم نحو التسوية، ورفع مستوى الحياة وتطور الرفاه الاجتماعي وإلزام العرب الاعتراف بيهودية الدولة.
الاتجاه الثاني: يعتقد أن الحروب مهدت الطريق أمام الصهيونية لإقامة إسرائيل الكبرى مع الهجرة الكبيرة، ولجمع أكبر عدد من يهود العالم وإرغام العرب على تحقيق الأمن والسلام.
وسيتحقق ذلك في عام 2025 عندما تنجح «إسرائيل» في جمع معظم يهود العالم فيها، لاستكمال المشروع الصهيوني في الهيمنة على المنطقة، وتحققت حتى الآن المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني والتي تمثلت بتحقيق أغلبية يهودية.
ويعتقد نتنياهو «أن قدرة الكيان الصهيوني على التوصل إلى سلام مع العرب قائمة في الدرجة الأولى بفضل قوة «إسرائيل» الرادعة، وحتى لو توصلنا إلى تسوية ثابتة مع الفلسطينيين، وهذا ما آمل به وأؤمن به فلن نحل الصراع العربي الإسرائيلي في مجمله».
ويتضمن برنامج الليكود للتسوية عن طريق المفاوضات المباشرة «إن حق الشعب اليهودي في «أرض إسرائيل» (أي فلسطين) حق أزلي غير قابل للطعن فيه، وهو مندمج في الحق في السلام والأمن وأن الأمن هو الأساس الذي لا يمكن أن يسود من دونه سلام قابل للبقاء، وأن القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة «إسرائيل».
وينطلق العمل والليكود من المرتكزات الأساسية التي أرستها الصهيونية ويتفقان بالرؤى الاستراتيجية والثوابت السياسية، ويختلفان بالتفاصيل والتكتيكات والمناورات السياسية والخبرات الدبلوماسية، وهنا لا بد من الإشارة إلى الوثيقة التي وقعتها مجموعة من قياديين وأعضاء كنيست من العمل والليكود، والمعروفة باسم وثيقة بيلين ـ إتان حول الرؤية المشتركة لقضية فلسطين وجاء فيها:
ـ القدس الموحدة عاصمة «إسرائيل» الأبدية.
ـ لا عودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967.
ـ الإبقاء على المستوطنات حتى بعد التسوية النهائية.
ـ رفض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الذين شردوا منها عام 1948.
ـ الموافقة على كيان فلسطيني أقل من دولة.
وظهر بعد توقيع اتفاق أوسلو في نهاية 1993 كتاب شمعون بيرس: «الشرق الأوسط الجديد»، انطلق فيه من ممارسة الكيان الصهيوني الدور القائد والمسيطر بالمنطقة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضاء على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وعلى المقاطعة العربية، وأعلن فيه الحرب على حركات المقاومة وعلى العروبة والإسلام، ويهدم في كتابه بأساليب يهودية خبيثة فكرة العروبة والوحدة العربية والإسلام، ويستعدي جميع بلدان العالم على العرب والمسلمين.
وتناول في كتابه خطر الأصولية (الإسلام) والخطر النووي من وجود الأسلحة في أيدي مسلحين متعصبين وقال إنه يشكل خطورة على «إسرائيل» ويهدد السلام العالمي.
واعتقد جازماً أن قادة الكيان الصهيوني هم الذين أشعلوا الحرب العالمية على العروبة والإسلام.
ويعترف بيرس في الفصل الثالث ولأول مرة أن «إسرائيل» هي التي أشعلت حرب حزيران العدوانية عام 1967 وكانت تصرح دائماً وتعلن أن مصر هي التي بدأت بالحرب وتناول في الفصل الرابع مؤسسات الشرق الأوسط الجديد وقال إن الهدف النهائي خلق أُسرة إقليمية من الأمم، ذات سوق مشتركة وهيئات مركزية مختارة على غرار الجماعة الأوروبية، وأنه يريد علاقات جماعية مع البلدان العربية.
ويعترف في الفصل السابع بأن من جملة الأسباب لتوجهه إلى نظام الشرق الأوسط الجديد هو أن الولايات المتحدة (وألمانيا) لم تعد قادرة على الاستمرار في تقديم المساعدات المالية الضخمة لإسرائيل.
وتناول في الفصل الرابع عشر والأخير مشكلة اللاجئين، ويرفض حقهم في العودة إلى ديارهم للمحافظة على النقاء العنصري للكيان الصهيوني وتوطين اللاجئين في أماكن تواجدهم.
ونبعت خطورة مشروع الشرق الأوسط الجديد آنذاك من غياب المشروع العربي والإقليمي البديل، والدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود للعدو الصهيوني، والحرب العالمية التي تشنها الدول الغربية على العروبة والإسلام، ووجود القواعد العسكرية الأمريكية في بلدان الخليج، وتوقيع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق الإذعان في أوسلو.
المفاوضات وموقف أوباما وعباس:
احتل الهاجس الانتخابي وإرضاء اللوبيات اليهودية والكيان الصهيوني سلّم أولويات الرئيس الأمريكي أوباما في خطابيه بتاريخ 19 و22 أيار 2011، وبالتالي احتل الصراع العربي الصهيوني وتصفية قضية فلسطين وتبني مطالب كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي حيزاً كبيراً في خطابيه، حيث حاول الالتفاف على الثورات والتحولات في الساحة العربية وإفراغها من مضمونها، وتعزيز نفوذ قوى الثورة المضادة وشرائها بعشرات المليارات من الدولارات وخاصة بعض منظمات المجتمع المدني.
انحاز أوباما في خطابيه انحيازاً أعمى للأكاذيب والأطماع الاستعمارية والعنصرية للكيان الصهيوني، وعلى حساب الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني ومدينة القدس بشطريها المحتلين، وجاء الخطاب الثاني أمام اللوبي الإسرائيلي إيباك في 22/5/2011 مليئاً أكثر من الخطاب الأول في 19/5/2011 بالأكاذيب وإنكار حقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا وقرارات الشرعية الدولية، وأظهر تطرفاً أمريكياً حقيراً تجاه قضية فلسطين وحقوق الشعوب العربية والإسلامية فيها، وأكد أوباما في الخطابين تبنيه للاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعمه للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي، وتطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة وأسوة بالتعامل الدولي.
وظهر بجلاء دعمه لتمسك دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي باحتلالهم لفلسطين العربية وتهويدهم للقدس وأكتافها مقدمة لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتشكل مواقف الرئيس أوباما في خطابيه المذكورين تدخلاً أمريكياً فظاً في الشؤون الداخلية الفلسطينية وفي الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني، مما يتطلب من القوى والفصائل الفلسطينية والدول العربية والإسلامية التمسك باستراتيجية المقاومة أكثر من أي وقت مضى.
وافق أوباما في خطابه الثاني أمام الإيباك على جميع الأكاذيب والأطماع الاستعمارية التي طرحها نتنياهو في خطابيه أمام الكنيست وأمام الايباك، لذلك يمكن الجزم بأن الخطب الأربعة أغلقت أبواب التسوية بالرعاية الأمريكية.
لقد تغير العالم وكل شيء فيه يتغير إلاّ «إسرائيل» كأنها تسير إلى الأسوأ والأخطر والأبشع فكراً وممارسة، فهي لا تتعامل مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني انطلاقاً من مبادئ الحق والعدالة والإنصاف ومن مبادئ القانون الدولي ومن القيم الإنسانية والحضارية، وإنما من الأكاذيب والأطماع والأساطير التوراتية والتلمودية والصهيونية، أي من المفاهيم والمنطلقات الاستعمارية والعنصرية المعادية للعرب والمسلمين، وتحولت هذه القيم الصهيونية المعادية للإنسانية إلى نوع من العقيدة الثابتة التي تؤمن بها اليهودية العالمية وتدعمها الولايات المتحدة وبقية الدول العربية.
إن خطب أوباما ونتنياهو الأربعة ليس فيها ما يستحق المناقشة أو التوقف عنده، فكلاهما يجسدان مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، وكلاهما مجردان من أي قيم إنسانية أو حضارية.
كالخطب الأربعة كذب وخداع وتضليل وتزوير ومعادية لحقوق العرب والمسلمين في القدس وفلسطين ومكانها سلة المهملات ومزبلة التاريخ.
بدأت حماس تتعامل مع مفرزات اتفاق الإذعان في أوسلو بعد استلامها للسلطة في قطاع غزة التي انبثقت عن توقيع الاتفاق وبعد توقيع المصالحة مع فتح وقول خالد مشعل في حفل التوقيع أن حماس أعطت المفاوضات عشرين عاماً وستعطيها عاماً آخراً.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الأوساط الصهيونية تعتقد أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية بدون حماس.
ويؤكد الموقفان الأمريكي والإسرائيلي على المضي قدماً والعمل المشترك بينهما لكسر إرادة رئيس السلطة وإجباره على توقيع اتفاق جديد لحل مشكلة «إسرائيل» وأزماتها وليس لحل قضية فلسطين وإنما لتصفيتها بشكل نهائي، وربما كان هذا السبب الذي حمل فتح فجأة على قبول ملاحظات حماس ووقعت الحركتان على المصالحة.
حدثت بعد التغيرات في الموقف المصري بعد خلع مبارك، ولكن مصر لم تغيّر موقفها بعد توقيع نفس الورقة التي صيغت إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولكنها وافقت على توقيع ورقة التفاهمات وضمها للورقة المصرية.
ويعتقد البعض أن مصر لم تعد تشكل غطاءً سياسياً لرئيس السلطة ولم تعد تعارض حماس كما كان يفعل نظام مبارك، وأعطت الفرصة لرئيس السلطة لمتابعة المفاوضات مجدداً، كما لا يمكن القول أن مصر تدعم حماس والمقاومة، ولكنها لم تعد ترفض التعامل مع حماس وسمحت بعقد المؤتمر التأسيسي للتجمع العربي والإسلامي لدعم المقاومة ولأول مرة منذ توقيع اتفاقيتي الإذعان في كمب ديفيد في نقابة الصحفيين بالقاهرة في 24 و25 تموز 2011 ولا تزال تشارك في الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المخالف لأبسط مبادئ الأخوة العربية والقانون الدولي والعهود الدولية واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
خطاب أوباما الأول
حدد أوباما في خطابه الأول بتاريخ 19/5/2011 أن مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية في المنطقة تتحدد في مكافحة الإرهاب ومنع السلاح النووي وأمن «إسرائيل» ودعم السلام معها.
وأكد التزام أمريكا الصارم بأمن «إسرائيل» ووجودها والحيلولة دون انتقادها في المجتمع الدولي، والتوقف عن نزع الشرعية عنها، وطالب من الإسرائيليين بوقف الاستيطان، واعتبر أن المصالحة بين فتح وحماس تعرقل السلام وعلى حماس أن تتوقف عن الإرهاب، وطالب بوجوب التركيز على قضايا الحدود والأراضي في حدود 1967 مع تأجيل قضايا حق العودة والقدس المحتلة، وأعلن عن دعمه لحل الدولتين.
وتبنى التصور الصهيوني للصراع حول كراهية «إسرائيل والغرب» وزعم بأن العداء العربي للغرب وإسرائيل لم يكن عداءً حقيقياً بل كان تنفيساً عن الشعور بالظلم عن الأوضاع الداخلية، مما يجسِّد منتهى الرياء والانحياز الأمريكي الهمجي للعدو الإسرائيلي.
وأكد أن مستقبل أمريكا مرتبط بمستقبل الشرق الأوسط، وسكت عن ظلم واستبداد بعض من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب ووقف مع ملك البحرين وضد سورية وإيران.
وزعم كذباً وبهتاناً أن عدم التسامح والتخلف أدى إلى النزاعات (بما فيها النزاع مع إسرائيل) ودعا الفلسطينيين إلى الاعتراف بشرعية «إسرائيل» وأنهم لم يحققوا شيئاً، وأن صداقته مع «إسرائيل» عميقة، وأن التزامه بأمنها لا يتزعزع، وأن جهود عزل «إسرائيل» في الأمم المتحدة لن يجلب السلام.
وقال إن حق اليهود في دولة لا يمكن تحقيقه بالاحتلال، وأن السلام الدائم للشعبين يعني دولة يهودية ودولة للشعب الفلسطيني، ولا بد من المفاوضات: دولة فلسطينية قابلة للحياة و«إسرائيل» آمنة، وأن لـِ «إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها.
وقال إن جهود الفلسطينيين لنزع الشرعية عن إسرائيل ستبوء بالفشل التحركات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول لن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
إن الفلسطينيين لن يحققوا السلام أو الازدهار إذا أصرت حماس على المضي في طريق الإرهاب والرفض.
والفلسطينيون لن يحققوا أبداً استقلالهم بإنكارهم حق إسرائيل في الوجود، وانتقد المصالحة بين فتح وحماس، شدد على أمن إسرائيل غير القابل للتزعزع.
وأكد أن السلام الدائم يعني قيام دولة قومية يهودية إلى جانب دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وقال إن أساس المفاوضات ينطلق من أمن إسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للحياة وترسيم الحدود مع الأردن وفلسطين على أساس حدود 1967.
وأشار إلى أن المفاوضات يجب أن تبدأ من التوافق على مسألتي الأمن وتبادل الأراضي.
وأسهب في الحديث عن الديمقراطية والقيم الأمريكية وغياب الحقوق لدى شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا.
وتطرق إلى دور التكنولوجيا المحوري في دفع عجلة الثورات قائلاً: «إن الانترنت أخرجت أجيالاً جديدة تقول إن التغيير لا يمكن مقاومته، مضيفاً «ليس مستغرباً أن يكون أحد قادة الثورة في مصر من غوغل».
اعترض نتنياهو على خطاب أوباما الأول وأصدر بياناً شدد فيه على رفضه لأقوال الرئيس أوباما بأن حل الصراع يجب أن يستند إلى حدود عام 1967، باعتبار أن هذه الحدود لا يمكن حمايتها.
وصدق نتنياهو عشية لقائه مع أوباما على بناء 1550 مسكناً في مستعمرتي «هار هوما» في جيل أبو غنيم في جنوب القدس الشرقية وبسغات زئيف في شمالها.
لقد ولدت دعوة أوباما لإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 في ظل تخليه عن مواقف أمريكية سابقة والرفض الفوري الإسرائيلي لدعوته وموافقته على الاستمرار في تهويد القدس المحتلة.
حاول أوباما في خطابه الأول طمأنة الحليف الاستراتيجي الأهم إسرائيل التي تتوجس مد الثورات وما أنتجته على الصعيد الفلسطيني من مصالحة بين فتح وحماس، حيث أبدى أوباما تحفظه الشديد عليها وتبنى فكرة يهودية الدولة وأسقط مطلبه ومطالب أمريكية سابقة بوقف الاستيطان.
وأعلن التزاماً أمريكياً متجدداً بالأولويات الإسرائيلية لأي مفاوضات وهي الأمن والحدود وتأجيل القدس اللاجئين إلى مرحلة لاحقة، وحمّل المسؤولية على اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي والعالم العربي لرعاية المفاوضات.
وطرح مبادرة تسوية تقايض دويلة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود أقل من حدود 67 وتبادل الأراضي لنقل المستعمرات اليهودية الكبيرة في القدس وحولها وبقية الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، والالتزام بأمن «إسرائيل» وتقويتها وحق الدفاع عن نفسها، وتأجيل التفاوض على القدس المحتلة واللاجئين.
وقال إن الإجراءات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول المقبل لن تؤسس دولة فلسطينية مستقلة، القادة الفلسطينيون لن يحققوا السلام والازدهار إذا أصرت حماس على طريق الإرهاب والرقص.
ولن يحقق الفلسطينيون استقلالهم بحرمان إسرائيل حق الوجود، الوضع الراهن ليس مستداماً وعلى إسرائيل التصرف بجرأة لتحقيق سلام دائم دولة يهودية وديمقراطية لا يمكن تحقيقه من خلال احتلال دائم.
واعتبر أن أرضية المفاوضات هي دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 مع اتفاق لتبادل الأراضي مع حق الفلسطينيين بحكم أنفسهم في دولة سيدة ومتواصلة جغرافياً ويجب أن يكون لإسرائيل قدرة الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي تهديد.
رأى أوباما أن السياسات والمصالح الأمريكية لعقود ارتكزت على جملة عناصر مثل محاربة الإرهاب ومنع الانتشار النووي والدفع بعملية السلام وضمان أمن المنطقة وحماية أمن إسرائيل، ورأى أن أمام أمريكا فرصة للترحيب بالتغيير الحاصل ومواكبته.
ورأى أوباما أنه على المفاوضات أن تأتي بدولتين وبحدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر وحدود دائمة لإسرائيل مع فلسطين، وأن هذه الحدود يجب أن تستند إلى خطوط 1967 مع تبادل للأراضي.
تميز الخطاب بمحاولة أوباما مصادرة الثورات الشعبية العربية المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في محاولة منه لإجهاضها ومنع انتقالها إلى العداء لأمريكا الحليف التقليدي لأنظمة الاستبداد في البلدان العربية.
أعلن نتنياهو وحكومته الحرب على خطاب أوباما الأول، واتخذت الحكومة الإسرائيلية المصغّرة قراراً بالمواجهة والصدام، لأن أوباما طالب بترسيم الحدود على أساس حدود 1967 مع تبادل الأراضي، ورفض نتنياهو معادلة الأمن مقابل حدود 1967 وإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، على الرغم من أن أوباما وافق على أولويات الأمن الإسرائيلي ودويلة فلسطينية منزوعة السلاح وتأجيل البحث في قضيتي القدس واللاجئين، وتقود مواقف أوباما إلى ترسيخ الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
علق أيدكوتش رئيس بلدية نيويورك السابق على خطاب أوباما الأول وقال: «إن أوباما سعى بشكل فعلي لتقليص قوة «إسرائيل» التفاوضية، وإنني أدينه من أجل ذلك، وأضاف بأنه ربما لن يصوت لصالحه في الانتخابات المقبلة».
ورأى الملياردير مورتمور زوكرمان بأنه سيقل الدعم السياسي لأوباما وسيقل الناشطون من أجل حملته بما في ذلك الدعم المالي.
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس:
تضمن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس: لا بحدود 1967، ولا للانسحاب من القدس الشرقية، أو لتقاسمها، ولا لعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا لمفاوضة حكومة تكون حماس مشاركة فيها.
ـ وأعلن نتنياهو أن ليس لإسرائيل شريك في العملية التفاوضية من أجل إنشاء كيان فلسطيني يشكل درعاً لإسرائيل وليس للتعبير عن أماني وتطلعات الفلسطينيين.
ـ ونال خطابه الفاشي التصفيق وقوفاً من أعضاء الكونغرس 29 مرة، الكونغرس الذي كان يحث الإدارات الأمريكية على مساعدة «إسرائيل» في حروبها ومجازرها واستعمارها الاستيطاني ومعاقبة الفلسطينيين والعرب ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
ـ أحبط نتنياهو المفاوضات بالرعاية الأمريكية وبالرعاية الدولية للاستمرار في الاستعمار الاستيطاني وكسر الإرادات الرسمية الفلسطينية والعربية.
ـ وحمل إدارة أوباما على رفض مشروع آلان جوبيه الذي قدمه في حزيران 2011 حول عقد المؤتمر الدولي لإطلاق المفاوضات والتوصل إلى التسوية.
ـ خدع نتنياهو انطلاقاً من عادة اليهود في الكذب والخداع الكونغرس واليهودية العالمية والمجتمع الإسرائيلي، وأغلق الطريق مجدداً أمام المفاوض الفلسطيني.
ـ أبدى قلقه من الثورات العربية ولكنه أمام الكونغرس أيدها في خطابه.
ـ وصف فلسطينيي الـ 1948 بالخطر الديمغرافي ولكنه قال عنهم أمام الكونغرس أنهم الوحيدون من بين العرب في الشرق الأوسط الذين يتمتعون بالديمقراطية.
ـ بدأ خطابه بامتداح أوباما، لأنه يعرف أن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة سيجعله الخاسر الأكبر وقال: ليس لإسرائيل صديقة أفضل من أمريكا، ولا لأمريكا صديقة أكثر من «إسرائيل».
ـ وأعلن كعادته اليهود في الكذب والتضليل أن إسرائيل ليست دولة كولونيالية.
«نحن لسنا البريطانيين في الهند، ولسنا البلجيكيين في الكونغو، نحن لسنا محتلين غرباء، هذه أرض آبائنا، أرض إسرائيل».
ـ وقال بخبث وخداع اليهودي العريق بالكذب والتمويه: «حتى الآن الفلسطينيون لم يوافقوا على قبول دولة فلسطينية، إذا كان يعني قبول دولة يهودية إلى جانبها، الصراع بيننا لم يكن حول إقامة دولة فلسطينية، بل كان دائماً حول قيام دولة يهودية».
«أنا وقفت أمام شعبي وقلت إنني أقبل دولة فلسطينية، وآن الأوان ليقف الرئيس الفلسطيني أبو مازن قبالة شعبه ويقول: «إني مستعد لقبول دولة يهودية».
«على الفلسطينيين أن يكونوا مستعدين للتنازلات، أنا مستعد لتنازل كبير جداً».
«سنكون كرماء، بما يتعلق بحجم فلسطين المستقبلية، لكن لن نعود إلى حدود 1967، حدود لا يمكن الدفاع عنها القدس لن تقسم أبداً، وعلى القدس أن تكون العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل.
وكرر أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ستكون خارج دولة إسرائيل، وأكد على وجوب ضم 650 ألف مستعمر يهودي في الضفة الغربية ضمن الحدود النهائية لدولة إسرائيل، ومكانة المستوطنات تحدد فقط من خلال المفاوضات».
خطاب أوباما الثاني:
ألقى أوباما خطابه الثاني أمام الإيباك في 22 أيار 2011 وأشار فيه إلى صعوبة إنشاء دولة يهودية وديمقراطية مع وجود احتلال واستيطان دائم، وحث نتنياهو على الرجوع إلى حدود 1967 مع تبادل الأراضي، وأظهر الخطاب أن لدى أوباما العديد من القضايا والمشاكل الداخلية والخارجية والانتخابات المقبلة، لذلك خضع بالكامل أمام الإيباك لبرنامج نتنياهو وتبناه في خطابه المشؤوم، وعمل على تضمين خطابه جميع مطالب نتنياهو، وهكذا قضى أوباما ونتنياهو على عملية المفاوضات التي انخرط فيها محمود عباس، ودمر أوباما زخم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين عندما أعلن في خطابه أن توجه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وأن السلام لا يمك أن يفرض على الأطراف المتفاوضة، وأن الاتفاق بين فتح وحماس يضع عراقيل أمام عملية السلام، وتحفظ على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وأيد أن تكون الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة ومجردة من السلاح، وتحدث عن دعم أمن إسرائيل وتقويتها عسكرياً وليس عن أمن الفلسطينيين، وستقدم بلاده لإسرائيل مساعدات عسكرية للمحافظة على تفوقها العسكري في المنطقة.
ووجه صفعة قوية للمفاوض الفلسطيني وقال إن السلام لا يمكن أن يفرض على «إسرائيل» من قبل جيرانها، وأن التصويت داخل الأمم المتحدة لن يقيم أبداً دولة فلسطينية.
ودعا حماس إلى الاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود ورفض العنف والموافقة على الاتفاقات الموقعة، وردت حماس قائلة أن الإدارة الأمريكية ستفشل في إرغام حماس على الاعتراف بالاحتلال، وأن الإدارة الأمريكية منحازة بالكامل لصالح الاحتلال على حساب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته كاملة السيادة.
وعلق نتنياهو على خطاب أوباما أمام الإيباك وقال أوافق الرئيس رغبته في تشجيع السلام وأقدر جهوده الماضية والحالية لبلوغ هذا الهدف، واعترف بوجود تنسيق ممتاز مع إدارة أوباما أدى إلى الحظات المذكورة.
وأكد أوباما أن حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تقوم على حدود 1967 مع تبادل الأراضي وشددا على حل الدولتين دولة يهودية وطن للشعب اليهودي، وكل دولة لها الحق في تقرير المصير والاعتراف، وستختلف الحدود الجديدة عن حدود 1967، وقال إن الحدود قابلة للاتفاق حسب الواقع على الأرض أي القبول الفلسطيني بالمستوطنات، مما يعني تفريغ حدود 1967 من مضمونها.
وضع مسؤولية عدم التقدم بالمفاوضات على عاتق الطرفين: طرف يصر على الاستيطان والآخر انسحب من المفاوضات.
وابتعد أوباما عن موضوعي القدس واللاجئين متبنياً موقف نتنياهو منهما وركز على مسألتي الأمن والحدود، ووأد إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول، وهو مع إسرائيل في تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح.
ويمكن القول إن استجابة أوباما في خطابه أمام الإيباك لجميع الشروط التي وضعها نتنياهو ترمي إلى إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وأكد الخطاب انحياز إدارة أوباما الأعمى للمحتل الإسرائيلي على حساب الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وتناسى أوباما وضع الأقلية العربية في الكيان الصهيوني وتجاهل حقوقها والحملة العنصرية تجاهها، وأصبحت قضية القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم عواطف وليس أراض محتلة وحقوق دولية وقانون دولي إنساني وحقوق وطنية وقومية ودينية للعرب والمسلمين.
ووصف موفاز خطاب أوباما بالتاريخي إذ وضع خطوطه العريضة لتسوية مستقبلية، وقال عنه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أن الخطاب احتوى على أفكار مهمة للمضي قدماً في محادثات السلام.
شطب أوباما على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وتبنى موقف نتنياهو من بقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمة للكيان الصهيوني.
تبنى أوباما موقف نتنياهو في رفض اعتبارات الاستيطان غير شرعي.
ويمكن القول أن خطاب أوباما أمام منظمة الإيباك كما هي تماماً مع موقف نتنياهو، مما يجعل موافقة القيادة الفلسطينية على مشروع التسوية بالرعاية الأمريكية عبارة عن انتحار سياسي للقيادة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني وتنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني.
طرح نتنياهو ثوابته من تسوية الصراع وحصل على موافقة أوباما عليها في خطابه الثاني أمام الكونغرس.
أكد أوباما في خطابيه الأول في 19/5 والثاني في 22/5 تنكره لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي تعتبر الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محتلة يجب الانسحاب منها وعدم تغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي واعتبار أن المستوطنات غير شرعية وباطلة ويجب تفكيكها.
وتبنى أوباما موقف نتنياهو بالتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرار الأمم المتحدة رقم 194 وأسوة بالتعامل الدولي.
وأوباما لم يتنكر فقط لقرارات الشرعية الدولية التي وافقت عليها الولايات المتحدة وإنما أيضاً تنكر إلى روح خطابه في القاهرة في نيسان 2009.
يتطابق الموقف الأمريكي في مواضيع الحدود والاستيطان وتبادل الأراضي والأمن الإسرائيلي وقضية القدس مع مشروع نتنياهو لحل مشكلة «إسرائيل» وتصفية قضية فلسطين بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية والاعتراف الفلسطيني والعربي بالمشروع الصهيوني وتطبيع العلاقات معه على حساب الوطن والمواطن العربي.
وتقفز اقتراحات نتنياهو التي تبناها أوباما في خطابيه عن تنفيذ حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم من خلال اشتراط الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، وبذلك يتم تجاوز قضية اللاجئين.
وتتجاوز خطة نتنياهو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تنص على الانسحاب الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967: وتتلخص خطة نتنياهو للتسوية:
أولاً: رفض إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 ورفض قراري الأمم المتحدة 181 و194.
ثانياً: شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتوطينهم خارج وطنهم فلسطين.
ثالثاً: شطب قضية القدس الشرقية المحتلة باعتبارها محررة وليست محتلة انطلاقاً من الأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية التي تؤمن بها نتنياهو.
رابعاً: التمسك بمبدأ تبادل الأراضي تضم كتل المستعمرات الكبيرة في القدس وحولها وحول نابلس إلى الكيان الصهيوني.
خامساً: الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة كدولة للشعب اليهودي.
سادساً: الاعتراف الفلسطيني بنهاية الصراع وإسقاط جميع المطالب الفلسطينية من «إسرائيل».
سابعاً: بقاء منطقة الأغوار والمرتفعات الفلسطينية على طول نهر الأردن تحت سيطرة القوات الإسرائيلية.
ثامناً: يؤمن نتنياهو أن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محررة وليست محتلة خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وجميع الدول في العالم التي تعتبرها أراض محتلة يجب الانسحاب منها.
وأعلن نتنياهو بوقاحة منقطعة النظير وقال إن «إسرائيل» ستكون سخية بالنسبة إلى حجم الدولة الفلسطينية لكنها لن تعود إلى حدود عام 1967 ولن تقبل بتقسيم مدينة القدس وبعودة اللاجئين داخلها، وقال إنه على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة لتحقيق السلام التاريخي ويجب إدراك أن اليهود ليسوا محتلين في الضفة الغربية، وقال بعنجهية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني: «نحن لسنا محتلين غرباء، هذه أرض آبائنا أرض إسرائيل».
صمم عباس على اللجوء إلى الأمم المتحدة في أيلول القادم على الرغم من شكوكه بالنجاح في الحصول على عضوية المنظمة الدولية، وبالتالي فهو مصمم على الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالعضوية في المنظمة الدولية.
إذا لم يتحقق هذا الهدف فسيحصل على اعتراف غالبية دول العالم بالدولة الفلسطينية ونشوء زخم دولي يطالب من أجل إنهاء الملف الفلسطيني.
طالبت الإدارة الأمريكية عباس بالتراجع عن التوجه إلى الأمم المتحدة تجنباً لإحراجها نتيجة استخدامها للفيتو في مجلس الأمن.
ـ أرسل عباس مبعوثين (وفداً) إلى الإدارة الأمريكية لاستكشاف بديل مثمر مثل إطلاق المفاوضات على أساس حدود الرابع من حزيران، لكنه لم يحصل على أي جواب مشجع.
ـ أكد شعث أن عباس يطالب بما تطالبه السياسة الأمريكية وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وقال ذاهبون إلى الأمم المتحدة ليس من أجل إعلان الحرب على أحد، وإنما من أجل المطالبة بحقوقنا التي تعترف بها أمريكا.
ـ الإدارة الأمريكية تفضل العودة على المفاوضات بدلاً مما تسميه الخطوات الأحادية الجانب.
شعث: نتفاوض مع إسرائيل منذ 20 عاماً ولم تحقق أي تقدم الحياة 10/6/2011 لذلك لجأنا إلى الخيار الدولي.
ـ خطوة أبو مازن بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي يوصي الجمعية العامة بقبول عضوية الدولة الفلسطينية، وإذا حصل الطلب على ثلثي الأصوات ستحصل على العقوبة الكاملة وهذا لن يتحقق بسبب الفيتو الأمريكي.
الدولة موجودة في قرار التقسيم الذي بموجبه أقيم الكيان الصهيوني باستخدام القوة العسكرية ودعم الدول الغربية واغتصاب 78% من فلسطين العربية، فلسطين بحاجة إلى الاستقلال الوطني وممارسة السيادة وحق تقرير المصير وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وبالتالي تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتفعيل مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية وليس التشطيب عليها كما يطالب العدو الصهيوني، ووجوب معاقبة قادتها ومحاكمتهم والتعويض عن الخسائر والأضرار.
عريفات أبلغ كلنتون أن السلطة مستعدة لاستئناف المفاوضات غداة اعتراف الأمم المتحدة بالدولة على أساس الخطاب الأخير لباراك أوباما وإذا أبدى نتنياهو استعداداً مماثلاً وعلى الملأ.
وعلق عباس على معارضة «إسرائيل» توجهه إلى الأمم المتحدة وقال: «إن إسرائيل تعتقد أننا إذا ذهبنا إلى الأمم المتحدة فسنعمل على عزلها ونزع الشرعية عنها، وهذا أمر غير ممكن على الإطلاق، لأننا لا نريد عزل «إسرائيل» ولا نريد نزع شرعيتها بل على العكس نريد التعايش معها».
ارتكبت قيادة فتح ممثلة بياسر عرفات ومحمود عباس أكبر جريمة وطنية بحق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية في انخراطها في التسوية بالرعاية الأمريكية، وبالتالي قبولها بمعادلة التحكم الإسرائيلي ـ الأمريكي بمسار عملية المفاوضات ونتائجها وصولاً إلى الاتفاق على الحل النهائي، ووافقت على المفاوضات بالتخلي عن قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بإسرائيل في 78% من مساحة فلسطين والتخلي عن المقاومة والقضاء على الانتفاضة الأولى مقابل توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو ووقف الانتفاضة الثانية مقابل دخول أولمرت وليفني في المفاوضات مع مهندسي اتفاق أوسلو عباس وقريع.
إن التخلي عن قرارات الشرعية الدولية وعن مقاومة الاحتلال جعل التسوية السياسية برعاية الولايات المتحدة محددة بميزان قوى لمصلحة الكيان الصهيوني والاستعمار الاستيطاني اليهودي المدعوم بالراعي الأمريكي الحليف الاستراتيجي له والمعادي للحقوق الفلسطينية وللعروبة والإسلام، وأدى ذلك إلى جعل نتائج المفاوضات هي المرجعية وتقليص حدود الدولة الفلسطينية لصالح ضم كتل المستعمرات الكبيرة والأحياء والمستوطنات اليهودية في القدس الشرقية المحتلة من خلال فرض مبدأ تبادل الأراضي الذي وافقت عليه قيادة فتح ومنظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني، مما فتح شهية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي من أجل ضم أهم الأراضي وأكبر نسبة من تبادل الأراضي.
واتفق أوباما مع نتنياهو على جعل الدويلة المزمع إقامتها بدون سيادة كاملة من خلال تحديدها بدولة منزوعة السلاح، واستقطاع غور الأردن ومناطق أخرى بذريعة أنها ضرورية للأمن الإسرائيلي.
وجرى إسقاط حقوق اللاجئين واستحقاقات النكبة مما يشكل خروجاً عن البرنامج الوطني لفسح المجال أمام الكيان الصهيوني لتحقيق المزيد من الاستعمار الاستيطاني، وطرحت «إسرائيل» الدولة مقابل التشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، مما زاد من التفاف الشعب الفلسطيني حول حق العودة أكثر من أي فترة مضت.
أدى التخلي عن المقاومة وإسقاط حق وإلغاء الميثاق إلى حدوث خلل هائل في العملية التفاوضية لصالح الاحتلال وسياسته القائمة على الاستعمار واعتبار الأراضي المحتلة أرض الآباء والأجداد وأراض محررة وليست محتلة، وجاء الانقسام الذي رسخه الاحتلال والرباعية الدولية ليزيد من مأساوية الوضع الفلسطيني.
تتطابق مقترحات أوباما في خطابيه الأخيرين تماماً مع شروط نتنياهو للتسوية وتسعى الولايات المتحدة وقف المساعي الفلسطينية للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بتهديد السلطة بقطع المساعدات المالية.
إن توجه عباس إلى الأمم المتحدة لم يأت في إطار استراتيجية وطنية نضالية لفتح معركة مع الاحتلال على المستويات كافة، مما سيفسح المجال للمفاوض الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات دون تغيير في مرجعيتها وأسسها ومنطلقاتها، فالمفاوض الفلسطيني أسقط الخيارات الأخرى كافة، ويعتمد على التمويل الأمريكي والأوروبي.
يتطلب الاتجاه إلى الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ويجب أن يجري النقاش والمفاوضات على آليات تجسيد إقامتها على أرض الواقع وبإشراف الأمم المتحدة وتحت مظلتها لتطبيق جميع قراراتها بما فيها قرار العودة والتعويض رقم 194 والذي جرى التأكيد عليه 135 مرة في قراراتها.
أدى انحياز الحزبين الديمغرافي والجمهوري لسياسة إسرائيل الكولونيالية والعنصرية والإرهابية التي تراجع الرئيس أوباما عن موقفه من تجميد الاستيطان وعن الانتقادات التي وجهها لإسرائيل بهذا الخصوص.
وأدت الضغوط عليه إلى تبني الشروط الإسرائيلية بشأن المفاوضات والحل النهائي.
وتراجع أوباما في خطابه أمام الإيباك في 22/5 عن رؤيته وتبني رؤية الرئيس بوش الابن حيث طالب بضرورة أن يؤخذ بعين الاعتبار التغيرات التي وقعت في الضفة الغربية منذ احتلالها حتى اليوم بدلاً من معاقبة إسرائيل عليها.
ويعني هذا تبني أوباما لموقف نتنياهو الذي يطالب بضم الكتل الاستيطانية الكبيرة أيم حوالي 650 ألف مستعمر يهودي إلى الكيان الصهيوني، وبالتالي ربط أوباما حدود 1967 بمبدأ تبادل الأراضي وضم الكتل الاستيطانية، واتفق أوباما مع نتنياهو على أن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح (منزوعة السلاح).
عصفت الثورات العربية بالحكام المستبدين حلفاء الولايات المتحدة، بسبب تبعيتهم للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويسعى الرئيس أوباما على ركوب موجة ربيع الثورات العربية، فأيد ثورة مصر وتونس والمتمردين في ليبيا، وهاجم سورية وإيران وتوجه عباس إلى الأمم المتحدة.
وأخذت الثورات تغيّر من الواقع العربي، وأصبحت من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب لا يستطيعون الموافقة على تطلبه الولايات المتحدة.
فالرئيس أوباما يطالب القبول بالتغيرات الجغرافية والديمغرافية التي حققها الاحتلال الإسرائيلي باستخدام القوة العسكرية في حرب حزيران العدوانية عام 1967 بضم كتل المستعمرات الكبيرة إلى الكيان الصهيوني.
لذلك لا تقود سياسة أبواما إلى التوصل إلى حل سياسي عادل، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أوباما أن يتعامل مع العرب كما كان يتعامل مع الطاغية حسني مبارك.
إن الولايات المتحدة لا تصلح على الإطلاق القيام بدور الراعي لعملية التسوية لأن أوباما خضع كلية لنتنياهو من خلال اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة.
حددت الأمم المتحدة في القرار 181 حدود «إسرائيل» وحدود الدولة الفلسطينية، وكانت حدود العام 1967 حدود وقف إطلاق النار، لذلك المطلوب عودة «إسرائيل» إلى حدود قرار التقسيم، والتوجه لعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية بخصوص عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم أسوة بالتعامل الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية فالعرب يريدون استرجاع أراضيهم وحقوقهم المغتصبة وتدعيمها بالقانون الدولي وبمقاومة الاحتلال.
MsoNormalTable” dirrtl” border0″ cellspacing0″ cellpadding0″ width95%”>
التسوية الأمريكية وتصفية قضية فلسطين
تجسد عودة المفاوض الفلسطيني إلى المفاوضات مع كيان الاحتلال برعاية جون كيري، المؤيد بقوة لإسرائيل، وإشراف الصهيوني المتطرف مارتن أنديك، رضوخاً للترهيب والترغيب الأمريكي لمصلحة إسرائيل، وتلبية لمطامعها، وتحقيقاً لمخططاتها، ومكافأة لحكومة نتنياهو أكثر الحكومات الإسرائيلية عنصرية وفاشية واستعماراً استيطانياً في تاريخ الكيان الصهيوني، وتنازلاً خطيراً عن حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية وثوابت النضال الفلسطيني.
جاءت استجابة إدارة أوباما لشروط نتنياهو المسبقة ورفضه الانسحاب إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران عام 1967 وضم القدس بشطريها المحتلين وكتل المستعمرات الكبيرة الثلاث في الضفة الغربية ومن دون وقف الاستيطان، بمثابة التدمير الأكبر لإمكانية التوصل إلى حلول سياسية وتسوية عادلة على أساس مبادىء القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وتصفية الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وفي طليعتها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والانسحاب من القدس وبقية الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
كان من المفروض على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية رفض العودة إلى مفاوضات الإذعان من دون التزام إسرائيلي واضح بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، ووقف الاستيطان، وتفكيك جميع المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى رأسها القدس الشرقية المحتلة، وكان عليها أن ترفض رفضاً قاطعاً تبادل الأراضي لضم أكثر من 85٪ من المستعمرات اليهودية إلى الكيان الصهيوني.
وأظهرت العودة إلى المفاوضات رضوخ الرئيس الأمريكي أوباما إلى ابتزاز نتنياهو، حيث فشل أوباما في الحصول منه على إعلان إسرائيلي بتجميد الاستيطان، ورضوخ السلطة الفلسطينية للرئيس الأمريكي، ووافق نتنياهو على استئناف المفاوضات، بعد أن ضمن الخروج منها مستفيداً ورابحاً ومعززاً لمكانته بين الإسرائيليين والجاليات اليهودية، وربما الوحيد الذي سيصفي قضية فلسطين وينهي الصراع مع جامعة الدول العربية ويرسخ وجود الكيان الصهيوني في المنطقة.
سارت المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وتسير، بحسب المخططات والمصالح الإسرائيلية والأمريكية برعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي، وبدعم من آل سعود ونظام كمب ديفيد في القاهرة وجامعة الدول العربية، وذلك لتحقيق رؤية الدولتين التي أخذها الرئيس بوش من مشروع شارون للتسوية، وضمنها خارطة الطريق التي تبنتها الرباعية الدولية ووافق عليها رئيس السلطة الفلسطينية.
خططت إسرائيل بعد الحرب العدوانية التي أشعلتها إلى تجزئة الصراع العربي-الصهيوني إلى نزاعات إسرائيلية ومصرية وفلسطينية وأردنية وسورية ولبنانية للاستفراد بكل طرف عربي على حدة، والحصول على أكبر التنازلات عن الثوابت الوطنية والقومية وبيع قضية فلسطين التي أصبحت عبئاً على آل سعود وآل ثاني والجامعة العربية، وتجاوباً مع هذا التخطيط الصهيوني ورفع شعار القرار الفلسطيني المستقل وفصل قضية فلسطين عن بعديها العربي والإسلامي للتوصل إلى حل منفرد مع العدو برعاية واشنطن، بعدما بدأ التشكيك بجبهة الصمود والتصدي والثوابت الوطنية والقومية الفكرية والسياسية لقضية فلسطين، والحديث عن الواقعية والعقلانية وسلام الشجعان وإنقاذ ما يمكن انقاذه.
وكان الغزو الإسرائيلي إلى لبنان عام 1982 قد أدى إلى توقيع عرفات مع فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأمريكي – آنذاك- رونالد ريغان عدة اتفاقات تم بموجبها إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من بيروت وتوزيعها في تسعة أقطار عربية بعيدة عن فلسطين، وتحويل منظمة التحرير من منظمة سياسية مقرها تونس.
طرح الرئيس ريغان مبادرته لتسوية الصراع بعد يومين من خروج آخر مقاتل فلسطيني من بيروت وقبل انعقاد قمة فاس الأولى بيومين ليجدد إطار التسوية الأمريكية، ولتفرضها الولايات المتحدة على المفاوض الفلسطيني وبتغطية من جامعة الدول العربية.
أقرت قمة فاس مشروع الأمير السعودي فهد، وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي، وودع مشروع السلام العربي الخيار العسكري، واعتمد الخيار السياسي واعترف ضمناً بإسرائيل.
ووقع عرفات مع الملك حسين اتفاق عمان في 11 شباط 1985 واتفقا فيه على الكونفدرالية، كما أجبر الرئيس المخلوع مبارك منظمة التحرير في 7 تشرين الثاني 1985 على توقيع إعلان القاهرة المشؤوم الذي تضمن شجب منظمة التحرير الفلسطينية وإدانتها لجميع العمليات «الإرهابية» أي عمليات المقاومة ووقفها داخل الكيان الصهيوني.
اشتعلت الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة البطولية) بعفوية شعبية في أواخر عام 1987، وفاجأت القيادة الفلسطينية، وفشل العدو المحتمل بالقضاء عليها، فشكل قيادة تابعة لمنظمة التحرير، وأخذت الاستعداد لإلغاء الميثاق، والتخلي عن المقاومة المسلحة، والدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو، والتفاوض معه على أساس مبادرة ريغان واتفاق عمان وإعلان القاهرة، وإقامة دويلة في الضفة والقطاع.
وعقدت دورة المجلس الوطني التاسعة عشرة في الجزائر بتاريخ 12/11/1988، وكانت ست فصائل فلسطينية قد أعلنت مقاطعتها للدورة، ولكن معمر القذافي أقنع الجبهتين الشعبية والديمقراطية بالاشتراك.
عقدت دورة المجلس الوطني في الجزائر لحملة الموافقة على الشروط التي وضعها كيسنجر على منظمة التحرير الفلسطينية لبدء الحوار الأمريكي-الفلسطيني.
تضمن البيان السياسي لدورة الجزائر التوجه السلمي لمنظمة التحرير لتسوية قضية فلسطين، وانعقاد المفاوضات على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242و338، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وربط البيان السياسي الصادر عن المجلس الوطني العلاقة مع الأردن بالكونفدرالية بين دولتي الأردن وفلسطين، وتضمن البيان الختامي رفضاً للإرهاب (أي المقاومة) بكل أنواعه، والالتزام بإعلان القاهرة عام 1985.
عقدت دورة الجزائر لتقديم الاستجابة الرسمية للشروط التي وضعها هنري كيسنجر لبدء الحوار الأمريكي-الفلسطيني كمقدمة لبدء الحوار الإسرائيلي-الفلسطيني، وأكد عرفات في مؤتمره الصحفي بعد اختتام دورة الجزائر الهدف من عقدها قائلاً: «إن الكرة الآن في الملعب الأمريكي، وإن دورة الجزائر هي دورة من أجل السلام إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ترغبان في ذلك».
وهكذا اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بما سمي حق إسرائيل في الوجود وبالقرارين 242 و338 ونبذ الإرهاب (المقاومة)، ووافقت على الشروط الأمريكية الثلاثة التي فرضها كيسنجر على منظمة التحرير للاعتراف بها والتعامل معها.
اعتبرت الولايات المتحدة أن قرارات الجزائر غير واضحة وغير مستوفية للشروط الأمريكية، وقال الرئيس ريغان: «نحن نريد كلمات أكثر وضوحاً»، و«أكثر تحديداً».
قرأ عرفات بتاريخ 14/12/1988 في جنيف ما عرف ببيان جنيف الذي استجاب فيه حرفياً للصيغة التي طلبتها الإدارة الأمريكية، وكرر فيه رفضه وإدانته للمقاومة المسلحة والتخلي عنها، وأكد أن الرغبة في السلام استراتيجية وليست تكتيكاً، ولن يتراجع عنها إطلاقاً، وأن القرار 181 أساس الاستقلال، وأن القبول بالقرارين 242 و338 كأساس للمفاوضات مع إسرائيل.
وعلى الفور أصدر ريغان في اليوم نفسه أي في 14/12/1988 قراراً ينص على فتح الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير الفلسطينية، ووجه وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتس في اليوم نفسه أيضاً رسالتين إلى بيرس وشامير يقول فيها إن منظمة التحرير الفلسطينية قبلت بالقرارين 242 و338، واعترفت بصورة واضحة بحق إسرائيل بالوجود ونبذ الإرهاب، لذلك نعتزم بدء الحوار معها.
وأكد الرئيس ريغان أن الهدف من الحوار مع منظمة التحرير هو مساعدة إسرائيل على تحقيق الاعتراف بها والأمن لها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة.. لقد تراجعت القضية الفلسطينية بعد دورة الجزائر وحتى بداية التسعينيات من القرن العشرين.
وبسبب الاستعداد التنازلي عن الحقوق والثوابت والمحظورات الفلسطينية والعربية والإسلامية، وبسبب فقدان القيادة الجماعية للمنظمة، وهيمنة فتح على مؤسساتها وقراراتها وأموالها، وانتشار الفساد والإفساد والبترودولار في فتح ومنظمة التحرير، خشي العدو الصهيوني من ضعف ذلك، فأسرع وفتح مع قيادة المنظمة قناة اوسلو السرية، على الرغم من وجود الوفد الفلسطيني الرسمي المفاوض في واشنطن برئاسة د. حيدر عبد الشافي.
بدأت المفاوضات بين أحمد قريع والوفد الإسرائيلي المفاوض في اوسلو بتاريخ 20/1/1993 من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقيادات الفصائل الفلسطينية وبسرية تامة أشرف عليها الموساد، وتوصل أحمد قريع مع الجانب الإسرائيلي في الجولة الثانية عشرة بتاريخ 7/8/1993 إلى اتفاق في اوسلو على ما وضعه شيمون بيرس، حيث وصل بيرس وقاد الجولة الختامية الثانية عشرة لمفاوضات اوسلو السرية الظالمة والمظلمة في دهاليز اوسلو، ووقع عرفات اتفاق الإذعان في اوسلو في التاسع من آب 1993، كما وقعه محمود عباس في البيت الأبيض بحضور الرئيس كلينتون في 13 أيلول 1993.
علّق الرئيس حافظ الأسد على اتفاق اوسلو بقوله: «إن كل بند من بنوده يحتاج إلى اتفاق»، وعلّق عليه المفكر العالمي فلسطيني الأصل ادوارد سعيد بقوله: «إنه لم يسبق لأية حركة تحرر وطني في التاريخ أن باعت نفسها لأعدائها كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية».
لم يعترف اتفاق الإذعان في اوسلو بالشعب الفلسطيني، ولا بحقوقه الوطنية، ولا بانسحاب إسرائيل من القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولكن اعترف للكيان الصهيوني بالسيطرة على 78٪ من مساحة فلسطين العربية، وأبقى الـ 22٪ الباقية أراضي متنازعاً عليها، وحقق العدو المحتل من توقيعه عدة أهداف منها:
– إنهاء الاتفاقية الأولى التي عجز العدو عن إنهائها.
– إدانة المقاومة الفلسطينية البطولية، ونعتها بالإرهاب، والالتزام بالتخلي عنها، ومعاقبة رجالها.
– إقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني والتعاون بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية.
– إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور الرئيس كلينتون في غزة 1998.
– الموافقة على تهويد 20٪ من مدينة الخليل العربية.
وكان توقيع الإذعان في اوسلو نقطة تحول استراتيجية هامة في تاريخ الصراع العربي-الصهيوني، ووصف بيرس توقيع الاتفاق بثاني أكبر انتصار في تاريخ الحركة الصهيونية.
تمكن اولمرت وليفني في المفاوضات التي أجريت مع عباس وقريع في 2008 من انتزاع موافقة عباس على تبادل الأراضي لضم أكثر من 85٪ من المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، وتضمنت مبادرة السلام العربية التي وضعها اليهودي توماس فريدمان شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، كما تضمن التعديل الذي أجرته قطر على المبادرة العربية، وأعلن فيه حمد بن جاسم في أواخر نيسان 2013 من واشنطن موافقة الجامعة العربية على تبادل الأراضي.
وكان مؤتمر أنابوليس الذي عقده الرئيس بوش بناء على رغبة اولمرت بجلب السعودية إليه، قد تحول إلى لقاء عربي دولي لدفع عملية التسوية الأمريكية إلى الأمام، وجسدت مشاركة السعودية فيه بناء على طلب إسرائيل استعداداً سعودياً لفتح أسواق السعودية أمام المنتجات الإسرائيلية، وكان هدف اولمرت من جلب السعودية إلى مؤتمر أنابوليس تحقيق التطبيع الجماعي مع الدول العربية، وبناء مكانة إسرائيل الإقليمية وقيادتها لائتلاف إقليمي معتدل موجه ضد إيران وحركات المقاومة، وكان حضور الدول العربية مذهلاً في أنابوليس لنيل رضى وبركة الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية.
وتسير التسوية الأمريكية حالياً لتصفية قضية فلسطين بخطا سريعة، حيث بحث كيري في بداية آب 2013 مع الجامعة اليهودية الأمريكية حتمية التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني، وأشار إلى الالتزام الجاد الذي لمسه من نتنياهو وعباس، وأكد لهم كيري أنه متفائل إزاء المحادثات.
إن كيري مؤيد قوي لإسرائيل وواشنطن ويستطيع أن يحمل عباس على توقيع اتفاق الحل النهائي مع نتنياهو لتصفية قضية فلسطين، لاسيما أن الرئيس كارتر يعتقد أن نتنياهو على وشك أن يدخل التاريخ باعتباره البطل التاريخي الذي جاء بالسلام الكامل والنهائي لإسرائيل.