بن سلطان: في خدمة السيد أباً عن جد
السعودية مخلب أمريكا وسور إسرائيل.. المواجهة الأخيرة مع أشباه الرجال
نارام سرجون
بعض المفردات لا يمكن للقلم أن يرسمها إلا واليدُ على القلب والنبض لأن اليد ترتعش وصوت الحرف يتهدج.. مثل الكتابة عن بلد اسمه سورية.. أو العراق.. أو مدينة كدمشق أو حلب.. لا يمكن أن يسير القلم على الورق إلا كما يسير على طريق فوق الغمام أو الرخام أو الياسمين..
وبعض المفردات لا يمكن أن يكتب عنها كاتب إلا ويده على مسدس اللغة وزنادها.. لأن بعض المفردات صارت إهانة بحق اللغة وعارا بحق الكلام.. وهي تشبه أوراما خبيثة ودمامل في جسد اللغة.. بل إن ذكر اسمها يستدعي من الحروف أن تستغفر اللغة من اجتماعها على كلمة شريرة.. ولا تقدر اللغة الكريمة إلا أن تجلدها بالسوط وترجمها بلا رحمة أو أن تطلق الأعيرة النارية على أجساد تلك المفردات.. مثل إسرائيل.. والسعودية.. والجامعة العربية.. والمعارضة العربية.. والمعارضة السورية.. والأمم المتحدة.. وحقوق الإنسان.. والحرية والديمقراطية.. والثورات والربيع العربي.. والنفط.. والإسلاميون.. والإخوان المسلمون.. والائتلاف.. والجزيرة.. وقطر..
ولكن اسم السعودية بالذات صار من المفردات التي تريد اللغة نفسها التخلص منه غسلا للعار واعتذارا من التاريخ والله واللغة والجغرافيا والقواميس.. لأنه اسم عائلة يبلع بلدا عمره آلاف السنين وتفوح منه رائحة لم تصدر عن مفردة في العالم.. اسم تمرغ في النفط والظلام والمؤامرات ولا يتسرب منه إلا هواء حبيس مسموم قادم من بيوت بلا نوافذ مغلقة أبوابها منذ قرن كامل على أسرار كالثعابين.. مال حرام وإرهاب وتخلف وعائلة على أعلى ذروة من ذرى الفساد.. وبؤرة من بؤر الجهل القديم.. وجزيرة لأشباه الرجال..
إنني لا أحب إطلاق الرصاص على أحد.. ولكنني لا أقدر على منع الرصاص من ألا يغادر بنادق اللغة عند الحديث عن السعودية.. وفي عقيدتي أن الكلام الذي ليس له صوت الرصاص عند ذكر المفردات الوقحة فإن عليه أن يسجد للمسدسات والبنادق ويمسح لها فمها من رذاذ البارود وينافق الرصاصة والزناد.. وهاأنذا أريد من كلامي أن يضع رجله على رقاب المسدسات وعلى فوهات البنادق.. وأن يذيب الرصاص ليصنع منه كأسا يشرب بها النبيذ في مهرجاناته.. وسأوقد الشمع تلو الشمع ولن أهدي الظلام إلا النور والنار.. النار في قلب هذه المملكة السوداء..
نعم إن الحديث عن السعودية مؤلم جدا وذو شجون.. لأن في هذا البلد الورم العربي الكبير وقيحه الأسود وشريان الأمة النازف.. وفيه أيضا ينبوع الدين والثقافة التي صبغت حياة الشرق منذ خمسة عشر قرنا منذ أن نزل وحي من السماء وقال أول كلمة وهي: اقرأ.. فصار بلد اقرأ هو بلد “لا تقرأ”..
كيف يجتمع القيح الأسود مع ماء الينبوع ونزيف الشريان.. وأي مذاق سيجول في الحلوق وماء الينبوع صار ملوثا؟؟ مذاق تذوقه فم الشرق منذ عقود ولايزال وجهه منذ ذلك اليوم منقبضا والطعم الزنخ لا يغادر خياشيمه..
ربما لن نبالغ إذا قلنا إن في حديث الرئيس الأسد الأخير تم قطع حبل الوريد الأخير بين سورية والسعودية.. وتم الانفصال النهائي الذي تأجل عدة عقود.. الانفصال بدأ عام 2005 عندما قررت السعودية الانتقال من تدمير العراق إلى تدمير سورية بمكيدة الحريري.. عندها عرف السوريون أن السعودية قد انتقلت من التقية إلى الهجوم والمكاشفة لأول مرة في تاريخ العلاقة السورية السعودية.. وأن هذا البلد أحس أنه صار حرا من قيود الواجب والأخلاق العربية والإسلامية.. وأنه لم يعد لديه ما يخشاه من حياء أمام الشعوب..
كان السوريون ومنذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سورية وبعد ذلك وبالذات في عهد الرئيس حافظ الأسد يعاملون السعودية على أنها بؤرة قيح عربي وبركان خامل من القار الأسود ومخلب أمريكا الأول.. وهي أهم من إسرائيل في الحسابات الأمريكية.. لأن السعودية هي السور الذي يحمي إسرائيل وهي مخلب أمريكا الكبير وضرعها الذي يحلب النفط والمال.. لأن المكانة الروحية للسعودية تمكنها من تسيير عشرات الملايين من المسلمين في الاتجاه الذي تريده أمريكا.. وهي التي تملي عليهم أولويات دينهم ففيها بيت مال المسلمين وبيتهم الحرام ومملكة الوحي.. ومن الحرم المكي لا يقال مالا تريده أمريكا.. والحرم المكي كان في الحقيقة غرفة عمليات للولايات المتحدة في حرب أفغانستان وحرب العراق الأولى والثانية.. وحرب لبنان.. وحرب غزة.. وحرب ليبيا والربيع العربي.. والحرب على سورية.. فمن هناك تم تخدير مشاعر المسلمين لتحارب مع أمريكا أو لتسكت عنها..
فالتاريخ يقول إن أمريكا حاربت الروس بالإسلاميين الذين أرضعتهم السعودية من ثدييها النفطيين وفتاواها الوهابية.. وأمريكا حاربت ثورة الخميني بالتأثير والمال السعودي الذي جعل صدام حسين حارس البوابة الشرقية وعدو “الفرس المجوس”.. وأمريكا أوقفت عبد الناصر ومشروعه عبر التآمر السعودي عليه في اليمن وتسهيل هزيمة حزيران التي كان الملك فيصل المشجع الرئيسي لها كما أظهرت الوثائق.. والأهم أن السعودية منذ نشأتها لم تشكل سرية واحدة لمحاربة إسرائيل طوال ستة عقود وكل تنظيمات القاعدة التي فرّختها في مساجدها لم تحارب إسرائيل ولا تأتي على ذكر إسرائيل بسوء أو دعاء أو فتوى.. وأمريكا تتحكم باقتصاد العالم بالدولار الذي يسنده النفط السعودي ومجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية.. ولولا إصرار السعودية على بيع نفطها بالدولار بدل عملات الذهب فإن الدولار لا يساوي شيئا بعد أن تم فك ارتباطه برصيد الذهب الحقيقي.. وهذا دور لا تقدر عليه دولة في العالم.. إن السعودية هي بيت مال البيت الأبيض لأن البيت الأبيض موّل حرب أفغانستان من بيت مال المسلمين في السعودية.. وهو موّل عاصفة الصحراء من بيت مال المسلمين في السعودية (شهادة جيمس بيكر ومذكراته).. وهو موّل الحرب على إيران من بيت مال المسلمين في السعودية.. وهاهو الربيع العربي طحن مجموعة شعوب عربية لم يدفع الأمريكي فلسا واحدا ورصاصة واحدة لأن السعودية وثآليلها في قطر والخليج تدفع التكاليف قرشا قرشا..
هذا الجيب من القيح كان منضبطا ومحصورا بسبب ثلاث قوى تقدمية ناهضة كبيرة في الشمال هي كل تاريخ الشرق.. إنه خط دمشق- بغداد- القاهرة.. وهذه العواصم العريقة عملت كسدادات إيديولوجية على فوهات القيح العربي السعودي الأسود والإسلام الوهابي المشبوه.. وهذه العواصم هي التي ضغطت معنويا وأخلاقيا وفكريا على بؤرة القيح الفكرية ومنعتها من نشر المرض والصديد.. فالفكر وكهرباء الثقافة المتدفقان عبر كابلات الثورات من الشمال القومي والاشتراكي أغلق تسرب القيح الفكري الذي تخزنه السعودية كالدمّل والخرّاج.. وكانت السعودية تنافق هذه القوى وتخشاها وتمارس – بتنسيق محكم مع الأمريكيين والانكليز- دور التقية بالسير مع الجماعة وعدم معارضتها بل وتحاول حرفها عن سيرها عندما تتمكن وتوقع بينها.. إلى أن تم فتح ثغرة كبيرة بخروج مصر في كامب ديفيد تسببت في انزياح بعض الهم عن الكاهل السعودي وتراجع ثقل الشمال الضاغط ولم تبق فوق الدمل السعودي سوى دمشق وبغداد.. ثم نفذت السعودية عبر العراق لتتحالف معه مرحليا بحجة الخطر الفارسي وبقيت على غزلها المندس مع دمشق.. إلى أن سقطت بغداد..
كانت أول مناوشة علنية بين دمشق والرياض هي التي بدأها فاروق الشرع في التسعينات محتجا -ولاشك بإيحاء من الرئيس حافظ الأسد- عندما قرص السعودية من أذنها في انتقاد علني لسياستها في لقاء مع البعثيين على مدرج جامعة دمشق.. يومها قامت قيامة السعودية على فاروق الشرع ولم تجرؤ على المساس بالرئيس حافظ الأسد لأنها كانت منهمكة بالحرب على صدام حسين.. وكانت وفود السعوديين ورسائلهم إلى دمشق تطالب بمعاقبة الشرع بإقصائه في الظل..
بعد ذلك وجدت السعودية نفسها وقد تخلصت من عهد عبد الناصر في القاهرة الذي هزها ومن عهد البعث العراقي وصدام حسين الذي أثار قلقها الشديد بمغامراته وطموحاته.. ولم تبق أمامها إلا دمشق وما بقي من استمرار لمرحلة الرئيس حافظ الأسد عبر ابنه الرئيس بشار الأسد..
ولكن ما إن فرغ المخلب السعودي مع الأمريكيين من مرحلة صدام حسين عام 2003 حتى صار التحرك بسرعة سهلا للإجهاز على القوة الثالثة في دمشق التي شكلت عبئا نفسيا وأخلاقيا على السعودية وإسرائيل.. وبدأ الهجوم بعد عامين بالضبط في عام 2005 حيث قتل الحريري وأعلنت السعودية أنها معنية مباشرة بالدم والثأر وانخرطت في الحملة العنيفة لإخراج الجيش السوري أو ضربه في لبنان.. وفي العام التالي مباشرة كانت السعودية تدفع نحو دحر حزب الله لإعلان نهايته وعملت ما بوسعها لهزيمته.. لكن حجم المفاجأة كان مذهلا وكان عليها أن تنتظر حتى عام 2011 لتستأنف الهجوم الأخير على الهدف الأخير..
العلاقة مع السعودية بدأت بالانفصال الحقيقي منذ أزمة الحريري التي استعملتها السعودية كقميص عثمان.. ولكن عملية بتر السعودية من الشأن العربي بدأت عندما أعلن الرئيس بشار الأسد أن هناك أنصاف الرجال وكان يعني السعوديين بالدرجة الأولى.. وكان هذا أول هجوم علني على السعودية وعملية استغناء عنها وخلع القفازات الحريرية التي تغطي المخلب الأمريكي.. هذه المرة لم يكلف الأسد فاروق الشرع ولا أيا من مساعديه بل قالها بنفسه لأن الأذى الذي طال الأمة من السعودية لم يعد يحتاج مجاملة من أحد.. فالسعودية ساهمت بشكل رئيسي بتدمير العراق.. والسعودية ساهمت بتدمير لبنان ومؤازرة إسرائيل.. وهي لا تستحي من إعلان العداء للجيش السوري لإخراجه من لبنان لأن هذا يعني انكشاف سورية وحزب الله لإسرائيل..
كانت الهدنة السورية السعودية بعد خطاب “أنصاف الرجال” هدنة هشة لأن الطرفين كانا يعرفان أن حبل الود انقطع وأن كلا منهما مقبل على مواجهة يوما ما.. ستكون المواجهة الأخيرة بينهما.. فالسعوديون يعتقدون أن الأسد تحداهم علنا لأول مرة وهو يقف وحيدا بعد أن سقطت بغداد والقاهرة كل في سلة أمريكا.. وهو يرى أنهم أعلنوا الهجوم على سورية في لبنان دون أن يعتدي عليهم أحد والبادئ أظلم.. والسعوديون كانوا البادئين.. وكان يرى أيديهم ملطخة بدماء العراقيين حتى المرفقين بل وحتى الإبطين.. وكان الدم العراقي والليبي واللبناني والسوري يقطر من فم خادم الحرمين الشريفين على لحيته.. ولم تقدر كل أستار الكعبة على تنشيف فمه ولحيته ويديه من دمهم..
يقال الكثير عن التعنت السعودي في القضية السورية ولكن لا يوجد تحليل علمي إلا ويسخر من هذه المسرحية وتبادل الأدوار مع الأمريكيين.. وأكثر من يدرك هذا هو الرئيس الأسد نفسه الذي سخر من استقلالية القرار السعودي وأكد أنهم تابعون لا سادة.. وأن لا جدوى من مفاوضة العبد والمخلب.. وأنه قرر دفع المعركة حتى نهايتها الطبيعية وأن ما بين سورية والسعودية خندق عريض مليء بدم العرب الذي سفكه السعوديون.. ولن ينفع التمثيل بالتهديد بالطلاق بين أمريكا والسعودية لأن السعودية ليست زوجة لراعي البقر بل هي خليلة ومما ملكت أيمان أمريكا.. كما أن الملك السعودي موظف من موظفي الإدارة الأمريكية مثله مثل المستر بيف الأردني (الملك حسين).. وعلاوة على ذلك فإن عزل الملوك المسلمين هو أسهل عمل تقوم بها القوى المسيطرة على مؤسسات الحكم في دول مصنوعة بالقلم والمسطرة.. وكل أزرار التحكم فيها بيد الغرب.. والدليل عمليات العزل التي مارستها بريطانيا على ملك الأردن طلال وعلى والد شاه إيران وقرار عزلها لملك مصر فاروق أثناء الحرب العالمية الثانية.. وآخر المعزولين أمير قطر.. الذي عزل برسالة من ستة أسطر ونصف حسب ما ترويه الصالونات السياسية.. ولن تحتاج الولايات المتحدة إلى عزل أحد من الأسرة المالكة السعودية إلا إلى نسخة أخرى من الرسالة تغير فيها اسم المعزول.. واسم البديل..
لأول مرة تخوض السعودية حربا علنية مع دمشق كمخلب أمريكي دون قفازات عربية ولكنها لأول مرة تدرك معنى المغامرة ومعنى أن يبقى العدو شرسا للغاية وأنه بدأ يستدير نحوها.. تنظيمات الأسرة السعودية تخشى عودة الخط الممتد من دمشق إلى بغداد إلى الحياة.. وتخاف أن يتواصل مع خط القاهرة.. فهرولت إلى القاهرة بكل مالها لقطع التواصل بين الخطوط التقليدية للشرق.. وفتحت النار على بغداد بالتفجيرات.. وأعلنت شعار “مابعد بعد جرمانا” بقذائف الهاون.. وهي أنها لن تعود عن المعركة.. حتى تفوز برأس دمشق.. ففي دمشق قد يتواصل خط الشرق القديم وتتصل كابلات الطاقة السياسية ببعضها ويضيء الشرق من جديد بالفكر والنهضة الثقافية والفكرية واليقظة..
اللعبة الأمريكية السعودية تقضي بأن تستمر السعودية على وظيفتها كبيت مال للبيت الأبيض بحقن الفوضى الخلاقة بالمال والمجانين واستمرارها بإظهار الامتعاض والرفض لاتفاق جنيف وبالتالي استمرار العنف والمعارك على امتداد سورية والعراق حتى وإن كان صار من المعروف أن الانتصار العسكري للإسلاميين صار صفرا.. لأن الهدوء على الجبهة الشمالية سيفتح خط بغداد دمشق.. الذي قد يغري القاهرة بالعودة إلى ذلك الخط لاستئصال شأفة المد الإسلامي السياسي نهائيا..
هذا النوع من المواجهات المصيرية لا ينتهي بالتعادل مطلقا ولابد من فائز وخاسر.. واستعصاء إسقاط دمشق يعني أن المنطقة قد عاد لها الزعيم الطبيعي الشمالي وأن على الرياض أن تخضع لهذا الزعيم الطبيعي.. ولكنه يعني أيضا أن السعودية ستعيش في ظل عهد جديد ونظام شرق أوسطي جديد صار ينظر لها لأول مرة على أنها بلد الورم والدمل والقيح العربي.. وأن عليها أن تلعب لأول مرة وهي مكشوفة وعارية من أستار الكعبة.. ولكن هذا ما قد يدفع الولايات المتحدة لإجراء تغيير جذري في بنية العائلة المالكة السعودية لمواجهة المرحلة الجديدة وقد يتسبب ذلك في إقدام الولايات المتحدة على إجراء تغيير حاسم في طبيعة الحكم الملكي السعودي لمواجهة النظام الشرق أوسطي الجديد الذي يستدعي إقامة نظام خلافة إسلامية في مكة تحل محل الجامعة العربية التي توفيت والتي بالطبع لم تعد قادرة بعد اليوم على التحرك من غير ثقل دمشق وبغداد.. ولابد من إطار جديد للعمل العربي لاستيعاب الصراع الجديد بين الشمال العربي وجنوبه.. والحل الذي ذكره أكثر من أكاديمي غربي هو إعلان خلافة إسلامية مكية وذلك بعد تآكل التجربة الحزبية الإسلامية في تركيا ونذر نهايتها وضعفها وكذلك بعد انهيارها المفجع في مصر.. لأنه لا غنى عن استيعاب المنطقة في إطار ديني سياسي خاصة لمواجهة الحكم الديني الذكي في طهران.. ومنطق الخلافة لا يتماشى مع لا جاذبية العائلة السعودية المكروهة في طول العالم الإسلامي وعرضه..
الأشهر القادمة هي أشهر الوضع العسكري والسياسي وستولد منها مواليد الشرق الأوسط القادم من رحم الأزمة السورية.. من تركيا وحتى الخليج مرورا بتونس وليبيا.. ولذلك تبدو السعودية مستقتلة لإيقاف الولادة.. وقد وضعت سيناريوهات كثيرة وألاعيب شعارها الستاتيكو العسكري والسياسي والثرثرات المطولة حتى موعد الانتخابات الرئاسية السورية حيث ستحاول السعودية اللعب بورقة الحل السياسي طالما فشل الحل العسكري.. ولكن أكثر سيناريو لفت نظري هو الذي يبني على مقولة أن الجميع يؤمن بالحل السياسي للأزمة السورية -إلا السعودية- مع إصرار غامض على أن الحل لن يكون إلا بحكومة ذات صلاحيات.. ومن المثير للاستغراب أن هناك بعض مناقشات في معسكر الغرب لانتخابات ما رئاسية أو سياسية يتم فيها تداول أسماء منافسة للأسد.. وكلها تبدو شخصيات معارضة للأسد لكنها معارضة وناقدة للمعارضة السورية أيضا وبرنامجها بنفس الوقت.. ويتم تدريجيا تلميع بعض هذه الشخصيات التي ستبدو معتدلة جدا ورافضة للتدخل الخارجي ورافضة لما تسميه عنف الدولة ورافضة للإسلاميين.. ولذلك يطلب السعوديون في الكواليس قبل جنيف شرط تعديل الدستور لجعله قادرا على استيعاب الجميع للانتخابات.. من أجل التمهيد لطرح المرشح المفاجئ المعد بعناية فائقة على طريقة تسلل عزمي بشارة.. وسيكون اسمه عنوان إنهاء الأزمة السورية بمثابة رشوة للجمهور بإنهاء الأزمة نهائيا بشخص معارض توافقي له تصريحات ومواقف وطنية طنانة عبر انتخابات ديمقراطية..
ولكن السعودية صارت تدرك أنها بخسارة هذه المعركة عسكريا وسياسيا فإنها لن تكون السعودية التي عرفها الشرق منذ عقود وأنها على موعد مع تغير في ملامحها.. وعلى موعد مع رحلة قطار نحو شرق جديد..
السعودية باختصار بلد صار لا يناسب العصر القادم وهي من مخلفات مرحلة الاستعمار القديم.. ولا يناسب الشرق القادم ومعادلاته.. وهي بلد صار عبئا على الحضارة الإنسانية وعبئا على الشرق.. وهي سور إسرائيل المنيع.. ولاشك أن القرن الواحد والعشرين لا ينوي متابعة المسير مع العائلة المالكة السعودية لاعتبارات كثيرة لأن استمرارها محرج أخلاقيا.. وهناك بدائل كثيرة أقل إحراجا للحضارة والسياسة..
السعودية كما أسلفت (كمؤسسة حكم) هي من المفردات التي لا يمكن أن يكتب عنها كاتب إلا ويده على مسدس اللغة وزنادها.. لأنه إن أطلق عليها النار فسيتدفق من فمها دم إسرائيل.. فكلما صوبت وأطلقت النار عليها فكأنك أصبت إسرائيل قرب القلب..
السعودية.. هذه المفردة صارت إهانة بحق اللغة وعارا بحق الكلام والجغرافيا والسياسة والدين.. وحروفها المجموعة في كلمة تأكل اسم نجد والحجاز تشبه أوراما خبيثة ودمامل في جسد اللغة وجسد التاريخ.. وقد آن الأوان لأن نفقأ هذا الدمل.. وأن نطهر لسان اللغة بالعطر.. كي يبقى القلم يسير على الغمام.. لا على الدمامل والأورام!!
29 تشرين أول 2013