مناصرون لروسيا يتظاهرون في شبه جزيرة القرم-أوكرانيا أ ف ب
اقتحام برلمان القرم.. وظهور يانوكوفيتش
أوكرانيا: لحظة اصطدام بين «الناتو» وروسيا
وسيم إبراهيم
28 شباط 2014
عندما يُطلب من حلف «الناتو» إجمالُ موقفه، يقول إن ليس لديه مأخذ حقيقي على روسيا. لكن عند فرد كلامه تظهر المفارقة. لم يورد عبارة واحدة، إلا وحملت تحذيراً من تدخل روسي في أوكرانيا.
تكرر ذلك في بيانات «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) وتصريحات مسؤوليه، خلال يومين من اجتماع وزراء دفاع الحلف في بروكسل. الكلام الديبلوماسي لم يحجب عمق الخلاف: الحلف «الأطلسي» يدعم السلطة الجديدة، وموسكو تعتبرها غير شرعية.
قاعدة الأسطول الروسي في أوكرانيا كانت محط الأنظار والتعليقات. ليس فقط لأنها في إقليم القرم، حيث جبهة الصدام الآن بين داعمي روسيا والغرب.
فقبيل مصادقة البرلمان الأوكراني على تعيين أرسيني ياتسينيوك رئيساً للحكومة المؤقتة، سيطر حوالي 50 مسلحاً فجر أمس، على مقرّي الحكومة والبرلمان في سيمفروبول في شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا ورفعوا فوقهما العلم الروسي مانعين الموظفين من الوصول إلى المباني.
وقال النائب سيرغي كونيتسين، رئيس الوزراء السابق في القرم العضو في حزب فيتالي كليتشكو، إن المسلحين «مدرّبون تدريباً جيداً ومجهزون ببنادق دقيقة ولديهم ذخائر تكفي لشهر كامل»، موضحاً للبرلمان أنه قضى الليل على الهاتف مع أقربائه في القرم.
وردّت سلطات كييف الانتقالية بحدة، على هذه التطورات، حيث حذر الرئيس الأوكراني الانتقالي أوليكسندر تورتشينوف روسيا من أي محاولة لتحريك أسطولها المتمركز في مدينة سيباستوبول المجاورة.
وقال في البرلمان، «أتوجه إلى قادة أسطول البحر الأسود: على جميع العسكريين أن يلزموا المواقع المحددة في الاتفاقيات. إن أيّ تحركات لقوات مسلحة سيعتبر عدواناً عسكرياً».
من جهته، أعلن وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية الأوكرانية آرسين أفاكوف وضع مجمل قوات الشرطة ومن بينها القوات الخاصة في حال استنفار لتفادي وقوع «حمام دم بين السكان المدنيين» و«تطور الوضع إلى مواجهات مسلحة».
إلا أن موسكو أكدت فيه احترامها الاتفاقات الموقعة مع أوكرانيا حول الأسطول الروسي في البحر الاسود. ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية، أنه «في ما يتعلق بالتصريحات المتصلة بانتهاكات روسيا لاتفاقات حول الاسطول في البحر الاسود، نعلن أن الاسطول يطبق في الوقت الحالي الصعب تطبيقاً صارماً الاتفاقات ذات الصلة». وأضاف أن «تحرك بعض قطع أسطول البحر الأسود جرى وفق الاتفاقات ولم يكن يحتاج إلى أي موافقة».
إيغور دولغوف، الممثل الدائم لأوكرانيا لدى الحلف الأطلسي، أكد حصول تحرك لعربات مدرعة روسية خارج القاعدة البحرية. شارك دولغوف في اجتماع وزراء «الناتو»، مع وفد عسكري من بلاده ترأسه نائب وزير الدفاع.
ورداً على أسئلة لـ«السفير»، قال دولغوف إن «وجود القاعدة العسكرية محكوم فقط بالاتفاقية الموقعة مع روسيا، وهي لا تسمح بأي تدخل من قوات بلد آخر في أي تطورات سياسية في أوكرانيا، ونأمل أن تحترم روسيا هذه الاتفاقية التي يضمنها القانون الدولي، والناتو أيضاً يتوقع احترام روسيا لهذه الالتزامات».
الديبلوماسي الأوكراني شدّد على أن اتفاقية القاعدة البحرية لا تسمح بنزول قوات، وأنها تقتضي قيام روسيا بالتنسيق مع السلطات عند كل تحريك لقواتها، مؤكداً أنها ما لم تفعل ذلك هذه المرة.
لكن مثل الجميع، لم يشأ دولغوف توجيه انتقاد واضح، بالرغم من تأكيده حصول الانتهاك، بل قال بلهجة حذرة إن «أوكرانيا دولة لها سيادتها، ولذلك نتوقع من شركائنا الوفاء بالتزاماتهم».
انخراط الحلف الاطلسي في كييف لم ينتظر تصاعد الأزمة. أمينه العام أندرس فوغ راسموسن كان أول من علق على تراجع الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. قال وقتها إن الاتفاقية تشكل «مساهمة مهمة» للأمن الأوروبي. حينها وجد الحلف مبرراً لحشر نفسه حتى عندما كانت القضية سياسية بحتة، الآن لا يحتاج إلى مبررات. قال راسموسن أمس، إن أوكرانيا تمثل «القضية الأمنية الأكثر أهمية في أوروبا».
ولا يكتفي الحلف بترديد مخاوفه من تصاعد العنف والصدامات، بل بات يقف علناً خلف السلطات الجديدة، وأمينه العام يؤكد الاستعداد لدعم «التطور الديموقراطي». يضاف إلى ذلك، إصلاح الجيش، وفرض سيطرة السلطة «الديموقراطية» الجديدة على قطاع الاستخبارات. والمعروف أن الأخير كان يدعم يانوكوفيتش، بخلاف الجيش الذي وقف على الحياد.
لكن الأهم، هو الاحتكاك المتزايد مع روسيا. المناورات العسكرية لقواتها في الغرب رفعت درجة تحذيرات الأطلسيين، بالرغم من تأكيد موسكو أنها أعلمتهم بها مسبقاً، وأن لا معلومات تناقض ما أعلنته.
كانت تصريحاتهم، قبل أيام، تتحدث عن «ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا»، الآن بات «الناتو» يوجه رسائل إلى روسيا مباشرة، و«يحثها» على «الامتناع عن كل ما يمكن أن يُساء فهمه أو يؤدي إلى زيادة التوتر».
عند الحديث عن درجة انتقاد أكبر، يعود خطاب «الناتو» إلى الحذر والتعميم: «نحث الجميع على الامتناع عن الأفعال الاستفزازية».
وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل زاد من عيار «الحث»، وطالب موسكو أيضاً بعدم القيام بأفعال «يمكن أن يُساء تقديرها في وقت دقيق»، وقال إن الاتصال متواصل مع روسيا، عبر جميع القنوات الرسمية، لمعرفة نواياها من المناورات العسكرية المتزامنة مع زيادة التوتر في شرق أوكرانيا. الوقت الآن «لقيادة حكيمة وهادئة»، وليس «للأعمال الاستفزازية»، كما قال هايغل.
لهذا، لم يكن غريباً أن يأتي رد موسكو بالبريد السريع. الخارجية الروسية طالبت «الناتو» بالابتعاد عن «التصريحات الاستفزازية»، واحترام كون أوكرانيا بلداً حيادياً ليس عضواً في الحلف العسكري.
تبادل الانتقادات المبطنة يعكس الاصطفاف الجديد في أوكرانيا. روسيا لا تعترف بالسلطة الجديدة، وتطالب بالعودة إلى اتفاقيات ما قبل سقوط يانوكوفيتش، و«الأطلسي»، كما حال واشنطن وبروكسل، يدعم مسيرة «العهد الجديد» الموالي للغرب.
الاضطرابات في شبه جزيرة القرم اعتبرها «الأطلسي» تطوراً «خطيراً وغير مسؤول». كان يشير تحديداً إلى تحركات المجموعات المسلحة، المنبثقة عن جمعيات موالية لموسكو، بعدما احتلت مبنى برلمان الإقليم وحكومته.
الاتهامات للناتو بالتدخل بما لا يعنيه، يردّ عليها بأن أوكرانيا شريكة. ويشير مسؤولوه إلى الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وأنها تتضمن سلفاً المساعدة وضمان السيادة ووحدة الأراضي.
هنا تنتقل القضية إلى مستوى حساسية أعلى، فروسيا تعارض بشدة أي توسع لـ«الناتو» باتجاه حدودها. لذلك، ردّت مباشرة، عبر الخارجية، بأن مجرد اعتبار العضوية في «الناتو» ضمن الأولويات الغربية هو أمر غير مقبول، ويشكل محاولة «مرة أخرى ليقرروا عن الشعب الأوكراني».
ليس معروفاً كيف ستتطور هذه الاحتكاكات، في حال صعدت روسيا عبر الموالين لها، خصوصاً أن ممثلي أوكرانيا لا يخفون ارتياحهم من خطاب الحلف الأطلسي، وتقديمه نفسه حامياً لديموقراطيتها وسيادتها.
وبالرغم من التناحر بالتصريحات، يسود الاعتقاد بأن التدخل العسكري الروسي غير وارد. ممثلو أوكرانيا يذكّرون بوجود ضمانات دولية، تحميها من مخاطر التقسيم أو تصعيد يؤدي إلى حرب أهلية.
يعيد دولغوف التذكير باتفاقية «بودابست»، التي تعود للعام 1994، وتضمن بموجبها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. تخلت أوكرانيا عن أسلحتها النووية نتيجة لتوقيع تلك الاتفاقية، واللجوء إليها ممكن كاحتمال أخير كما يقول «هنالك آليات أوجدتها الاتفاقية، وفي حال حصول وضع متطرف يمكننا استخدامها».
إلى ذلك، عاد يانوكوفيتش الذي توارى تماماً عن الأنظار منذ إقالته، إلى الظهور أمس في روسيا، ليطلب من موسكو حمايته في وجه «المتطرفين». وأعلنت موسكو استجابتها لهذا الطلب.
وقال يانوكوفيتش عبر التلفزيون «ما زلت اعتبر نفسي الرئيس الشرعي للدولة الأوكرانية»، مضيفاً «أرى نفسي مرغماً على أن أطلب من سلطات روسيا الاتحادية ضمان حمايتي الشخصية في وجه الأعمال التي ينفذها متطرفون».
ومن المتوقع أن يتوجه يانوكوفيتش بكلمة اليوم إلى الأوكرانيين في مؤتمر صحافي في مدينة روستوف ـ نا ـ دونو في جنوب روسيا.
جريدة السفير