بقلم: جلال آل حبيب
أسوأ ما في السياسة هو أنها كاذبة، والتعريف الوحيد لها هو قدرة السياسي على النفاق والخداع. الأمر مع السلطة هو ذاته مع المعارضة. لأني لا أثق لا بهذه ولا بتلك، فإن الأمل الوحيد المتبقي هو الاطمئنان لقدرة الناس على الصمود، والصمود الأسطوري بالفعل هو التصدي لأكاذيب السلطة ولنفاق المعارضة وخداعها معاً. ولكن هناك فرق. كذب السلطة من السهل اكتشافه، ولا أحد سوف يقف في وجهك حينما تعلن صوتك ضده، إلا الذين نعرف أنهم دجالون كذابون مثل السلطة. ولكن المشكلة أن نفاق المعارضة وكذبها وخداعها ليس من السهل الحديث عنه، سوف يقولون عنك بأنك من هذا الحزب أو ذلك، أو أنك لا تؤمن بالمرجعية الدينية، وهناك كثيرون سوف يرمون عليك الكلام الذي لا يتوقفون عن فعله في مجالس النميمة و”الجمبزة” و“الضرب بالخمس“ على الهريس والهامور، حيث يقولون بأنك “تستغيب“ وترمي كلاما ليس فيه تقوى. وهؤلاء في الحقيقة هم صنيعة تلك المعارضة المخادعة.
بالله عليكم! أي معنى لأن يتحدث لنا معارض عن “الرؤية السياسية”، وكأنه يجلس في المطبخ المنزلي، ويعد وجبة طعام لشخصين؟! ينسى هؤلاء دوما كيف كانوا، وكيف أصبحوا! يظنون أن ذاكرة الناس مخرومة مثل أفعالهم وأقوالهم المتناقصة التي تتبدل بتبدّل أحوال الطقس وتغيّر الأماكن، فداخل البلاد كلام وخارج البلاد كلام آخر، وفي صيف أغسطس كلام وحين يأتي شتاء فبراير يتغير الكلام رأسا على عقب. هؤلاء المعارضون مثلهم مثل ذلك الرجل الذي أراد أن يُبدع في السياسة فابتكر نظرية “الآلوة الحارة”، وعندما شاءت الظروف أن يكون وزيرا؛ فعل ما فعله الجزّار ضد المعارضة، فكذّب ونافق وشرَّع القمع والظلم، فكان “المعارض الوزير” الذي حاور “المعارضين”، وباسمه كان توقيع إغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان. الرجل نفسه، وبعد أن تغيّرت عليه الرياح، يرمي تارة كلمة فيها “معارضة وردية”، ثم يغيب طويلا، وحين يتحرك في داخله الحنين للعب دور المعارض، يعود وينشر “كلمة ونص” فيها معارضة “رمادية”. ثم يريد من الناس أن يصدقوا بأنه معارض لفجور النظام؟!
قد تكون الحالة أكثر تأثيرا على “المعدة” عندما يكون الموضوع متعلقا بالمعارضين الذين لا يملون عن اعتبار أنفسهم معارضين أكفاء، وأنهم يمكن أن يكونوا قادة في مقاطعة البرلمان، وفي المشاركة بالبرلمان، وأنهم يمكن أن يكونوا الأنجح في الحوار مع النظام، وفي الوقوف في وجه النظام، وأن بيدهم تتحرك خيوط الحل والعقد كما تتحرك خيوط الليل والنهار. يوهمون الناس وأنفسهم بذلك وهم لا يكفون في السر والعلن عن الضرب تحت الحزام، واللف والدوران على أولئك الذين يبرهنون أنهم أصلب من مقراتهم المغلقة، وأثبت من قادتهم الذين كانوا يلهبون المنصات والساحات بالوعيد والتهديد، ثم خمدوا مثل “أهل الكهف” بعد أن أصابهم القليل مما أصاب شبان وشابات البحرين في غرف التعذيب، ولكن هؤلاء لم يخمدوا، ولم يستسلموا، وظلوا مثل النخلة الشامخة، ولكن من غير أن يتسرب إليهم ما يتسرب في ذلك السياسي المعارض الذي ظن في يوم من الأيام أن احتكاره لمفاتيح “الوفاق” في الخارج؛ يؤهله لأن يطعن في شباب الحراك، ويتفلسف في تكتيكاتهم الميدانية، وهو يفعل ذلك وكأنه وريث نيلسون مانديلا أو أحد تلامذه حسن مشيمع، وهو في الحقيقة لا يقوى على اتّباع مدرسة مانديلا، ولم يكن يحمل ودّا لمشيمع، لا في الماضي ولا في الحاضر.
لقد أصابني بالقرف هؤلاء المعارضون – والكهنة الذين يقفون وراءهم – الذين يتحدثون عن الحوار والمصالحة وخارطة الطريق والرؤية السياسية للاقتراب من النظام، في الوقت الذي يحتفل الناس بذكرى الشهداء، ويرددون شعارات دوار اللؤلوة الداعية لإسقاط آل خليفة. إنهم مقرفون، والعلاج أن نتعلم كيف نفلت منهم، كما نفلت من النظام، فالدكتاتورية هنا وجهان لعملة واحدة، وعلينا ألا نصدق شيئا منهم ولو ظهروا في الشاشات وهم يزلزلون الذبذبات الصوتية، ولو ظن بعض طيبي القلب بأنهم قاب قوسين أو أقرب إلى إعلان المقاومة “المسلحة”!! لقد تشرب هؤلاء المعارضون الخداع علينا، كما استمرأ النظام ضربنا، وقمعنا، وقتلنا في الصبح والمساء.