اعتبر الكاتب الأميركي توماس فريدمان، أن سوريا أصبحت الآن أخطر مكان على وجه الأرض؛ نظراً إلى حالة الحرب التي تعيشها البلاد منذ 7 سنوات، والكل فيها يقاتل الكل، دون وجود أفق واضح للحل، فيما بات الفريق الذي قد يتمكن من حسم الصراع في سوريا هو خاسر أيضاً.
وقال فريدمان، في مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء 14 فبراير/شباط 2018، إنه تراجع عن خلاصة وصل لها في مقال قبل أسابيع، بأن شبه الجزيرة الكورية هي أخطر مكان على سطح الأرض، لصالح الوضع في سوريا.
وأضاف الكاتب الأميركي: “لما كنتُ واقفاً على الحدود السورية-الإسرائيلية بالجولان، منذ أسبوعين، كتبتُ مقالاً افترضتُ فيه أنَّ هذه الحدود هي (ثاني أخطر) منطقة حرب في عالم اليوم، بعد شبه الجزيرة الكورية. وإنَّني الآن -سيداتي وسادتي- أطلب مراجعة هذا المقال وتعديله”.
واستكمل فريدمان: “بعدما شاهدتُ افتتاحية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، حيث سار الرياضيون من كوريا الشمالية والجنوبية جنباً إلى جنب، إلى الاستاد، في احتفالية محبة، وبعد مشاهدة إسرائيل تسقط طائرة إيرانية من دون طيار قادمة من سوريا، وتقصف قاعدة إيرانية بسوريا، وتفقد واحدة من طائراتها من طراز (F-16) جراء صاروخ سوري، وبعد أن قتلت المقاتلات الأميركية مجموعة من الـ(متعاقدين) الروس الذين اقتربوا أكثر مما ينبغي من قواتنا في سوريا.. بعد كل ذلك، فإنَّني أعتقد الآن أنَّ الحدود السورية-الإسرائيلية-اللبنانية هي أخطر ركن في العالم”.
وتسائل فريدمان: “هل ثمة مكان آخر في العالم تجد به قوات سورية وروسية وأميركية وإيرانية وتركية، تستعد للقتال على الأرض والجو، جنباً إلى جنب مع ميليشيات من المرتزقة الشيعة الموالين لإيران من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، ومقاتلين أكراد موالين للولايات المتحدة من شمال سوريا، وبقايا داعش، ومجموعات متنوعة من المعارضين السُنَّة الموالين للسعودية والأردن والمعادية للنظام السوري، و(متعاقدين) من الروس الأرثوذكس القوزاق الموالين للنظام السوري والذين ذهبوا إلى سوريا للدفاع عن روسيا الأم ضد (الهمجيين المجانين) -(إنَّني لا أختلق هذا الأمر!)ـ كل أولئك يحتكون بعضهم ببعض؟”.
وتابع كما “فقدت روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل الأسبوع الماضي، في بحر أسبوع واحد فقط، طائرة لكل منها، بعد تعرُّضها لنيرانٍ معادية” في سوريا.
مكان لا يمكن وصفه إلا بـ”برميل البارود”
وقال فريدمان إنَّ مصطلح “برميل البارود” إنما اختُرع وصفاً لهذا المكان. ولا يمكن لمصطلح “أرض معركة ثلاثية الأبعاد” أن يكون حتى قريباً من وصف تعقيد الوضع. فنحن إزاء أرض معركة متعددة الأبعاد، تتطلب حاسوباً كمّياً ليستوعب هذا العدد الضخم من الفاعلين، والولاءات المتحركة، وخطوط الصراع.
لكن، لو أنَّ هذه القصة قد باغتتك وتركتك نهباً للحيرة فيما يتعلق بالسياسة التي ينبغي للولايات المتحدة اتباعها، فدعني أحل هذه العقدة من أجلك.
وبحسب فريدمان، فإن الخبر الجيد والسيئ في آن، فيما يتعلق بهذه الحرب، هو أنَّ كل الأطراف المعنيَّة تقودها قاعدة حديدية واحدة: ليس في مصلحة أحد أن يكسب هذه الحرب. إنَّ هذه الحرب هي أقصى مَثل لتأجير الحرب. فكل طرف يريد أن يزيد من مصالحه ويقلل من نفوذ خصومه، عبر تعريض أقل عدد ممكن من جنوده للخطر، والقتال من أجل تحقيق أهدافه باستخدام القوة الجوية، والمرتزقة والمتمردين المحليين.
لقد تعلموا جميعاً -روسيا تعلمت من أفغانستان، وإيران تعلمت من الحرب الإيرانية العراقية، وإسرائيل من جنوب لبنان، والولايات المتحدة من العراق وأفغانستان- أنَّ شعوبهم لن تتسامح مع أعداد كبيرة من توابيت الجنود القتلى بأي معركةٍ برية في الشرق الأوسط، بحسب المقال.
مصالح الفرقاء في سوريا
وبحسب المقال، فإن بوتين يريد أن يكون قادراً على إخبار الروس بأنَّ “روسيا عادت” قوةً عظمى وأنَّه المتحكم الحقيقي في سوريا، لكنَّه لا يُعرِّض أي جنود روس للخطر. وبدلاً من ذلك، يستخدم بوتين إيران لتوفير القوات البرية، ومتعاقدين مثل القوزاق المذكورين أعلاه، من شركةٍ روسية خاصة تُدعى “فاغنر”، للقتال والموت مثلما سقط العشرات منذ أيام في ضربة جوية أميركية على الأرض.
أما إيران، التي شهدت لتوّها انتفاضة من جانب شعبها -المُطالِب بأن تنفق طهران أموالها في الداخل لا في سوريا- والتي تعاقدت معها روسيا بالباطن من أجل الحرب البرية، فإنَّها بدورها تتعاقد من الباطن مع وكلائها -حزب الله، ومرتزقة شيعة كثيرين من العراق وباكستان وأفغانستان- للاضطلاع بالحرب البرية. وبهذه الطريقة، يمكن لإيران أن تتحكم في دمشق، وأن تستعمل سوريا كقاعدة أمامية للضغط على إسرائيل، لكنَّها تدفع “بالجملة” لا “بالتجزئة”، بحسب فريدمان.
وتقدم القوات الأميركية الخاصة التسليح والنصح للمقاتلين الأكراد من شمال سوريا؛ للاضطلاع بالحرب البرية ضد داعش. بينما تستخدم تركيا المعارضين السُنّة للقتال ضد أولئك الأكراد ذاتهم. وتستخدم دول الخليج والأردن، جميعهم، معارضين سُنّة كثيرين، للقتال ضد قوات النظام الموالية للإيرانيين والشيعة، بينما تستخدم إسرائيل الذراع الطولى لقواتها الجوية.
قاعدة متجر الفخار
وقال فريدمان: “كنت قد كتبتُ مقالاً في 2003، بالفترة التي سبقت الإطاحة -التي كنتُ أدعمها- لصدام حسين، وحذَّرتُ فيه من (أنَّ القاعدة الأولى لأي غزو للعراق هي قاعدة متجر الفخار: لو كسرت شيئاً، فقد اشتريته وأصبح ملكاً لك. ولو كسرنا العراق، فقد أصبح تحت مسؤوليتنا).
وكذا، فإنَّ القاعدة الثابتة في سوريا اليوم: (لو فزت بسوريا، فأنت مسؤولٌ عن إصلاحها). ولما لم يكن هناك مَن يريد تحمُّل مسؤولية إصلاح سوريا -وهو مشروع عملاق- فجميعهم يريدون (تأجير) نفوذهم هناك فحسب”، كما يرى فريدمان.
هناك شيءٌ ما في هذه الحرب، من السمات المُميِّزة للقرن الـ21.
وأشار فريدمان إلى أن عدم امتلاك أي طرف محلي ما يكفي من النفوذ والموارد -أو الرغبة في التنازل- لإعادة استقرار سوريا من هذا الدرك، وكذلك عدم امتلاك أي طرف خارجي استعداداً لاستثمار النفوذ والموارد الكافيَين لفرض الاستقرار على سوريا- يعد أمراً مزعجاً.
وبحسب فريدمان، فإن “الخبر الجيد”، نوعاً ما، هو أنَّه بسبب أنَّ الجميع “كارهون للخسارة” في سوريا، فمن المستبعد أن يصبح أي طرف شديد التهور؛ إذ سيستمر الإيرانيون وحزب الله -على الأرجح- في همز إسرائيل ووكزها، لكن ليس إلى درجة تجعل الإسرائيليين يقومون بما هم قادرون على القيام به؛ ألا وهو تدمير كل ضواحي حزب الله في لبنان وضرب الداخل الإيراني بالصواريخ؛ وتعلم إسرائيل أنَّ ممرها عالي التقنية بطول سهولها الساحلية سيُدمَّر بالصواريخ الإيرانية رداً على ذلك.
ولا يريد الأتراك الدخول في حربٍ ضد أميركا. ولا تريد أميركا حرباً مع روسيا، بينما يريد الروس فحسب امتصاص أكبر قدر ممكن من النفط من سوريا واستخدام البلد كقاعدة ومصدر لتعزيز الكبرياء الروسية، دون الاصطدام بأي أحد؛ لأنهم أضعف كثيراً مما يبدون.
وختم الكاتب الأميركي مقاله بقوله: “ربما، في نهاية الماطف، سيتعب هؤلاء الفاعلون ويتوصلون إلى اتفاقٍ لتقاسم السلطة بسوريا، كما فعل اللبنانيون في النهاية عام 1989 لإنهاء حربهم الأهلية. مع ذلك، استغرق الأمر من اللبنانيين 14 عاماً ليتعقَّلوا. لذا، استعِدوا للمزيد من الأخبار من سوريا”.