أنور ياسين
كشفت وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، عن مخطط لاستيعاب أكثر من مئة الف يهودي فرنسي ونقلهم إلى داخل فلسطين المحتلة، خلال مدة أقصاها اثني عشرة عاما، وذكرت مصادر صحافية مطلعة أن الخطة التي بدأ العمل بها منذ العام 2014 وتستمر حتى العام 2026، بدأت تعطي ثمارها، حيث سجل في النصف الاول من عام 2017 وصول 1.211 مستوطن فرنسي إلى فلسطين.
وفي دراسة أجرتها جامعة بار إيلان الاسرائيلية يتبين أن الفائدة الاقتصادية المتوقعة للاقتصاد الإسرائيلي جراء استيعاب المستوطنين اليهود الفرنسيين، تصل إلى ما يزيد عن 65 مليار شكيل.
ويبدو أن القاعدة التي تقوم عليها الخطة الصهيونية الجديدة لاستجلاب اليهود الفرنسيين إلى فلسطين لا تختلف بمضمونها عن سابقاتها، وهي تعتمد على إثارة الخوف لدى اليهود الآمنين في أوطانهم وارتكاب جرائم بحقهم باسم أعداء مفتعلين، كما حصل في الكثير من البلدان العربية لا سيما في العراق، أو تقديم مغريات مالية كبيرة وتشجيع أصحاب روؤس الاموال الضخمة لارتكاب جرائم مالية في دولهم، أقلها التهرب الضريبي، ومن ثم كشفهم أمام مصلحة الضرائب في تلك البلدان، وبالمقابل تأمين الملجأ الامن لهم داخل فلسطين المحتلة فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، من ناحية تستفيد من استقدامهم مع كل ما يملكون من إمكانيات مختلفة، ومن ناحية أخرى تبتزهم بالبقاء تحت رحمتها بحجة حمايتهم من الملاحقة القانونية نتيجة جرائمهم المالية التي شجعتهم لارتكابها.
الصحافية المتخصصة بالشؤون القضائية في صحيفة غلوبس الاقتصادية العبرية )أيله لفي فينريف(، ادعت كشفها معلومات خطرة عن قيام مصلحة الضرائب الفرنسية بإنشاء دائرة سرية لملاحقة اليهود الفرنسيين المتهربين من دفع الضرائب والذين يلجؤون إلى إسرائيل، وذكرت في تحقيق تفردت بنشره، بتاريخ 28/12/2017 معلومات دقيقة عن عنوان هذه الدائرة، في باريس في المربع رقم 12 في شارع برسي على ضفاف نهر السين في الطابق 13 من مبنى وزارة المالية.
اللافت في الموضوع أن هذه المعطيات لم تكن مفاجئة،لا سيما للجهات الامنية الاسرائيلية التي على ما يبدو تقف خلف تنفيذ هذه الخطة، وتبين أن الحديث يدور منذ سنوات عن حركة شراء عقارات واستثمارات مكثفة في إسرائيل من قبل يهود فرنسيين، منهم مستوطنون جدد ومنهم لا. وقد تزامن ذلك مع الحديث عن تحقيقات دولية عدة مع بعض الفرنسيين اليهود بتهم تهرب ضريبي على مستويات عالية، وتبييض أموال في إسرائيل عبر شراء عقارات، ما أثار انتباه السلطات الفرنسية وأنار الضوء الأحمر في مصلحة الضرائب التي قررت وضع”علامة استفهام” على يهود فرنسا.
صحيفة غلوبس الاقتصادية التي تفردت بالخبر، أوضحت أنه في العام 2016 أقامت مصلحة الضرائب الفرنسية دائرة خاصة تضم 20 موظف يتكلمون اللغة العبرية، وتعمل على تجنيد موظفين إضافيين، بمواصفات محددة، ما يؤكد أن الحديث عن دائرة غير اعتيادية، ولا مثيل لها في العالم، حيث أنه لم يسبق أن أقدمت أي من مصالح الضرائب في أي من دول العالم على إنشاء دوائر خاصة للضرائب على خلفية قومية أو دينية،أو عرقية، وهو أمر يتناقض أيضا مع الدستوري الفرنسي، الذي يعتبر فرنسا دولة علمانية، ويمنع تعريف الأشخاص وفقا لانتمائهم الديني أو العرقي. لقد شهد العالم في حقبات سابقة تأليف طواقم تحقيق لمتابعة أمور مالية مشكك فيها لجهة تهرب ضريبي، أو عليها إشارة تضخم في رأس المال الأسود، مثل سوق العقارات أو سوق الألماس، الا أن إنشاء قسم خاص يتبع الجنسية أو الدين، فهذا أمر غير مسبوق.
إذا الدائرة الفرنسية السرية أنشئت لمتابعة يهود فرنسا المتهربين من الضرائب وجندت لأجل ذلك موظفين ذات خبرة عالية، وفهم عميق في القانون الإسرائيلي، بهدف الوصول إلى حقائق، ما إذا كان اليهود الفرنسيين يستخدمون تلك القوانين الإسرائيلية لتجاوز القانون الفرنسي للضرائب، وبات واضحا أن هدف هذه الدائرة هو القاء القبض على المتهربين من دفع الضرائب ويستخدمون إسرائيل كمأوى لهم.
أحد المحامين، المتابعين عن قرب لهذه الدائرة السرية، والذي يعرف شخصيا عدد من موظفيها، كشف أن جزء من العاملين فيها، كان قد عاش في إسرائيل قبل أن يعود إلى فرنسا، وقال حرفيا (الفرنسيون جندوا فرنسيين يتحدثون العبرية، وجزء منهم سكن في إسرائيل وعاش فيها).
وحصلت غلوبس على معلومات، أن جزء من نشاط الدائرة محاولة الوصول الى موظفين في دائرة السجلات العقارية في إسرائيل لمعرفة أسماء مواطنين فرنسيين يهود اشتروا أملاك في إسرائيل. في حين أن المحققون في هذه الدائرة يبحثون عبر الخرائط والشوارع المركزية في المدن الاسرائيلية المختلفة، لا سيما في تل ابيب، وهرتسليا، ورعنانا ونتانيا، والقدس، عن أماكن تمت فيها الصفقات، لشراء عقارات من قبل يهود فرنسا، وقد نجحوا في استخراج سجلات عقارية وأوراق طابو، وبحثوا في تفاصيل الصفقات، لا سيما التي فيها شخصيات أجنبية ومن بينها جنسيات فرنسية. ودقق المحققون في هذه الصفقات وقارنوها مع معلومات لديهم، ومع إفادات إسرائيليين من أصول فرنسية، واستدعوا للتحقيق كل من ثبت عدم تصريحه عن أملاكه في إسرائيل.
وأوردت غلوبس ما حدث مع أحد المتمولين اليهود الفرنسيين، عندما استدعي الى تلك الدائرة السرية برفقة محاميه، قبل أن يعلم عن عملها شيء، وخلال التصريح عن أملاكه وأمواله، أبرز المحققون بوجهه وأمام المحامي وثائق وسجلات طابو بكل الشقق التي يملكها في إسرائيل، وتساءل المحامي عندها باستغراب عن المصوغ القانوني لهذا العمل، ما دفع المحققين وخلال حديث جانبي معه، الى الكشف عن حقيقة ما يجري، والتعريف بهذه الدائرة الخاصة باليهود الفرنسيين المتهربين من الضرائب.
إلا أن السفارة الفرنسية في تل ابيب، وبعد انتشار الخبر، واستنادا إلى موقف السلطات الفرنسية، نفت هذه المعلومات واعتبرتها محظ افتراء، وأوضحت أن سلطات بلادها وفي إطار مكافحة التهرب الضريبي ،تقوم بإجراء تحقيقات لحالات فردية وذلك ضمن الإتفاقات الدولية، وتنفي بشكل قاطع وجود هذه الدائرة الخاصة باليهود، وتؤكد أن حساب الضرائب في فرنسا يستند إلى اعتبارات المخاطر الاقتصادية الوطنية وبالتالي ليس له علاقة بالإنتماء الجنسي والديني والعرقي لدافعي الضرائب، وأضافت أنه من المتوقع في العام المقبل أن يتم تبادل المعلومات بصورة آلية ضمن ربط 100 دولة أعضاء ب DCEO
إلا أن الخطوات العملية على الارض تؤكد وجود هذه الدائرة حيث تشير المعلومات أن مصلحة الضرائب الفرنسية بدأت وبواسطة هذه الدائرة الخاصة إجراء تحقيق دقيق مع مواطني فرنسا اليهود الذين يقدمون أوراق هجرة إلى إسرائيل، ويتم التحقق من أملاكهم وأموالهم وكل ما لديهم وما اذا كانوا قد صرحوا عنها في الماضي لمصلحة الضرائب الفرنسية أم لا، ومدى ارتباط ذلك بهدف الهجرة إلى إسرائيل.
وقالت (غلوبس) أن مصلحة الضرائب الفرنسية، هي واحدة من المصالح المركزية التي توجهت بطلبات إلى مصلحة الضرائب الإسرائيلية للحصول منها على معلومات عن مواطنين فرنسيين لديهم أملاك في إسرائيل، الا أن اغلب تلك الطلبات تم رفضها بحجة ” عدم استيفائها شروط المعاهدات لتبادل المعلومات “
ما أثار حفيظة مصلحة الضرائب الفرنسية أكثر تجاه اليهود الفرنسيين، لا سيما بعد انكشاف الفضائح الجنائية الكبيرة التي حصلت خلال السنوات الأخيرة والتي في إطارها تم الكشف عن اختفاء مئات الملايين من اليورو، وحتى مليارات في تبيض أموال، وتبين أن من قاموا بذلك تخفوا وراء إسرائيل التي بدورها تبنتهم وتبنت أموالهم وحمتهم في حضنها.وإن إحدى تلك الفضائح الكبيرة مرتبطة باليهودي الفرنسي (أرنو ميمران) الذي حكم عليه ثماني سنوات في محكمة باريس لعلاقته في( قضية احتيال القرن) في شهر يوليو الماضي، والمرتبطة بالتجارة والضرائب وانبعاث الكربون إلى الغلاف الجوي وفقا للادعاء الفرنسي، حيث تمت محاكمة ميمران كمتهم رئيسي بجرم الاحتيال بحجم 282 مليون يورو.. ومعه بالقضية عينها أحد عشرة متهم، 6 منهم يهود فرنسيين فروا إلى إسرائيل قبل المحاكمة، وعلى ما يبدو تمكنوا من الحصول على الجنسية الاسرائيلية ، وفرنسا تطالب بتسليمهم.
👆 المصدر : موقع الاقتصاد