الرئيسية / الملف السياسي / العالم / هل ستندلع الحرب؟؟ نظرة ميدانية من بيونغ يانغ الى دوما

هل ستندلع الحرب؟؟ نظرة ميدانية من بيونغ يانغ الى دوما

نارام سارجون

رغم كل مايقال عن ترامب وظهور أعراض الجنون عليه .. فان الجنون هو من نصيب من لايرى الميدان من بيونغ يانغ الى دوما .. واذا كانت طبول الحرب تسمعها الآذان وكأنها عند الباب فان العيون يجب أن تكذب الآذان وطبولها .. وأنا مثلكم أسمع طبول الحرب التي تثقب طبول الآذان ولكني والله أحب عيني أن تصدق أذني وتتحدث معها ..لأن عملية التضليل والتشويش التي صرنا على دراية بها تعتمد دوما على تغيير وظائف الحواس لدى المتلقي وتشويشها .. فيصبح الانسان يبصر بأذنيه ويسمع بعينيه .. ويشم بلسانه كالأفعى ويتذوق بأنفه وجلده .. فالربيع العربي المشؤوم اعتمد على أن يبصر المواطن العربي بأذنيه حيث تعمل قنوات اعلامية على حقن أذنيه بمقابلات وأقوال وتصريحات وشهود عيان ومنشقين واستغاثات وأخبار عن هروب الرئيس الى غواصة وتغيير الروس لموقفهم كل يوم .. فتتحول المسموعات والأخبار والتصريحات في الذهن الى مشاهد بصرية تختلط في عقل المتلقي مع مايبصر في الحقيقة .. وتبتلع من كثرتها المشاهد البصرية الحقيقية التي تراها عينه في الواقع عن وحشية الثورة وعنفها وعلاقتها الواضحة بمشاريع غربية دنيئة وجذورها الاسرائيلية .. وبالمقابل فان آلاف المشاهد التمثيلية والمزيفة والمسروقة التي تنتجها وتمنتجها الفضائيات المعادية تغزو عينه فتتحول المشاهد الكثيرة الى خطابات مسموعة وخطابات في عقله تحجب ماتسمعه الأذن من دعوات الدولة السورية وعروضها السلمية وحرصها على الناس والأملاك والحوار ..

ولذلك فانني سأحاول أن أعيد الحواس الى عملها حيث تستعيد العين وظيفة البصر والاذن وظيفة السمع .. وتتبادلان الخطاب مع العقل .. وتصلان بصاحبهما الى الاستنتاجات السليمة .. ولذلك سنضع ترامب أمام عيوننا ونحدق فيه ونسمعه بآذاننا .. ونضع الميدان العالمي للصراع من بيونغ يانغ الى دوما .. ونحاول أن نسمع طبول الحرب ونحدق بها ان كانت طبولا وصنجات نحاسية أو طبولا مثقوبة أم طناجر ..

ترامب لم يتغير وهو بارع جدا في لعبة الابتزاز والمناورة وهو ممن يريد العنب ولايريد الناطور .. ولكنه يثبت انه ليس بمجنون بل رجل داهية يقرأ مايريده الناس فيقنعهم أنه يفعل مايريدون رغم أنه يوحي للآخرين أنه منفصل عن الواقع .. فكلنا نتذكر تصريحاته الهائلة الشهيرة عن البقرة الحلوب السعودية التي يسن سكينه ليذبحها في ليوم الأول لوصوله الى البيت الأبيض .. فخافت البقرة الحلوب وارتعدت فرائصها وجف الدم في عروقها .. وخرت مغشيا عليها .. ولما وصل الجزار ترامب وسكينه الى الحظيرة استقبلته البقرة الحلوب التي أهدته ضروعها وأعطته لحمها ليقطع منه مايشاء .. مقابل ألا يقترب من عنقها .. وبالفعل حصل ترامب على مالم يحصل عليه رئيس اميريكي بل انه أخذ البقرة معه الى مزرعته ليحلبها كل يوم (حليب حسب الطلب) .. وأخذها معه الى القدس حيث حلبها نتنياهو أيضا واعلن القدس عاصمة لاسرائيل دون أن تجرؤ بقرة أو نعجة عربية على التفوه بكلمة ..

وترامب نفسه كان بهدد كوريا الشمالية بحرب نووية .. ورأينا كيف ان الرجل تبادل مع الرئيس الكوري الشمالي مقاسات الأزرار النووية التي على طاولة كل منهما وكل من سمعهما كان يمسك قلبه من أن تنفلت اعصاب أحدهما ويضغط على الزر النووي في اية لحظة .. وكان ترامب يقول ان زره النووي أكبر من زر كيم جونغ أون .. ولكن انتهى الصراع بين الازرار النووية باتفاق مفاجئ على اللقاء بين الزرين النووين .. وكفى الله المؤمنين شر القتال النووي !! ..

ترامب لايريد الدخول في حرب مكلفة في سورية الا أنه لايمانع من حرب غير مكلفة .. ولكن في سوق الحروب السورية كل حرب فيها مكلفة جدا ولاتوجد عروض رخيصة .. وهو لايقدر على خوض الحرب مالم تكن رخيصة .. كما أن خاصرته الرخوة في اسرائيل تجعل خياراته صعبة جدا لأن الصواريخ السورية والايرانية ستنغرز كالسكاكين في تلك الخاصرة .. وهو يدرك أن قواعده العسكرية في المنطقة اذا ماوقعت الحرب ستصبح اثرا بعد عين .. وفوق كل هذا فان هاجس ترامب الرئيسي هو الصين قبل أي شيء .. وهو حاول التحرش بها عبر اثارة موضوع كوريا الشمالية التي سيذهب للقاء رئيسها ليتفاوض – عمليا – مع الصين من خلال الأزمة الكورية ..

ويجب ألا ننسى أن هناك وضعا عسكريا مقلقا جدا من هذه الناحية له اذا ماخرج الى الحرب في سورية .. فهو يواجه أكبر قوة نووية في العالم وليس زرا نوويا لكوريا الشمالية .. أي روسيا العظمى .. وهذه القوة النووية هددت صراحة وعلنا بأن الهجوم على حلفائها هجوم عليها .. ولاأدري من هم حلفاء روسيا اليوم في العالم الا اذا فهمها ترامب أن البلجيكيين وسكان موزامبيق هم حلفاء روسيا !!! .. علاوة على ذلك فان سقوط طائرة ف 16 الاسرائيلية وقبلها اصابه ف 35 يدل على ان المواجهة مع السلاح الروسي أثبتت ان على الاميريكيين والاسرائيليين القيام بمراجعة عسكرية شاملة شاقة ومضنية لسنتين كاملتين على الاقل لأن سقوط مفخرة السلاح الغربي في المواجهة سقوطا مذلا أمام السلاح الروسي سينعكس على مدى الثقة بالنظام الغربي ويمسه اقتصاديا الى حد كبير .. لأن سقوط السلاح يؤثر على الثقة باقتصاد ذلك السلاح الذي يحمي الاقتصاد .. لأن السلاح والاقتصاد يتبادلان الحماية .. فالشعور الغربي أن السلاح الاميريكي القوي يحميه يعطيه استقرارا وطمأنينة انه لايمكن تهديده عسكريا ولذلك فان رأس المال ينمو ويستثمر في البنوك دون قلق من اللااستقرار .. وهذا ماحدث مع المانيا عندما انهار الاقتصاد الالماني بعد الحرب العالمية الاولى اثر الهزيمة العسكرية وتحول الشعب الالماني الى التسول وبيع الأطفال والنساء .. فقام النازيون بصناعة أقوى ترسانة عسكرية نهضت بالاقتصاد وتحولت الى عموده الاساسي الذي يحميه الى أن سقط السلاح الألماني في الحرب وسقط معه اقتصاد الرايخ الناهض .. وبقيت المانيا منذ ذلك الوقت اقتصادا رخوا أي انه بلا قوة عسكرية تحميه وهو يحاول بناء عظام للاقتصاد المليء باللحم الرخو عبر الاتحاد الاوروبي لبناء قوة عسكرية أوروبية موحدة تحمي الاقتصاد الكبير الرخو ولكن الاميريكيين والانكليز يدركون ذلك فبدأت عملية تقويض الاتحاد الاوروبي منذ خروج بريطانية منه والذي قد ينتهي بانهيار المشروع لبناء الولايات المتحدة الاوروبية التي كانت ستملك السلاح والاقتصاد معا .. وفي تجربة أخرى فان السلاح السوفييتي المتفوق خذله يوما الاقتصاد السوفييتي ولم يقدم له حماية .. واليوم فان السلاح الروسي هو الذي سيخدم الاقتصاد الروسي اذا ماقهر السلاح الأميريكي .. وهذا ماحققه فلاديمير بوتين الذي أشهر سلاحه المتفوق في سورية ثم شهر سلاحه النووي المتفوق في خطابه الاخير لتعزيز الثقة بالاقتصاد الروسي الذي تحميه أعتى الصواريخ .. وهو تحد للسلاح الاميريكي ومن خلاله للاقتصاد الاميريكي ..

ولكن أخبار الحرب والتحضير لها تصدر عن أرفع القيادات العسكرية الروسية فهل هذا يمكن أن يكون بلا معلومات يقينية عن تحضيرات عسكرية أميريكية؟؟

هذا التصريح الروسي الصريح عن خطة يقينية أمريكية يجب النظر اليه على أن العين والأذن الآن يجب أن تنسقا العمل لأنه صادر عن جهة صديقة وموثوقة وواعية ولاتعرف عنها الاستعراضات الاعلامية والتهويل والابتزاز الاعلامي ويجب التعامل معها بمنتهى الجدية .. ولذلك فان التصريح الروسي والتحذير فيه يجب تحليله .. فهو يبدو أنه موجه للأمريكان قبل السوريين .. وهو أن التحركات الاميريكية ترصدها العين الروسية التي تعتبر نفسها معنية في هذه الحرب وطرفا فيها .. وهي موجهة بالذات لأصحاب الرؤوس الحامية في البنتاغون والمخابرات الذين قد يطرح بعض قيادييهم اقتراحا أن عملية عسكرية خاطفة ومحدودة وقليلة الكلفة قد تهدم كل مابناه الروس من انجازات في استانا وتعيد تذخير القوى الجهادية معنويا وتعيد تثبيت حدود نقاط التماس الى أجل غير مسمى ريثما يجدّ جديد ويتم الحصول على تنازلات سياسية ما .. فالبنتاغون والمخابرات المركزية كما هو معروف هما أميريكا وهما اللذان يديران السياسة الخارجية ويمسكان ذيل البيت الابيض ويحركانه كما يشاءان .. ومعروف ان ترامب صاحب الصفقات أبرم اتفاقه مع البنتاغون والمخابرات بتسليمهما عملية ادارة السياسة الخارجية بدليل تسليم المنصب الى مدير المخابرات بعد اقالة تيلرسون مقابل أن يترك لترامب أمر اعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية الداخلية وتوزيع الحصص بين الشركات الكبرى الاميركية وقطاعات الاقتصاد لادارة معركته التجارية مع الصين وبقية العالم .. وهو لايمانع أن يقوم البنتاغون بارسال التهديدات واستعراض العضلات طالما أن ذلك يصب في النهاية في مصلحة الاقتصاد الاميركي المريض الذي يعالجه حاليا بحقن وجرعات علاج واجراءات مسكنة وامتصاص دماء السعوديين وأهل الخليج المحتل ونقلها الى عروق الاقتصاد الاميريكي ..

الاميريكيون يحضرون – أو بالاحرى جاهزون – لضربة عسكرية ضد الجيش السوري ليس منذ سبع سنوات عندما انطلق الربيع العربي المشؤوم وبدأت عملية تدمير ليبيا التي كانت ستتلوها عملية تدمير سورية بالناتو .. بل الاميريكيون يحضرون للضربة السورية منذ ليلة سقوط بغداد عام 2003 .. وهم في كل يوم يوجهون ضربات مبعثرة الى سورية اما عبر غارات (تنسب الى أخطاء في التنسيق) أو عبر قيادة مباشرة لعمليات الارهابيين الدواعش وجبهة النصرة وكل تيارات الاسلام السياسي العسكرية التي تشن هجمات تحت اشراف أميريكي مباشر ودعم سياسي وديبلوماسي علني ودعم تقني واستخباراتي واستطلاعي وتسليحي .. وقد كاد الاميركي يتدخل مباشرة اثر مسرحية الكيماوي الشهيرة في الغوطة التي أوصلت اساطيل أوباما الى قبالة شواطئنا وكان بيننا وبين الحرب .. كبسة زر واحدة .. واليوم لاتزال الازرار الاميريكية تنتظر من يضغط عليها .. وهناك من يلوح فعلا بالحرب للتأثير على الانتخابات الروسية بشكل ما واظهار بوتين أنه قد يقود بلاده الى حرب اذا ماتم انتخابه بقوة .. فيتم اظهار تراجع شعبيته على الاقل قياسا بالمرحلة السابقة .. وكذلك فان التلويح وقعقعة السلاح يراد منها ابتزاز دول النفط العربي بالايحاء أن اميريكا جادة في الحرب وأن على حلفائها العرب التزامات مالية .. فأميريكا ليست جنديا لدى السعوديين والاخوان المسلمين .. فالجيش الأميريكي جيش للأجرة أيضا .. والحرب التي يشنها لن تكون بالمجان منذ اليوم .. وهنا نلتفت الى تسريبات تطلب 4 مليارات دولار من السعودية للخروج من سورية .. وهو كلام متناقض مع الحقيقة .. فالسعودية لاتدفع للامريكان للخروج بل للبقاء في سورية .. وقد يفهم من التصريح أن ترامب يطلب فاتورة تحمّله كلفة البقاء في سورية وليس الخروج من سورية ..

خلاصة القول أن طبول الحرب تسمع فعلا بالآذان .. ولكن ماتراه العين هو طبول مثقوبة ..فالغوطة تتحرر والجيش السوري وحلفاؤه يتمددون ويتمددون .. ويكسرون الطبول وعصي الطبول ورؤوس حملة الطبول والقارعين على الطبول .. واذا ماوقعت الحرب فان ماستراه عيوننا وعيون ترامب وجنرالاته ستجعله وتجعلنا لانقرأ بالعيون لحن الطبول وايقاعاتها .. ولانبصر بآذاننا مايعزفه طبل مثقوب .. بل سنرى جميعا ان الحروب لاتكسب بالطبول المثقوبة ولا العقول المثقوبة ولا العيون المثقوبة ولا الآذان المثقوبة .. بل الحرب تكسبها العقول التي لاترى بآذانها بل بعيونها وأحداقها .. ولاتسمع بعيونها بل بآذانها .. فأصيخوا السمع جيدا .. وافتحوا عيونكم جيدا .. لأن زمن أن نقرأ بآذاننا انتهى .. وأن نسمع بعيوننا ولى بلا رجعة .. والدليل ميدان ممتد من حلب الى دير الزور .. ومن بيونغ يانغ الى دوما ..
المصدر : صفحة الكاتب

عن prizm

شاهد أيضاً

تركيا والعلاقة مع الصين وروسيا في ظلّ مجموعة البريكس

15 حزيران 2024 هدي رزق الشراكة بين واشنطن وتركيا أصبحت أقوى من أيّ وقت مضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *