الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / عن حق اليهود في دولة خاصّة بهم

عن حق اليهود في دولة خاصّة بهم

ادريس هاني

من حق اليهود أن تكون لهم دولة خاصة إن أرادوا ذلك من المنظور السياسي العام ، لكن ليس من حقهم أن يحتلوا أرضا بوعد بريطاني تآمري غير مشروع..ولعل من سطحية بعض العرب أنهم غير قادرين على تفكيك هذا الخداع من وجهة نظر القانون الدولي..وأذكر يوما خضت جدلا في إحدى اللجان المعنية بالقانون الدولي حول الحق الفلسطيني، وكان مدير الجلسة مهتمّا فقط بترتيب ربطة عنقه، أردت أن أستفيد من النقاش داخل هذه اللجنة لكن أدركت أنّ القانون عندنا مفرغ من الروح التي بها يحيا وينهض ويباشر مقاومته الشرعية..رددت على إحدى المبادرات التي حاولت نسف وعد بلفور من خلال إعادة طرحه على البرلمان السكودلاندي..قلت يومها هذا لا ينفع وضربت مثلا باتفاقية تتعلق بغوانتانامو التي لا زالت سارية المفعول إلى اليوم وفي دولة فيديل كاسترو مع أن الاتفاقية أبرمت في العهد السابق..شكل النظام لا يغير في الاتفاقيات إلا ما نذر وهو قليل جدا بينما قد تدخل هذه الأخيرة في نوع اتفاقية الجونتلمان..فبما أن بلفور وعد ثم أقرته حكومته يصبح شرعيا لديها.. وأحب أن اقول اليوم بأنّ المشكلة هنا هي أنّ هذا وعد تحول إلى واقع..وهو وعد لطرف دون إذن طرف آخر..فالشرعية هنا غير قائمة أصلا لأنّ بريطانيا اقتطعت أرضا ليست لها ومنحتها ليس حتى لأقلية في فلسطين بل منحتها لمشروع صهيوني نشأ في أوربا..هنا أقول بأنّ وعد بلفور ليس حتى من جنس اتفاقية الجونتلمان، بل هو وعد استعمار سرى مفعوله حتى في عهد تصفية الاستعمار، أي ما بني على باطل فهو باطل..فالوعد الاستعماري لا يؤسس شرعية..ولا قيمة لهذا الوعد اليوم بما أن اسرائيل نفسها لا تقيم عليه شرعية وجودها في المحافل الدولية..يبقى الأمر الواقع، وهو هنا لا قيمة له بما أنّ الشعب الفلسطيني يواصل استنكاره ومقاومته اليومية..إنّ الأمر الذي يتعيّن استحضاره هنا في المقاومة الدّائمة للشعب الفلسطيني وأشكال التحسيس بقضية الأرض قد تبدو للبعض – وما أكثرهم – ليست ذات أهمية، إلاّ أن كل مبادرة وكل فعل تحسيسي وكل نشاط مقاوم له قيمته هنا، لأنّ الصمت على قضية فلسطين يسهّل إخضاعها للأمر الواقع والتقادم ومصادرة ما ليس وراءه طالب كما هو قانون الأرض الذي فرضته إسرائيل للسطو على الأراضي التي تخلى عنها المواطنون الفلسطينيون بقوة التهجير القسري..
وسوف نجد أن هناك خطابا تبسيطيا نبت في سياق سياسات الهروب التي عانقت التطبيع كمخرج من ورطات جيوبوليتيكية..أمّا استعمال القرآن مرجعية لنسف الحق الفلسطيني ومنحه لحركة صهيونية ليس عليها إجماع حتى من قبل اليهود فهذا أمر بالغ الوقاحة..الغرب الذي يصفق لدولة الاحتلال والحق اليهودي في دولة على حساب الفلسطينيين هو نفسه الذي عجز عن حلّ المسألة اليهودية وقال على لسان هيغل: اليهودي كائن بلا دولة..وعليه، فإنّ هذه الطلعات البليدة لمنظري التطبيع الجدد من داخل مجلس التعاون إنما هي أفكار تبسيطية قديمة لا جديد فيها، وهي تجهل الفكرة الجوهرية في القصص القرآني الذي يؤكّد على أنّ اليهود تاريخيا كانوا عاجزين عن تشكيل دولة على أسس قيمية أو حتى دينية عادلة..ومشكلتهم في أوربا لا دخل للفلسطينيين فيها..الغرب ضحك على ذقون العالم حين عزز من حلم هرتزل للتخلص من اليهود الذي اعتبرهم خطرا على أوربا..صدر أزمته للشرق الأوسط عبر إحياء أساطير الأولين وإذكاء عقدة الجماعة المذكورة في استدراك دولة لكن هذه المرة على حساب أمة أخرى وبوعد استعماري..لقد رفضوا الدولة قديما لكنهم اليوم قبلوا بها برسم الإرهاب والاحتلال..من هنا يبدأ الأمن القومي العربي، فلا أمن عربي أو لأي قطر عربي مع تصفية القضية الفلسطينية..
نجحت إسرائيل في إذكاء الصراع في المحيط العربي بوسائل وتقنيات يصعب رصدها في مجتمعات عارية من كلّ حصانة سياسية وثقافية وتربوية..نشر الفتنة واستعمال الكراهية في أي مجتمع أمر متاح حينما يصبح قرارا إمبرياليا وحين تكون أيضا تمتلك وسائل التأثير على البنيات السيكولوجية والاجتماعية الضعيفة..هل وجود إسرائيل نزهة في قلب الوطن العربي؟ وهل ستكون الحرب الوحيدة التي تخوضها إسرائيل ضدّ العرب هو مجرد حرب غارات بالطيران؟ هذا تبسيط، فإسرائيل مشروع ليس اغتصابا لأرض فحسب بل هو مشروع توسّعي لم يكتمل بعد، أي أنه يسعى لمزيد من الاستعمار. وهو لهذا السبب يستعمل سياسات اختراق كبيرة للمجتمعات العربية من خلال توتير العلاقات البينية بين الدول والمجتمعات..ستكون اهتمامات المستشرق المتصهين برنار لويس أرضية مناسبة لاستغلال الثقافة العميقة في المنطقة وإذكاء الصراع الطائفي الذي يعتبر العامل المناسب لتفكيك المنطقة وتكريس الكراهية..ما يجري اليوم هنا ليس طبيعيا ويتجاوز حتى المفهوم الطبيعي للنزاع..فالحرب الطائفية تجاوزت كل الحدود والعنف باسمها أغرب من كل أشكال العنف التي عرفتها البشرية من ذي قبل..عنف أصاب المنطقة بالدهشة والإحباط لأنها لم تكن تتوقع أن يخرج من رحمها كلّ هذا العنف المضاعف..لكن هناك استدراج ممنهج للمنطقة للانتحار في الوقت الذي يعمل فيه العدو على شدّ عصب مجتمعه والتوحد على ذاكرته غير المقنعة سوى عبر إذكاء أساطير المظلومية القديمة والحديثة تلك المظلومية التي كانوا فيها ظالمين وعنصريين..ويكفي أنّك تجد اليوم شعبا معذّبا مثل الشعب الفلسطيني يظهر في الدعاية الصهيونية بوصفه معتديا وهو الذي استعمرت أرضه وانتهكت كرامته وتشرد في البلدان..تنفذ إسرائيل سياستها المرعبة تحت عنوان أمة مظلومة..ويصبح الاستعمار حقا لأنة في أن يكون لها وطن..بينما لا أحد يمانع أن يكون لليهود وطنا إن أرادوا..ولكن النزاع اليوم هو أين وجب أن يكون لهم وطن؟
يمكن لليهود أن يكونوا مواطنين في فلسطين كما كانوا..وفي كل بلاد العرب كما كانوا..ويمكن أن يشاركوا في حكومات ويكون لهم ممثلين في البرلمان كما كانوا..لكن النزاع حول أن تكون لك دولة بمجرد أن ذاكرة اليهود يوما جرت وقائعها في بعض المناطق من فلسطين فهذا أمر خاطئ..وكان بإمكانهم أن تكون لهم دولة تقتطعها الولايات المتحدة الأمريكية في صحراء نفادا أو أي مكان آخر..الحاجة لأن تكون لك دولة لا يعني أن أسلب الحق من الفلسطيني في أرضه لكي أعترف لليهود في حقهم في تأسيس دولة..
إنّ وجود إسرائيل معناه أن لا يستقرّ أمر للعرب، لأنّ وجودها يقتضي استمرار النزاع..والذين يعتقدون أنّهم بالاعتراف بإسرائيل سيفوزون بدولة مسالمة فهم مخطؤون..غير أنّ من يلعب لعبة الاعتراف تلك يدرك تماما المعادلة وهي أنّ وجود إسرائيل سيكون بالفعل ضامنا لاستعباد العرب ووجود حكومات رجعية لا تساءل عن رقم أعمالها في مجال التشاركية السياسية والعدالة الاجتماعية والتحكم..بهذا المعنى، فإن الاعتراف بإسرائيل يعني إشاعة الظلام في المنطقة العربية والتخلف والاستبداد والاستعباد..
نعم ، مبدئيا من حق اليهود أن تكون لهم دولة – وإن كان التاريخ له رأي آخر – لكن لكي تكون لك دولة لا بدّ من أرض..وهذه الأرض هي للفلسطينيين..نعم، إنّ لليهود دين وتاريخ ولكن ليست لهم أرض..ولو كان الغرب حقّا يؤمن بحق اليهود لكان اقتطع لهم دولة أكبر من فلسطين على تخومه..هم بعثوا باليهود إلى الشرق الأوسط ليقتلوا العرب ويقتلهم العرب، بعد أن استطاعت الإمبريالية اختراق اليهود عبر مشروع هرتزل الصهيوني الذي حقق للغرب مصلحتين: الأولى ترحيل المسألة اليهودية من أوربا إلى الشرق الأوسط، الثانية: حماية المصالح الإمبريالية في المنطقة وهو العمل على منع العرب من التضامن والتقدم والتنمية والقوة ونفث الصراع الأبدي بينهم وتفكيك نسيجهم الاجتماعي باختراق بنياتهم السوسيو-تاريخية واستغلالها في هذه المعركة..إنّ تواجد اليهود في اللعبة الإمبريالية لا يعني أنّ الإمبريالية خاضعة لهواهم، بل إنّ الصهيونية هي مشروع إمبريالي يقضي يتقويض كل الأديان: يهودية ومسيحية وإسلام..مشروع لا هوية دينية له، ولكنه قادر أن ينتج أشكالا وتراكيب منها مثل: الصهيونية، اليمين المسيحي المتصهين، داعش..هي كائنات تستنبت من داخل الأديان لأسباب تتعلّق بالهيمنة على الموارد الطبيعية..فما يسمّى باليد الخفية فهي يد الإمبريالية التي إن دخلها أي صنف من الأديان لن يكون إلاّ برغيّا في ماكنتها..إن إسرائيل خطر على اليهود كما أن داعش خطر على المسلمين كما أنّ أمريكا خطر على المسيحيين..إنّني لم أعد مقتنعا بأساطير اليهودي الذي يمسك بزمام كل أسرار الكون وهو الذي عجز عن تأسيس دولة ولا زال يصارع أطفال الحجارة في الأزقة ويكشف عن ضعفه بالعنف المفرط وإرهاب الدولة..

عن prizm

شاهد أيضاً

إسرائيل وجيشها يقاتلان على “جبهة أخرى”: الهواتف الذكية بين أيدي الجنود في قطاع غزة!

21 شباط 2024 سليم سلامة تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *