يعتبر كتاب “القواعد الأساسية للغباء البشري” The basic laws of human stupidity على الرغم من صغر حجمه لمؤلفه كارلو م سيبولا، من أفضل الكتب التي شرحت طبيعة الكائن البشري في تعامله مع قضايا الذكاء والتفاعل الاجتماعي من حيث الفائدة والخسارة.
وببساطة فإن الأغبياء هم أناس “يدمرون غيرهم، لا لمصلحة لهم في ذلك، بل يدمرون أنفسهم مع الآخرين؛ فالأغبياء يفسدون للإفساد فقط”، كما يوضح المؤلف، لكن المسألة ليست بهذه البساطة.
لذا حاول المؤلف (1922 -2000) أن يضع الذكاء والغباء الإنسانيين ضمن دائرة أو قانون كما في المسائل الطبيعية، وبالفعل توصل إلى نظريته هذه وسجلها في كتابه عام 1976.
والمؤلف في الأساس هو مؤرخ إيطالي في علم الاقتصاد، وعمل بجامعات في بلاده والسوربون الفرنسية، ومدرسة لندن للاقتصاد وجامعة كاليفورنيا الأمريكية، ويوصف بكونه من رواد التاريخ الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.
ويعكس الكتاب خبرة طويلة للرجل في مجاله، نتيجة قراءات وتفاعل مع الناس ودراسات وأبحاث جامعية قام بها.
القوانين الخمسة
يرى المؤلف أنه مثلما تحكم الكون والمجرات قوانين تفسر حركتها وأحوالها، كذلك البشر، يمكن إخضاعهم لقوانين معينة، عرّفها باسم “القوانين الأساسية للغباء البشري”.
واعتبر المؤلف أن معرفة هذه القوانين اليوم مهمة، لاسيما في عصر التواصل الشبكي المفتوح حيث أنها أكثر ما تنطبق على هذا الوقت بالتحديد، لكي تجعل الإنسان على دارية بوضعه وكيف يتعلم ألا يهدر طاقته الإنتاجية أو التفاعلية أو المعرفية في عالم بات يتسم بالفوضى.
وهذه القوانين هي خمسة، يمكن تلخيصها في عبارات أو جمل قصيرة:
القانون الأول: “دائما وأبدا ما يستهين الجميع بعدد الأغبياء من حولنا”.
القانون الثاني: “احتمالية أن يكون شخص ما غبياً، هو أمر منفصل تماما عن أية صفات شخصية لنفس الإنسان”.
القانون الثالث: “الشخص الغبي هو ذلك الذي يتسبب في خسائر للآخرين، في حين أنه يضر نفسه أيضا”.
القانون الرابع: “دائما ما يستهين الأشخاص غير الأغبياء، بالقوة المدمرة لدى الأشخاص الأغبياء”.
القانون الخامس: “الشخص الغبي هو الأكثر خطورة على الإطلاق”.
الغباء وجائزة نوبل والفئات الأربع
ولكي نفهم ذلك بشكل أوضح، ترى النظرية أن الغباء موجود بكثافة من حولنا لكننا لا نلحظه، وهو يعمل على تدمير حياة الناس بشكل مستمر لأنهم لا ينتبهون له.
والغريب أن الغباء “على بساطته” معقد من حيث التعامل معه، لأننا لم ندرك طبيعته. ففهم القاعدة أو القانون يتيح للإنسان أن يصل إلى الحل.
كما أن صفة الغباء ليست ذات علاقة بمستوى الشخص التعليمي أو مكانته الاجتماعية، فالمؤلف يرى مثلاً أن معدل الغباء الموجود بين الحائزين على جائزة نوبل مرتفع، بنفس النسبة الموجودة بين السباحين الذكور في المنتخب الأولمبي للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يشير المؤلف إلى أن ذلك مخيف بالطبع، فالنخبة ليست حكماً أو ما يعرف بالنخب، وهو ما يشير بوضوح إلى واحدة من إشكاليات التخلف في المجتمعات، عندما لا تعرف كيف تقصي الأغبياء وتضع الأذكياء في المقدمة.
إن الناس بوصف سيبولا هم أربع فئات عموما، الأذكياء واللصوص والعاجزون والأغبياء. ويمكن فهمهم كالآتي:
الذكي = إنسان يفيد ويستفيد.
اللص = يستفيد ويخسر الآخرون بسببه.
العاجز = لا يفيد ولا يستفيد.
الغبي = يخسر ويخسر الآخرون بسببه.
ويمكن تمثيل هذه المجموعات الأربع في الرسم البياني، كما في الشكل المرفق، حيث كلما تحركت المسافة بين فئة وأخرى، قلت أو بعدت الخاصية المعينة.
إن السمة الأساسية للأغبياء هي قدرتهم البارعة على صنع الخسائر لهم وللآخرين، وهذه أبرز نقاط النظرية، فالغبي إنسان طائش وانفعالي لا يحسب العواقب ويثير المشكلات لأسباب تافهة.
نظرية الفراهيدي
إن الحياة البشرية تقوم على الربح والخسارة، في الصراع اليومي على الفرص والمال والوقت وغيرها من الأمور.. ونحن نكسب أو نخسر لأننا نجهل كيف يفكر الآخرون، وبالتالي فإن فهم قوانين الغباء البشري، تُمكننا من الاستفادة الأعظم بأن نصبح أذكياء لا نضر بل ننفع أنفسنا والناس.
إن الإنسان عندما لا يفكر في خطواته وأفعاله، ولا يفكر أيضا في كيف يفكر الآخرون، يدخل مباشرة في قائمة الغباء.
وقديماً قسّم الخليل بن أحمد الفراهيدي، الناس إلى أربعة أصناف:
رجل يدري ويدري أنه يدري = فذلك العالم فاسألوه.
رجل يدري ولا يدري أنه يدري = فذلك الناسي فذكروه.
رجل لا يدري ويدري أنه لا يدري = فذلك الجاهل فعلموه.
رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري = فذلك الأحمق فاجتنبوه.
وهذا التقسيم رغم أنه يقوم على إطار مختلف إلا أنه في نظر بعض الدراسين يشبه لحد ما نظرية سيبولا، خاصة أن الحمقى هو الأغبياء غالباً.
الأغبياء/الحمقى هم الأخطر
إلى ذلك، يشير القانون الرابع للغباء البشري: “دائما ما يستهين الأشخاص غير الأغبياء بالقوة المدمرة لدى الأشخاص الأغبياء”، إلى قضية مهمة وهي الاستهانة بالغباء، كأنما المجتمع يفترض أن الجميع أذكياء وهنا الإشكال الأساسي.
لكن المشكلة الحقيقة ليس في افتراض الذكاء بالآخرين، بل في أن ننسى الطاقة المدمرة والكامنة في البشر إذا ما كانوا حمقى (أغبياء) فعلا، وقد ورد في الشعر العربي:
لكل داء دواء يستطبّ به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
فالغبي مصدر للخسارة، وهنا يقول سيبولا: “بالرغم من أن لدينا فكرة جيدة عن من هم الأفراد الأغبياء حولنا، نجد أننا مازلنا نتسكع معهم، حتى مع معرفتنا أن ذلك ضد مصلحتنا”.
برأي سيبولا وحسب قانونه الخامس فإن “الغبي هو الأكثر خطورة على الاطلاق”، بل أخطر من قطاع الطرق واللصوص، فالأغبياء يلقون بالمجتمع كله الى التهلكة.