بقلم : الكاتب والباحث والشاعر السوري :
د . محمد فريد عيسى
منذ زمن طويل أجاهد نفسي كي لا أفشي سرا خطيرا كنت قد تحفظت عليه حتى ضاق صدري به .
وما كان يمنعني ويمسك لساني ، كل هدا الزمن ، هو حرصي على سوريا وعدم فتح ملفات لا فائدة من نبشها ، في وقت كنا نفضل كلبا يعوي معنا على آخر يعوي علينا ، علما ان كليهما سيبقى كلبا من أي موقع عوى .
سر حصلت عليه ، وأنا أبحث في ملفات التاريخ السوري ، وبخاصة ما يخص قضية لواء الاسكندرون .
يقول التاريخ الذي درجنا على تعلمه في مدارسنا ان فرنسا الدولة المحتلة لسوريا ، قد تنازلت عن اللواء لتركيا ، لإغرائها بالدخول إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية .
والحقيقة هي أن ماتعلمناه ليس هو الحقيقة ، لا من قريب ولا من بعيد .
ولعل من دس هده الرواية ، أراد أن يتستر على المجرم الحقيقي الدي فرط بلواء الاسكندرون وقبض ثمنه….
عندما دخلت فرنسا الى سوريا ، كدولة منتدبة بموجب صك الانتداب ، كانت مساحة سوريا في وثيقة الانتداب هي 245 الف كم مترا مربعا .
كما جاء في صك الانتداب أيضا ، أنه يمنع على فرنسا التنازل عن أي جزء من الأرض السورية إلى أي طرف ثالث .
ومع ذلك فإن مساحة سوريا الفعلية انخفضت الى 180 الف كم . أما مساحة ال 185 ألف التي نعرف بها مساحة سوريا ، فهي تعني اللواء ضمنا ، اي أن ال 65 ألف كم من مساحة سوريا قد تم التفريط بها ، وهدا لايشمل مساحة كليكيا السورية البالغة 117 الف كم مربع .
ومن خلال اتفاقيات مشبوهة ، كاتفاقية أنقرة الاولى والثانية ، تم التنازل عن كليكيا السورية بالكامل ، في معاهدة أنقرة الاولى .
أما في الثانية والتي عقدتها فرنسا مع تركيا ، فقد تم التنازل عن مساحة من الارض تشمل حوالي 60 الف كم ..
جرت كل هذه التنازلات خارج اتفاقية سايكس بيكو السيئة الصيت ، التي كانت قد ظهرت الى العلن 1917 بعد ان كشف عنها الروس بعد الثورة البلشفية .
وبقي لواء الاسكندرون بمساحته البالغة 4800 كم سوريا ، يعين رئيس الدولة السورية حاكمه ويرفع على مؤسساته العلم السوري ، مع اتحاد جمركي ونقدي مع سوريا ، على أن يكون له برلمان خاص به مكون من 40 مقعدا وله ممثلوه في البرلمان السوري .
وفي عام 1928 تاريخ تنظيم الاخوان المسلمين في مصر ، الذي امتد الى سوريا ، كان أول مسؤول لهذا التنظيم في سورية شخص يدعى الشيخ ( تاج الدين الحسيني ) التركي الاصل الذي وصل الى منصب رئيس الدولة السورية 1936والذي هو جد المدعو ( معاد الخطيب ).
إما رئيس الوزراء فكان الشيخ ( احمد النامي ) وكلمة النامي تركية الاصل وتعني الصهر ، وهو صهر السلطان عبد الحميد الثاني كونه زوجا للاميرة عائشة شقيقة السلطان عبد الحميد الثاني.
أما رئيس مجلس النواب فكان ( جميل مردم بك ) وكلهم اتراك .
وهنا كانت الكارثة الكبرى فقد ارسل ( الشيخ تاج ) برسالة ووفد كبير ضم بعض اعضاء الاخوان المسلمين آنذاك إلى ( كمال اتاتورك ) يطلب منه العمل على ضم ( لواء الاسكندرون ) الى تركيا ، لأن غالبية اللواء هم من ( طائفة معينة) .. وبإخراجهم من حدود سوريا ، سوف يقل وجودهم فيها .
لم يتحمس ( كمال أتا تورك ) كثيرا للطلب في البداية ، ثم قبل الفكرة بعد ان ساح الوفد السوري في تركيا لشهور ، لطلب مساعدة رجال الدين الأتراك .
ومع هذا الضغط الذي مارسه الوفد السوري الذي أرسله( الشيخ تاج ) قام ( كمال اتاتورك ) بقبول العرض .
وبدأ ( كمال اتاتورك ) يطالب بضم اللواء الى تركيا ، بحجة وجود جالية تركية غالبة فيه ، فرفضت فرنسا الطلب متذرعة بصك الانتداب الذي يمنع التنازل عن أي اراضي سورية لطرف آخر.
في اليوم التالي شنت الصحافة التركية هجوما لاذعا ضد فرنسا ، وسيرت المظاهرات التي تطالب بضم اللواء الى تركيا .
ومع إصرار فرنسا على موقفها تفتقت عبقرية ( الشيخ تاج ) عن حل هو التالي :
بما أن سوريا دولة مستقلة مؤسسة لعصبة الامم ، وأن فرنسا دولة منتدبة لتطوير سوريا ، فليس لها حق رفض الاتفاقات الثنائية بين سوريا وتركيا .
هكذا تقدمت حكومة ( الشيخ تاج ) بمذكرة اتفاق مع تركيا تتنازل بموجبه الدولة السورية عن لواء الاسكندرون ، إلى عصبة الامم ، بغية إحراج فرنسا .
ولما أيقنت فرنسا بضعف موقفها بعد المذكرة ، قبلت بشروط ، منها إجراء استفتاء لسكان اللواء ، وإعطاء فرنسا امتيازات في ميناء ( أزمير ) التركي .
جرى استفتاء في اللواء وفاز العرب ب38 مقعدا من المقاعد .
رفضت تركيا النتيجة وقرروا إعادة الانتخاب ، ولكن هذه المرة جرى تقسيم العرب الى طوائف .
وجاءت النتيجة ايضا لمصلحة ( الطائفة العلوية ) التي اخدت 34 مقعدا على الرغم من إدخال 15 الف جندي تركي في الانتخابات
تم إلغاء الانتخابات ودخل الجيش التركي بعد ان انسحب الفرنسيون .
حينئذ ، صرح رئيس الدولة السورية ( الشيخ تاج الدين الحسيني ) التصريح الناري التالي :
( إذا ضم اخواننا الأتراك الأعزاء ” لواء الاسكندرون ” فقد تسوء العلاقات بيننا ، لاسمح الله )
وبما أن الله لم يسمح ، فلم تسؤ العلاقات .
حينئذ ، أرسل الملك ( عبد العزيز آل سعود ) البرقية التالية الى كمال اتاتورك يقول فيها :
( الأخ العزيز كمال بيك اتاتورك ( كم نحن شاكرين لفخامتكم معروفكم هذا بقبولكم ضم (مناطق الكفار) لواء الاسكندرون نصرة لاخوانكم في الشام رغم متاعب تركيا الكثيره . )
كما أرسل الأمير عبدالله بن الحسين أمير الأردن برسالة مشابهة .
وبعد اربع سنوات استقلت سوريا رسميا ومع ذلك لم تطالب اي حكومة سورية باللواء حتى عام 1970 .
وهكذا بقيت القصة مستورة حتى ذكّرَنا بها حفيد الشيخ تاج وهو الشيخ ” معاذ الخطيب ” .
▪ ويقول الكاتب والأديب ااسوري ( أبي حسن ) : حدّثني الشاعر الراحل الكبير ( نديم محمد ) عن رواية تتعلق بالموضوع ذاته , مضمونها :
( إن الشيخ محمد علي البوغا ( وهو من وجهاء لواء اسكندرون ) قصد مع وفد ، رئيس الحكومة السورية, وكان سنتذاك ” جميل مردم بك ، قائلاً له : ” اللواء رح يروح من ايدينا يا دولة الرئيس ” .. فعقب ” دولة الرئيس جميل مردم بك ” باستخفاف :
” يا شيخ محمد هون إسلام وتركيا إسلام , فوين المشكلة يروح اللواء؟! “.
وفي كل استنكار للشيخ البوغا كان مردم بك يجيبه الجواب ذاته وبعد خروج البوغا ومن معه, التفت مردم بك إلى بقية الحاضرين, قائلا لهم:
” نرتاح من شوية علوية بروحة اللواء , أحسن لنا”..
هذه الحادثة, يؤكّد مضمونها هي والحادثة اعلاه (في منشور الدكتور محمد فريد عيسى ), أيضاً, رسائل ل ( محمد علي زرقة ) الذي نذر نفسه لقضية اللواء , والرسائل منها مع زكي الأرسوزي و فوزي القاوقجي . والرسائل لا تبرىء جماعة الكتلة الوطنية ورموزها من بيعها للواء .
■ وكم كان الحس الشعبي في دمشق صادقا ، حينما كانوا يهتفون بالمظاهرات ضد ( الشيخ تاج ) :
( ياشيخ تاج يابومة يابو لفة مبرومة اعطيني شعرة من دقنك ل حطا بهالتاسومة. ).